لهذا الكتاب قدرة مدهشة على أن يأسر عقل القارئ ويستولي على مشاعره منذ الصفحة الأولى. والحقيقة أنني لا أجد الكلمات المناسبة لوصف هذا الكتاب وإيفائه حقه أو الحديث عن الأثر الكبير الذي يتركه في النفس والعقل معا.
"تقرير إلى غريكو" لنيكوس كازانتزاكيس ليس مجرّد سيرة ذاتية لأحد أعظم كتّاب وأدباء وفلاسفة اليونان في العصر الحديث، وإنما يمكن اعتباره بحق دليلا روحيا وبحثا معمّقا في معنى الحياة وأسرار الوجود. كما انه بمعنى آخر بحث عن الله وعن الخلود ومحاولة لسبر أغوار الطبيعة الثنائية للإنسان وصراع النفس والجسد.
في هذا الكتاب الرائع صور فلسفية ووجدانية مدهشة ولغة جمالية راقية وقدرة فائقة على النفاذ إلى جوهر الأشياء من خلال مزج الواقع بالرمز والتاريخ بالأسطورة والدين بالطقوس، بأسلوب هو خليط من الشعر والموسيقى والتصوّف.
لقد تأسفت كثيرا على أنني لم انتبه لهذا الكتاب من قبل، لكن مما يخفّف ذلك الشعور حقيقة أنني اقتنيته أخيرا وقرأته بشغف ومتعة ليس لهما حدود، والفضل في ذلك يعود للصديق الشاعر سلمان الجربوع الذي دلّني على الكتاب وحفّزني على قراءته فوجدته مثلما وصفه وأكثر، فله خالص الشكر والتحية.
وفي ما يلي بعض مقاطع مختارة من الكتاب..
صرخة!
إنها رحلة إنسان يحمل قلبه في فمه وهو يصعد جبل مصيره الوعر والقاسي، فروحي كلها صرخة، و أعمالي تعقيب على هذه الصرخة..
توحّد!
منذ طفولتي وأنا أحبّ أن أستلقي على ظهري في دارنا لمراقبة الغيوم، و كلما مرّ عصفور أو غراب أو سنونوة أو حمامة، أتوحّد معه حتى أني أحسّ حرارة صدره في راحتي المفتوحة.
- مارغي، أظن أن ابنك سيصبح حالماً أو ذا رؤيا. قالت جارتنا مدام بنيلوب لأمّي، إنه ينظر إلى الغيوم دائما. وأجابتها أمّي: إطمئني يا بنيلوب. ستأتيه الحياة وتجعله يخفض نظره".
صورة أمّي!
كان والدي يحتقر العيون الزرقاء أكثر من أي شيء آخر في العالم. وقد اعتاد أن يقول: "للشيطان عيناوان زرقاوان وشعر احمر"!
أيّ سلام كنا نحسّ به وأبي ليس في البيت! وكم كان الوقت يمرّ بسرعة وسعادة في الحديقة الصغيرة في باحة دارنا المسوّرة. العريشة على الجدار، والاكاسيا الفوّاحة الطويلة في الزاوية، وأصص الحبق والقطيفة والياسمين العربي حول الأطراف. كانت أمي تجلس أمام النافذة ترفو الجوارب أو تنظف الخضراوات أو تمشط شعر أختي الصغيرة أو تساعدها على أن تخطو خطواتها الأولى. وفيما كنت أصغي إلى العابرين خارج الباب المغلق وأستنشق عبير الياسمين والتربة الرطبة، كانت عظام رأسي تطقطق وتنفتح لتحتوي العالم الذي يدخل جسدي.
كانت الساعات التي اقضيها مع أمي مليئة بالغموض. لقد تعوّدنا أن نجلس متواجهين، هي على الكرسي قرب النافذة وأنا على مقعدي. وكنت أحسّ بصدري ممتلئا حتى الكفاية وسط هذا الصمت، وكان الهواء بيننا قد تحوّل إلى حليب.. وأنا كنت ارضع.
امتزجت أمي في ذاكرتي بالاكاسيا والكناري بشكل خالد ولا يقبل الانفصام. وأنا لا استطيع أن أشمّ رائحة الاكاسيا أو اسمع صوت الكناري دون أن أحسّ أمي تنهض من قبرها في أعماقي وتتّحد بالأريج والزقزقة.
مثلُ ليلَكَة!
.. وكان هناك صديق آخر مثل ليلكة لم تُمسّ، كان شاحباً متشائماً له عينان زرقاوان واسعتان ويدان بأصابع طويلة. كان يكتب الشعر. ولم أستطع أن أحفظ إلا القليل من شعره، ولكنني ما أن أردّد هذه الأبيات وحدي حتى تمتلئ عيناي بالدموع. ذلك أن هذا الشاب قد وجد ذات ليلة خارج دير كنسارياني مشنوقاً على غصن شجرة زيتون..
الرقص على حافّة الهاوية!
كان أعيان القرية قد اجتمعوا مع زوجاتهم في غرفة كبيرة في بيت الطفل المعمّد. المطر والبرق يتسرّبان من النوافذ وعبر شقوق الباب. وكان الهواء مشبعا بروائح البرتقال والتراب. وكانت الهدايا والخمر والراكي والميتريد تدخل وتخرج. وبدأ الظلام يحلّ فأشعلت الأضواء وتزايد مرح الرجال وتخلصت النساء من نظراتهن المنخفضة التي تعوّدن عليها. كان الله لا يزال يزأر خارج المنزل. وتعالى الرعد وتحوّلت أزقة القرية الضيقة إلى أنهار.
استمر الطوفان طوال اليوم. هبط علينا الليل وصار العالم في الخارج مظلما وامتزجت السماء بالأرض. وتحوّلنا إلى وحل. كان الشباب والكبار يتهيئون للرقص وجلس عازف الربابة على مقعد وسط الغرفة وأمسك بقوسه وكأنه سيف. ثم همهم بمقطع من تحت شاربيه وبدأ يعزف. راحت الأقدام توقع والأجساد تصفق بأجنحتها. وراح الرجال والنساء يتبادلون النظرات ويقفزون على أقدامهم. وكان أوّل من تقدّم امرأة شاحبة ممشوقة في الأربعين من عمرها. شفتاها برتقاليتان لأنها فركتهما بأوراق الجوز. وكان شعرها الأسود مزيّتا بزيت الغار ومصقولا ولامعا.
"برافو يا سورميلينا"! هتف عجوز قويّ ذو لحية صغيرة. وأزاح منديله الأسود وهو يقفز أمامها. وقدّم احد طرفيه للمرأة وأبقى الآخر في يده. ثم سلم الاثنان نفسيهما للرقص ورأساهما شامخان وجسداهما منتصبان وممشوقان كشمعتين.
كانت المرأة تلبس في قدميها قبقابا خشبيا. وراحت تضربه على الأرض بقوّة فيهتزّ البيت كله معها.
وانحلّ خمارها الأبيض فكشف عن القطع الذهبية التي تزيّن عنقها. وتوسّع منخراها وراحا يستنشقان الهواء. وكانت أنفاس الذكور من حولها عبقة. لوت ركبتيها وراحت تدور فأوشكت على السقوط على الرجل الذي أمامها. ولكنها بغتة وبهزّة من ردفيها تلاشت من أمامه. وراح هاوي الرقص العجوز يصهل كالحصان. امسك بها من وسطها وشدّها بقوّة لكنها أفلتت منه. كانا يلعبان ويطارد كل منهما الآخر. غاب الرعد والمطر. وغرق العالم. ولم يبق فوق الهوّة إلا هذه المرأة، سورميلينا، التي كانت ترقص. ولما لم يعد عازف الربابة قادرا على البقاء فوق مقعده قفز على قدميه. وتوحّش القوس. ولم يعد تحت السيطرة. بل راح يتابع قدمي سورميلينا وهو يتنهّد ويجأر ككائن بشري. وتوحّش وجه العجوز ورمق المرأة وهو محمرّ. وارتعشت شفتاه وشعرتُ انه على وشك أن ينقضّ عليها ويمزّقها إربا. ولا شك أن عازف الربابة قد تملكه الشعور ذاته فتوقف قوسه بشكل مفاجئ. وتوقّف الرقص. وقف الراقصان دون حراك والعرق يتصبّب منهما. وركض الرجال إلى الراقص العجوز وانتحوا به جانبا. وراحوا يدلكونه بالراكي. وأحاطت النسوة بسورميلينا ليمنعن الرجال من رؤيتها. وشققت طريقي بينهن. لم أكن رجلا بعد. ولذا لم يمنعنني. فتحن ِصدارها ورششن ماء الورد البرتقالي على رقبتها وتحت إبطيها وصدغيها. وكانت المرأة تغمض عينيها وهي تبتسم.
وجه الحياة الحقيقي!
للمرّة الأولى، رأى عقلي الطفولي وجه الحياة الحقيقي وراء القناع الجميل للبحر وللحقول الخضراء والدوالي المثقلة بالعناقيد وخبز القمح وابتسامة الأم. وجه الحياة الحقيقي: الجمجمة!
انيكا!
أذكر امرأة، اسمها انيكا، جارة لنا متزوّجة حديثا. وهي أمّ منذ زمن قريب. ممتلئة وجميلة ذات شعر طويل أشقر وعينين واسعتين.
في ذلك المساء كنت العب في الدار. ولا بد أنني كنت في حوالي الثالثة من العمر. كانت الحديقة الصغيرة تفوح بروائح صيف. وانحنت عليّ المرأة ووضعتني في حضنها. وأغمضت عينيّ لأسقط على صدرها البارز وأتشمّم جسدها: الأريج الحارّ الكثيف والرائحة اللاذعة للحليب والعرق. كان البخار يتصاعد من الجسد حديث الزواج. وكنت استنشق العبير بنشوة متهيّجة، وأنا اتدلّى عن صدرها النافر. وأحسست بالدوار وغبت عن وعيي. ووضعتني الجارة المذعورة أرضا، وهي محمرّة رعبا. وتركتني بين اصيصين من الحبق. ولم تحملني بعد ذلك اليوم في حضنها أبدا. بل صارت تكتفي بالنظر إليّ بمودّة فائقة من خلال عينيها الواسعتين وهي تبتسم.
وفي إحدى ليالي الصيف كنت، مرّة أخرى، جالسا في دارنا على كرسيّي الصغير. وأتذكّر أنني رفعت عيني وأبصرت النجوم لأول مرّة. صرخت وأنا اقفز على قدمي خائفا: "شرر، شرر". وبدت لي السماء حريقا هائلا. وبدا لي أن النار قد وصلت إلى جسدي الصغير..
منديل "نيريد"!
لم أر أمي تضحك أبدا. كانت تبتسم ببساطة وتنظر إلى أيّ شخص بعينين عميقتين ممتلئتين بالصبر واللطف. تروح وتجئ في البيت كشبح لطيف تؤدي لنا حاجاتنا دون ضجة أو جهد وكأنما يداها تمتلكان قوة سحرية خيرة وتمارسان تحكّما خيّرا بحاجاتنا اليومية. وبينما كنت أجلس بصمت أرقبها كان يخطر لي أنها ربما كانت "نيريد" المذكورة في قصص الجنيات. وكان خيالي يعمل حسب عقلية الطفولة: لقد رآها أبي ترقص على ضوء القمر ذات ليلة بينما كان يعبر النهر. فهجم وأمسك بمنديلها. وهذا ما كان حين جلبها إلى البيت وتزوّجها. وأمّي الآن تروح وتجيء في البيت طوال النهار تبحث عن منديلها لتضعه على شعرها وتتحوّل من جديد إلى نيريد وترحل. وتعوّدت أن أراقبها وهي تروح وتجيء وتفتح الخزن والصناديق وتكشف عن الجرار وتنحني لتنظر تحت الأسرّة. وكنت أرتعد لفكرة أنها قد تجد صدفة منديلها السحري وتختفي. وقد لازمني هذا الخوف سنوات عديدة وكان يجرح روحي الوليدة بعمق. وظلّ معي حتى هذا اليوم. وما يزال أشد غموضا. إنني أراقب الناس أو الأفكار التي أحبّها بألم لأنني أعرف أنهم يبحثون عن مناديلهم لكي يرحلوا.
روح الإنسان!
إن الروح البشرية زخم وكبرياء، صرخة وسط الصمت الجبان الذي لا يحتمل، رمح يقف منتصباً لا ينحني، ويمنع السماء من أن تسقط على رؤوسنا..
سحر غامض!
كان لكل شخص، بالنسبة لي، أريجه الخاص. وذلك منذ كان عمري سنتين أو ثلاثا. وقبل أن ارفع عينيّ لرؤيته، كنت اعرفه بالرائحة التي تصدر عنه. كانت لامّي رائحة خاصة، ولأبي رائحة غيرها. وكان لكل عم أو خال رائحته الخاصة. وكذلك لكل امرأة في الجوار. وحينما كان يأخذني بين ذراعيه، أو ذراعيها، كنت دائما وبسبب الرائحة إما أن أحبّه أو أبدأ برفضه. ولقد تلاشت هذه القدرة مع الزمن، واختلطت الروائح المختلفة. وغرق الجميع في نتن العرق والتبغ والبنزين.
وكان لبعض الفاكهة، بشكل خاص، نوع من السحر الغامض بالنسبة لي، كالكرز والتين خاصة. ليس التين نفسه كفاكهة بهذه البساطة، بل الأوراق ونكهتها. لقد تعوّدت أن أغمض عينيّ وأتنشقها حتى يشحب لوني من الحبور الجسدي المفعم.
لا، ليس الحبور بل الإثارة والخوف والرعشة، وكأنّني كنت ادخل غابة خطرة معتمة.
التوحّد مع الله!
ذات ليلة، بينما كنت اعبر الحيّ التركي سمعت امرأة تغنّي موّالا شرقيا بصوت مليء بعاطفة حزينة متشنّجة. كان الصوت عميقا وأجشّ وكئيبا ينطلق من حنايا المرأة ويملأ الليل باليأس والسوداوية الحزينة. وحين أحسست انه من المستحيل عليّ أن أتابع السير وقفت أنصت ورأسي مائل إلى الجدار. لم استطع أن ألتقط أنفاسي. ولما لم تعد روحي المختنقة قادرة على التلاؤم مع قفصها الطيني تدلّت من قمّة رأسي وراحت تتردّد في أن تطير أم لا.
لا. لم يكن الصدر الأنثوي للمرأة التي تغنّي مترعا بالحب أو الغبطة. بل كان مترعا بصرخة. بأمر موجّه إلينا لكي نحطم قضبان سجوننا المؤلفة من الأخلاق والخجل والأمل. وان نسلم أنفسنا وان نهدر أنفسنا أو نتوحّد مع العاشق الرهيب المغوي الذي يكمن منتظرا في الظلام، والذي نسمّيه الله.
.. ولم اعرف أبداً!
ذات يوم أخذني احد أعمامي بين ذراعيه. وكان من الواضح أننا سنذهب لزيارة جار قرب مقبرة القدّيس ماتيو الواقعة داخل أسوار المدينة.
كان باب الكنيسة مفتوحا والكاهن قد وضع بخورا في المبخرة وارتدى بطرشيله. اجتاز العتبة واتجه نحو القبور.
وسألت عمّي وأنا استنشق بعمق أريج البخور والتراب: لم يلوّح بالمبخرة؟"
- إهدأ. ستعرف بعد قليل. اتبعني.
وحين درنا وراء الكنيسة سمعنا حديثا. كانت هناك خمس أو ستّ نسوة متّشحات بالسواد وهن واقفات حول قبر. رفع رجلان بلاطة الضريح ثم نزل احدهما في القبر وبدأ يحفر. اقتربنا ووقفنا إلى جانب الحفرة.
سألت: ماذا يفعلون؟
- ينبشون العظام.
- أية عظام؟
- سترى بعد قليل.
كان الكاهن واقفا على رأس الضريح وهو يلوّح بالمبخرة ويتمتم بالصلوات هامسا. انحنيت على التربة المحفورة مجدّدا. عفن ونتن. وضغطت منخري. ورغم أنني قرفت حتى القيء فإني لم ابتعد. انتظرت. عظام؟ أية عظام؟ رحت اسأل نفسي وأنتظر.
وبغتة استقام الرجل الذي كان يحفر منحنيا. وظهر على جذعه خارج الحفرة. كان يمسك بين يديه جمجمة. مسح عنها الأقذار وهو يمدّ إصبعه ليدفع الوحل من حفرتي العينين. ثم وضعها على حافة القبر وانحنى من جديد وتابع حفره.
سألت عمي وأنا ارتعش: ما هذا؟
- ألا ترى؟ إنها رأس إنسان ميّت. جمجمة.
- جمجمة من؟
- ألا تتذكّرها؟ جمجمة جارتنا انيكا.
- انيكا؟
وانفجرت في البكاء. وبدأت أولول: انيكا! انيكا!". وألقيت بنفسي على الأرض وجمعت ما استطعت أن أجده من الحجارة وبدأت اقذف بها حفّار القبور.
وفيما أنا ابكي واندب رحت اصرخ! كم كانت جميلة وكم كانت رائحتها جميلة! فقد اعتادت أن تأتي إلى بيتنا وتضعني على ركبتيها وتسرّح خصلات شعري بالمشط الذي تنتزعه من شعرها. واعتادت أن تدغدغني تحت ذراعي وأنا أقهقه وأزقزق كالعصفور.
أخذني عمّي بين ذراعيه وأبعدني قليلا ثم راح يكلمّني غاضبا: لماذا تبكي؟ ماذا كنت تتوقّع؟ لقد ماتت، ونحن جميعا سنموت".
لكنني كنت أفكّر بشعرها الأشقر وعينيها الواسعتين وشفتيها الحمراوين اللتين اعتادتا أن تقبّلاني. والآن..
وزعقت: "وشعرها، وشفتاها وعيناها؟"
- ذهبت. ذهبت. أكلتها الأرض.
- لماذا؟ لماذا؟ أنا لا أريد أن يموت الناس.
هزّ عمّي كتفيه وقال: حينما تكبر ستعرف لماذا".
ولم اعرف أبدا. لقد كبرت وصرت عجوزا. ولم أعرف أبدا.
آه.. هكذا أناديه!
.. وسأل الأب: أي اسم تطلقه على الله يا أبتي؟
فأجاب الدرويش: ليس لله اسم. إنه أكبر من أن تحتويه الأسماء. الاسم سجن، و الله حرّ.
و أصرّ الأب: و لكن إذا شئت أن تناديه، حين تكون هناك حاجة، فأيّ اسم تستخدم؟
أطرق الدرويش مفكّراً، ثم افترت شفتاه: آه! هكذا أناديه. ليس الله. بل آه.
و أربك هذا الكلام الأب، فتمتم: إنه على حق"..
حيرة!
عدت إلى اليونان مجروحا. كنت مضطرما بثورة ذهنية واضطراب روحي. وكل شيء في داخلي متضارب ومتردّد. قلت لنفسي: إن لم أبدأ باكتشاف الهدف الأسمى للحياة على الأرض فكيف سأتمكن من وضع هدف لحياتي القصيرة الفانية.
ولقد وجدت مصدرا آخر للعصيان. ذلك أن روح الشباب البسيطة لا تستطيع أن تتسامح مع منظر الجمال وهو يتناقص إلى لا شيء، بينما يقف الإله جانبا، ولا يرفع يده ليجعل الجمال خالدا. لو كنت إلها، هكذا يفكّر الشاب، لوزّعت الخلود بلا حساب، ودون أن اسمح ولو مرّة واحدة لجسد جميل أو لروح شجاعة أن تموت. أي نوع من الآلهة ذلك الذي يقذف بالجميل والقبيح، بالشجاع والجبان في الحمأة ذاتها ويدوسها بقدميه دون تمييز، ويحّولها كلها إلى وحل؟!
حديث!
"قلت لشجرة اللوز:
حدّثيني عن الله يا أخت،
فأزهرت شجرة اللوز"!
:تنويه
تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .