ابتسم الحظّ في الكثير من الأحيان للرسّام الاسباني خوان ميرو (1893- 1983م). كانت لديه الموهبة والخيال والبراعة والاتصالات الرائعة.
في أوّل زيارة له إلى باريس عام 1919، غادر الرسّام الشاب برشلونة مع "رسالة تقديم" إلى بابلو بيكاسو كانت عبارة عن كعكة خبزتها أمّه. ترى أيّ شيء يمكن أن يكون ضامنا لترحاب حارّ أكثر من مثل هذه الهديّة؟
في العام التالي، عندما استقرّ ميرو في باريس، استخدام محترفا تصادف أن كان بجوار السوريالي الكاريزماتي أندريه ماسون.
وبدا أن ماسون كان يعرف كلّ شخص. وقام بسخاء بضمّ جاره الجديد إلى دائرته الخاصّة من الأصدقاء.
في تلك الأيّام، كان ميرو يعاني من الإفلاس لدرجة انه كان يعتاش على البقوليات. لكن من نواح أخرى، كان الرجل محظوظا. وفي عام 1923، عندما كان في الثلاثين من عمره، كتب إلى صديق يقول: يجب علينا استكشاف جميع الشرارات الذهبية في أرواحنا". وفي ذلك الوقت كان يتوهّج مثل عرض للألعاب النارية.
وعندما زار بيكاسو محترفه أعلن: أنت من سيفتح للناس بابا جديدا من بعدي".
وكان خوان ميرو أوّل فنّان يقام له معرض منفرد في باريس عام 1925م. وقد افتُتح المعرض في منتصف الليل. وسرعان ما أصبح أسطوريا، سواءً بالنسبة للوحات المعروضة أو لقائمة الضيوف التي شملت الشاعر بول فاليري والرسّام السوريالي أندريه بريتون.
واستمرّ ميرو يعمل حتى وفاته. وفي ذلك الوقت كان قد حاز شهرة عالمية. اللوحات والمنحوتات والأعمال على الورق التي أنجزها خلال حياته الفنّية عُرضت مؤخّرا في معرض تحت عنوان "سُلّم الهروب" نظّمه غاليري تيت للفنّ الحديث في لندن. وكان المعرض تذكيرا بموهبة ميرو العظيمة وبرؤيته المتفرّدة التي عثر عليها في وقت مبكّر وأمسك بها جيّدا.
أوّل غرفة من بين ثلاث عشرة من غرف المعرض ضمّت بعض أقدم أعمال الرسّام، وأشهرها لوحته الحقل التي رسمها عام 1922م. الروائي الأمريكي ارنست همنغواي كان قد اشترى هذه اللوحة وأهداها لزوجته الأولى هادلي. وبعد موته منحتها زوجته الرابعة والأخيرة ميري للناشيونال غاليري بـ واشنطن.
وأينما وقعت عيناك في هذه اللوحة الاستثنائية والقلقة والكثيرة التفاصيل، هناك شيء ما يشدّك إليها؛ شيء ما خيالي وغريب.
الشجرة الضخمة في الوسط تبدو جرداء من مسافة بعيدة. وعندما تقترب منها تبدو لك بأغصانها الخضراء المتجعّدة مثل باقات ريشية من الزهور. وفي الحديقة، خارج حظيرة الدجاج، هناك ماعز يقف على صندوق خشبي كما لو انه تمثال موضوع فوق قاعدة.
ثم بعد ذلك مباشرة، تأتي الصدمة في رؤية ميرو التي يلخّص فيها عالمه اليقظ الذي تشكّل من الأحلام والأساطير التي تربّى على سماعها منذ الصغر.
الحقل المحروث لوحة أخرى تصوّر أذنا كبيرة تبرز من جذع شجرة وكلبا يبدو جزء منه على هيئة شجرة صبّار. وهناك أيضا في اللوحة صندوق يحتوي على أقلام رصاص وسمكة محاطة بأرانب وديك كبير احمر اللون وحلزون ليلكي.
رسّامو وولت ديزني ربّما كانت مثل هذه اللوحات مصدر إلهام لهم. وفي هذا المعرض، ثمّة إشارات إلى مصادر تأثّر الرسّام. أحد المناظر الطبيعية يتضمّن أكثر من نفحة من فان غوخ.
غير أن هناك العديد من الأعمال التي تُظهر تأثير ميرو الواضح على فنّانين مثل الكسندر كالدر وأرشيل غوركي، خاصّة سلسلة اللوحات المسمّاة رأس فلاح كاتالوني ، على سبيل المثال.
في فترة تالية من حياته، وبعد أن حقّق نجاحا عالميا، قام خوان ميرو بأوّل زيارة له إلى نيويورك في العام 1947م. ومع أن بريقه السحري لم يكن قد تلاشى بعد، إلا انه بدا متأثّرا بأعمال رسّامين أمريكيين مثل روثكو وبولوك.
لوحات ميرو المحروقة، وهي بالفعل كذلك، أنجزها في وقت متأخّر جدّا من حياته. وقد أشاد بها البعض، لكنها بدت لآخرين أشبه ما تكون بجهود يائسة لرجل مسنّ يحاول مجاراة الرسّامين الشباب.
كان خوان ميرو وطنيا كاتالونيا وكان ضدّ الفاشيّة. كما كان جمهوريا قبل وأثناء فترة حكم فرانكو. ومجموعة أعماله يمكن اعتبارها تعبيرا عن استجاباته المتحوّلة للأحداث السياسية في عصره. وهذه الفترة تشمل فترة الحربين العالميتين والحرب الأهلية الإسبانية.
بيير ماتيس تاجر من نيويورك كان قد تعامل مع فنّ خوان ميرو لفترة طويلة. وذات يوم طلب من ميرو أن يشرح له لوحة وجدها غامضة. وقد نصحه ميرو بأن ينسى التفسيرات والشروح، لأن "العمل الذي يمكن تفسيره هو عمل ولد ميّتا ومقدّر له أن يختفي في وقت قصير".
وأفضل ما أنجزه خوان ميرو، وهو كثير، ما يزال حيّا إلى اليوم. وفي لوحاته قدر كبير من الإثارة والحيوية كما لو أنها رُسمت هذه الأيام. "مترجم".
في أوّل زيارة له إلى باريس عام 1919، غادر الرسّام الشاب برشلونة مع "رسالة تقديم" إلى بابلو بيكاسو كانت عبارة عن كعكة خبزتها أمّه. ترى أيّ شيء يمكن أن يكون ضامنا لترحاب حارّ أكثر من مثل هذه الهديّة؟
في العام التالي، عندما استقرّ ميرو في باريس، استخدام محترفا تصادف أن كان بجوار السوريالي الكاريزماتي أندريه ماسون.
وبدا أن ماسون كان يعرف كلّ شخص. وقام بسخاء بضمّ جاره الجديد إلى دائرته الخاصّة من الأصدقاء.
في تلك الأيّام، كان ميرو يعاني من الإفلاس لدرجة انه كان يعتاش على البقوليات. لكن من نواح أخرى، كان الرجل محظوظا. وفي عام 1923، عندما كان في الثلاثين من عمره، كتب إلى صديق يقول: يجب علينا استكشاف جميع الشرارات الذهبية في أرواحنا". وفي ذلك الوقت كان يتوهّج مثل عرض للألعاب النارية.
وعندما زار بيكاسو محترفه أعلن: أنت من سيفتح للناس بابا جديدا من بعدي".
وكان خوان ميرو أوّل فنّان يقام له معرض منفرد في باريس عام 1925م. وقد افتُتح المعرض في منتصف الليل. وسرعان ما أصبح أسطوريا، سواءً بالنسبة للوحات المعروضة أو لقائمة الضيوف التي شملت الشاعر بول فاليري والرسّام السوريالي أندريه بريتون.
واستمرّ ميرو يعمل حتى وفاته. وفي ذلك الوقت كان قد حاز شهرة عالمية. اللوحات والمنحوتات والأعمال على الورق التي أنجزها خلال حياته الفنّية عُرضت مؤخّرا في معرض تحت عنوان "سُلّم الهروب" نظّمه غاليري تيت للفنّ الحديث في لندن. وكان المعرض تذكيرا بموهبة ميرو العظيمة وبرؤيته المتفرّدة التي عثر عليها في وقت مبكّر وأمسك بها جيّدا.
أوّل غرفة من بين ثلاث عشرة من غرف المعرض ضمّت بعض أقدم أعمال الرسّام، وأشهرها لوحته الحقل التي رسمها عام 1922م. الروائي الأمريكي ارنست همنغواي كان قد اشترى هذه اللوحة وأهداها لزوجته الأولى هادلي. وبعد موته منحتها زوجته الرابعة والأخيرة ميري للناشيونال غاليري بـ واشنطن.
وأينما وقعت عيناك في هذه اللوحة الاستثنائية والقلقة والكثيرة التفاصيل، هناك شيء ما يشدّك إليها؛ شيء ما خيالي وغريب.
الشجرة الضخمة في الوسط تبدو جرداء من مسافة بعيدة. وعندما تقترب منها تبدو لك بأغصانها الخضراء المتجعّدة مثل باقات ريشية من الزهور. وفي الحديقة، خارج حظيرة الدجاج، هناك ماعز يقف على صندوق خشبي كما لو انه تمثال موضوع فوق قاعدة.
ثم بعد ذلك مباشرة، تأتي الصدمة في رؤية ميرو التي يلخّص فيها عالمه اليقظ الذي تشكّل من الأحلام والأساطير التي تربّى على سماعها منذ الصغر.
الحقل المحروث لوحة أخرى تصوّر أذنا كبيرة تبرز من جذع شجرة وكلبا يبدو جزء منه على هيئة شجرة صبّار. وهناك أيضا في اللوحة صندوق يحتوي على أقلام رصاص وسمكة محاطة بأرانب وديك كبير احمر اللون وحلزون ليلكي.
رسّامو وولت ديزني ربّما كانت مثل هذه اللوحات مصدر إلهام لهم. وفي هذا المعرض، ثمّة إشارات إلى مصادر تأثّر الرسّام. أحد المناظر الطبيعية يتضمّن أكثر من نفحة من فان غوخ.
غير أن هناك العديد من الأعمال التي تُظهر تأثير ميرو الواضح على فنّانين مثل الكسندر كالدر وأرشيل غوركي، خاصّة سلسلة اللوحات المسمّاة رأس فلاح كاتالوني ، على سبيل المثال.
في فترة تالية من حياته، وبعد أن حقّق نجاحا عالميا، قام خوان ميرو بأوّل زيارة له إلى نيويورك في العام 1947م. ومع أن بريقه السحري لم يكن قد تلاشى بعد، إلا انه بدا متأثّرا بأعمال رسّامين أمريكيين مثل روثكو وبولوك.
لوحات ميرو المحروقة، وهي بالفعل كذلك، أنجزها في وقت متأخّر جدّا من حياته. وقد أشاد بها البعض، لكنها بدت لآخرين أشبه ما تكون بجهود يائسة لرجل مسنّ يحاول مجاراة الرسّامين الشباب.
كان خوان ميرو وطنيا كاتالونيا وكان ضدّ الفاشيّة. كما كان جمهوريا قبل وأثناء فترة حكم فرانكو. ومجموعة أعماله يمكن اعتبارها تعبيرا عن استجاباته المتحوّلة للأحداث السياسية في عصره. وهذه الفترة تشمل فترة الحربين العالميتين والحرب الأهلية الإسبانية.
بيير ماتيس تاجر من نيويورك كان قد تعامل مع فنّ خوان ميرو لفترة طويلة. وذات يوم طلب من ميرو أن يشرح له لوحة وجدها غامضة. وقد نصحه ميرو بأن ينسى التفسيرات والشروح، لأن "العمل الذي يمكن تفسيره هو عمل ولد ميّتا ومقدّر له أن يختفي في وقت قصير".
وأفضل ما أنجزه خوان ميرو، وهو كثير، ما يزال حيّا إلى اليوم. وفي لوحاته قدر كبير من الإثارة والحيوية كما لو أنها رُسمت هذه الأيام. "مترجم".