تذكّرت وأنا اقرأ تنبّؤات بعض العلماء بشأن مستقبل البشر على الأرض بعض أفلام الخيال العلمي التي تتحدّث عن أشكال غريبة من المخلوقات التي تذهب بعض النظريات إلى أنها ستستوطن الأرض بعد ملايين السنين، أي بعد أن يكون البشر بملامحهم وخصائصهم التي نعرفها اليوم قد انقرضوا نهائيا من على ظهر هذا الكوكب.
والحقيقة انه أحيانا يصعب رسم خط فاصل بين ما تقول به أفلام وروايات الخيال العلمي الشاطحة وبين تنبّؤات فئة من العلماء يصفون أنفسهم بعلماء المستقبليات حول طبيعة الحياة على الأرض بعد ملايين، وربّما بلايين السنين من الآن.
علماء المستقبليات يقولون إنهم يعتمدون في تنبّؤاتهم عن مستقبل الأرض على معلومات تتناول معطيات الفيزياء وقوانين الثيرمودايناميكس والتغييرات المناخية وتسارع التكنولوجيا وتطوّر البشر عبر ملايين السنين.
بعض العلماء يقولون إن شمس كوكب الأرض تكوّنت قبل أكثر من أربعة بلايين عام. وبناءً على بعض التقديرات، يُتوقّع أن تعيش الشمس ستّة بلايين عام إضافية قبل أن تستنفد وقودها نهائيا.
ويضيف أولئك العلماء إنه بحلول ذلك الوقت لن يكون هناك بشر كي يشهدوا موت الشمس، بل مخلوقات من نوع مختلف كمثل اختلاف البشر اليوم عن فصيلة الحشرات.
استكشاف المستقبل كان حتى وقت قريب مهمّة مقتصرة على رجال الدين. لكن تفكيرهم محدود زمانيا ومكانيا. وأقصى ما يمكنهم التنبّؤ به هو صعود الامبراطوريات وانهيارها، بالإضافة إلى القصص المتواترة عن "قيامة دينية" قد تقع ضمن فترات لا تتجاوز ألف عام.
أسلافنا من البشر الذين عاشوا قبل آلاف السنين على هذه الأرض لم يكن بمقدورهم أن يتنبّئوا بما سيكون عليه المستقبل، وبالتأكيد لم يكونوا يدركون بأن المستقبل سيكون مختلفا. فالحياة في تلك الأزمنة كانت بسيطة. كان الإنسان يولد ويموت في نفس البيئة وفي نفس الظروف. ولم تكن الكتابة قد اكتُشفت بعد، وبالتالي لم يكن هناك تاريخ مدوّن.
علماء المستقبليات، وبفضل التقدم التكنولوجي الهائل الذي أنجزه الإنسان، أصبحوا قادرين على التنبّؤ بما يخبّئه المستقبل البعيد من خلال محاولة رسم خارطة لشكل وطبيعة الحياة بعد بلايين السنين من الآن.
وأساليبهم في طلب هذه المعرفة هي مزيج من العلوم والفلسفة. أما افتراضاتهم التي يبنون عليها نظرياتهم فتستند إلى تطوّر كوكب الأرض والنظام الشمسي اللذين سيكونان مختلفين خلال الخمسين مليون سنة القادمة عمّا هما عليه الآن. ويضيف العلماء أن آلاف أو ملايين السنين من نشاط البشر على الأرض لا بدّ وأن يترك تغييرا على شكل الحياة على الكوكب.
غير أن العلماء ينظرون للماضي كمادّة للدراسة الموضوعية أكثر من كونه مجرّد فضاء للتأمّل الصامت أو الخيال العلمي أو الروايات الدرامية المشوّقة.
الكون، كما نعرفه اليوم، نظام معقّد جدّا ومن الصعوبة بمكان الإلمام بأسراره وألغازه الكثيرة. لكن العلماء لهم رأي مختلف. فهم مثلا يرون بأن الكون عبارة عن منظومة بسيطة نسبيا إذا ما قورن بنظام مشوّش مثل جسم الإنسان. وبالتالي فإن التكهّن بما سيحمله المستقبل هو مهمّة مجدية وممكنة معا.
بعض علماء الفلك يقولون إن احتراق كافّة النجوم التي يحتويها الكون ربّما يحتاج لألف مليون عام من الآن، وأن تبخّر آخر ثقب اسود في الكون يحتاج لعدد مهول من السنوات ربّما يزيد على عشرة أضعاف الرقم السابق.
العلم الحديث يستبعد النظرية القديمة القائلة بأن البشر يمثّلون ذروة تطوّر الحياة على الأرض. وهناك استشهاد بمقولة داروين الذي توقّع أن لا يحافظ أيّ نوع من المخلوقات على حالته أو شكله في المستقبل البعيد. ويذهب بعض العلماء إلى أن أهمّ تحوّل في أنواع الحياة لن يكون بيولوجيّاً، وأن التطوّر في المستقبل لن يحدّده الانتخاب الطبيعي كما كان يرى داروين بل التكنولوجيا، لأن قوّة الكمبيوتر تسارعت لدرجة انه يصعب اليوم تصوّر حدّ فاصل بين الإنسان والحاسب الآلي.
لقد تجاوز العلم اليوم خطوطا لم يكن بمقدور احد أن يتخيّلها من قبل. ومن الواضح أن العلم لم يعد يكتفي بمجرّد محاكاة نظم وقوانين الطبيعة، بل تخطّاها وأوجد ظروفا وأحوالا لم تُرَ أبدا من قبل على وجه الأرض. إذ يستطيع العلم اليوم تبريد الموادّ إلى جزء من الصفر المطلق، أي أبرد عدّة مرّات من أبرد مكان في هذا الكون. كما أن تجارب الشيفرة الوراثية من شأنها أن توجد كائنات غير معروفة على هذا الكوكب.
وما يشغل العلماء والمفكّرين الآن هو التأكّد ممّا إذا كان مقدّرا للبشر أن يروا ما سيحمله المستقبل البعيد. فالأنواع التي وُجدت على الأرض منذ نشأتها الأولى لم يعد موجودا منها الآن سوى واحد بالمائة فقط. وقد تصادف أننا، أي البشر، احد تلك الأنواع. ويضيف العلماء أن حاضر الإنسان هو أكثر خطرا من ماضيه بعدد من المرّات. بل إن 50 بالمائة من العلماء يتوقّعون احتمال انقراض البشر ويشيرون إلى أن التهديدات الكبيرة التي تحدق ببقاء الإنسان خلال المائة عام القادمة قد تكون خطرة جدّا على البشرية. والتهديدات تتضمّن خطر الإبادة النووية والفيروسات والبكتيريا، سواءً كانت طبيعية أو من صنع البشر.
الخطر الوجودي الذي يتهدّد البشر بالانقراض جرّاء حرب نووية أو فيروس قاتل هو ما يدفع العلماء إلى تصوّر تكنولوجيا قادرة على أن تحرّر البشر من النواحي الضعيفة في طبيعتهم وتحافظ على بقاء الإنسان حيّا ومزدهرا وتجعله أكثر قدرة على البقاء والاستمرار.
ويحدو العلماء أمل بأن ينجح علماء الأعصاب في التحكّم بالدماغ بحيث يمكن للإنسان تحقيق حالات من السعادة والأخلاق المطوّرة من اجل مجتمعات اقلّ هشاشة واقلّ عنفا. كما يتطلّعون إلى اليوم الذي تتوفّر فيه آلات فائقة الذكاء تحقّق استعمار الفضاء وتسهّل على الإنسان العيش على الأرض لبلايين السنين القادمة. ومثل هذا السيناريو يعدّ أفضل بكثير من تخيّل كائنات ما بعد البشر وهي تجلس عاجزة وتكتفي بمراقبة الشمس بينما يأخذ وقودها بالنفاد.
لكنّ سيناريو البقاء الأكثر إثارة للخوف والقلق يتضمّن، ليس موت الجسد فحسب، وإنما الموت الأخلاقي أيضا. فالتكنولوجيا التي قد تحرّر البشر من خطر الانقراض قد تحمل معها خطر تحويلهم إلى مخلوقات مجرّدة من طبيعتها الإنسانية. يقول العلماء: إن قيمة البشر لا تكمن في جوهرهم الفيزيائي وإنما في كونهم كائنات تشعر وتفكّر وتقيم علاقات مع الآخرين وتستمتع بالأدب والفنّ والموسيقى والشعر.. إلى آخره. ويضيفون: إن مرحلة ما بعد البشر قد تنتج مخلوقات ذات كفاءة عالية، لكنها بلا روح وتخلو من مشاعر الصداقة والإبداع الفنّي التي تستحقّ أن يعيش بها ومن اجلها الإنسان عندما كان إنسانا فقط.
التوقّعات كثيرة وكلّنا نمارسها. لكن الإنسان بشكل عام يعرف عادة عن الماضي أكثر مما يعرف عن المستقبل. بل حتى الماضي لا يعرف عنه إنسان اليوم سوى النزر اليسير. وما يقوله العلماء عن المستقبل يبقى في النهاية مجرّد تكهّنات قد تصدق وقد تخيب. كما أن هذه التوقّعات تطرح من الأسئلة أكثر ممّا تقدّمه من إجابات، لأن المستقبل مرهون بإرادة الله الذي يعلم ما في السموات وما في الأرض وهو على كلّ شيء قدير.
والحقيقة انه أحيانا يصعب رسم خط فاصل بين ما تقول به أفلام وروايات الخيال العلمي الشاطحة وبين تنبّؤات فئة من العلماء يصفون أنفسهم بعلماء المستقبليات حول طبيعة الحياة على الأرض بعد ملايين، وربّما بلايين السنين من الآن.
علماء المستقبليات يقولون إنهم يعتمدون في تنبّؤاتهم عن مستقبل الأرض على معلومات تتناول معطيات الفيزياء وقوانين الثيرمودايناميكس والتغييرات المناخية وتسارع التكنولوجيا وتطوّر البشر عبر ملايين السنين.
بعض العلماء يقولون إن شمس كوكب الأرض تكوّنت قبل أكثر من أربعة بلايين عام. وبناءً على بعض التقديرات، يُتوقّع أن تعيش الشمس ستّة بلايين عام إضافية قبل أن تستنفد وقودها نهائيا.
ويضيف أولئك العلماء إنه بحلول ذلك الوقت لن يكون هناك بشر كي يشهدوا موت الشمس، بل مخلوقات من نوع مختلف كمثل اختلاف البشر اليوم عن فصيلة الحشرات.
استكشاف المستقبل كان حتى وقت قريب مهمّة مقتصرة على رجال الدين. لكن تفكيرهم محدود زمانيا ومكانيا. وأقصى ما يمكنهم التنبّؤ به هو صعود الامبراطوريات وانهيارها، بالإضافة إلى القصص المتواترة عن "قيامة دينية" قد تقع ضمن فترات لا تتجاوز ألف عام.
أسلافنا من البشر الذين عاشوا قبل آلاف السنين على هذه الأرض لم يكن بمقدورهم أن يتنبّئوا بما سيكون عليه المستقبل، وبالتأكيد لم يكونوا يدركون بأن المستقبل سيكون مختلفا. فالحياة في تلك الأزمنة كانت بسيطة. كان الإنسان يولد ويموت في نفس البيئة وفي نفس الظروف. ولم تكن الكتابة قد اكتُشفت بعد، وبالتالي لم يكن هناك تاريخ مدوّن.
علماء المستقبليات، وبفضل التقدم التكنولوجي الهائل الذي أنجزه الإنسان، أصبحوا قادرين على التنبّؤ بما يخبّئه المستقبل البعيد من خلال محاولة رسم خارطة لشكل وطبيعة الحياة بعد بلايين السنين من الآن.
وأساليبهم في طلب هذه المعرفة هي مزيج من العلوم والفلسفة. أما افتراضاتهم التي يبنون عليها نظرياتهم فتستند إلى تطوّر كوكب الأرض والنظام الشمسي اللذين سيكونان مختلفين خلال الخمسين مليون سنة القادمة عمّا هما عليه الآن. ويضيف العلماء أن آلاف أو ملايين السنين من نشاط البشر على الأرض لا بدّ وأن يترك تغييرا على شكل الحياة على الكوكب.
غير أن العلماء ينظرون للماضي كمادّة للدراسة الموضوعية أكثر من كونه مجرّد فضاء للتأمّل الصامت أو الخيال العلمي أو الروايات الدرامية المشوّقة.
الكون، كما نعرفه اليوم، نظام معقّد جدّا ومن الصعوبة بمكان الإلمام بأسراره وألغازه الكثيرة. لكن العلماء لهم رأي مختلف. فهم مثلا يرون بأن الكون عبارة عن منظومة بسيطة نسبيا إذا ما قورن بنظام مشوّش مثل جسم الإنسان. وبالتالي فإن التكهّن بما سيحمله المستقبل هو مهمّة مجدية وممكنة معا.
بعض علماء الفلك يقولون إن احتراق كافّة النجوم التي يحتويها الكون ربّما يحتاج لألف مليون عام من الآن، وأن تبخّر آخر ثقب اسود في الكون يحتاج لعدد مهول من السنوات ربّما يزيد على عشرة أضعاف الرقم السابق.
العلم الحديث يستبعد النظرية القديمة القائلة بأن البشر يمثّلون ذروة تطوّر الحياة على الأرض. وهناك استشهاد بمقولة داروين الذي توقّع أن لا يحافظ أيّ نوع من المخلوقات على حالته أو شكله في المستقبل البعيد. ويذهب بعض العلماء إلى أن أهمّ تحوّل في أنواع الحياة لن يكون بيولوجيّاً، وأن التطوّر في المستقبل لن يحدّده الانتخاب الطبيعي كما كان يرى داروين بل التكنولوجيا، لأن قوّة الكمبيوتر تسارعت لدرجة انه يصعب اليوم تصوّر حدّ فاصل بين الإنسان والحاسب الآلي.
لقد تجاوز العلم اليوم خطوطا لم يكن بمقدور احد أن يتخيّلها من قبل. ومن الواضح أن العلم لم يعد يكتفي بمجرّد محاكاة نظم وقوانين الطبيعة، بل تخطّاها وأوجد ظروفا وأحوالا لم تُرَ أبدا من قبل على وجه الأرض. إذ يستطيع العلم اليوم تبريد الموادّ إلى جزء من الصفر المطلق، أي أبرد عدّة مرّات من أبرد مكان في هذا الكون. كما أن تجارب الشيفرة الوراثية من شأنها أن توجد كائنات غير معروفة على هذا الكوكب.
وما يشغل العلماء والمفكّرين الآن هو التأكّد ممّا إذا كان مقدّرا للبشر أن يروا ما سيحمله المستقبل البعيد. فالأنواع التي وُجدت على الأرض منذ نشأتها الأولى لم يعد موجودا منها الآن سوى واحد بالمائة فقط. وقد تصادف أننا، أي البشر، احد تلك الأنواع. ويضيف العلماء أن حاضر الإنسان هو أكثر خطرا من ماضيه بعدد من المرّات. بل إن 50 بالمائة من العلماء يتوقّعون احتمال انقراض البشر ويشيرون إلى أن التهديدات الكبيرة التي تحدق ببقاء الإنسان خلال المائة عام القادمة قد تكون خطرة جدّا على البشرية. والتهديدات تتضمّن خطر الإبادة النووية والفيروسات والبكتيريا، سواءً كانت طبيعية أو من صنع البشر.
الخطر الوجودي الذي يتهدّد البشر بالانقراض جرّاء حرب نووية أو فيروس قاتل هو ما يدفع العلماء إلى تصوّر تكنولوجيا قادرة على أن تحرّر البشر من النواحي الضعيفة في طبيعتهم وتحافظ على بقاء الإنسان حيّا ومزدهرا وتجعله أكثر قدرة على البقاء والاستمرار.
ويحدو العلماء أمل بأن ينجح علماء الأعصاب في التحكّم بالدماغ بحيث يمكن للإنسان تحقيق حالات من السعادة والأخلاق المطوّرة من اجل مجتمعات اقلّ هشاشة واقلّ عنفا. كما يتطلّعون إلى اليوم الذي تتوفّر فيه آلات فائقة الذكاء تحقّق استعمار الفضاء وتسهّل على الإنسان العيش على الأرض لبلايين السنين القادمة. ومثل هذا السيناريو يعدّ أفضل بكثير من تخيّل كائنات ما بعد البشر وهي تجلس عاجزة وتكتفي بمراقبة الشمس بينما يأخذ وقودها بالنفاد.
لكنّ سيناريو البقاء الأكثر إثارة للخوف والقلق يتضمّن، ليس موت الجسد فحسب، وإنما الموت الأخلاقي أيضا. فالتكنولوجيا التي قد تحرّر البشر من خطر الانقراض قد تحمل معها خطر تحويلهم إلى مخلوقات مجرّدة من طبيعتها الإنسانية. يقول العلماء: إن قيمة البشر لا تكمن في جوهرهم الفيزيائي وإنما في كونهم كائنات تشعر وتفكّر وتقيم علاقات مع الآخرين وتستمتع بالأدب والفنّ والموسيقى والشعر.. إلى آخره. ويضيفون: إن مرحلة ما بعد البشر قد تنتج مخلوقات ذات كفاءة عالية، لكنها بلا روح وتخلو من مشاعر الصداقة والإبداع الفنّي التي تستحقّ أن يعيش بها ومن اجلها الإنسان عندما كان إنسانا فقط.
التوقّعات كثيرة وكلّنا نمارسها. لكن الإنسان بشكل عام يعرف عادة عن الماضي أكثر مما يعرف عن المستقبل. بل حتى الماضي لا يعرف عنه إنسان اليوم سوى النزر اليسير. وما يقوله العلماء عن المستقبل يبقى في النهاية مجرّد تكهّنات قد تصدق وقد تخيب. كما أن هذه التوقّعات تطرح من الأسئلة أكثر ممّا تقدّمه من إجابات، لأن المستقبل مرهون بإرادة الله الذي يعلم ما في السموات وما في الأرض وهو على كلّ شيء قدير.