من أهمّ الخصائص التي تطبع الأغاني العربية عموما هي تشابه مواضيع كلماتها التي تركّز في الغالب على قصص الغرام والهجر ومدح الحبيب والتغنّي بجماله وذكر محاسنه في قالب لا يخلو أحيانا من التهويل والمبالغة.
الأغاني الغربية هي على النقيض تماما. إذ لن تسمع أغنية تثني على جمال المحبوب أو تتغنّى بمزاياه وخصاله أو تتوسّل منه السماح والغفران. والمقارنة بين هذين النوعين من الغناء يحيلنا تلقائيا إلى الخصائص الثقافية وطرق التفكير في مجتمعين يكادان يكونان مختلفين في كلّ شيء تقريبا.
استمعت قبل فترة إلى عيّنات من الغناء الغربي، فلاحظت أن في كلمات بعضها أفكارا فلسفية وإشارات سيكولوجية، بل إن بعضها يطرح تساؤلات عن الوجود والدين والحياة والمصير.. إلى آخره.
لكن يبقى للاغاني العربية، خاصة الكلاسيكية منها، سحرها وجمالها الخاصّ حتى عندما تكون كلماتها وموضوعاتها نمطية أو مكرّرة.
وهناك من هذه الأغاني ما قد تسمعها مرّة وبطريقة عارضة، ثم عندما تسمعها مرّة أخرى سرعان ما تثير في ذهنك صورا وذكريات عن أشخاص وأمكنة وحالات ومواقف وحكايات ما كان لك أن تتذكّرها لولا العلاقات والارتباطات الشعورية التي تثيرها الأغنية في النفس والعقل.
حدث هذا معي منذ أيّام وأنا استمع إلى هذه الأغنية. قد تستمع إلى نفس هذه الأغنية فلا تعجبك وقد لا تجد فيها ما يثير اهتمامك أو يجذبك إليها. هذا أمر ممكن ووارد. والمسألة في النهاية لا علاقة لها بنوعية الكلمات ولا الموسيقى ولا بما إذا كنت تحبّ صوت المطربة أم تستثقله، بل بالجوّ الذي تخلقه الموسيقى والمزاج النفسي الذي تستدعيه.
وهناك من الأغاني ما يطربك سماعه بمعزل عن عامل الارتباطات الشعورية والنفسية. قد تكون أغنية ذات كلمات معبّرة وصادقة. وقد تكون موسيقاها أو صوت أو طريقة أداء المغنّي أو المغنيّة سببا يجعلك تحبّها وترتاح لسماعها. استمع مثلا إلى هذه الأغنية أو هذه أو هذه.
كلّ هذه الأغاني الثلاث لا تخرج عن سياق عتاب المحبوب والتعبير عن لواعج الفراق وتعليل النفس باللقيا والوصال. ويمكنك بسهولة أن تكتشف كم أن كلمات بعضها بسيطة بل وأحيانا ساذجة. غير أنها جميعا من الأغاني التي درج الناس على سماعها وترديدها منذ وقت طويل.
وهناك نوع آخر من الأغاني التي يمكن أن تعشقها وتعاود الاستماع إليها مرّات ومرّات دون أن تملّ أذنك من سماعها. جرّب مثلا أن تستمع إلى هذه الأغنية أو هذه.
الأغنية من هذا النوع أشبه ما تكون باللوحة الفنّية التي لا تكشف لك عن تفاصيلها وخباياها من النظرة الأولى. بل لا بدّ لك من معاودة النظر إليها مرّة بعد أخرى كي تكتشف المزيد من مواطن سحرها وبهائها.
لكن من قال إن الأغاني العربية تخلو جميعها من الأفكار الفلسفية والتساؤلات الوجودية؟
عندما تستمع إلى هذه الأغنية ستكتشف أنها مختلفة بل ونادرة في بابها ومضمونها. تأمّل مثلا هذين المقطعين: يا رفيقي نحن من نور إلى نور مضينا. ومع النجم ذهبنا ومع الشمس أتينا. أين ما يُدعى ظلاما يا رفيق الليل أينا. إن نور الله في القلب وهذا ما أرى. ليس سرّا يا رفيقي أن أيّامي قليلة. ليس سرّا إنّما الأيّام بسمات طويلة. إن أردت السرّ فاسأل عنه أزهار الخميلة. عمرها يوم وتحيا اليوم حتى منتهاه". لاحظ الأداء الاستثنائي والمبهر هنا. صوت المغنّية يبدو في تمام صفائه وتَجلّيه. ولا بدّ وأن تلاحظ الشحنة الإنسانية والمعنوية الهائلة التي تختزنها كلمات الأغنية. الحديث عن النجوم والشمس والسماء والنور هو دعوة لكلّ ما يرمز إلى النقاء والتفاؤل والأمل والخير والأخوّة بين بني الإنسان. في كلّ مرّة اسمع فيها هذه الأغنية أتذكّر قول احد رجال الدين المتنوّرين: لو كان لي من أمر الفُتيا شيء لجعلت سماع فيروز فرضا على كلّ إنسان".
ولا يقلّ عن الأغنية السابقة جمالا هذه الأغنية التي تجاوز فيها المغنّي والشاعر حاجز النمطية والتكرار وأخرجا لنا أغنية يصحّ أن توصف بأنها متكاملة الأركان تأليفا وموسيقى وأداءً. ركّز وأنت تسمع الأغنية على طريقة أداء المطرب لهذا المقطع الذي يتكرّر في ثنايا الأغنية: من أدّ ايه كنّا هنا. من شهر فات ولا سنة. أيّام ما كنّا لبعضنا. والدهر غافل عنّنا".
بعض الأغاني الكلاسيكية العربية لها سحر ورونق خاصّ لا تكاد تلمسه في الأغاني الحديثة. وإذا أعجبتك الأغنيتان الأخيرتان، فعلى الأرجح ستعجبك هذه الأغنية وهذه أو هذه.
كلمات الأغاني العربية تركّز في العموم على حالات وقصص العشق والغرام كما سبقت الإشارة. لكن هناك بعض الأغاني التي تلامس الهموم العامّة وتنقد الأوضاع السياسية بطريقة ساخرة وجريئة. وفي ظلّ الثورات العربية الحالية كثر هذا النوع من الغناء وانتشر من بلد لآخر. ولعلّ أفضل ختام للموضوع هو هذه الأغنية ذات النكهة الرحبانية الواضحة والتي تنتقد حال السياسة وعجز السياسيين.
الأغاني الغربية هي على النقيض تماما. إذ لن تسمع أغنية تثني على جمال المحبوب أو تتغنّى بمزاياه وخصاله أو تتوسّل منه السماح والغفران. والمقارنة بين هذين النوعين من الغناء يحيلنا تلقائيا إلى الخصائص الثقافية وطرق التفكير في مجتمعين يكادان يكونان مختلفين في كلّ شيء تقريبا.
استمعت قبل فترة إلى عيّنات من الغناء الغربي، فلاحظت أن في كلمات بعضها أفكارا فلسفية وإشارات سيكولوجية، بل إن بعضها يطرح تساؤلات عن الوجود والدين والحياة والمصير.. إلى آخره.
لكن يبقى للاغاني العربية، خاصة الكلاسيكية منها، سحرها وجمالها الخاصّ حتى عندما تكون كلماتها وموضوعاتها نمطية أو مكرّرة.
وهناك من هذه الأغاني ما قد تسمعها مرّة وبطريقة عارضة، ثم عندما تسمعها مرّة أخرى سرعان ما تثير في ذهنك صورا وذكريات عن أشخاص وأمكنة وحالات ومواقف وحكايات ما كان لك أن تتذكّرها لولا العلاقات والارتباطات الشعورية التي تثيرها الأغنية في النفس والعقل.
حدث هذا معي منذ أيّام وأنا استمع إلى هذه الأغنية. قد تستمع إلى نفس هذه الأغنية فلا تعجبك وقد لا تجد فيها ما يثير اهتمامك أو يجذبك إليها. هذا أمر ممكن ووارد. والمسألة في النهاية لا علاقة لها بنوعية الكلمات ولا الموسيقى ولا بما إذا كنت تحبّ صوت المطربة أم تستثقله، بل بالجوّ الذي تخلقه الموسيقى والمزاج النفسي الذي تستدعيه.
وهناك من الأغاني ما يطربك سماعه بمعزل عن عامل الارتباطات الشعورية والنفسية. قد تكون أغنية ذات كلمات معبّرة وصادقة. وقد تكون موسيقاها أو صوت أو طريقة أداء المغنّي أو المغنيّة سببا يجعلك تحبّها وترتاح لسماعها. استمع مثلا إلى هذه الأغنية أو هذه أو هذه.
كلّ هذه الأغاني الثلاث لا تخرج عن سياق عتاب المحبوب والتعبير عن لواعج الفراق وتعليل النفس باللقيا والوصال. ويمكنك بسهولة أن تكتشف كم أن كلمات بعضها بسيطة بل وأحيانا ساذجة. غير أنها جميعا من الأغاني التي درج الناس على سماعها وترديدها منذ وقت طويل.
وهناك نوع آخر من الأغاني التي يمكن أن تعشقها وتعاود الاستماع إليها مرّات ومرّات دون أن تملّ أذنك من سماعها. جرّب مثلا أن تستمع إلى هذه الأغنية أو هذه.
الأغنية من هذا النوع أشبه ما تكون باللوحة الفنّية التي لا تكشف لك عن تفاصيلها وخباياها من النظرة الأولى. بل لا بدّ لك من معاودة النظر إليها مرّة بعد أخرى كي تكتشف المزيد من مواطن سحرها وبهائها.
لكن من قال إن الأغاني العربية تخلو جميعها من الأفكار الفلسفية والتساؤلات الوجودية؟
عندما تستمع إلى هذه الأغنية ستكتشف أنها مختلفة بل ونادرة في بابها ومضمونها. تأمّل مثلا هذين المقطعين: يا رفيقي نحن من نور إلى نور مضينا. ومع النجم ذهبنا ومع الشمس أتينا. أين ما يُدعى ظلاما يا رفيق الليل أينا. إن نور الله في القلب وهذا ما أرى. ليس سرّا يا رفيقي أن أيّامي قليلة. ليس سرّا إنّما الأيّام بسمات طويلة. إن أردت السرّ فاسأل عنه أزهار الخميلة. عمرها يوم وتحيا اليوم حتى منتهاه". لاحظ الأداء الاستثنائي والمبهر هنا. صوت المغنّية يبدو في تمام صفائه وتَجلّيه. ولا بدّ وأن تلاحظ الشحنة الإنسانية والمعنوية الهائلة التي تختزنها كلمات الأغنية. الحديث عن النجوم والشمس والسماء والنور هو دعوة لكلّ ما يرمز إلى النقاء والتفاؤل والأمل والخير والأخوّة بين بني الإنسان. في كلّ مرّة اسمع فيها هذه الأغنية أتذكّر قول احد رجال الدين المتنوّرين: لو كان لي من أمر الفُتيا شيء لجعلت سماع فيروز فرضا على كلّ إنسان".
ولا يقلّ عن الأغنية السابقة جمالا هذه الأغنية التي تجاوز فيها المغنّي والشاعر حاجز النمطية والتكرار وأخرجا لنا أغنية يصحّ أن توصف بأنها متكاملة الأركان تأليفا وموسيقى وأداءً. ركّز وأنت تسمع الأغنية على طريقة أداء المطرب لهذا المقطع الذي يتكرّر في ثنايا الأغنية: من أدّ ايه كنّا هنا. من شهر فات ولا سنة. أيّام ما كنّا لبعضنا. والدهر غافل عنّنا".
بعض الأغاني الكلاسيكية العربية لها سحر ورونق خاصّ لا تكاد تلمسه في الأغاني الحديثة. وإذا أعجبتك الأغنيتان الأخيرتان، فعلى الأرجح ستعجبك هذه الأغنية وهذه أو هذه.
كلمات الأغاني العربية تركّز في العموم على حالات وقصص العشق والغرام كما سبقت الإشارة. لكن هناك بعض الأغاني التي تلامس الهموم العامّة وتنقد الأوضاع السياسية بطريقة ساخرة وجريئة. وفي ظلّ الثورات العربية الحالية كثر هذا النوع من الغناء وانتشر من بلد لآخر. ولعلّ أفضل ختام للموضوع هو هذه الأغنية ذات النكهة الرحبانية الواضحة والتي تنتقد حال السياسة وعجز السياسيين.