في أمريكا عائلة كينيدي. وفي بريطانيا عائلة ويندسور. وباكستان لديها عائلة بوتو.
وقد قدّمت كلّ من هذه العائلات الثلاث مشهدا دراميا مثيرا. لكن ربّما تكون قصّة عائلة بوتو أكثر القصص الثلاث مسرحيةً. إنها دراما عائلية لها طبيعة المأساة الإغريقية. فهي حافلة بالاغتيالات والخيانات وعمليات القتل الغامضة والإرهاب والانتقام.
فاطمة بوتو هي واحدة من آخر الأفراد الأحياء من هذه العائلة المحاصَرة. في مذكّراتها الفاتنة بعنوان "أغاني الدم والسيف: مذكرات ابنة"، تحكي فاطمة بوتو فصولا من قصّة عائلتها بأسلوب يتميّز بوتيرته الميلودرامية العالية.
كانت عائلة بوتو إحدى العائلات الإقطاعية الكبيرة في مقاطعة السند، حيث أثرى الجدّ الأكبر لـ فاطمة، السيّد شاه نواز بوتو، بفضل الألقاب والأراضي التي قدّمها له الانجليز مكافأة له على الخدمات التي قدّمها لهم أثناء حكم الراج.
إبنه ذو الفقار علي بوتو (1928-1979) كان أعظم شخصية باكستانية في مرحلة ما بعد استقلال البلاد. وقد حلّ وزيرا للخارجية عام 1963 أثناء حكم الرئيس أيّوب خان، وساعد في تأسيس حزب الشعب الباكستاني بعد ذلك بأربع سنوات.
وقد أسفرت انتخابات عام 1970 عن مجيء حزب الشعب الباكستاني إلى السلطة في باكستان الغربية وعجّلت بوقوع حرب الانفصال المريرة في باكستان الشرقية، ما أدّى في النهاية إلى تدخّل الهند المسلّح وتأسيس بنغلاديش.
ذو الفقار، التقدّمي الاشتراكي، تولّى رئاسة باكستان التي أصبحت اصغر مساحة عام 1972م. ولم يلبث أن أطلق برنامجا لتعزيز العلاقات مع الصين والاتحاد السوفياتي والاستقلال عن النفوذ الأميركي والتضامن مع بلدان العالم الثالث. كما دشّن خططه لإصلاح الأراضي.
وكما تكتب عنه حفيدته فاطمة، فقد أدان ذو الفقار النظام الاقتصادي المتوحّش القائم على النهب والسلب والذي أدّى إلى أن أصبح الأغنياء القليلون "21 عائلة وقت التقسيم" أكثر ثراءً بينما كان فقراء باكستان يغرقون في فقر مدقع".
غير أن خطط ذو الفقار لإصلاح الأراضي أسقطتها ابنته بينازير في نهاية المطاف.
في عام 1977 تمّت الإطاحة بحكومة ذو الفقار المنتخبة ديمقراطيا من قبل من كان يحسبه رئيس أركان معتدل ومهذّب، أي الجنرال ضياء الحقّ. وقد فرض ضياء الأحكام العرفية على الفور. ومن خلال استخدامه تهما ملفّقة، ألقى بـ ذو الفقار علي بوتو في السجن، حيث قضى هناك عامين في ظلّ ظروف بائسة قبل أن يتمّ إعدامه في الرابع من ابريل عام 1979م.
كان ذو الفقار زعيما علمانيا، بينما كان ضياء "مسلما تقيّاً" جرّ التشريعات الاجتماعية في باكستان إلى الوراء قرونا عديدة. وقد أحلّ ضياء محاكم الشريعة والقضاء العسكري مكان المحاكم المدنية بموجب قوانين الحدود سيّئة السمعة والتي لا تزال مطبّقة إلى اليوم مثل الجلد والرجم. بل لقد حاول ضياء تطبيق قانون يجيز بتر أطراف اللصوص المُدانين. لكن المؤسّسة الطبّية في باكستان رفضت التعامل مع ذلك القانون الوحشي.
في تلك الأثناء، ما الذي كان يحدث لعائلة بوتو؟
زوجة ذو الفقار، نصرت، وابنتهما بينازير، قضتا سنوات عدّة رهن الاعتقال بناءً على نزوة الديكتاتور. شقيقا بينازير، أي مير مرتضى والد فاطمة وشاه نواز، ذهبا إلى المنفى في لندن حيث أسّسا لجنة لإنقاذ والدهما. وبعد إعدام الأب، ذهبا إلى كابول وأخيرا إلى سوريا حيث أنشآ منظّمة ذو الفقار، وهي جماعة مسلّحة كانت تهدف إلى محاربة نظام ضياء والانتقام لمقتل "الشهيد بوتو".
ولدت فاطمة في كابول عام 1982 لأمّ أفغانية. وبعد ثلاث سنوات، هجر مرتضى زوجته الأفغانية ونقل ابنته الصغيرة معه إلى سوريا. أما شاه نواز فقد مات في ظروف غامضة في فرنسا عام 1985م. ويرجّح اليوم انه مات مقتولا.
بينازير أصبحت رئيسة للوزراء عام 1988، وكان سجلّها حافلا إلى أن اغتيلت عام 2007م.
مرتضى الذي واجه أكثر من ثمانين تهمة بالخيانة أعدّها له المجلس العسكري لـ ضياء الحق، ظلّ في المنفى إلى أن قرّر عام 1993 العودة إلى باكستان كي يلعب دوره المؤجّل باعتباره الوريث السياسي لـ ذو الفقار.
ورغم أن شقيقته أصبحت آنذاك رئيسة للوزراء، إلا انه ذهب مباشرة من المطار إلى السجن، حيث أمضى فيه ثمانية أشهر. وفي السجن بدأ تشكيل مجموعة منشقّة عن حزب الشعب الباكستاني.
لكن بعد عامين، لقي مرتضى حتفه بالرصاص في احد شوارع كراتشي. وترك فاطمة ذات الأربعة عشر عاما ضحية للوحدة ومشاعر الانتقام.
"أغاني الدم والسيف" هو سرد عاطفي لا يخلو من الرومانسية وكثرة الألوان. لكنه يحكي جانبا واحدا من قصّة عائلة بوتو. كما انه بالتأكيد ليس تاريخاً.
وكما فعلت عمّتها بينازير في مذكّراتها، سلّطت فاطمة الضوء فقط على الحقائق والاستشهادات التي توافق تصوّراتها الخاصّة. لذا لا يبدو ذو الفقار ومرتضى مجرّد شهيدين، بل قدّيسَين من الناحية العملية. أما بينازير فتعتبرها فاطمة شيطاناً، لأنها مسئولة من خلال استغلالها لزوجها المهلهَل آصف علي زرداري عن جريمة قتل كلّ من مرتضى وشاه نواز.
صحيح أن في حياة بينازير جوانب غير مستساغة، بل وحتى شرّيرة. فكلا حكومتيها (1988-1990 و 1993-2006) سقطتا وسط اتهامات بالفساد الفاضح. وكان زوجها زرداري معروفا بلقب "السيّد عشرة بالمائة" لما اشتُهر عنه من فساد ورشاوى. لكن وفقا لمعظم الروايات، لم تكن بينازير وحشاً. ومن الصعب جدّا أن نصدّق أنها تواطأت لقتل شقيقيها.
إن ممّا لا شكّ فيه أن ذو الفقار علي بوتو، خلال السنوات التي قضاها في السلطة، كان أفضل أمل لباكستان. غير انه كان شخصا مستبدّا ومتعطّشا للسلطة.
ومثل والده، كان مرتضى اشتراكيا، على الأقل ظاهرياً. فعلى الرغم من انه قاتل بإخلاص من اجل قضية عمّال ومزارعي باكستان المضطهدين، إلا انه كان يتصرّف مثل إقطاعي انجليزي ويرتدي الملابس ذات الماركات العالمية الثمينة ويضع افخر أنواع الكولونيا. ويبدو أن نضاله المسلّح كان من النوع الدونكيشوتي، إذ لم يُعرف عنه انه وقف ضدّ الجيش أو الأجهزة الأمنية.
آصف زرداري، أو السيّد عشرة في المائة، هو اليوم رئيس باكستان، بعد أن خطف بذكاء حزب الشعب الباكستاني واستغلّ إرث بوتو السياسي وعلاقته مع ذو الفقار وبينازير لخدمة طموحاته السياسية.
ترى هل أرادت فاطمة بوتو من وراء هذا الكتاب إحياء ذكرى والدها فحسب، أم انه محاولة منها للحصول على الشرعية السياسية؟
لن يكون الأمر مثيرا للدهشة إذا ما قرّرت فاطمة الترشّح لمنصب الرئاسة في باكستان في وقت قد لا يكون بعيدا. "مترجم".
وقد قدّمت كلّ من هذه العائلات الثلاث مشهدا دراميا مثيرا. لكن ربّما تكون قصّة عائلة بوتو أكثر القصص الثلاث مسرحيةً. إنها دراما عائلية لها طبيعة المأساة الإغريقية. فهي حافلة بالاغتيالات والخيانات وعمليات القتل الغامضة والإرهاب والانتقام.
فاطمة بوتو هي واحدة من آخر الأفراد الأحياء من هذه العائلة المحاصَرة. في مذكّراتها الفاتنة بعنوان "أغاني الدم والسيف: مذكرات ابنة"، تحكي فاطمة بوتو فصولا من قصّة عائلتها بأسلوب يتميّز بوتيرته الميلودرامية العالية.
كانت عائلة بوتو إحدى العائلات الإقطاعية الكبيرة في مقاطعة السند، حيث أثرى الجدّ الأكبر لـ فاطمة، السيّد شاه نواز بوتو، بفضل الألقاب والأراضي التي قدّمها له الانجليز مكافأة له على الخدمات التي قدّمها لهم أثناء حكم الراج.
إبنه ذو الفقار علي بوتو (1928-1979) كان أعظم شخصية باكستانية في مرحلة ما بعد استقلال البلاد. وقد حلّ وزيرا للخارجية عام 1963 أثناء حكم الرئيس أيّوب خان، وساعد في تأسيس حزب الشعب الباكستاني بعد ذلك بأربع سنوات.
وقد أسفرت انتخابات عام 1970 عن مجيء حزب الشعب الباكستاني إلى السلطة في باكستان الغربية وعجّلت بوقوع حرب الانفصال المريرة في باكستان الشرقية، ما أدّى في النهاية إلى تدخّل الهند المسلّح وتأسيس بنغلاديش.
ذو الفقار، التقدّمي الاشتراكي، تولّى رئاسة باكستان التي أصبحت اصغر مساحة عام 1972م. ولم يلبث أن أطلق برنامجا لتعزيز العلاقات مع الصين والاتحاد السوفياتي والاستقلال عن النفوذ الأميركي والتضامن مع بلدان العالم الثالث. كما دشّن خططه لإصلاح الأراضي.
وكما تكتب عنه حفيدته فاطمة، فقد أدان ذو الفقار النظام الاقتصادي المتوحّش القائم على النهب والسلب والذي أدّى إلى أن أصبح الأغنياء القليلون "21 عائلة وقت التقسيم" أكثر ثراءً بينما كان فقراء باكستان يغرقون في فقر مدقع".
غير أن خطط ذو الفقار لإصلاح الأراضي أسقطتها ابنته بينازير في نهاية المطاف.
في عام 1977 تمّت الإطاحة بحكومة ذو الفقار المنتخبة ديمقراطيا من قبل من كان يحسبه رئيس أركان معتدل ومهذّب، أي الجنرال ضياء الحقّ. وقد فرض ضياء الأحكام العرفية على الفور. ومن خلال استخدامه تهما ملفّقة، ألقى بـ ذو الفقار علي بوتو في السجن، حيث قضى هناك عامين في ظلّ ظروف بائسة قبل أن يتمّ إعدامه في الرابع من ابريل عام 1979م.
كان ذو الفقار زعيما علمانيا، بينما كان ضياء "مسلما تقيّاً" جرّ التشريعات الاجتماعية في باكستان إلى الوراء قرونا عديدة. وقد أحلّ ضياء محاكم الشريعة والقضاء العسكري مكان المحاكم المدنية بموجب قوانين الحدود سيّئة السمعة والتي لا تزال مطبّقة إلى اليوم مثل الجلد والرجم. بل لقد حاول ضياء تطبيق قانون يجيز بتر أطراف اللصوص المُدانين. لكن المؤسّسة الطبّية في باكستان رفضت التعامل مع ذلك القانون الوحشي.
في تلك الأثناء، ما الذي كان يحدث لعائلة بوتو؟
زوجة ذو الفقار، نصرت، وابنتهما بينازير، قضتا سنوات عدّة رهن الاعتقال بناءً على نزوة الديكتاتور. شقيقا بينازير، أي مير مرتضى والد فاطمة وشاه نواز، ذهبا إلى المنفى في لندن حيث أسّسا لجنة لإنقاذ والدهما. وبعد إعدام الأب، ذهبا إلى كابول وأخيرا إلى سوريا حيث أنشآ منظّمة ذو الفقار، وهي جماعة مسلّحة كانت تهدف إلى محاربة نظام ضياء والانتقام لمقتل "الشهيد بوتو".
ولدت فاطمة في كابول عام 1982 لأمّ أفغانية. وبعد ثلاث سنوات، هجر مرتضى زوجته الأفغانية ونقل ابنته الصغيرة معه إلى سوريا. أما شاه نواز فقد مات في ظروف غامضة في فرنسا عام 1985م. ويرجّح اليوم انه مات مقتولا.
بينازير أصبحت رئيسة للوزراء عام 1988، وكان سجلّها حافلا إلى أن اغتيلت عام 2007م.
مرتضى الذي واجه أكثر من ثمانين تهمة بالخيانة أعدّها له المجلس العسكري لـ ضياء الحق، ظلّ في المنفى إلى أن قرّر عام 1993 العودة إلى باكستان كي يلعب دوره المؤجّل باعتباره الوريث السياسي لـ ذو الفقار.
ورغم أن شقيقته أصبحت آنذاك رئيسة للوزراء، إلا انه ذهب مباشرة من المطار إلى السجن، حيث أمضى فيه ثمانية أشهر. وفي السجن بدأ تشكيل مجموعة منشقّة عن حزب الشعب الباكستاني.
لكن بعد عامين، لقي مرتضى حتفه بالرصاص في احد شوارع كراتشي. وترك فاطمة ذات الأربعة عشر عاما ضحية للوحدة ومشاعر الانتقام.
"أغاني الدم والسيف" هو سرد عاطفي لا يخلو من الرومانسية وكثرة الألوان. لكنه يحكي جانبا واحدا من قصّة عائلة بوتو. كما انه بالتأكيد ليس تاريخاً.
وكما فعلت عمّتها بينازير في مذكّراتها، سلّطت فاطمة الضوء فقط على الحقائق والاستشهادات التي توافق تصوّراتها الخاصّة. لذا لا يبدو ذو الفقار ومرتضى مجرّد شهيدين، بل قدّيسَين من الناحية العملية. أما بينازير فتعتبرها فاطمة شيطاناً، لأنها مسئولة من خلال استغلالها لزوجها المهلهَل آصف علي زرداري عن جريمة قتل كلّ من مرتضى وشاه نواز.
صحيح أن في حياة بينازير جوانب غير مستساغة، بل وحتى شرّيرة. فكلا حكومتيها (1988-1990 و 1993-2006) سقطتا وسط اتهامات بالفساد الفاضح. وكان زوجها زرداري معروفا بلقب "السيّد عشرة بالمائة" لما اشتُهر عنه من فساد ورشاوى. لكن وفقا لمعظم الروايات، لم تكن بينازير وحشاً. ومن الصعب جدّا أن نصدّق أنها تواطأت لقتل شقيقيها.
إن ممّا لا شكّ فيه أن ذو الفقار علي بوتو، خلال السنوات التي قضاها في السلطة، كان أفضل أمل لباكستان. غير انه كان شخصا مستبدّا ومتعطّشا للسلطة.
ومثل والده، كان مرتضى اشتراكيا، على الأقل ظاهرياً. فعلى الرغم من انه قاتل بإخلاص من اجل قضية عمّال ومزارعي باكستان المضطهدين، إلا انه كان يتصرّف مثل إقطاعي انجليزي ويرتدي الملابس ذات الماركات العالمية الثمينة ويضع افخر أنواع الكولونيا. ويبدو أن نضاله المسلّح كان من النوع الدونكيشوتي، إذ لم يُعرف عنه انه وقف ضدّ الجيش أو الأجهزة الأمنية.
آصف زرداري، أو السيّد عشرة في المائة، هو اليوم رئيس باكستان، بعد أن خطف بذكاء حزب الشعب الباكستاني واستغلّ إرث بوتو السياسي وعلاقته مع ذو الفقار وبينازير لخدمة طموحاته السياسية.
ترى هل أرادت فاطمة بوتو من وراء هذا الكتاب إحياء ذكرى والدها فحسب، أم انه محاولة منها للحصول على الشرعية السياسية؟
لن يكون الأمر مثيرا للدهشة إذا ما قرّرت فاطمة الترشّح لمنصب الرئاسة في باكستان في وقت قد لا يكون بعيدا. "مترجم".