تابعت منذ يومين حوارا تلفزيونيا ممتعا مع د. علي مبروك أستاذ الأدب في جامعة القاهرة، تناول خلاله بعض ما تضمّنه كتابه الذي سيصدر قريبا بعنوان "انثروبولوجيا العقل في الإسلام". وقد بدأ المؤلّف حديثه بشرح ما يعنيه بالأصول الانثربولوجية للعقل في الإسلام، فقال إنها الآليات والأدوات التي تفسّر كيف تشكّل العقل في الإسلام وكيف تحكّم في تفكير المجتمعات العربية.
يقول د. مبروك: لا يوجد شيء اسمه العقل الإسلامي. هناك العقل الذي ساد في الإسلام. العقل الإسلاميّ فكرة تقصر العقل على طريقة واحدة في التفكير، مع انه ليست هناك طريقة بعينها في التفكير فرضها الإسلام على الناس. والذي يقرأ التراث الإسلامي يجد انه كان ساحة لطرائق متعدّدة ومختلفة في التفكير. كانت هناك، مثلا، الأشعرية والمعتزلة، وكلّ منهما كان لها طريقتها المختلفة في التفكير. وما حدث هو أن العقل الأشعري هو الذي تسيّد الساحة بعد أن احتكر لنفسه صفة تمثيل الإسلام، وأصبح كلّ ما عداه عقولا خارجية أو لا إسلامية.
ويضيف المؤلّف: العقل الإسلاميّ مفهوم أيديولوجي وغير علميّ، رغم انه فكرة مركزية في عمل مفكّر بارز مثل محمد اركون. والمشكلة أن الكثيرين ينظرون إلى العقل على انه منحة أو هبة، بينما هو في واقع الحال بنية تطوّرية وليس معطى جاهزا يأخذه الناس كيفما اتفق. ومن سمات العقل السائد الآن في المجتمعات العربية انه لا يفكّر إلا عندما يكون هناك أصل جاهز. كما انه عقل نقلي وليس نقديّا. وهذه هي بنية العقل الأشعري الذي على الرغم من زخارفه العقلية، إلا أن جوهره كان وما يزال النقل والإتباع. لذا ليس من المستغرب أن تروج من حين لآخر فكرة تقول انك لكي تكون حداثيا، فلا بدّ وأن تعتمد على أصل جاهز.
ثم يتطرّق الدكتور مبروك إلى فكرة البداوة التي يعتبرها احد أهمّ مصادر العقل في المجتمعات العربية فيقول: من خصائص ثقافة البداوة أنها شفوية، أي أنها تعتمد على الرواية والتلقين والحفظ. كما أن مفهوم الأصل، أي مسائل الأنساب والأصول، هي تركيبة جوهرية في فكر البداوة. ويذكّر الكاتب برأي ابن خلدون الذي يذهب إلى أن تاريخ العرب يتمحور حول فكرة البداوة التي تحكّمت في الثقافة المعرفية العربية، وأن الإسلام لم يستطع قهر البداوة رغم انه جاء من اجل إنهاء ثقافتها.
ثم يؤكّد المؤلّف على أن موقف الإسلام من البداوة موقف نقديّ، بدليل أن مصطلح "الآباء" ورد في القرآن الكريم أكثر من عشرين مرّة مقرونا بحمولة نقدية وفي سياق القدح والذمّ دائما. "قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمّة وإنا على آثارهم مهتدون". "قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون". "قال أوَلو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنّا بما أرسلتم به كافرون". "قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أوَلو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون".
ويضيف الكاتب أن الإسلام أراد منذ البداية استبدال ثقافة الحفظ والشفاهية بثقافة مختلفة تعتمد على الكتابية والعقل والتفكّر. وليس من قبيل الصدفة أن القرآن يسمّي نفسه الكتاب أو أمّ الكتاب. لقد كانت هناك دائما إرادة لنقل البداوة والعرب إلى حالة أرقى، مع ما يتطلّبه ذلك من إدانة للأبوية. لكن البداوة كانت تنتصر دائما. وتمّ اختزال الدين في العبادات اليومية وفي تحجيب النساء. وتحوّل الموروث الديني إلى أداة للقمع والسيطرة والاستبداد السياسيّ. ولن يتغيّر الحال ما لم ننظر إلى هذا الموروث بطريقة مختلفة. وعندها فقط يمكن للإنسان أن يتحرّر وأن يرتقي.
وفي جانب آخر من حديثه تناول الدكتور مبروك صعود الإسلاميين إلى السلطة فقال: أمام الإسلاميين اليوم تحدّيات وأسئلة كبرى. والخوف هو أن يظلّوا أسرى للخطاب القديم الذي ينبغي تجاوزه والذي ظلّ يعوّل على إحداث تغييرات إجرائية في الواقع. وأضاف: يتوجّب على الإسلاميين أن يدركوا مغزى اللحظة الراهنة، وهو أن الخطاب القديم كلّه سقط ولا إمكانية لاستمراره. كما يتعيّن عليهم الكفّ عن استخدام مصطلحات مثل الدولة الدينية والدولة المدنية والشريعة كسلاح أيديولوجي يشهرونه بوجه خصومهم السياسيين لإقصائهم ونفيهم.
وختم د. مبروك حديثه بالقول إن لدينا معضلة في الإسلام، وهي أن السياسة سادت على كلّ شيء. إنّنا يجب أن نرتقي بالتعامل مع الواقع من الخلاف السياسي إلى الخلاف المعرفيّ. وهذا بحاجة إلى مناخات جديدة وأن يكون هذا جزءا من التفكير العام. إن إعادة التفكير في نوع علاقتنا مع هذه الأصول لا يهدف إلى هدمها أو نقضها، وإنما إلى تأسيس علاقة جديدة مع العقل والدين".
يقول د. مبروك: لا يوجد شيء اسمه العقل الإسلامي. هناك العقل الذي ساد في الإسلام. العقل الإسلاميّ فكرة تقصر العقل على طريقة واحدة في التفكير، مع انه ليست هناك طريقة بعينها في التفكير فرضها الإسلام على الناس. والذي يقرأ التراث الإسلامي يجد انه كان ساحة لطرائق متعدّدة ومختلفة في التفكير. كانت هناك، مثلا، الأشعرية والمعتزلة، وكلّ منهما كان لها طريقتها المختلفة في التفكير. وما حدث هو أن العقل الأشعري هو الذي تسيّد الساحة بعد أن احتكر لنفسه صفة تمثيل الإسلام، وأصبح كلّ ما عداه عقولا خارجية أو لا إسلامية.
ويضيف المؤلّف: العقل الإسلاميّ مفهوم أيديولوجي وغير علميّ، رغم انه فكرة مركزية في عمل مفكّر بارز مثل محمد اركون. والمشكلة أن الكثيرين ينظرون إلى العقل على انه منحة أو هبة، بينما هو في واقع الحال بنية تطوّرية وليس معطى جاهزا يأخذه الناس كيفما اتفق. ومن سمات العقل السائد الآن في المجتمعات العربية انه لا يفكّر إلا عندما يكون هناك أصل جاهز. كما انه عقل نقلي وليس نقديّا. وهذه هي بنية العقل الأشعري الذي على الرغم من زخارفه العقلية، إلا أن جوهره كان وما يزال النقل والإتباع. لذا ليس من المستغرب أن تروج من حين لآخر فكرة تقول انك لكي تكون حداثيا، فلا بدّ وأن تعتمد على أصل جاهز.
ثم يتطرّق الدكتور مبروك إلى فكرة البداوة التي يعتبرها احد أهمّ مصادر العقل في المجتمعات العربية فيقول: من خصائص ثقافة البداوة أنها شفوية، أي أنها تعتمد على الرواية والتلقين والحفظ. كما أن مفهوم الأصل، أي مسائل الأنساب والأصول، هي تركيبة جوهرية في فكر البداوة. ويذكّر الكاتب برأي ابن خلدون الذي يذهب إلى أن تاريخ العرب يتمحور حول فكرة البداوة التي تحكّمت في الثقافة المعرفية العربية، وأن الإسلام لم يستطع قهر البداوة رغم انه جاء من اجل إنهاء ثقافتها.
ثم يؤكّد المؤلّف على أن موقف الإسلام من البداوة موقف نقديّ، بدليل أن مصطلح "الآباء" ورد في القرآن الكريم أكثر من عشرين مرّة مقرونا بحمولة نقدية وفي سياق القدح والذمّ دائما. "قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمّة وإنا على آثارهم مهتدون". "قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون". "قال أوَلو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنّا بما أرسلتم به كافرون". "قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أوَلو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون".
ويضيف الكاتب أن الإسلام أراد منذ البداية استبدال ثقافة الحفظ والشفاهية بثقافة مختلفة تعتمد على الكتابية والعقل والتفكّر. وليس من قبيل الصدفة أن القرآن يسمّي نفسه الكتاب أو أمّ الكتاب. لقد كانت هناك دائما إرادة لنقل البداوة والعرب إلى حالة أرقى، مع ما يتطلّبه ذلك من إدانة للأبوية. لكن البداوة كانت تنتصر دائما. وتمّ اختزال الدين في العبادات اليومية وفي تحجيب النساء. وتحوّل الموروث الديني إلى أداة للقمع والسيطرة والاستبداد السياسيّ. ولن يتغيّر الحال ما لم ننظر إلى هذا الموروث بطريقة مختلفة. وعندها فقط يمكن للإنسان أن يتحرّر وأن يرتقي.
وفي جانب آخر من حديثه تناول الدكتور مبروك صعود الإسلاميين إلى السلطة فقال: أمام الإسلاميين اليوم تحدّيات وأسئلة كبرى. والخوف هو أن يظلّوا أسرى للخطاب القديم الذي ينبغي تجاوزه والذي ظلّ يعوّل على إحداث تغييرات إجرائية في الواقع. وأضاف: يتوجّب على الإسلاميين أن يدركوا مغزى اللحظة الراهنة، وهو أن الخطاب القديم كلّه سقط ولا إمكانية لاستمراره. كما يتعيّن عليهم الكفّ عن استخدام مصطلحات مثل الدولة الدينية والدولة المدنية والشريعة كسلاح أيديولوجي يشهرونه بوجه خصومهم السياسيين لإقصائهم ونفيهم.
وختم د. مبروك حديثه بالقول إن لدينا معضلة في الإسلام، وهي أن السياسة سادت على كلّ شيء. إنّنا يجب أن نرتقي بالتعامل مع الواقع من الخلاف السياسي إلى الخلاف المعرفيّ. وهذا بحاجة إلى مناخات جديدة وأن يكون هذا جزءا من التفكير العام. إن إعادة التفكير في نوع علاقتنا مع هذه الأصول لا يهدف إلى هدمها أو نقضها، وإنما إلى تأسيس علاقة جديدة مع العقل والدين".