وأنت تنظر إلى هذه اللوحة، إذا ساورك شعور بأنك أمام شيء يشبه ميدان معركة، فأنت على حقّ، لأن الرسّام عمل على هذه اللوحة وناضل وصارع لفترة طويلة، وبالتحديد لأكثر قليلا من عام ونصف العام.
وقد وضع للوحة دراسات أوّلية كثيرة، ثم أعاد رسمها مرارا إلى أن وصل إلى شكل المرأة النهائيّ كما تبدو عليه في الصورة.
وربّما سيدهشك أن تعلم أن هذه هي ثالث أغلى لوحة في العالم، وأن من اشتراها دفع لها ثمنا مبلغ 138 مليون دولار بالتمام والكمال.
وقائمة الذين تناوبوا على امتلاك اللوحة طويلة، كان آخرهم البليونير الأمريكيّ ستيفن كوهين الذي اشتراها من رجل الأعمال ديفيد غيفين عام 2006 م. وكان كوهين قد راكم على مدى سنوات مجموعة رائعة من اللوحات الفنّية من بينها أعمال لمانيه وبولوك وداميان هيرست وغيرهم.
لكن قبل ذلك كانت هذه اللوحة من مقتنيات متحف الفنّ المعاصر في طهران. وبعد ثورة عام 1979 في إيران، لم يكن بالمستطاع عرض اللوحة أمام الجمهور بسبب القوانين المتشدّدة لرجال الدين.
لذا قرّرت الحكومة الجديدة أن تُبادل اللوحة بالمخطوطة الأصلية لملحمة الشاهنامة، أو على الأصحّ بما تبقّى سليما منها، أي حوالي 118 رسماً و500 صفحة من خطّ اليد بالإضافة إلى التجليد الفاخر.
كان مالك مخطوطة الشاهنامة، حتى عام 1990، هو الأمريكي آرثر هاوتون، الذي سبق وأن منح مكتبته إلى هارفارد، ثم بعد ذلك ولعدّة سنوات تسلّم إدارة متحف المتروبوليتان في نيويورك.
وبعد وفاة هاوتون بأربع سنوات تمّت صفقة مبادلة اللوحة بالمخطوطة، وذهب مبلغ عشرة ملايين دولار إلى وديعة عائلة هاوتون في صفقة سرّية لم يُكشف عن تفاصيلها.
و"امرأة رقم 3" هي واحدة من سلسلة من ستّ لوحات ضخمة عن امرأة واحدة رسمها الفنّان الأمريكي من أصل هولنديّ وليام دي كوننغ في الخمسينات. وكان دي كوننغ قد رسم هذه السلسلة بعد أن تلقّى مديحا كثيرا من النقّاد على أعماله التجريدية.
عندما تتأمّل صورة المرأة في جميع هذه اللوحات الستّ، ستجد أنها تحدّق في الناظر بنوع من القسوة. نظراتها المهدّدة تعزّزها الفرشاة القويّة والألوان المكثّفة. أيضا عيناها كبيرتان وثدياها ضخمان وأسنانها متنافرة. وباختصار، ملامحها يمكن أن تكون أيّ شيء إلا أن تكون مثيرة وجذّابة أو مغرية أو ملهمة.
والسؤال الذي ظلّ يُطرح باستمرار هو: ترى ما الذي جعل دي كوننغ، ذا التسعة والسبعين عاما في ذلك الوقت، يرسم مثل هذه اللوحات المزعجة والمحيّرة؟
هناك أجوبة سهلة على أيّ سؤال عن المعنى والبواعث التي تدفع فنّانا إلى رسم لوحة. لكن هناك لغة رمزية وجمالية للشكل واللون والنسيج واللفتات والتعبيرات يمكن إلى حدّ ما تفسيرها.
إذا كان الشخص المرسوم مشوّها أو ملطّخا، كلّيا أو جزئيا، فهذا يشبه كما لو أن زجاجا انكسر أو جسدا كُسر على قارعة الطريق أو في ميدان معركة. أي أن حياة شخص ما جريحة ومتشظّية أو أن شيئا ما أصبح تالفا وغير مُجدٍ.
وقد وضع للوحة دراسات أوّلية كثيرة، ثم أعاد رسمها مرارا إلى أن وصل إلى شكل المرأة النهائيّ كما تبدو عليه في الصورة.
وربّما سيدهشك أن تعلم أن هذه هي ثالث أغلى لوحة في العالم، وأن من اشتراها دفع لها ثمنا مبلغ 138 مليون دولار بالتمام والكمال.
وقائمة الذين تناوبوا على امتلاك اللوحة طويلة، كان آخرهم البليونير الأمريكيّ ستيفن كوهين الذي اشتراها من رجل الأعمال ديفيد غيفين عام 2006 م. وكان كوهين قد راكم على مدى سنوات مجموعة رائعة من اللوحات الفنّية من بينها أعمال لمانيه وبولوك وداميان هيرست وغيرهم.
لكن قبل ذلك كانت هذه اللوحة من مقتنيات متحف الفنّ المعاصر في طهران. وبعد ثورة عام 1979 في إيران، لم يكن بالمستطاع عرض اللوحة أمام الجمهور بسبب القوانين المتشدّدة لرجال الدين.
لذا قرّرت الحكومة الجديدة أن تُبادل اللوحة بالمخطوطة الأصلية لملحمة الشاهنامة، أو على الأصحّ بما تبقّى سليما منها، أي حوالي 118 رسماً و500 صفحة من خطّ اليد بالإضافة إلى التجليد الفاخر.
كان مالك مخطوطة الشاهنامة، حتى عام 1990، هو الأمريكي آرثر هاوتون، الذي سبق وأن منح مكتبته إلى هارفارد، ثم بعد ذلك ولعدّة سنوات تسلّم إدارة متحف المتروبوليتان في نيويورك.
وبعد وفاة هاوتون بأربع سنوات تمّت صفقة مبادلة اللوحة بالمخطوطة، وذهب مبلغ عشرة ملايين دولار إلى وديعة عائلة هاوتون في صفقة سرّية لم يُكشف عن تفاصيلها.
و"امرأة رقم 3" هي واحدة من سلسلة من ستّ لوحات ضخمة عن امرأة واحدة رسمها الفنّان الأمريكي من أصل هولنديّ وليام دي كوننغ في الخمسينات. وكان دي كوننغ قد رسم هذه السلسلة بعد أن تلقّى مديحا كثيرا من النقّاد على أعماله التجريدية.
عندما تتأمّل صورة المرأة في جميع هذه اللوحات الستّ، ستجد أنها تحدّق في الناظر بنوع من القسوة. نظراتها المهدّدة تعزّزها الفرشاة القويّة والألوان المكثّفة. أيضا عيناها كبيرتان وثدياها ضخمان وأسنانها متنافرة. وباختصار، ملامحها يمكن أن تكون أيّ شيء إلا أن تكون مثيرة وجذّابة أو مغرية أو ملهمة.
والسؤال الذي ظلّ يُطرح باستمرار هو: ترى ما الذي جعل دي كوننغ، ذا التسعة والسبعين عاما في ذلك الوقت، يرسم مثل هذه اللوحات المزعجة والمحيّرة؟
هناك أجوبة سهلة على أيّ سؤال عن المعنى والبواعث التي تدفع فنّانا إلى رسم لوحة. لكن هناك لغة رمزية وجمالية للشكل واللون والنسيج واللفتات والتعبيرات يمكن إلى حدّ ما تفسيرها.
إذا كان الشخص المرسوم مشوّها أو ملطّخا، كلّيا أو جزئيا، فهذا يشبه كما لو أن زجاجا انكسر أو جسدا كُسر على قارعة الطريق أو في ميدان معركة. أي أن حياة شخص ما جريحة ومتشظّية أو أن شيئا ما أصبح تالفا وغير مُجدٍ.
وفنّ دي كوننغ يقول لنا انه فنّ صراع وأن مصدره مؤلم وشخصيّ، ويعتمد على المشاعر أكثر من العقل. وقد يكون ما رسمه انعكاسا لماضيه، أو صدى لصدمة ما اُجبر على أن يدفعها إلى عالم اللاوعي، ثم قضى حياته محاولا حبسها هناك، ليجد أن كلّ شيء تفجّر فجأة وأخذ طريقه إلى لوحاته.
ومن طبيعة الأشياء المكبوتة أنها في النهاية تلحّ على العودة إلى واجهة الوعي كي تعطينا علما عن وجودها من خلال الأحلام والسلوك غير الرشيد. والفنّان، على عكس الشخص العاديّ، باستطاعته إطلاق طاقته الكامنة على القماش وترقية مشاعره وانفعالاته التي تأتي بها تجارب الحياة.
النساء اللاتي يرسمهنّ دي كوننغ مشوّهات دائما، والسؤال هو: ما الذي تمثّله النساء للرسّام كي يشوّههن بهذه الطريقة العنيفة. وهل ثمّة تجارب مبكّرة يمكن أن تكون قد تركت بصمتها عليه وأسهمت في نظرته هذه لجنس النساء؟
يقال أن صورة كلّ إنسان عن النساء يشكّلها اتصاله الأوّل بالمرأة، أي مع أمّه بالذات. ووالدا دي كوننغ تطلّقا منذ أن كان في الخامسة من عمره. وبعد الطلاق أصرّ الأب على أن يحتفظ بالطفل. وبالفعل كان له ما أراد. وقد عاش في كنف أبيه بقدر معقول من الحماية والأمان. لكن أمّه حاربت بضراوة من اجل ما تعتبره حقّها في رعاية الطفل، وفي النهاية كسبت المعركة ضدّ والده.
في مثل تلك البيئة، كان طبيعيّا أن ينشأ في نفس الصغير وليام شعور بالخوف والطرد وحتى الكراهية لأمّه. وكان صعبا عليه أن يصارح نفسه بتلك الكراهية في مثل تلك السنّ، لأن من كان يكرهها كانت أمّه.
لكن في ما بعد، نقل هذا الإحساس بالكرب والنفور والكراهية إلى عامّة النساء، ممزوجا بانجذاب جنسيّ طبيعيّ وبحاجته إليهنّ.
ويُحتمل أن الفنّان كان ممزّقا بين موقفين حيال النساء، فهو من ناحية يضعهنّ في مكان عالٍ من المثالية والنقاء والطهر، لدرجة أنه قد يصبح غير قادر على أن يرتبط بهنّ جنسيّا أو شعوريّا.
ومن ناحية أخرى، ربّما كان يعتبر المرأة مناسبة لاستخدامها لشهواته ونزواته، لكنها لا تستحقّ الحبّ أو الاحترام. ومثل هذا الموقف من النساء كان شائعا في العصر الفيكتوري.
هذا الصراع الذي نراه في لوحات دي كوننغ قد يكون هو العنف الذي يريد أن يُنزله بالنساء. ومن الواضح أن نساءه سقطن سقوطا رهيبا من الطهر والسموّ إلى القذارة والانحطاط، وبالتالي أصبحن مهشّمات، مقطّعات ومبعثرات.
نساء دي كوننغ شهيّات، لكن فاسقات ومنحرفات. وهنّ فاتنات، لكن خطيرات ومخيّبات للأمل في سقوطهنّ من العلياء، لذا ينبغي تهشيمهنّ. ولهذا السبب كان عليه أن يستمرّ في الرسم، لأن الرسم بالنسبة له نوع من طرد الأرواح الشرّيرة؛ علاج يشبه الصرخة البدائية التي تحرّر الإنسان من ضغوطه الداخلية.
المعروف أن دي كوننغ كان يدعو للتخلّص من التوليف والضوء والعلاقات والترتيب في الرسم. "يجب أن ننبذ كلّ هذا الحديث السخيف عن الخطّ واللون والشكل"، كما كان يقول. والتحدّي الذي كان يعتقد أن عليه مواجهته هو كيف يمكنه استخدام قوّة الطلاء ليعطي للوحة معنى وتصوّرا إنسانيّا.
اليوم يُعتبر دي كوننغ احد ابرز الرسّامين المعاصرين، وله مكانته المهمّة في عالم الفنّ الحديث في جانبيه التعبيريّ والتجريديّ. وهناك ما يشبه الإجماع بين النقاد على أن سلسلة لوحاته الستّ عن النساء تمثّل ذروة فنّه.
ومن طبيعة الأشياء المكبوتة أنها في النهاية تلحّ على العودة إلى واجهة الوعي كي تعطينا علما عن وجودها من خلال الأحلام والسلوك غير الرشيد. والفنّان، على عكس الشخص العاديّ، باستطاعته إطلاق طاقته الكامنة على القماش وترقية مشاعره وانفعالاته التي تأتي بها تجارب الحياة.
النساء اللاتي يرسمهنّ دي كوننغ مشوّهات دائما، والسؤال هو: ما الذي تمثّله النساء للرسّام كي يشوّههن بهذه الطريقة العنيفة. وهل ثمّة تجارب مبكّرة يمكن أن تكون قد تركت بصمتها عليه وأسهمت في نظرته هذه لجنس النساء؟
يقال أن صورة كلّ إنسان عن النساء يشكّلها اتصاله الأوّل بالمرأة، أي مع أمّه بالذات. ووالدا دي كوننغ تطلّقا منذ أن كان في الخامسة من عمره. وبعد الطلاق أصرّ الأب على أن يحتفظ بالطفل. وبالفعل كان له ما أراد. وقد عاش في كنف أبيه بقدر معقول من الحماية والأمان. لكن أمّه حاربت بضراوة من اجل ما تعتبره حقّها في رعاية الطفل، وفي النهاية كسبت المعركة ضدّ والده.
في مثل تلك البيئة، كان طبيعيّا أن ينشأ في نفس الصغير وليام شعور بالخوف والطرد وحتى الكراهية لأمّه. وكان صعبا عليه أن يصارح نفسه بتلك الكراهية في مثل تلك السنّ، لأن من كان يكرهها كانت أمّه.
لكن في ما بعد، نقل هذا الإحساس بالكرب والنفور والكراهية إلى عامّة النساء، ممزوجا بانجذاب جنسيّ طبيعيّ وبحاجته إليهنّ.
ويُحتمل أن الفنّان كان ممزّقا بين موقفين حيال النساء، فهو من ناحية يضعهنّ في مكان عالٍ من المثالية والنقاء والطهر، لدرجة أنه قد يصبح غير قادر على أن يرتبط بهنّ جنسيّا أو شعوريّا.
ومن ناحية أخرى، ربّما كان يعتبر المرأة مناسبة لاستخدامها لشهواته ونزواته، لكنها لا تستحقّ الحبّ أو الاحترام. ومثل هذا الموقف من النساء كان شائعا في العصر الفيكتوري.
هذا الصراع الذي نراه في لوحات دي كوننغ قد يكون هو العنف الذي يريد أن يُنزله بالنساء. ومن الواضح أن نساءه سقطن سقوطا رهيبا من الطهر والسموّ إلى القذارة والانحطاط، وبالتالي أصبحن مهشّمات، مقطّعات ومبعثرات.
نساء دي كوننغ شهيّات، لكن فاسقات ومنحرفات. وهنّ فاتنات، لكن خطيرات ومخيّبات للأمل في سقوطهنّ من العلياء، لذا ينبغي تهشيمهنّ. ولهذا السبب كان عليه أن يستمرّ في الرسم، لأن الرسم بالنسبة له نوع من طرد الأرواح الشرّيرة؛ علاج يشبه الصرخة البدائية التي تحرّر الإنسان من ضغوطه الداخلية.
المعروف أن دي كوننغ كان يدعو للتخلّص من التوليف والضوء والعلاقات والترتيب في الرسم. "يجب أن ننبذ كلّ هذا الحديث السخيف عن الخطّ واللون والشكل"، كما كان يقول. والتحدّي الذي كان يعتقد أن عليه مواجهته هو كيف يمكنه استخدام قوّة الطلاء ليعطي للوحة معنى وتصوّرا إنسانيّا.
اليوم يُعتبر دي كوننغ احد ابرز الرسّامين المعاصرين، وله مكانته المهمّة في عالم الفنّ الحديث في جانبيه التعبيريّ والتجريديّ. وهناك ما يشبه الإجماع بين النقاد على أن سلسلة لوحاته الستّ عن النساء تمثّل ذروة فنّه.
Credits
smithsonianmag.com
smithsonianmag.com