بين عامي 1891 و 1902، عثر وليام تشيس على مواضيع جديدة للوحاته خارج الأبواب وفي الهواء الطلق في ساوثهامبتون بـ لونغ آيلاند، حيث كان يشرف على المدرسة الصيفية للفنون في شينيكوك هيلز.
في هذا المشهد الذي التقطه من فوق الكثبان الرملية الوعرة على طول خليج شينيكوك، رسم الفنّان أربعة نماذج متكرّرة: امرأة تعتمر قلنسوة حمراء "ربّما كانت زوجته"، واثنتين من بناته، بالإضافة إلى إحدى شقيقات زوجته. وتشيس يدعو الناظر لملء الأشكال غير الواضحة ومحاولة إكمال القصّة المتضمّنة في اللوحة.
"ساعات خاملة" هي لوحة نموذجية عن سكّان الحواضر الذين يستمتعون بخلواتهم في الضواحي. كما أن فيها تلميحا إلى ازدياد أوقات الفراغ نتيجة ازدياد وتيرة التحضير والتصنيع. في ذلك الوقت أصبحت النساء يشكّلن غالبية روّاد المنتجعات الصيفية. وكنّ يفضّلن قضاء وقت التسلية على الشطان الآمنة، بينما كان أزواجهن منصرفين للاهتمام بأعمالهم في المدينة.
السرد في هذه الصورة بسيط مثل بساطة ملاحظة منسوبة إلى هنري جيمس قال فيها: "ظهيرة صيفية. بالنسبة إليّ هاتان الكلمتان هما الأكثر جمالا في اللغة الإنجليزية".
❉ ❉ ❉
في هذا المنظر، المقدّم بحرّية والعفوي إلى حدّ ما، يرسم جون سارجنت الحوض الكبير في قلب حدائق لوكسمبور في باريس.
ونظرا إلى انه كان متأثّرا بأسلوب الانطباعيين الفرنسيين، فإن الرسّام يلتقط منظر الشفق في صيف باريس التي تظلّلها سماء برّاقة بلون الخزامى.
الوتيرة البطيئة لحركة الزوّار الذين يأتون إلى هذا المكان عادة يمثّلها زوجان أنيقان يمشيان باتجاه المنتزه الواقع على الضفّة اليسرى للنهر. ووضعية المرأة والرجل لا تشي بأيّ قصّة واضحة.
الحياة الحضرية الحديثة كانت موضوعا جوهريا ومثاليا للانطباعيين الذين كانوا يجسّدون في أعمالهم الطبيعة الديناميكية والمتغيّرة لعصرهم.
كانت باريس آنذاك قد شهدت تحوّلات كبيرة في ما عُرف بعهد الإمبراطورية الثانية (1852-1870). فقد أصبحت هذه المدينة أكثر اتساعا وأكثر حداثة. كما بُني المزيد من حدائقها وأعيد تشكيل البعض الآخر استجابة لازدياد عدد قاطنيها ونموّ وتوسّع خدماتها ومرافقها.
❉ ❉ ❉
استجابة لذوق جامعي الفنّ الأثرياء في مطلع القرن الماضي، وكانوا غالبا من الذكور، كان رسّامون أمريكيون كثر يصوّرون النساء ككائنات بديعة ومرتبطة بالبحث عن القيم الجمالية. بعض صورهم كانت تلمّح إلى المبادئ والأفكار الرائجة التي كان يتبنّاها الدكتور وير ميتشل، وهو طبيب أعصاب متنفّذ من فيلادلفيا، كان يصف العزلة والسكون المطلق كعلاج لاضطرابات الجهاز العصبيّ عند النساء.
وتوماس ديونغ يرسم في لوحته هنا امرأتين ترتديان ملابس أنيقة في إحدى غرف منزله الصيفي الجديد في ولاية نيوهامبشاير.
وتبدو المرأتان محصورتين ضمن جدران غرفة بلا نوافذ وتجلسان إلى طاولة ضخمة، بينما تحدّق إحداهما في كتاب وتمسك الأخرى بغصن زهرة.
وقد اظهر فحص بالأشعّة اُجري على اللوحة في ما بعد أن ديونغ رسم المرأة إلى اليسار وهي تومئ لرفيقتها بينما تردّ عليها الأخرى بنظرة مبهمة.
لكنه لاحقا عدّل في اللوحة كي يضفي بعض الغموض على عنصر السرد فيها وكأنه يدعو الناظر إلى التأمّل في سلبية ولامبالاة المرأتين ومغزى وجودهما في هذا المكان الخانق.
❉ ❉ ❉
في صالون بلا نوافذ يغمره ضوء ناعم وأجواء حالمة، تُمضي سيّدتان أنيقتان وقتهما بعمل القليل جدّا، أو أنهما لا تفعلان شيئا على الإطلاق.
وليام باكستون يلمّح إلى قصّة ما. لكنّه يطلب من الناظر أن يبتكرها وكأنه يحاكي غموض لوحات فيرمير الذي كان معجبا به.
كان باكستون يميل في الغالب إلى تصوير نساء أنيقات، مثل زوجات وبنات رُعاته، في أوقات فراغهنّ داخل منازل بوسطن الجميلة. وهنّ يظهرن في هذه اللوحات بمظهر المحافظات على الثقافة والتقاليد لأنهنّ هنّ من يزيّنّ المنازل ويشغلنها.
ومن خلال مساواة النساء بالأشياء الجمالية الثمينة التي تحيط بهن، كان باكستون يؤكد على أفكار الروائي هنري جيمس الذي كان يصوّر النساء كعنصر مكمّل لعناصر الثقافة المحلية الأخرى.
أعمال باكستون تتفق أيضا مع آراء عالم الاجتماع ثورستين فيبلين، الذي ضمّن كتابه "نظرية الطبقة المرفّهة" ملاحظة قال فيها إن وجود المرأة الفارغة دليل يؤشّر على ثراء أبيها أو زوجها.
❉ ❉ ❉
على غرار الشركات التي كانت تعيد تعريف الزراعة والصناعة الأميركية في أواخر القرن التاسع عشر، بادرت المتاجر إلى إعادة تعريف مفهوم التسويق تجاوبا مع الفكرة.
هذا المشهد ربّما تمّ رسمه في مركز تجاري ضخم في نيويورك حيث كان غلاكنز يعيش مع عائلته. وكما يعرض المتجر بضاعته، رسم الفنان عدّة زبائن حسني الهندام داخل المتجر. زوجته، التي تظهر في الوسط، تبدو منهمكة في تفحّص الملابس المعروضة. وزوجة زميل الرسّام، إلى اليمين، توجّه نظراتها إلى المشاهد.
كثرة المتسوّقين تشير إلى وفرة منتجات العصر المادّية وتنوّع الاتجاهات التسويقية المتطوّرة.
كان من عادة نساء الطبقة المتوسطة أن يتوجّهن إلى المخازن العصرية لشراء ما يحتجنه من لوازم وضرورات.
العلامة الفارقة في اللوحة هي أناقة لباس النساء المتسوّقات. وهذا العنصر يشير إلى واقعية الرسّام وفهمه لطبيعة التكوين الاجتماعي في عصره.
❉ ❉ ❉
اشتُهرت فينيسيا بغرائبيّتها وعزلتها عن التطورّات الحديثة. كما أن وتيرة الحياة البطيئة فيها كانت تروق للسيّاح الذين كانوا يبحثون عن مهرب من ضجيج وصخب الحياة في أوربّا أواخر القرن التاسع عشر.
وقد أسهمت أزقّة المدينة المائية وبنيتها ومعمارها المحكم في تعزيز التجارب الجديدة للرسّامين. أصبح هؤلاء يهتمّون بتصوير اللون والضوء الزائل بدلا من دراسة الفنّ في العصور القديمة واقتفاء اثر الرسّامين الأوائل، على نحو ما كان يفعله الفنّانون الذين طالما اجتذبتهم المدينة في أوقات مبكّرة.
في هذه اللوحة يمسك سارجنت بألوان فينيسيا الباردة والمظلمة وبالمنظور الغريب لساحاتها المنعزلة وممرّاتها الضيقة. وهو يصوّر لمحة عابرة لشخصين، رجل وامرأة، وهما يخرجان من متجر للنبيذ في شارع جانبي رثّ ومعتم.
ربّما كان سارجنت متأثّرا بالتصوير الفوتوغرافي، من حيث انه ركّز على رؤية لحظية. ومن الملاحظ انه قام بطمس المباني المحصورة مُحيلا الساحة الصغيرة إلى مجرّد شريحة من جدار يضيئه نور الشمس. "مترجم".