:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الثلاثاء، فبراير 13، 2018

أطفال الإنسانية

"الهمجيّ النبيل" فكرة تشير إلى الإنسان الطبيعي الذي لم تمسسه التأثيرات المُفسدة والسيّئة للحضارة. وتقوم الفكرة على اعتقاد مؤدّاه أن البشر طيّبون في الأساس، لكنهم يكتسبون دوافعهم الشرّيرة وتصرّفاتهم الضارّة نتيجة اختلاطهم بالحضارة الحديثة.
كان انكيدو، احد أبطال ملحمة غلغامش، واحدا من النماذج الأولى للهمجيّ النبيل. فقد كان شخصا متوحّشا، لكنه في نفس الوقت كان إنسانا طيّبا عاش في تناغم ووئام مع الحيوانات والطبيعة.
وفي الأدب الدينيّ كثيرا ما يُصوَّر الانسحاب من المجتمع، وخاصّة من المدن، على انه فعل حسَن وذو تأثير ايجابيّ على التطوّر الروحيّ والأخلاقيّ للإنسان.
ويقال إن فكرة الهمجيّ النبيل تعود إلى اليونان القديمة، عندما رسم هوميروس صورة مثالية عن سكّان اركاديا. وكذلك فعل الكتّاب الرومان، مثل فرجيل وأوفيد، اللذين تحدّثا عن أهل سيثيا البدائيين بشيء من الحنين والرومانسية.
وفي القرنين السادس عشر والسابع عشر، امتلأ الأدب الغربيّ بالحديث عن الهمجيّ الطيّب، للتدليل على فساد الحضارة وتخريبها للإنسان. في البداية، لم تكن لفظة الهمجيّ ذات حمولة سلبية وتدلّ على القسوة والتوحّش كما هو الحال اليوم، وإنما كانت تشير إلى الحرّية التي يتمتّع بها الإنسان الذي يعيش بتناغم وسلام مع الطبيعة.
وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر، تناول الأدب فكرة الرحلات البحرية إلى ارض بعيدة لم تُكتشف من قبل ولم تمسسها أو تخرّبها الحداثة الغربية. وكثيرا ما صُوّرت الحياة في تلك الأماكن البدائية على أنها أفضل من الحياة في الغرب. وراجت وقتها قصّة عن رحلة إلى ارض غير معروفة يقطنها شعب أندروجينيّ يعيش في حرّية وبراءة ولا يعرف أفراده اللباس أو الحكومات أو مفهوم المِلكية الخاصّة.
كما تضمّنت قصص الكابتن كوك في القرن الثامن عشر حكايات عن سكّان البحار الجنوبية غير المسيحية الذين يعيشون حياتهم على الفطرة ولا يعرفون التنافس والطمع والأثرة التي تطبع حياة المجتمعات الحديثة.
ذات مرّة، قال جان جاك روسّو أن البشر يولدون ومعهم دوافع الخير، لكن الحضارة تخرّبهم وتسلبهم فطرتهم الأولى. لكنه أضاف أن البشر في حالة الطبيعة كثيرا ما يتصرّفون كالحيوانات ولا يصبحون بشرا كاملين إلا عندما ينصاعون لعقد اجتماعيّ.
وكان روسّو يرى أن المِلكية الخاصّة والرغبة في تملّك اكبر قدر من الثروة هي السبب الأساس في معاناة الإنسان. وقد ورث اليسار الاشتراكيّ عن روسّو احتقاره للمِلكية الخاصّة والنظام الرأسماليّ الذي تأسّس عليها.
ورغم أن اليساريين شجبوا أمراض وتجاوزات الغرب، إلا أنهم تسامحوا إلى حدّ ما مع ثقافات الهمج الطيّبين غير الأوربّيين في العالم وأضفوا عليها نوعا من البراءة.
في القرن التاسع عشر، عندما توسّعت الإمبراطوريات الغربية وابتلعت أراضي الشعوب الأصلية في آسيا وأفريقيا والأمريكتين، تراجعت فكرة الهمجيّ النبيل ثم ساد النمط السلبيّ المعكوس عن الهمجيّ المتوحّش والخطير.
وشاعت وقتها فكرة تقول إن الشعوب الأصلية في العالم التي تعيش حالة بدائية ومتخلّفة إنما هم "أطفال الإنسانية" أو الأسلاف القدامى للإنسان الحديث. ومثل هذه الاستعارات الزمنية هي التي صاغت العلاقات الاجتماعية والثقافية للكولونيالية.
وبعض العلماء والمؤرّخين يقولون إن فكرة الهمجيّ النبيل والمتوحّش هي من تهويمات العقل الأوربّيّ الذي أبقى الشعوب الأصلية في حالة معلّقة بين الطُّهر الساميّ والشرّ الأبديّ.

Credits
theconversation.com