:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأربعاء، فبراير 10، 2010

جدلية العلاقة بين الرسم والموسيقى

الهارموني "أو التناغم" والريثم "أو الإيقاع" هما مصطلحان موسيقيّان في الأساس. لكننا نستخدمهما عادةً عند الحديث عن خصائص لوحة ما أو عمل تشكيلي معيّن. هذا الاستهلال قد يكون أفضل دليل يوضّح ما بين الرسم والموسيقى من أواصر وعلاقات قربى.
الناقد جيم لين يفصّل ذلك بقوله: العلاقة بين الرسم والموسيقى وثيقة بل وقديمة جدّا. إذ يمكن القول، مثلا، أن أيّ عمل نحتي ما هو في الواقع سوى لوحة ثلاثية الأبعاد. وهناك أمثلة كثيرة عن نحّاتين رسموا تماثيلهم ورسّامين نحتوا لوحاتهم.
الأدب، والشعر خاصّة، غالبا ما يقارن بالرسم من حيث أن اللوحة لها خصائص غنائية. واللوحات التي تصوّر الحياة اليومية غالبا ما يكون لها طبيعة سردية. وأحيانا يلجأ الكثير من كتّاب القصص إلى الاستعانة برسومات توضيحية من اجل تعزيز العنصر السردي في أعمالهم. الرقص والدراما، وحتى المعمار، لها نظيراتها في الرسم. وكثيرا ما يرتبط الرسم بذلك النوع من الملاحم والقصص التي تتحدّث عن الأبطال الشعبيّين.
لكن لا توجد علاقة أقوى من تلك التي تربط الرسم بالموسيقى. وهي علاقة تعود إلى عصور قديمة. زخرفة الخزف اليوناني، مثلا، كانت تستعين بصور الآلات الموسيقية.
والرسم والموسيقى يشتركان في نفس اللغة تقريبا. الألوان لها ظلال ونغمات، وكلا الفنّين يشار إليهما كتراكيب وتوليفات.
الرسّامون منذ القدم تنافسوا في رسم لوحات تتضمّن عناصر موسيقية. ومن هؤلاء كارافاجيو و اوراتزيو جينتيليسكي وكونراد كيسل و بيكاسو وجورج فريدريك واتس وجول لوفافْر.
لكنّ هناك من الرسّامين من خطوا خطوة ابعد مثل كاندينسكي الذي كان يرسم وهو يستمع إلى الموسيقى كي ينقل الإحساس الذي تثيره الأنغام في النفس.
جيمس ويسلر، الرسّام الأمريكي، اخذ خطوة مماثلة عندما أطلق على لوحاته مسمّيات موسيقية مثل "سيمفونية" و"نوكتيرن". وفي الجهة المقابلة، ألّف الموسيقي الأمريكي جورج غيرشوين مقطوعته الشهيرة "رابسودي إن بلو" التي حاول فيها المزج بين اللون والنغم.
وهناك رسّامون ترجموا أجواء بعض المقطوعات الموسيقية إلى لوحات، مثل غوستاف كليمت الذي رسم السيمفونية التاسعة لـ بيتهوفن ورافائيل لوبينسكي الذي رسم مقطوعة أخرى لـ بيتهوفن هي فيديليو.
اللوحات الدينية كانت غالبا تصوّر الملائكة وهم يعزفون الموسيقى. ومع تطوّر رسم الحياة اليومية، أضاف رسّامون مثل بيتر بريغل عناصر موسيقية إلى لوحاتهم التي تصوّر مظاهر من الحياة البسيطة للناس. فالمزارعون يظهرون وهم يعزفون الناي والفلوت احتفالا بمناسباتهم الخاصّة. في حين يُصوَّر أفراد الطبقات الأكثر ثراءً وهم يعزفون اللوت "أو العود".
وفي العام 1670 رسم فيرمير إحدى لوحاته التي تُظهِر امرأة تعزف على آلة موسيقية شبيهة بالهاربسيكورد وإلى يسارها آلة فيولا، ما يوحي بأن المرأة تتوقّع مجيء شخص آخر كي يشاركها في العزف.
الفنّان الفرنسي انطوان واتو رسم لوحة بعنوان مباهج الحفلة صوّر فيها مجموعة من الفرنسيين الباحثين عن المتعة وهم يرقصون على أنغام اوركسترا متوارية تحت ظلال ممرّ إحدى الحدائق. المزاج في اللوحة خفيف وعفوي وحيوي تبدو من خلاله أصوات الطبيعة في حالة تناغم مع أصوات الموسيقيين.
بعد حوالي قرن من ذلك أتى الانطباعيون الذين صوّروا في أعمالهم حياة الليل والموسيقى لمجتمع مقاهي باريس.
إدغار ديغا، مثلا، رسم أغنية الكلب عام 1876 ، بينما جلب رسّامون آخرون مثل تولوز لوتريك ورينوار وسورا الأصوات الصاخبة في قاعات الموسيقى إلى لوحاتهم.
في أعماله، يحاول ديغا الإمساك بالضجيج والدخان والإحساس المشوّش الذي تستثيره صالات الموسيقى عادة.
في ما بعد، أتى الفنّ التعبيري الذي استطاع تحقيق اندماج غير مسبوق بين الرسم والموسيقى. لوحة مارك شاغال بعنوان الزواج التي رسمها عام 1961 هي مثال واضح على هذا. فالعريس والعروس يندمجان في مشهد الزفاف اليهودي ليصبحا كيانا واحدا. والتشيللو يتوحّد مع عازفه كما لو أن الآلة تلاعب نفسها.
وخلافا لمشهد الموسيقيين المختبئين في لوحة واتو، فإن عازفي الموسيقى في لوحة شاغال يحتلّون على الأقلّ نصف اللوحة. والرسّام يوظّف الألوان الحمراء والبرتقالية في زخارف وتفاصيل الحفل كي يجذب الانتباه إلى الأصوات المسيطرة لدرجة انه يُخيّل للناظر انه يسمع نغمات الموسيقى وهي تتقافز من اللوحة.