هل كان سليمان الشخص الأكثر حكمة على الأرض؟ أم كان مجرّد عرّاف لقي نهاية حزينة مثل فاوست؟
سليمان يبدو في بعض تقاليد الكابالا المبكّرة اقرب ما يكون إلى صورة كاريكاتورية لعرّاف. فهو يبحر في عرش مضيء على أحد الأنهر كي يسهّل لحيرام ملك صور زيارة الجحيم بمساعدة شياطين ومخلوقات أخرى. وفي القرآن الكريم، يرد ذكره مقرونا بالرياح والجان اللذين يطيعان أوامره.
في هذا الكتاب بعنوان "سليمان: غواية الحكمة"، يحاول ستيفن فايتزمان أستاذ الدين في جامعة ستانفورد، استكشاف ما لا نعرفه عن سليمان؛ الملك الذي كان "الأكثر حكمة من أيّ شخص آخر" والذي انتهى به الأمر إلى نوع من الخواء الوجودي.
والمؤلّف يكشف الكثير من قصّة هذا الملك وتعطشّه للمعرفة. كما يطرح أسئلة صعبة مثل مشكلة سليمان المتمثّلة باستلامه العرش متقدّما على أشقائه الأكبر منه سنّا، الأمر الذي تطلّب منه إظهار بعض الميكيافيلية، بالإضافة إلى علاقاته الدولية وفتوحاته وقصّته المشهورة مع ملكة سبأ ومغامراته الجنسية التي لا تنتهي مع ألف من الزوجات والمحظيّات، وكذلك ثروته الفاحشة من الذهب والفضّة.
يقول فايتزمان: من الغريب أنّنا لا نعرف سوى القليل عن هذا الرجل. إننا حتى لا نعرف كيف كانت تبدو ملامحه، على الرغم من أن من وضعوا الكتاب المقدّس لاحظوا أن والد وإخوة سليمان كانوا على قدر من الوسامة".
غير انه كان مشهورا بشيء واحد على وجه اليقين. فطبقا للتراث اليهوديّ، كان سليمان يعرف كلّ شيء. أسطورته وصلت إلينا في أشكال كثيرة. البعض يعتقد أنه "كان يستطيع تحويل الرصاص إلى ذهب واستحضار الشياطين أو إخفاءها". وسكّان جامايكا ينسبون إليه الفضل في اكتشاف الماريوانا التي يسمّونها "عشبة الحكمة". والكثير من المسيحيين واليهود يعتقدون أن معرفة سليمان كانت تمتدّ إلى ما وراء الإدراك البشري العاديّ، من قبيل فهم القوى الخفيّة للطبيعة والدوافع البشرية وأسرار المستقبل.
فايتزمان يشير إلى أن سليمان هو النموذج الأوّل لـ فاوست، وهي القصّة التي تُعتبر أسطورة مهمّة في العصر الحديث. وطبقا للتلمود، المكتوب في بابل حوالي عام خمسمائة ميلادية، أبرم سليمان صفقة مع الشيطان لبناء المعبد الكبير في القدس. وكانت نتائج تلك الصفقة كارثية. ويشرح المؤلّف ذلك بقوله: من أجل بناء الهيكل، كانت هناك أسرار لم يكن بمقدور سليمان أن يتعلّمها إلا من خلال الإمساك بشيطان. وقد أطلق سراح الشيطان في ما بعد. ووفقا للقصّة، فعل الأخير أشياء مروّعة لسليمان".
يقول المؤلّف إن أسطورة فاوست، التي ابتكرها كريستوفر مارلو ويوهان فولفغانغ فون غوته، هي استعارة حديثة تشرح عجز الإنسان أمام نتائج ذكائه وبراعته. ومثال ذلك في عصرنا الاستنساخ أو الطاقة النووية، أي كلّ تلك الابتكارات ذات الحدّين التي تشبه السماح لجنّي بالهروب خارج القمقم".
ثم يتحدّث فايتزمان عن المعبد فيتساءل: هل كانت قصّة المعبد حقّا بهذه الصورة؟ ويجيب: إنها ليست صحيحة بالمعنى التاريخي وإن كانت حقيقية في إطارها الديني". ويفصّل في ذلك فيقول: الوجود التاريخي للمعبد أو هيكل سليمان يقف على أرض مهتزّة. فنحن لا نعرف حتى أبسط الحقائق عن سليمان. إننا نضع فترة حكمه ما بين عامي 960 و 920 قبل الميلاد. ولكنّ هذا يبقى مجرّد تخمين".
ثم يورد المؤلّف مثالا على الكيفية التي تصاغ بها الثقافة الشعبية فيقول إن سليمان لم يكن مشهورا فقط بالحكمة، بل أيضا بكونه إنسانا ثريّا جدّا. وشهوة المال، وليس الحكمة، هي التي ألهمت عددا كبيرا من المغامرين الذين كانوا يظنّون أنهم إذا عرفوا ما فعله سليمان فإنهم سيصبحون هم أيضا من الأثرياء. وهذه الفكرة هي التي أطلقت روايات المغامرات في القرن التاسع عشر، مثل رواية كنوز الملك سليمان للكاتب البريطاني رايدر هاغارد، والتي بدورها ألهمت سلسلة أفلام انديانا جونز وغيرها من الأعمال السينمائية.
ويبدو أن ثروة سليمان المفترضة هي التي دفعت كريستوفر كولومبوس للإبحار نحو أمريكا. كان كولومبوس يبحث عن مخبأ كنز سليمان الذهبي في ترشيش وأوفير ، المدينتين الأسطوريتين اللتين ورد اسماهما في الكتاب المقدّس. وقد قرّر أن يسلك طريقا مختصرا إلى الشرق. ويقال أنه عندما حطّ على شواطئ هندوراس وبنما، قابل احد سكّان البلاد الأصليين. وحينما سأله، عن طريق مترجم، عن اسم المكان الذي هم فيه، غمغم الرجل بكلمة قريبة من "اوفير".
يقول فايتزمان: بعد ذلك بوقت قصير، بعث كولومبوس رسالة إلى ملك اسبانيا فرديناند وزوجته إيزابيلا يخبرهما فيها بأنه يضع الذهب تحت تصرّفهما".
بعض المصادر الدينية تحدّثت مطوّلا عن حكمة سليمان المنقطعة النظير. ترى هل كان هو من ألّف سِفر الواعظ ، أم أن تلك كانت محاولة لجعل هذا النصّ التوراتي يبدو أكثر مصداقية من خلال التأكيد على أن بعض آياته سبقت العلم في فكرة الغلاف الجوي وأنماط الرياح وفي مفهوم الدورات الهيدرولوجية في تحوّل الماء إلى مطر ثم إلى بخار وهكذا.
والمؤلّف يشير إلى أنه إذا كان تدوين أكثر من ألف أغنية أو مزمور وثلاثة آلاف مثَل غير كافية لتجعل من سليمان شخصا مشهورا، فإن انتشار القصص عنه طوال الوقت ووصولها حتى إلى روما من خلال بعض جداريات بومبي التي تتحدّث عن حكمه العظيم، ينبغي أن تكون تأكيدا أدبيّا مقنعا عن حضوره المستمرّ.
سليمان يبدو في بعض تقاليد الكابالا المبكّرة اقرب ما يكون إلى صورة كاريكاتورية لعرّاف. فهو يبحر في عرش مضيء على أحد الأنهر كي يسهّل لحيرام ملك صور زيارة الجحيم بمساعدة شياطين ومخلوقات أخرى. وفي القرآن الكريم، يرد ذكره مقرونا بالرياح والجان اللذين يطيعان أوامره.
في هذا الكتاب بعنوان "سليمان: غواية الحكمة"، يحاول ستيفن فايتزمان أستاذ الدين في جامعة ستانفورد، استكشاف ما لا نعرفه عن سليمان؛ الملك الذي كان "الأكثر حكمة من أيّ شخص آخر" والذي انتهى به الأمر إلى نوع من الخواء الوجودي.
والمؤلّف يكشف الكثير من قصّة هذا الملك وتعطشّه للمعرفة. كما يطرح أسئلة صعبة مثل مشكلة سليمان المتمثّلة باستلامه العرش متقدّما على أشقائه الأكبر منه سنّا، الأمر الذي تطلّب منه إظهار بعض الميكيافيلية، بالإضافة إلى علاقاته الدولية وفتوحاته وقصّته المشهورة مع ملكة سبأ ومغامراته الجنسية التي لا تنتهي مع ألف من الزوجات والمحظيّات، وكذلك ثروته الفاحشة من الذهب والفضّة.
يقول فايتزمان: من الغريب أنّنا لا نعرف سوى القليل عن هذا الرجل. إننا حتى لا نعرف كيف كانت تبدو ملامحه، على الرغم من أن من وضعوا الكتاب المقدّس لاحظوا أن والد وإخوة سليمان كانوا على قدر من الوسامة".
غير انه كان مشهورا بشيء واحد على وجه اليقين. فطبقا للتراث اليهوديّ، كان سليمان يعرف كلّ شيء. أسطورته وصلت إلينا في أشكال كثيرة. البعض يعتقد أنه "كان يستطيع تحويل الرصاص إلى ذهب واستحضار الشياطين أو إخفاءها". وسكّان جامايكا ينسبون إليه الفضل في اكتشاف الماريوانا التي يسمّونها "عشبة الحكمة". والكثير من المسيحيين واليهود يعتقدون أن معرفة سليمان كانت تمتدّ إلى ما وراء الإدراك البشري العاديّ، من قبيل فهم القوى الخفيّة للطبيعة والدوافع البشرية وأسرار المستقبل.
فايتزمان يشير إلى أن سليمان هو النموذج الأوّل لـ فاوست، وهي القصّة التي تُعتبر أسطورة مهمّة في العصر الحديث. وطبقا للتلمود، المكتوب في بابل حوالي عام خمسمائة ميلادية، أبرم سليمان صفقة مع الشيطان لبناء المعبد الكبير في القدس. وكانت نتائج تلك الصفقة كارثية. ويشرح المؤلّف ذلك بقوله: من أجل بناء الهيكل، كانت هناك أسرار لم يكن بمقدور سليمان أن يتعلّمها إلا من خلال الإمساك بشيطان. وقد أطلق سراح الشيطان في ما بعد. ووفقا للقصّة، فعل الأخير أشياء مروّعة لسليمان".
يقول المؤلّف إن أسطورة فاوست، التي ابتكرها كريستوفر مارلو ويوهان فولفغانغ فون غوته، هي استعارة حديثة تشرح عجز الإنسان أمام نتائج ذكائه وبراعته. ومثال ذلك في عصرنا الاستنساخ أو الطاقة النووية، أي كلّ تلك الابتكارات ذات الحدّين التي تشبه السماح لجنّي بالهروب خارج القمقم".
ثم يتحدّث فايتزمان عن المعبد فيتساءل: هل كانت قصّة المعبد حقّا بهذه الصورة؟ ويجيب: إنها ليست صحيحة بالمعنى التاريخي وإن كانت حقيقية في إطارها الديني". ويفصّل في ذلك فيقول: الوجود التاريخي للمعبد أو هيكل سليمان يقف على أرض مهتزّة. فنحن لا نعرف حتى أبسط الحقائق عن سليمان. إننا نضع فترة حكمه ما بين عامي 960 و 920 قبل الميلاد. ولكنّ هذا يبقى مجرّد تخمين".
ثم يورد المؤلّف مثالا على الكيفية التي تصاغ بها الثقافة الشعبية فيقول إن سليمان لم يكن مشهورا فقط بالحكمة، بل أيضا بكونه إنسانا ثريّا جدّا. وشهوة المال، وليس الحكمة، هي التي ألهمت عددا كبيرا من المغامرين الذين كانوا يظنّون أنهم إذا عرفوا ما فعله سليمان فإنهم سيصبحون هم أيضا من الأثرياء. وهذه الفكرة هي التي أطلقت روايات المغامرات في القرن التاسع عشر، مثل رواية كنوز الملك سليمان للكاتب البريطاني رايدر هاغارد، والتي بدورها ألهمت سلسلة أفلام انديانا جونز وغيرها من الأعمال السينمائية.
ويبدو أن ثروة سليمان المفترضة هي التي دفعت كريستوفر كولومبوس للإبحار نحو أمريكا. كان كولومبوس يبحث عن مخبأ كنز سليمان الذهبي في ترشيش وأوفير ، المدينتين الأسطوريتين اللتين ورد اسماهما في الكتاب المقدّس. وقد قرّر أن يسلك طريقا مختصرا إلى الشرق. ويقال أنه عندما حطّ على شواطئ هندوراس وبنما، قابل احد سكّان البلاد الأصليين. وحينما سأله، عن طريق مترجم، عن اسم المكان الذي هم فيه، غمغم الرجل بكلمة قريبة من "اوفير".
يقول فايتزمان: بعد ذلك بوقت قصير، بعث كولومبوس رسالة إلى ملك اسبانيا فرديناند وزوجته إيزابيلا يخبرهما فيها بأنه يضع الذهب تحت تصرّفهما".
بعض المصادر الدينية تحدّثت مطوّلا عن حكمة سليمان المنقطعة النظير. ترى هل كان هو من ألّف سِفر الواعظ ، أم أن تلك كانت محاولة لجعل هذا النصّ التوراتي يبدو أكثر مصداقية من خلال التأكيد على أن بعض آياته سبقت العلم في فكرة الغلاف الجوي وأنماط الرياح وفي مفهوم الدورات الهيدرولوجية في تحوّل الماء إلى مطر ثم إلى بخار وهكذا.
والمؤلّف يشير إلى أنه إذا كان تدوين أكثر من ألف أغنية أو مزمور وثلاثة آلاف مثَل غير كافية لتجعل من سليمان شخصا مشهورا، فإن انتشار القصص عنه طوال الوقت ووصولها حتى إلى روما من خلال بعض جداريات بومبي التي تتحدّث عن حكمه العظيم، ينبغي أن تكون تأكيدا أدبيّا مقنعا عن حضوره المستمرّ.
القصّة التوراتية الطريفة عن سليمان أصبحت في ما بعد موضوعا مثيرا للاهتمام وذا شعبية كبيرة بالنسبة للعديد من الرسّامين مثل رافاييل وسيباستيانو ديل وبوسان وبليك وغيرهم. حتى لورانس العرب ألمح إلى شخصية سليمان الأدبية في كتابه أعمدة الحكمة السبعة .
في لوحته المشهورة عن لقاء سليمان مع بلقيس ملكة سبأ، يرسم فنّان القرن الخامس عشر الايطالي بييرو ديلا فرانسيسكا سليمان على هيئة حاخام يرتدي ثيابا مطرّزة بالحرير ومرصّعة بالذهب. وبالنسبة لـ ديلا فرانسيسكا، فإن الحكمة التي أوتيها سليمان لم تجلب له السعادة أو الراحة، وإنّما الضجر والتعب والمعاناة. هذه الدلالة المزدوجة للحكمة؛ أي كونها منحة أو نعمة وفي نفس الوقت عبئا لبحث مضن ولا نهاية له، هي فكرة يتردّد صداها كثيرا في ثنايا كتاب فايتزمان.
في احد أجزاء الكتاب حديث عن الإنجازات السياسية والاقتصادية والثقافية التي حقّقها سليمان كملك على إسرائيل. وحتى هذه الإنجازات يشير إليها الكاتب بتشكّك.
وفي جزء آخر، يعيد المؤلّف التذكير بالقصّة المشهورة عن المرأتين اللتين كانت كلّ منهما تدعّي أنها أمّ لطفل. وقد أمر سليمان بقتل الطفل وشقّه إلى نصفين وبأن يُعطى لكلّ منهما نصف. إحدى المرأتين اضطربت وآثرت أن تتنازل عن الطفل للمرأة الأخرى على أن تراه يُقتل. وقد حكم سليمان لها بالطفل في النهاية باعتبارها الأمّ الحقيقية.
فايتزمان يعلّق على الحكم الذي يُستشهد به كثيرا كدليل على حكمة سليمان بقوله إن دعاة التبنّي في العصر الحديث يعترضون، ومعهم حقّ، على افتراض أن الولادة البيولوجية تنتج رابطة عاطفية خاصّة وفريدة من نوعها. أي أن المؤلّف يفترض، ضمنا، أن سليمان قد يكون حكم بالطفل للمرأة الخطأ.
القليل من الناس يتذكّرون أن سليمان توفّي والربّ غير راض عنه. هذا على الأقلّ ما يقوله سفر الملوك. وتشير أسطورة إلى انه انتهى متسوّلا. ترى ما الخطأ الذي حدث؟ الكتاب المقدّس يضع اللوم على زوجات ومحظيات سليمان الألف اللاتي كنّ يعبدن آلهة أخرى. ألف امرأة، وكثير منهنّ أجنبيات، يُحتمل أنهنّ كنّ يشكّلن تأثيرا على سليمان أو على الأقل عامل إلهاء له. لكن هناك من يقول إن حكمة سليمان نفسها هي التي أدّت به إلى الضلال.
ويتطرّق المؤلّف إلى ما يقال عن قدرة سليمان المزعومة في فهم كلام الحيوان والطير، ويشير إلى سوء فهم في تفسير العبرية، إذ تتحوّل عبارة: يتحدّث "عن" الحيوان لتصبح: يتحدّث "إلى" الحيوان. والفرق بين المعنيين كبير.
ويشرح ذلك بقوله إن من الواضح أن هذا التفسير الخاطئ للألفاظ هو الذي حوّل سليمان في المخيال الشعبيّ إلى ساحر، عندما نسب إليه معجزات تدلّل على سعة الاطلاع وقدرات مزعومة في التواصل مع المخلوقات وفتح مغاليق الأسرار والمعارف الممنوعة".
بعد أن تفوّق سليمان على حكّام آخرين، أصبح شخصا متعجرفا ومستغلا وقاسي القلب. وبعد أن سقط تحت سحر نساء وثنيات، بدأ في بناء أضرحة لآلهة أخرى. وفي نهاية حياته، عاش في المنفى كمتسوّل منبوذ. وهنا يتساءل فايتزمان: كيف يمكن لرجل يُضرب به المثل في الحكمة أن يرتكب مثل هذه الأخطاء الفادحة؟ هل يوحي مصيره بأن بحثنا عن الفهم والمعرفة النهائية هو "بحث عبثيّ وبلا جدوى ومدمّر للذات"؟
يقول فايتزمان: الحكمة من حيث هي أداة للكشف عن أسرار الحياة، تزيل الحواجز التي تعيق طموح الإنسان. لكن إذا لم تكن هناك قوّة علوية خارج سيطرة البشر، فإنهم يمكن أن يذهبوا بعيدا جدّا ويتجاوزوا كافّة الحدود".
ويضيف: إن معرفة سليمان ثبت أخيرا أنها طريق مسدود روحيّا ولم توصله إلى شيء. وإذا كان قد توصّل إلى استنتاج ما في نهاية المطاف، فهو أن بحثه عن الحكمة والفهم كان كلّه نوعا من الوهم، وأنه في الحقيقة لم يفهم شيئا ذا قيمة، وأن الحياة ظلّت بالنسبة له لغزا لا يمكن اختراقه".
بعد أن استطاع سليمان أن يحلّ ما بدا وكأنها ألغاز مستحيلة، وبعد أن وطّد دعائم مملكته، أقنع نفسه أنه يمكن أن يتصرّف في بعض الأحيان "خارج نطاق أوامر الله". وفي التلمود آية تتحدّث عن خطر محاولة التذاكي على الله، أي أن يحاول أيّ إنسان أن يكون أذكى من الربّ. وهناك أيضا آية أخرى تحظر على الإنسان الزواج الكثير، خوفا من أن ينحرف قلبه وينصرف لعبادة آلهة أخرى. وقد تصوّر سليمان أن قدرته على أن يعرف أكثر الأشياء تبيح له أن يتخطّى قيد الزواج بنساء كثيرات وأن يركّز فقط على الغاية النهائية، أي أن يتجنّب عبادة الأصنام. لكنّ ذلك لم يكن أمرا ممكنا أو ميسورا.
الخاتمة الحزينة لسليمان تمثّلت في انهيار مملكته: تصرّف الولاة بشكل سيء وبالغوا في فرض الإتاوات على الرعية وألزموا الناس إمّا بالانخراط في الجيش أو أداء الأعمال الشاقّة في بناء قصور الملك ومشاريعه. وفي النهاية سقطت المملكة في هاوية بلا قرار. وبحلول عام 586 قبل الميلاد، أي بعد مرور اقلّ من مائتي عام على وفاة سليمان، تعرّضت المملكة للغزو واُعدم الملك وأبناؤه ونُهب المعبد ثمّ دُمّر.
علماء الآثار الذين يبحثون عن أدلّة على مملكة سليمان لم يعثروا على شيء. لقد اختفى عالمه وتلاشى تماما.
ومن المفارقات الغريبة - يقول فايتزمان - أن الرجل الذي كان يعرف كلّ شيء، اُغفل اسمه تماما من سجلات التاريخ، لدرجة أننا اليوم لا نستطيع حتى إثبات أن سليمان كان شخصية حقيقية، أو أن شخصا بهذا الاسم عاش ذات يوم على هذه الأرض".
كتاب ستيفن فايتزمان عن سليمان هو نوع من التبصّر الذكيّ والبحث المتعمّق، ليس فقط في الطبيعة البشرية، وإنما أيضا في الثقافة والأدب والتاريخ والاقتصاد وعلم الآثار والفلسفة.
والكتاب مثال على بحث المثقّف عن المعرفة، ومن أين تنبع الحكمة، وما الأشكال التي تأخذها، والمساومات الفاوستية "أو الخاسرة" التي تتطلّبها، والنهايات المأساوية التي تنتهي إليها.
في لوحته المشهورة عن لقاء سليمان مع بلقيس ملكة سبأ، يرسم فنّان القرن الخامس عشر الايطالي بييرو ديلا فرانسيسكا سليمان على هيئة حاخام يرتدي ثيابا مطرّزة بالحرير ومرصّعة بالذهب. وبالنسبة لـ ديلا فرانسيسكا، فإن الحكمة التي أوتيها سليمان لم تجلب له السعادة أو الراحة، وإنّما الضجر والتعب والمعاناة. هذه الدلالة المزدوجة للحكمة؛ أي كونها منحة أو نعمة وفي نفس الوقت عبئا لبحث مضن ولا نهاية له، هي فكرة يتردّد صداها كثيرا في ثنايا كتاب فايتزمان.
في احد أجزاء الكتاب حديث عن الإنجازات السياسية والاقتصادية والثقافية التي حقّقها سليمان كملك على إسرائيل. وحتى هذه الإنجازات يشير إليها الكاتب بتشكّك.
وفي جزء آخر، يعيد المؤلّف التذكير بالقصّة المشهورة عن المرأتين اللتين كانت كلّ منهما تدعّي أنها أمّ لطفل. وقد أمر سليمان بقتل الطفل وشقّه إلى نصفين وبأن يُعطى لكلّ منهما نصف. إحدى المرأتين اضطربت وآثرت أن تتنازل عن الطفل للمرأة الأخرى على أن تراه يُقتل. وقد حكم سليمان لها بالطفل في النهاية باعتبارها الأمّ الحقيقية.
فايتزمان يعلّق على الحكم الذي يُستشهد به كثيرا كدليل على حكمة سليمان بقوله إن دعاة التبنّي في العصر الحديث يعترضون، ومعهم حقّ، على افتراض أن الولادة البيولوجية تنتج رابطة عاطفية خاصّة وفريدة من نوعها. أي أن المؤلّف يفترض، ضمنا، أن سليمان قد يكون حكم بالطفل للمرأة الخطأ.
القليل من الناس يتذكّرون أن سليمان توفّي والربّ غير راض عنه. هذا على الأقلّ ما يقوله سفر الملوك. وتشير أسطورة إلى انه انتهى متسوّلا. ترى ما الخطأ الذي حدث؟ الكتاب المقدّس يضع اللوم على زوجات ومحظيات سليمان الألف اللاتي كنّ يعبدن آلهة أخرى. ألف امرأة، وكثير منهنّ أجنبيات، يُحتمل أنهنّ كنّ يشكّلن تأثيرا على سليمان أو على الأقل عامل إلهاء له. لكن هناك من يقول إن حكمة سليمان نفسها هي التي أدّت به إلى الضلال.
ويتطرّق المؤلّف إلى ما يقال عن قدرة سليمان المزعومة في فهم كلام الحيوان والطير، ويشير إلى سوء فهم في تفسير العبرية، إذ تتحوّل عبارة: يتحدّث "عن" الحيوان لتصبح: يتحدّث "إلى" الحيوان. والفرق بين المعنيين كبير.
ويشرح ذلك بقوله إن من الواضح أن هذا التفسير الخاطئ للألفاظ هو الذي حوّل سليمان في المخيال الشعبيّ إلى ساحر، عندما نسب إليه معجزات تدلّل على سعة الاطلاع وقدرات مزعومة في التواصل مع المخلوقات وفتح مغاليق الأسرار والمعارف الممنوعة".
بعد أن تفوّق سليمان على حكّام آخرين، أصبح شخصا متعجرفا ومستغلا وقاسي القلب. وبعد أن سقط تحت سحر نساء وثنيات، بدأ في بناء أضرحة لآلهة أخرى. وفي نهاية حياته، عاش في المنفى كمتسوّل منبوذ. وهنا يتساءل فايتزمان: كيف يمكن لرجل يُضرب به المثل في الحكمة أن يرتكب مثل هذه الأخطاء الفادحة؟ هل يوحي مصيره بأن بحثنا عن الفهم والمعرفة النهائية هو "بحث عبثيّ وبلا جدوى ومدمّر للذات"؟
يقول فايتزمان: الحكمة من حيث هي أداة للكشف عن أسرار الحياة، تزيل الحواجز التي تعيق طموح الإنسان. لكن إذا لم تكن هناك قوّة علوية خارج سيطرة البشر، فإنهم يمكن أن يذهبوا بعيدا جدّا ويتجاوزوا كافّة الحدود".
ويضيف: إن معرفة سليمان ثبت أخيرا أنها طريق مسدود روحيّا ولم توصله إلى شيء. وإذا كان قد توصّل إلى استنتاج ما في نهاية المطاف، فهو أن بحثه عن الحكمة والفهم كان كلّه نوعا من الوهم، وأنه في الحقيقة لم يفهم شيئا ذا قيمة، وأن الحياة ظلّت بالنسبة له لغزا لا يمكن اختراقه".
بعد أن استطاع سليمان أن يحلّ ما بدا وكأنها ألغاز مستحيلة، وبعد أن وطّد دعائم مملكته، أقنع نفسه أنه يمكن أن يتصرّف في بعض الأحيان "خارج نطاق أوامر الله". وفي التلمود آية تتحدّث عن خطر محاولة التذاكي على الله، أي أن يحاول أيّ إنسان أن يكون أذكى من الربّ. وهناك أيضا آية أخرى تحظر على الإنسان الزواج الكثير، خوفا من أن ينحرف قلبه وينصرف لعبادة آلهة أخرى. وقد تصوّر سليمان أن قدرته على أن يعرف أكثر الأشياء تبيح له أن يتخطّى قيد الزواج بنساء كثيرات وأن يركّز فقط على الغاية النهائية، أي أن يتجنّب عبادة الأصنام. لكنّ ذلك لم يكن أمرا ممكنا أو ميسورا.
الخاتمة الحزينة لسليمان تمثّلت في انهيار مملكته: تصرّف الولاة بشكل سيء وبالغوا في فرض الإتاوات على الرعية وألزموا الناس إمّا بالانخراط في الجيش أو أداء الأعمال الشاقّة في بناء قصور الملك ومشاريعه. وفي النهاية سقطت المملكة في هاوية بلا قرار. وبحلول عام 586 قبل الميلاد، أي بعد مرور اقلّ من مائتي عام على وفاة سليمان، تعرّضت المملكة للغزو واُعدم الملك وأبناؤه ونُهب المعبد ثمّ دُمّر.
علماء الآثار الذين يبحثون عن أدلّة على مملكة سليمان لم يعثروا على شيء. لقد اختفى عالمه وتلاشى تماما.
ومن المفارقات الغريبة - يقول فايتزمان - أن الرجل الذي كان يعرف كلّ شيء، اُغفل اسمه تماما من سجلات التاريخ، لدرجة أننا اليوم لا نستطيع حتى إثبات أن سليمان كان شخصية حقيقية، أو أن شخصا بهذا الاسم عاش ذات يوم على هذه الأرض".
كتاب ستيفن فايتزمان عن سليمان هو نوع من التبصّر الذكيّ والبحث المتعمّق، ليس فقط في الطبيعة البشرية، وإنما أيضا في الثقافة والأدب والتاريخ والاقتصاد وعلم الآثار والفلسفة.
والكتاب مثال على بحث المثقّف عن المعرفة، ومن أين تنبع الحكمة، وما الأشكال التي تأخذها، والمساومات الفاوستية "أو الخاسرة" التي تتطلّبها، والنهايات المأساوية التي تنتهي إليها.
Credits
electrummagazine.com
forward.com
electrummagazine.com
forward.com