عالَم ليدا تسكنه الأساطير والآلهة التي تهبط إلى الأرض. لكن العالم الذي تلد فيه أطفالها "أو على الأصح تبيضهم كما تذكر القصّة!" محكوم بالسياسة والسلطة، وليس بالآلهة. وحرب طروادة هي التي مهّدت الطريق لصعود الإمبراطورية الرومانية، وبعد ذلك بزمن طويل، لصعود أوروبّا الحديثة.
والسطران العاشر والحادي عشر من قصيدة ييتس يتضمّنان أهمّ إشارة مباشرة فيها إلى التاريخ اليونانيّ. وهما يصفان إحراق طروادة وما تلاه من قتل لأغاممنون القائد اليونانيّ الأقوى في تلك الحرب. أي أن القصيدة تزعم أن ولادة هيلين أميرة طروادة أدّت إلى كلّ تلك الأحداث المأساوية.
وضمن نفس هذا السياق الأسطوريّ التاريخيّ، فإن فعل الاغتصاب ستكون له نتائج مدمّرة وبعيدة المدى. وهذان الحدثان، أي موت اغاممنون وتدمير طروادة، تحقّقا بسبب الاغتصاب. وفي نفس هذا السياق فإن أطفال ليدا الأربعة من البجعة مسئولون عن الموت والدمار الذي حدث بعد ذلك. أي أن ييتس يساوي هنا بين الفعل المدمّر لاغتصاب الجسد وبين تدمير طروادة.
وإذا قرأت هذه القصيدة بتمعّن فستستنتج أيضا أن أجساد النساء الثلاث، أي ليدا وهيلين وكلايتمنيسترا، كانت هي السبب الأساس في إشاعة الموت والصراع والجريمة انطلاقا من تصرّفاتهن واختياراتهن.
كان وليام ييتس ميّالا لالتقاط لحظات مهمّة من التاريخ. وكانت لديه نظرية كاملة ومعقّدة لتفسير الأحداث. كان، مثلا، يعتقد أن التاريخ يشبه دوّامة أو إعصارا وأنه يتحرّك وفق دورات مختلفة ومتعاقبة. وبناءً على هذه النظرية، فإن قصّة ليدا والبجعة تجري في نقطة تحوّل نموذجية بين اثنتين من هذه الدورات أو اللحظات المحورية في التاريخ: بين العالم القديم الذي سبق حرب طروادة، والعالم الحديث الذي جاء بعدها.
والواقع أن العديد من قصائد ييتس المشهورة الأخرى، مثل "المجيء الثاني" و"عيد الفصح 1916"، تصف هي أيضا نقاط التحوّل هذه في التاريخ.
غير أن ييتس يذكّرنا أيضا، من خلال القصيدة، بأن كلّ شيء، وبطريقة ما، مرتبط بسلسلة كونية من الأسباب والنتائج، وأن أيّ شيء يحدث لا يمكن فصله عن شبكة متكاملة ومترابطة وذات مغزى من الأحداث والوقائع المتّصلة.
لكن ما الذي يمكن أن يكون قد دفع ييتس لتأليف هذه القصيدة؟ ثمّة من يرى بأن الشاعر إنّما كان يعكس في قصيدته تصرّفات بعض النساء اللاتي كان يعرفهنّ في ذلك الوقت. وهناك احتمال انه كان يناقش في القصيدة نتائج تصرّفاته هو.
وهناك رأي آخر يقول إن ييتس كتب القصيدة استجابة للظروف السياسية السائدة آنذاك. وربّما أرادها أن تكون رمزا لسقوط وفساد بلده ايرلندا بموازاة سقوط طروادة. ويمكن أن تكون القصيدة انعكاسا لإحباط ييتس من انهيار ايرلندا التي كان يرى أن ثقافتها تعرّضت لاغتصاب مجازيّ من قبل الانجليز.
نُشرت قصيدة "ليدا والبجعة" لأوّل مرّة عام 1928 ضمن ديوان البرج، الذي يعتبره النقّاد احد أشهر وأهمّ الأعمال الأدبية في القرن العشرين. وقد ظهر الديوان بعد خمس سنوات من نيل ييتس جائزة نوبل للأدب عام 1923. ويبدو أن الشاعر ادّخر أفضل أعماله لنهايات حياته، بدليل أن هذا الديوان يتضمّن قصائد أخرى مشهورة مثل إبحار إلى القسطنطينية و"وسط أطفال المدارس".
والسطران العاشر والحادي عشر من قصيدة ييتس يتضمّنان أهمّ إشارة مباشرة فيها إلى التاريخ اليونانيّ. وهما يصفان إحراق طروادة وما تلاه من قتل لأغاممنون القائد اليونانيّ الأقوى في تلك الحرب. أي أن القصيدة تزعم أن ولادة هيلين أميرة طروادة أدّت إلى كلّ تلك الأحداث المأساوية.
وضمن نفس هذا السياق الأسطوريّ التاريخيّ، فإن فعل الاغتصاب ستكون له نتائج مدمّرة وبعيدة المدى. وهذان الحدثان، أي موت اغاممنون وتدمير طروادة، تحقّقا بسبب الاغتصاب. وفي نفس هذا السياق فإن أطفال ليدا الأربعة من البجعة مسئولون عن الموت والدمار الذي حدث بعد ذلك. أي أن ييتس يساوي هنا بين الفعل المدمّر لاغتصاب الجسد وبين تدمير طروادة.
وإذا قرأت هذه القصيدة بتمعّن فستستنتج أيضا أن أجساد النساء الثلاث، أي ليدا وهيلين وكلايتمنيسترا، كانت هي السبب الأساس في إشاعة الموت والصراع والجريمة انطلاقا من تصرّفاتهن واختياراتهن.
كان وليام ييتس ميّالا لالتقاط لحظات مهمّة من التاريخ. وكانت لديه نظرية كاملة ومعقّدة لتفسير الأحداث. كان، مثلا، يعتقد أن التاريخ يشبه دوّامة أو إعصارا وأنه يتحرّك وفق دورات مختلفة ومتعاقبة. وبناءً على هذه النظرية، فإن قصّة ليدا والبجعة تجري في نقطة تحوّل نموذجية بين اثنتين من هذه الدورات أو اللحظات المحورية في التاريخ: بين العالم القديم الذي سبق حرب طروادة، والعالم الحديث الذي جاء بعدها.
والواقع أن العديد من قصائد ييتس المشهورة الأخرى، مثل "المجيء الثاني" و"عيد الفصح 1916"، تصف هي أيضا نقاط التحوّل هذه في التاريخ.
غير أن ييتس يذكّرنا أيضا، من خلال القصيدة، بأن كلّ شيء، وبطريقة ما، مرتبط بسلسلة كونية من الأسباب والنتائج، وأن أيّ شيء يحدث لا يمكن فصله عن شبكة متكاملة ومترابطة وذات مغزى من الأحداث والوقائع المتّصلة.
لكن ما الذي يمكن أن يكون قد دفع ييتس لتأليف هذه القصيدة؟ ثمّة من يرى بأن الشاعر إنّما كان يعكس في قصيدته تصرّفات بعض النساء اللاتي كان يعرفهنّ في ذلك الوقت. وهناك احتمال انه كان يناقش في القصيدة نتائج تصرّفاته هو.
وهناك رأي آخر يقول إن ييتس كتب القصيدة استجابة للظروف السياسية السائدة آنذاك. وربّما أرادها أن تكون رمزا لسقوط وفساد بلده ايرلندا بموازاة سقوط طروادة. ويمكن أن تكون القصيدة انعكاسا لإحباط ييتس من انهيار ايرلندا التي كان يرى أن ثقافتها تعرّضت لاغتصاب مجازيّ من قبل الانجليز.
نُشرت قصيدة "ليدا والبجعة" لأوّل مرّة عام 1928 ضمن ديوان البرج، الذي يعتبره النقّاد احد أشهر وأهمّ الأعمال الأدبية في القرن العشرين. وقد ظهر الديوان بعد خمس سنوات من نيل ييتس جائزة نوبل للأدب عام 1923. ويبدو أن الشاعر ادّخر أفضل أعماله لنهايات حياته، بدليل أن هذا الديوان يتضمّن قصائد أخرى مشهورة مثل إبحار إلى القسطنطينية و"وسط أطفال المدارس".
كان ييتس في الستّينات من عمره عندما كتب هذه القصيدة. وكان أيضا وقتها عضوا في مجلس الشيوخ الايرلندي. وإذا كنت من هواة سماع الآراء الحدّية والمطلقة، فقد يهمّك أن تعرف أن ناقدا كبيرا واحدا على الأقلّ وصف القصيدة بأنها أعظم قصيدة في القرن العشرين.
لكن لماذا نهتمّ بييتس وهو يعيد رواية هذه القصّة الغريبة والشاطحة؟ بداية يمكن القول أن من الجرأة أن يحاول احد إعادة تمثيل شيء عنيف ومشين مثل الاغتصاب من خلال عدسات الفنّ.
غير أن الأسئلة الأهمّ التي تدعونا هذه القصّة لنتأمّلها هي: ما الذي يمكن للأدب والفنّ أن يتحدّثا عنه؟ وهل هناك مواضيع يجب أن يتجنّب الفنّ تناولها تماما؟ وهل كان يتعيّن على ييتس أن يخفّف من لغته لكي نفهم أن ما تصفه القصيدة هو أمر بغيض وغير أخلاقيّ بالمرّة؟ وهل كون هذه الأسطورة قديمة يجعل اغتصاب ليدا أمرا أكثر قبولا لدى المتلقّي المعاصر؟ هذه هي بعض الأسئلة الكبيرة الجديرة بالتأمّل.
من الواضح أن ييتس كان على علم بالتصويرات الفنّية العديدة للقصّة من قبل فنّانين مثل ميكيل انجيلو وليوناردو دافنشي. وقد صوّر هذان البجعة بطريقة تحاكي الواقع تقريبا، في حين أنها غالبا ما كانت تُصوّر على درجة من الضخامة كي تتفوّق على ليدا.
قصّة ليدا والبجعة كانت تحظى بشعبية كبيرة للغاية في فنّي عصري النهضة والباروك. وفي القرن السادس عشر على وجه الخصوص، كانت شعبيّة الموضوع تعود إلى حقيقة انه كان من المقبول وقتذاك أن تُرسم امرأة في فعل جنسيّ مع بجعة أكثر من أن تُرسم مع رجل.
وبعض المعالجات الفنّية التي تناولت الأسطورة قلّلت من كمّية العنف فيها. بل إن بعضها تشير ضمناً إلى أن ليدا تعرّضت لإغواء زيوس ولم يغتصبها.
في لوحة الرسّام الفرنسي فرانسوا بوشير عن القصّة، تظهر البجعة وكأنها طائر أليف أكثر من كونها إلها يهمّ باغتصاب امرأة. ورغم أن القصّة الأصلية لا تتضمّن أيّة إشارة إلى امرأة ثانية، إلا أن الرسّام أضاف إلى المشهد امرأة أخرى تنافس ليدا في جمالها، مع هرم من اللحم المكشوف والثياب المرفّهة والنفيسة.
قصيدة الشاعر ييتس يمكن اعتبارها، من ناحية أخرى، نموذجا لما يُعرف بـ "تأثير الفراشة"، أي كيف أن تصرّفا واحدا يمكن أن يولّد سلسلة من الآثار والنتائج التي يمكن أن تظهر على مدى عقود أو قرون من الزمن. في هذه الحالة، يحوّل زيوس نفسه إلى بجعة، ويُحبِل ليدا بالقوّة، ثم تولد هيلين التي خيضت حرب طروادة من اجلها أو بسببها.
لكن رُبّ ضارّة نافعة كما يقال. فمِن غير هيلين ما كانت لتقع حرب طروادة، وبالتالي لم تكن لتوجد إلياذة. وعدم وجود إلياذة يعني خسارة أهمّ وأشهر عمل أدبيّ من العصور الكلاسيكية.
Credits
aterriblebeautyisborn.com
sparknotes.com
theoi.com
لكن لماذا نهتمّ بييتس وهو يعيد رواية هذه القصّة الغريبة والشاطحة؟ بداية يمكن القول أن من الجرأة أن يحاول احد إعادة تمثيل شيء عنيف ومشين مثل الاغتصاب من خلال عدسات الفنّ.
غير أن الأسئلة الأهمّ التي تدعونا هذه القصّة لنتأمّلها هي: ما الذي يمكن للأدب والفنّ أن يتحدّثا عنه؟ وهل هناك مواضيع يجب أن يتجنّب الفنّ تناولها تماما؟ وهل كان يتعيّن على ييتس أن يخفّف من لغته لكي نفهم أن ما تصفه القصيدة هو أمر بغيض وغير أخلاقيّ بالمرّة؟ وهل كون هذه الأسطورة قديمة يجعل اغتصاب ليدا أمرا أكثر قبولا لدى المتلقّي المعاصر؟ هذه هي بعض الأسئلة الكبيرة الجديرة بالتأمّل.
من الواضح أن ييتس كان على علم بالتصويرات الفنّية العديدة للقصّة من قبل فنّانين مثل ميكيل انجيلو وليوناردو دافنشي. وقد صوّر هذان البجعة بطريقة تحاكي الواقع تقريبا، في حين أنها غالبا ما كانت تُصوّر على درجة من الضخامة كي تتفوّق على ليدا.
قصّة ليدا والبجعة كانت تحظى بشعبية كبيرة للغاية في فنّي عصري النهضة والباروك. وفي القرن السادس عشر على وجه الخصوص، كانت شعبيّة الموضوع تعود إلى حقيقة انه كان من المقبول وقتذاك أن تُرسم امرأة في فعل جنسيّ مع بجعة أكثر من أن تُرسم مع رجل.
وبعض المعالجات الفنّية التي تناولت الأسطورة قلّلت من كمّية العنف فيها. بل إن بعضها تشير ضمناً إلى أن ليدا تعرّضت لإغواء زيوس ولم يغتصبها.
في لوحة الرسّام الفرنسي فرانسوا بوشير عن القصّة، تظهر البجعة وكأنها طائر أليف أكثر من كونها إلها يهمّ باغتصاب امرأة. ورغم أن القصّة الأصلية لا تتضمّن أيّة إشارة إلى امرأة ثانية، إلا أن الرسّام أضاف إلى المشهد امرأة أخرى تنافس ليدا في جمالها، مع هرم من اللحم المكشوف والثياب المرفّهة والنفيسة.
قصيدة الشاعر ييتس يمكن اعتبارها، من ناحية أخرى، نموذجا لما يُعرف بـ "تأثير الفراشة"، أي كيف أن تصرّفا واحدا يمكن أن يولّد سلسلة من الآثار والنتائج التي يمكن أن تظهر على مدى عقود أو قرون من الزمن. في هذه الحالة، يحوّل زيوس نفسه إلى بجعة، ويُحبِل ليدا بالقوّة، ثم تولد هيلين التي خيضت حرب طروادة من اجلها أو بسببها.
لكن رُبّ ضارّة نافعة كما يقال. فمِن غير هيلين ما كانت لتقع حرب طروادة، وبالتالي لم تكن لتوجد إلياذة. وعدم وجود إلياذة يعني خسارة أهمّ وأشهر عمل أدبيّ من العصور الكلاسيكية.
Credits
aterriblebeautyisborn.com
sparknotes.com
theoi.com