لا بدّ وأن ألكسي أورلوف كان رجلا استثنائيا في زمانه. أوسمته ونياشينه الكثيرة التي تظهر في صُوَره التي رُسمت له من تلك الفترة، أي في القرن الثامن عشر، تخبرنا عن جانب من شخصيّته. كان عسكريّا ناجحا بامتياز. وإليه يرجع الفضل في القضاء على الأسطول العثماني في الأناضول في يوليو من عام 1770.
غير أن طموحات أورلوف وانجازاته بدأت قبل ذلك. ففي عام 1762م، لعب هو وشقيقه دورا مهمّا في إطاحة بطرس الثالث وتنصيب كاثرين العظيمة ملكة على روسيا. وقد عُهد إلى أورلوف بمهمّة حراسة الإمبراطور المعزول والحفاظ على سلامته الشخصيّة. وكان أورلوف يعرف أن بقاء بطرس حيّا يمثّل خطرا حقيقيّا على كاثرين. لذا قام شخصيّا بتصفية سجينه الأعزل خنقاً.
ثمّ كلّفه رجال كاثرين بالمهمّة التالية، وهي إغراء وخطف الأميرة اليزابيتا تاراكانوفا التي كانت تزعم أنها الابنة المفقودة للإمبراطورة الراحلة اليزابيتا. وشيئا فشيئا أصبحت تاراكانوفا تمثّل، هي الأخرى، خطرا حقيقيّا على سلطة كاثرين.
والحقيقة انه لا يُعرف عن هذه المرأة الكثير، لا عن تاريخ ولادتها ولا عن عائلتها، بل وحتى اسمها الحقيقي ظلّ مجهولا. لكن يُعرف فقط أنها كانت ابنة لنبيل يُدعى ألكسي رازوموفسكي. وقد سافرت إلى بلدان عدّة في غرب أوربّا واستقرّت أخيرا في إيطاليا، حيث تعرّفت إلى دوق ايطالي اتخذها خليلة. وكانت تعيش على أمواله على أمل أن يتزوّجها في ما بعد.
لكن لأنها أصبحت تثير الصداع لكاثرين بمطالباتها المتكرّرة بعرش روسيا، فقد تمّ ندب أورلوف لمهمّة القبض عليها وإحضارها إلى سانت بطرسبورغ. وسافر أورلوف بالفعل إلى توسكاني بإيطاليا حيث كانت تعيش، وأوهمها بأنه واقع في حبّها، دون أن تفطن إلى هويّته الحقيقية أو إلى طبيعة مهمّته.
وفي النهاية تمكّن من إغوائها واستدرجها إلى سفينته ثمّ جلبها معه إلى روسيا عام 1775م حيث سلّمها لكاثرين. وقد أودعت في سجن بإحدى القلاع القديمة. لكنّها توفّيت في نفس تلك السنة غرقا بعد أن اجتاح فيضان نهر النيفا المنطقة التي يقع فيها السجن.
الرسّام كونستانتين فلافيتسكي صوّر قصّة مصرع تاراكانوفا في هذه اللوحة التي رسمها عام 1864. وهو يرسم معاناة المرأة الشابّة وإحساسها بالعجز واليأس بطريقة معبّرة ومأساوية. وتظهر وهي تواجه الموت المحقّق في غرفتها الكئيبة بالسجن الذي غمرته مياه الفيضان.
تاراكانوفا ترتدي فستانا مهلهلا ومتّسخا وتقف على سريرها بينما تتدفّق المياه عبر نافذة الغرفة. يمكن للناظر وهو يرى استكانتها واستسلامها أن يستنتج أن الغرفة محكمة الغلق وأن لا سبيل للفرار أو النجاة من هذا الموقف المشئوم. الفئران، وهي السكّان الطبيعيون لمثل هذه الأمكنة عادة، أخافها هي أيضا منظر المياه الآخذة في الارتفاع فقفزت إلى السرير طلبا للنجاة.
وفي الزنزانة يمكن ملاحظة طاولة خشبية ورغيف خبز وزجاجة. والمرأة تقف في منطقة الضوء، بينما كلّ شيء آخر في الظلّ.
لم يترك فلافيتسكي الكثير من الأعمال. لكنّه اشتهر بهذه اللوحة التي استقبلها الناس بالكثير من الحفاوة والتعاطف ونال عليها العديد من الجوائز. وقد حاول بافيل تريتيكوف صاحب المتحف المشهور في سانت بطرسبورغ شراء اللوحة، لكن الرسّام طالب بمبلغ كبير. وبعد وفاة فلافيتسكي بعام، ابتاعها تريتيكوف من شقيقه وضمّها إلى مجموعته من الأعمال الفنّية وأصبحت أوّل لوحة تاريخية تدخل متحف تريتيكوف.
اليوم ثمّة من يقول إن قصّة موت تاراكانوفا غرقاً تمّ اختراعها والترويج لها خارج روسيا للإساءة إلى حكم كاثرين، وأن المرأة بعد جلبها إلى روسيا أجبرت على أن تعيش باسم مستعار وأن تعمل راهبة في أحد الأديرة النائية إلى أن توفّيت بالسلّ عام 1810.
وفي عام 1950، ظهر فيلم ايطاليّ عن قصّة استدراج وخطف أورلوف للأميرة تاراكانوفا. الفيلم يمزج الواقع بالخيال، وفيه تظهر تاراكانوفا كأميرة حقيقية ومنافسة خطيرة لكاثرين. كما يظهر أورلوف كعاشق للمرأة وكاره لكاثرين التي كان يتظاهر فقط بولائه لها. وفي نهاية الفيلم، ينجح أورلوف في إطلاق الأميرة من سجنها في روسيا بعد غارة حربية ثم يتزوّج الاثنان ويعيشان في سعادة.
كانت حياة ألكسي أورلوف قصّة يمتزج فيها الطموح بالعنف والإثارة والصراع من اجل البقاء. وبعد وفاة كاثرين العظيمة وتولّي ابنها المريض بولس العرش، غادر أورلوف روسيا. وأثناء حكم الكسندر الأوّل، عاد إلى واجهة الأحداث من جديد وشارك في الحرب ضدّ نابليون. وقد توفّي في موسكو في يناير من عام 1808 تاركا وراءه أراضي وعقارات بملايين الروبلات وأكثر من 20 ألفا من العبيد والخدم.
Credits
historyofrussia.org
tretyakovgallery.ru
غير أن طموحات أورلوف وانجازاته بدأت قبل ذلك. ففي عام 1762م، لعب هو وشقيقه دورا مهمّا في إطاحة بطرس الثالث وتنصيب كاثرين العظيمة ملكة على روسيا. وقد عُهد إلى أورلوف بمهمّة حراسة الإمبراطور المعزول والحفاظ على سلامته الشخصيّة. وكان أورلوف يعرف أن بقاء بطرس حيّا يمثّل خطرا حقيقيّا على كاثرين. لذا قام شخصيّا بتصفية سجينه الأعزل خنقاً.
ثمّ كلّفه رجال كاثرين بالمهمّة التالية، وهي إغراء وخطف الأميرة اليزابيتا تاراكانوفا التي كانت تزعم أنها الابنة المفقودة للإمبراطورة الراحلة اليزابيتا. وشيئا فشيئا أصبحت تاراكانوفا تمثّل، هي الأخرى، خطرا حقيقيّا على سلطة كاثرين.
والحقيقة انه لا يُعرف عن هذه المرأة الكثير، لا عن تاريخ ولادتها ولا عن عائلتها، بل وحتى اسمها الحقيقي ظلّ مجهولا. لكن يُعرف فقط أنها كانت ابنة لنبيل يُدعى ألكسي رازوموفسكي. وقد سافرت إلى بلدان عدّة في غرب أوربّا واستقرّت أخيرا في إيطاليا، حيث تعرّفت إلى دوق ايطالي اتخذها خليلة. وكانت تعيش على أمواله على أمل أن يتزوّجها في ما بعد.
لكن لأنها أصبحت تثير الصداع لكاثرين بمطالباتها المتكرّرة بعرش روسيا، فقد تمّ ندب أورلوف لمهمّة القبض عليها وإحضارها إلى سانت بطرسبورغ. وسافر أورلوف بالفعل إلى توسكاني بإيطاليا حيث كانت تعيش، وأوهمها بأنه واقع في حبّها، دون أن تفطن إلى هويّته الحقيقية أو إلى طبيعة مهمّته.
وفي النهاية تمكّن من إغوائها واستدرجها إلى سفينته ثمّ جلبها معه إلى روسيا عام 1775م حيث سلّمها لكاثرين. وقد أودعت في سجن بإحدى القلاع القديمة. لكنّها توفّيت في نفس تلك السنة غرقا بعد أن اجتاح فيضان نهر النيفا المنطقة التي يقع فيها السجن.
الرسّام كونستانتين فلافيتسكي صوّر قصّة مصرع تاراكانوفا في هذه اللوحة التي رسمها عام 1864. وهو يرسم معاناة المرأة الشابّة وإحساسها بالعجز واليأس بطريقة معبّرة ومأساوية. وتظهر وهي تواجه الموت المحقّق في غرفتها الكئيبة بالسجن الذي غمرته مياه الفيضان.
تاراكانوفا ترتدي فستانا مهلهلا ومتّسخا وتقف على سريرها بينما تتدفّق المياه عبر نافذة الغرفة. يمكن للناظر وهو يرى استكانتها واستسلامها أن يستنتج أن الغرفة محكمة الغلق وأن لا سبيل للفرار أو النجاة من هذا الموقف المشئوم. الفئران، وهي السكّان الطبيعيون لمثل هذه الأمكنة عادة، أخافها هي أيضا منظر المياه الآخذة في الارتفاع فقفزت إلى السرير طلبا للنجاة.
وفي الزنزانة يمكن ملاحظة طاولة خشبية ورغيف خبز وزجاجة. والمرأة تقف في منطقة الضوء، بينما كلّ شيء آخر في الظلّ.
لم يترك فلافيتسكي الكثير من الأعمال. لكنّه اشتهر بهذه اللوحة التي استقبلها الناس بالكثير من الحفاوة والتعاطف ونال عليها العديد من الجوائز. وقد حاول بافيل تريتيكوف صاحب المتحف المشهور في سانت بطرسبورغ شراء اللوحة، لكن الرسّام طالب بمبلغ كبير. وبعد وفاة فلافيتسكي بعام، ابتاعها تريتيكوف من شقيقه وضمّها إلى مجموعته من الأعمال الفنّية وأصبحت أوّل لوحة تاريخية تدخل متحف تريتيكوف.
اليوم ثمّة من يقول إن قصّة موت تاراكانوفا غرقاً تمّ اختراعها والترويج لها خارج روسيا للإساءة إلى حكم كاثرين، وأن المرأة بعد جلبها إلى روسيا أجبرت على أن تعيش باسم مستعار وأن تعمل راهبة في أحد الأديرة النائية إلى أن توفّيت بالسلّ عام 1810.
وفي عام 1950، ظهر فيلم ايطاليّ عن قصّة استدراج وخطف أورلوف للأميرة تاراكانوفا. الفيلم يمزج الواقع بالخيال، وفيه تظهر تاراكانوفا كأميرة حقيقية ومنافسة خطيرة لكاثرين. كما يظهر أورلوف كعاشق للمرأة وكاره لكاثرين التي كان يتظاهر فقط بولائه لها. وفي نهاية الفيلم، ينجح أورلوف في إطلاق الأميرة من سجنها في روسيا بعد غارة حربية ثم يتزوّج الاثنان ويعيشان في سعادة.
كانت حياة ألكسي أورلوف قصّة يمتزج فيها الطموح بالعنف والإثارة والصراع من اجل البقاء. وبعد وفاة كاثرين العظيمة وتولّي ابنها المريض بولس العرش، غادر أورلوف روسيا. وأثناء حكم الكسندر الأوّل، عاد إلى واجهة الأحداث من جديد وشارك في الحرب ضدّ نابليون. وقد توفّي في موسكو في يناير من عام 1808 تاركا وراءه أراضي وعقارات بملايين الروبلات وأكثر من 20 ألفا من العبيد والخدم.
Credits
historyofrussia.org
tretyakovgallery.ru