حدث هذا منذ آلاف السنين. وفي رواية أخرى منذ ملايين السنين. وبعض العلماء، واعتمادا على عدد وافر من الأبحاث والدراسات، يُرجِعون بداية القصّة الملحمية لوجود الإنسان على الأرض إلى ما قبل حوالي خمسة ملايين عام.
في البداية، لا نعرف سوى القليل جدّا عن أسلافنا من البشر الأوائل. لم نرَ صورهم ولا هيئاتهم. لكنْ في أعمق طبقة من طين تربة قديمة وُجدت قطع من عظامهم. كانت هذه القطع مدفونة وسط هياكل عظمية محطّمة لحيوانات أخرى اختفت منذ زمن طويل من على وجه الأرض.
وقد اخذ علماء الأنثروبولوجيا هذه العظام، واستطاعوا إعادة بناء هيئات أسلافنا الأوائل بدرجة معقولة من الدقّة.
الأجداد الأوّلون للجنس البشري كانوا صغار البُنية؛ اصغر بكثير ممّا نبدو اليوم. وقد لوّنت حرارة الشمس اللاهبة ورياح الشتاء اللاذعة جلودهم وأضفت عليها لونا بنّيا داكنا. كانت أصابعهم رفيعة جدّا، لكنّها قويّة. وكانت جباههم منخفضة وأسنانهم تشبه أنياب الحيوانات البرّية. لم يكونوا يرتدون ملابس، ولم يكونوا قد رأوا النار بعد، عدا لهب البراكين الهادرة التي كانت تملأ الأرض بالدخان والحمم البركانية.
كان أسلافنا الأوائل يعيشون في الغابات الشاسعة، مثلما يفعل أقزام أفريقيا حتى يومنا هذا. كان الإنسان القديم، عندما يشعر بآلام الجوع، يأكل أوراق وجذور النباتات أو يستولي على بيض الطيور ويطعمه لأطفاله الصغار. ومن حين لآخر، وبعد مطاردات طويلة ومضنية، كان يصطاد عصفورا أو كلبا أو أرنبا برّيا صغيرا. وكان يأكل لحمها نيئاً، لأنه لم يكن قد اكتشف بعد أن اللحم يصبح مذاقه أفضل عندما يتمّ طهيه.
وخلال ساعات النهار، كان الإنسان البدائي يطوف بحثا عن أشياء تصلح للأكل. وعند هبوط الليل، يخبّئ زوجته وأطفاله في جوف شجرة أو وراء صخرة ثقيلة. كان محاطا من كلّ جانب بالحيوانات الشرسة والفتّاكة. وعندما يحلّ الظلام، تهيم هذه الحيوانات على وجوهها باحثة عن شيء تأكله هي وصغارها.
كان العالم في ذلك الوقت محكوما بقانون واحد: إمّا أن تأكل أو تؤكل. وكانت الحياة تعيسة لأنها كانت مليئة بالبؤس والخوف.
في الصيف، كان الإنسان القديم يتعرّض لأشعّة الشمس الحارقة. وفي الشتاء كان أطفاله يتجمّدون حتى الموت بين ذراعيه. وعندما يتعرّض لجرح أو إصابة خطيرة، كان يموت ميتة رهيبة لأنه ما من احد كان يرعاه أو يهتمّ به.
ومثل كثير من الحيوانات التي تملأ حديقة الحيوان بضوضائها الغريبة، كان الإنسان الأوّل يحبّ الثرثرة. كان يكرّر نفس الصرخات والهمهمات غير المفهومة، لأنه كان يسعده أن يسمع صوته.
ثم أتى وقت تعلّم فيه الإنسان أن بإمكانه استخدام هذا الضجيج لتحذير زملائه من البشر الآخرين كلّما لاح خطر أو تهديد من قوى الطبيعة أو من الحيوانات المفترسة. وكان زملاؤه الآخرون يبادلونه بصرخات تؤشّر إلى أنهم على علم بمصدر الخطر وأن على الجميع أن يختبئوا أو يهربوا. وعلى الأرجح، كان هذا أصل اللغة. لكننا لا نعرف سوى النزر اليسير عن تلك البدايات.
لم يكن لدى الإنسان الأوّل أدوات. ولم يكن يستطيع أن يبني لنفسه بيتا. كان يعيش ويموت دون أن يترك أثرا يدلّ على وجوده، عدا بعض العظام القليلة وأجزاء من جمجمته.
هذه الأجزاء والقطع تخبرنا انه منذ آلاف السنين كان العالم مسكونا ببعض الثدييات التي كانت مختلفة تماما عن سائر الحيوانات.
في البداية، لا نعرف سوى القليل جدّا عن أسلافنا من البشر الأوائل. لم نرَ صورهم ولا هيئاتهم. لكنْ في أعمق طبقة من طين تربة قديمة وُجدت قطع من عظامهم. كانت هذه القطع مدفونة وسط هياكل عظمية محطّمة لحيوانات أخرى اختفت منذ زمن طويل من على وجه الأرض.
وقد اخذ علماء الأنثروبولوجيا هذه العظام، واستطاعوا إعادة بناء هيئات أسلافنا الأوائل بدرجة معقولة من الدقّة.
الأجداد الأوّلون للجنس البشري كانوا صغار البُنية؛ اصغر بكثير ممّا نبدو اليوم. وقد لوّنت حرارة الشمس اللاهبة ورياح الشتاء اللاذعة جلودهم وأضفت عليها لونا بنّيا داكنا. كانت أصابعهم رفيعة جدّا، لكنّها قويّة. وكانت جباههم منخفضة وأسنانهم تشبه أنياب الحيوانات البرّية. لم يكونوا يرتدون ملابس، ولم يكونوا قد رأوا النار بعد، عدا لهب البراكين الهادرة التي كانت تملأ الأرض بالدخان والحمم البركانية.
كان أسلافنا الأوائل يعيشون في الغابات الشاسعة، مثلما يفعل أقزام أفريقيا حتى يومنا هذا. كان الإنسان القديم، عندما يشعر بآلام الجوع، يأكل أوراق وجذور النباتات أو يستولي على بيض الطيور ويطعمه لأطفاله الصغار. ومن حين لآخر، وبعد مطاردات طويلة ومضنية، كان يصطاد عصفورا أو كلبا أو أرنبا برّيا صغيرا. وكان يأكل لحمها نيئاً، لأنه لم يكن قد اكتشف بعد أن اللحم يصبح مذاقه أفضل عندما يتمّ طهيه.
وخلال ساعات النهار، كان الإنسان البدائي يطوف بحثا عن أشياء تصلح للأكل. وعند هبوط الليل، يخبّئ زوجته وأطفاله في جوف شجرة أو وراء صخرة ثقيلة. كان محاطا من كلّ جانب بالحيوانات الشرسة والفتّاكة. وعندما يحلّ الظلام، تهيم هذه الحيوانات على وجوهها باحثة عن شيء تأكله هي وصغارها.
كان العالم في ذلك الوقت محكوما بقانون واحد: إمّا أن تأكل أو تؤكل. وكانت الحياة تعيسة لأنها كانت مليئة بالبؤس والخوف.
في الصيف، كان الإنسان القديم يتعرّض لأشعّة الشمس الحارقة. وفي الشتاء كان أطفاله يتجمّدون حتى الموت بين ذراعيه. وعندما يتعرّض لجرح أو إصابة خطيرة، كان يموت ميتة رهيبة لأنه ما من احد كان يرعاه أو يهتمّ به.
ومثل كثير من الحيوانات التي تملأ حديقة الحيوان بضوضائها الغريبة، كان الإنسان الأوّل يحبّ الثرثرة. كان يكرّر نفس الصرخات والهمهمات غير المفهومة، لأنه كان يسعده أن يسمع صوته.
ثم أتى وقت تعلّم فيه الإنسان أن بإمكانه استخدام هذا الضجيج لتحذير زملائه من البشر الآخرين كلّما لاح خطر أو تهديد من قوى الطبيعة أو من الحيوانات المفترسة. وكان زملاؤه الآخرون يبادلونه بصرخات تؤشّر إلى أنهم على علم بمصدر الخطر وأن على الجميع أن يختبئوا أو يهربوا. وعلى الأرجح، كان هذا أصل اللغة. لكننا لا نعرف سوى النزر اليسير عن تلك البدايات.
لم يكن لدى الإنسان الأوّل أدوات. ولم يكن يستطيع أن يبني لنفسه بيتا. كان يعيش ويموت دون أن يترك أثرا يدلّ على وجوده، عدا بعض العظام القليلة وأجزاء من جمجمته.
هذه الأجزاء والقطع تخبرنا انه منذ آلاف السنين كان العالم مسكونا ببعض الثدييات التي كانت مختلفة تماما عن سائر الحيوانات.
لم يكن الإنسان الأوّل يعرف معنى الوقت. ولم يكن يحتفظ بسجلات عن تاريخ الولادة أو الزواج أو الوفاة. ولم تكن لديه فكرة عن الأيّام أو الأسابيع أو حتّى السنوات. لكن بشكل عام، كان يحفظ مسار تبدّل المواسم لارتباطها بأوقات نضج الفاكهة وهبوب الرياح واستعداد الحيوانات للنوم الطويل في الشتاء.
لكن فجأة، حدث شيء مخيف وغير عاديّ. وكان له علاقة بالطقس.
قمم الجبال التي كان يغطّيها العشب أصبحت مغطّاة بطبقة ثقيلة من الثلوج. ثمّ، وفي صباح أحد الأيّام، هبطت من تلك القمم العالية مجموعات من البشر المتوحّشين الذين كانوا مختلفين عن غيرهم من المخلوقات التي كانت تعيش في الجوار. كانوا يبدون على درجة من الهزال ويتضوّرون من شدّة الجوع. وكانوا يطلقون أصواتا لم يكن باستطاعة احد أن يفهمها. لكن بدا أنهم كانوا يقولون إنهم جائعون. لم يكن هناك من الغذاء ما يكفي للسكّان القدامى والوافدين الجدد.
وعندما حاولوا البقاء لأيّام أطول، نشبت معركة ضارية بين الجانبين باستخدام أيد وأقدام كالمخالب وقُتلت على إثر ذلك عائلات بأكملها. وفرّ من نجا من القادمين الجدد باتجاه المنحدرات الجبلية. لكنّهم ماتوا في العاصفة الثلجية التي تلت ذلك.
وبرغم ما حصل، كان الخوف ما يزال يتملّك الناس في الغابة. بل إن خوفهم بات أعظم. أصبح النهار اقصر والليل أطول ممّا اعتادوه. وأخيرا، وفي فجوة بين تلّتين عاليتين، ظهرت بقعة صغيرة من الثلج المخضر. وازداد حجمها بسرعة. ثم انزلق نهر جليدي ضخم هبوطا عبر التلال. واندفعت حجارة كبيرة نحو الوادي. ومع زئير عشرات العواصف الرعدية ودمدمة السيول العارمة، هوت فجأة كتل من الثلج والطين والغرانيت وشقّت طريقها إلى حيث يعيش الناس في الغابة وقتلت الكثيرين منهم أثناء نومهم. وانسحقت أشجار ضخمة عمر بعضها مائة عام. بعد ذلك بدأت الأرض تُثلج. واستمرّ الثلج أشهرا. وماتت جميع النباتات وهربت الحيوانات بحثا عن الشمس في الجنوب.
الإنسان القديم هو أيضا كان يفكّر في الهرب إلى ارض أخرى يمكن أن يجد فيها ظروف عيش أفضل. لكنه كان يخشى هجمات المخلوقات المتوحّشة التي كانت أسرع منه وأشدّ فتكا.
واضطرّ إلى الاختيار بين التفكير السريع أو الموت السريع. ويبدو انه فضّل الخيار الأوّل. وقد تمكّن فعلا من البقاء على قيد الحياة خلال العصور الجليدية الرهيبة التي كانت تهدّد بقتل كلّ إنسان على وجه الأرض.
في البداية، كان من الضروريّ أن يكسو الإنسان القديم نفسه كي لا يتجمّد حتى الموت بسبب البرد. ثمّ تعلّم كيفية حفر الحفر وتغطيتها بفروع وأوراق الشجر. وبفضل تلك الحفر، استطاع الإنسان الإمساك بالدببة والضباع التي كان يقتلها باستخدام الحجارة الثقيلة ومن ثمّ يأكل لحمها ويستخدم جلودها كمعاطف تقيه وعائلته غائلة البرد.
ثم جاءت بعد ذلك مشكلة المأوى. ووجد لها الإنسان القديم حلا بسيطا. كانت العديد من الحيوانات معتادة على النوم في الكهوف المظلمة. وأصبح الإنسان الآن يقلّدها، فقام بإخراجها من بيوتها الدافئة واختصّ بها نفسه.
ومع ذلك، كان المناخ ما يزال يمثّل مشكلة كبيرة لمعظم البشر الأوائل. كان الكبار والصغار يموتون بمعدّلات عالية. ثم فكّر عبقريّ منهم باستخدام النار. ذات يوم، وبينما كان خارجا للصيد، وجد نفسه عالقا في حريق شب في غابة بفعل عاصفة رعدية. وتذكّر انه كاد يتفحّم حتى الموت بسبب اللهب المستعر. حتى ذلك الوقت كانت النار تُعتبر عدوّا.
قام الرجل بسحب شجرة متيبّسة إلى الكهف وأوقدها باستخدام فرع شجرة مشتعل جلبه معه من الغابة المحترقة. وتحوّلت المغارة إلى غرفة صغيرة دافئة. ومن يومها أصبحت النار صديقا للإنسان.
وفي إحدى الليالي سقطت دجاجة ميّتةً في النار. ولم يتمّ إنقاذها إلى أن تفحّمت تماما. واكتشف الإنسان أن مذاق اللحم يصبح أفضل بعد شيّه أو طهيه. وهكذا تخلّى الإنسان عن إحدى العادات القديمة التي كان يشترك فيها مع الحيوانات الأخرى. وبدأ يعدّ طعامه مستخدما النار.
ومرّت آلاف السنين والحال على هذا المنوال. فقط البشر الذين كانوا يستخدمون عقولهم هم من كُتب لهم البقاء. وكان على هؤلاء أن يكافحوا ليل نهار ضدّ البرد والجوع والخطر. واضطرّوا إلى ابتكار الأدوات، وتعلّموا شحذ الحجارة وتحويلها إلى فئوس ومطارق. ثمّ فطنوا إلى أهمّية تخزين كمّيات من الطعام لتأمين غذائهم طوال أشهر الشتاء الطويلة والقاسية. ثم اكتشفوا أن بإمكانهم أن يصنعوا من الطين الجرار وغيرها من الأدوات الخزفية بعد تعريضه لأشعّة الشمس.
وهكذا انتهت العصور الجليدية التي كانت تهدّد بتدمير وإفناء الجنس البشري. لكنّ تلك العصور أصبحت المعلّم الأكبر للإنسان، لأنها أجبرته على أن يستخدم عقله من اجل البقاء. "مترجم".
لكن فجأة، حدث شيء مخيف وغير عاديّ. وكان له علاقة بالطقس.
قمم الجبال التي كان يغطّيها العشب أصبحت مغطّاة بطبقة ثقيلة من الثلوج. ثمّ، وفي صباح أحد الأيّام، هبطت من تلك القمم العالية مجموعات من البشر المتوحّشين الذين كانوا مختلفين عن غيرهم من المخلوقات التي كانت تعيش في الجوار. كانوا يبدون على درجة من الهزال ويتضوّرون من شدّة الجوع. وكانوا يطلقون أصواتا لم يكن باستطاعة احد أن يفهمها. لكن بدا أنهم كانوا يقولون إنهم جائعون. لم يكن هناك من الغذاء ما يكفي للسكّان القدامى والوافدين الجدد.
وعندما حاولوا البقاء لأيّام أطول، نشبت معركة ضارية بين الجانبين باستخدام أيد وأقدام كالمخالب وقُتلت على إثر ذلك عائلات بأكملها. وفرّ من نجا من القادمين الجدد باتجاه المنحدرات الجبلية. لكنّهم ماتوا في العاصفة الثلجية التي تلت ذلك.
وبرغم ما حصل، كان الخوف ما يزال يتملّك الناس في الغابة. بل إن خوفهم بات أعظم. أصبح النهار اقصر والليل أطول ممّا اعتادوه. وأخيرا، وفي فجوة بين تلّتين عاليتين، ظهرت بقعة صغيرة من الثلج المخضر. وازداد حجمها بسرعة. ثم انزلق نهر جليدي ضخم هبوطا عبر التلال. واندفعت حجارة كبيرة نحو الوادي. ومع زئير عشرات العواصف الرعدية ودمدمة السيول العارمة، هوت فجأة كتل من الثلج والطين والغرانيت وشقّت طريقها إلى حيث يعيش الناس في الغابة وقتلت الكثيرين منهم أثناء نومهم. وانسحقت أشجار ضخمة عمر بعضها مائة عام. بعد ذلك بدأت الأرض تُثلج. واستمرّ الثلج أشهرا. وماتت جميع النباتات وهربت الحيوانات بحثا عن الشمس في الجنوب.
الإنسان القديم هو أيضا كان يفكّر في الهرب إلى ارض أخرى يمكن أن يجد فيها ظروف عيش أفضل. لكنه كان يخشى هجمات المخلوقات المتوحّشة التي كانت أسرع منه وأشدّ فتكا.
واضطرّ إلى الاختيار بين التفكير السريع أو الموت السريع. ويبدو انه فضّل الخيار الأوّل. وقد تمكّن فعلا من البقاء على قيد الحياة خلال العصور الجليدية الرهيبة التي كانت تهدّد بقتل كلّ إنسان على وجه الأرض.
في البداية، كان من الضروريّ أن يكسو الإنسان القديم نفسه كي لا يتجمّد حتى الموت بسبب البرد. ثمّ تعلّم كيفية حفر الحفر وتغطيتها بفروع وأوراق الشجر. وبفضل تلك الحفر، استطاع الإنسان الإمساك بالدببة والضباع التي كان يقتلها باستخدام الحجارة الثقيلة ومن ثمّ يأكل لحمها ويستخدم جلودها كمعاطف تقيه وعائلته غائلة البرد.
ثم جاءت بعد ذلك مشكلة المأوى. ووجد لها الإنسان القديم حلا بسيطا. كانت العديد من الحيوانات معتادة على النوم في الكهوف المظلمة. وأصبح الإنسان الآن يقلّدها، فقام بإخراجها من بيوتها الدافئة واختصّ بها نفسه.
ومع ذلك، كان المناخ ما يزال يمثّل مشكلة كبيرة لمعظم البشر الأوائل. كان الكبار والصغار يموتون بمعدّلات عالية. ثم فكّر عبقريّ منهم باستخدام النار. ذات يوم، وبينما كان خارجا للصيد، وجد نفسه عالقا في حريق شب في غابة بفعل عاصفة رعدية. وتذكّر انه كاد يتفحّم حتى الموت بسبب اللهب المستعر. حتى ذلك الوقت كانت النار تُعتبر عدوّا.
قام الرجل بسحب شجرة متيبّسة إلى الكهف وأوقدها باستخدام فرع شجرة مشتعل جلبه معه من الغابة المحترقة. وتحوّلت المغارة إلى غرفة صغيرة دافئة. ومن يومها أصبحت النار صديقا للإنسان.
وفي إحدى الليالي سقطت دجاجة ميّتةً في النار. ولم يتمّ إنقاذها إلى أن تفحّمت تماما. واكتشف الإنسان أن مذاق اللحم يصبح أفضل بعد شيّه أو طهيه. وهكذا تخلّى الإنسان عن إحدى العادات القديمة التي كان يشترك فيها مع الحيوانات الأخرى. وبدأ يعدّ طعامه مستخدما النار.
ومرّت آلاف السنين والحال على هذا المنوال. فقط البشر الذين كانوا يستخدمون عقولهم هم من كُتب لهم البقاء. وكان على هؤلاء أن يكافحوا ليل نهار ضدّ البرد والجوع والخطر. واضطرّوا إلى ابتكار الأدوات، وتعلّموا شحذ الحجارة وتحويلها إلى فئوس ومطارق. ثمّ فطنوا إلى أهمّية تخزين كمّيات من الطعام لتأمين غذائهم طوال أشهر الشتاء الطويلة والقاسية. ثم اكتشفوا أن بإمكانهم أن يصنعوا من الطين الجرار وغيرها من الأدوات الخزفية بعد تعريضه لأشعّة الشمس.
وهكذا انتهت العصور الجليدية التي كانت تهدّد بتدمير وإفناء الجنس البشري. لكنّ تلك العصور أصبحت المعلّم الأكبر للإنسان، لأنها أجبرته على أن يستخدم عقله من اجل البقاء. "مترجم".