بعض اللوحات ترفض أن تبقى ساكنة على الحائط. الأشخاص فيها ينزلقون إلى خارج الإطار، يلغون اللحظة الثابتة في الصورة ويدفعوننا إلى تخيّل أحوالهم وقصص حياتهم.
وعلى غرار رواية ايريس موردوك عن لوحة تيشيان الحبّ المقدس والحبّ الدنيوي، ورواية تريسي شيفالييه عن لوحة فيرمير الفتاة ذات القرط اللؤلؤي، تتتبّع مؤرّخة الفنّ كارولا هيكس في كتابها فتاة بفستان اخضر، تاريخ إحدى أكثر اللوحات في العالم شهرة وغموضا.
وهيكس تستخدم مهارتها في الطبّ الشرعي في محاولة لفكّ غموض هذه اللوحة وتروي كيف أنها نجت، طوال أكثر من أربعة قرون، من الحرائق والمعارك والرحلات البحرية الخطرة. كما تتحدّث عن دور اللوحة بوصفها مرآة تعكس ثقافة وتاريخ الزمن الذي ظهرت فيه.
بورتريه الزوجين ارنولفيني للرسّام الهولندي يان فان آيك يحيّر كلّ من يراه. الخبراء والعامّة، على حدّ سواء، يتساءلون عن معنى هذا الجوهرة المؤرّقة من فنّ القرون الوسطى. الزوجان الغامضان في اللوحة يبدو أنهما ينقلان لنا رسالة من وراء القرون. لكن ما هي؟ هل اللوحة احتفال بالزواج أو الحمل؟ محاولة لإحياء ذكرى زوجة شابّة توفّيت أثناء ولادتها لطفلها؟ بيان عن الموضة في ذلك الزمان؟ أم أنها رمز للمكانة أو الوجاهة الاجتماعية للرجل والمرأة الظاهرين فيها؟
الزوجان ارنولفيني كان لهما حياة أخرى حافلة بالأحداث في الخيال. فقد كانا دائما موضوعا لسجالات النقّاد وسخرية رسّامي الكاريكاتير. احد الكتّاب افترض أن الفتاة ذات المظهر الرقيق تخبّئ خلف طيّات ثوبها طفلا. وقال آخر إن اللوحة ربّما تتحدّث عن زواج بالإكراه. وكانت آخر مرّة ظهرت فيها اللوحة في المسلسل المعروف زوجات يائسات.
كارولا هيكس تلخّص هذا التاريخ اللزج للوحة، ولكنها لا تضيف إليه الشيء الكثير. غرضها في الأساس هو أن تتحقّق من مضامين اللوحة، وتدقّق في ديكورها الذي رسمه الفنّان بدقّة فائقة. كما ترصد المؤلّفة مسار اللوحة خلال أربعمائة عام انتقلت خلالها بين عدد من البيوت المالكة الأوروبية ونُهبت كغنيمة حرب، قبل أن تصل أخيرا إلى ملاذها الآمن بالقرب من ساحة الطرف الأغرّ في لندن.
تقول هيكس: الفنّ بحاجة إلى مال. كما انه يتبع السلطة. ولهذا السبب سرعان ما أصبحت لوحة فان آيك لعبة ملكية. في البداية، كانت اللوحة جزءا من تراث عائلة هابسبيرغ. ثم وقعت في يد فيليب الثاني ملك اسبانيا الذي كان يفضّل هيرونيموس بوش على فان آيك.
سليل فيليب، أي كارلوس الثالث، وضع اللوحة في مخزن مهجور. لكنّها انتُشلت في ما بعد، أو على الأصح اشتُريت من قبل أحد جنود ويلينغتون بعد معركة فيتوريا عام 1813.
وبهذه الطريقة جُلبت اللوحة إلى لندن. وقد ابتاعها الناشيونال غاليري، الوليد آنذاك؛ أي عام 1842م، بمبلغ ستّمائة جنيه، وهو سعر زهيد نسبيّا.
ومن هناك ترسّخت شهرة اللوحة بعد أن احتفى بها الرسّامون ما قبل الرافائيليين. ولم يمضِ وقت كثير حتى دخلت اللوحة حيّز الوعي الفنّي الأوسع.
الكاتبة تنقل الحقائق المعروفة كما هي. لكنّها لا تقدّم كشوفا أو تفسيرات جديدة. كما أنها لا تشير إلى السبب الذي جعلها تختار هذه اللوحة بالذات لكتابها، ولا ما الذي تعنيه لها اللوحة وما الذي يجعلها عملا أيقونيّا.
ماذا عن الزوجين ارنولفيني؟ ما هو سرّ تقطيب الرجل الذي تشبه ملامحه ملامح فلاديمير بوتين؟ من هم ضيوف الزوجين الذين نلمح صورهم منعكسة في المرآة على الحائط الخلفي؟ وما سرّ وجود سرير في غرفة الاستقبال؟
من الواضح أن كارولا هيكس تعشق هذه اللوحة كثيرا. ويصحّ اعتبار كتابها هذا رسالة حبّ إلى اللوحة. لكنّ المؤسف أن المؤلّفة رحلت عنّا في سنّ صغيرة نسبيّا وقبل أن تكمل كتابها الذي يبدو انه لم يُطبخ تماما.
وهذا الكتاب، في النهاية، هو تذكير لنا بأننا لا نعيش داخل بيت هذا التاجر، أي ارنولفيني، الذي يشبه عالم بيت الدمية الذي لا يمكن بلوغه أو سبر أسراره.
صحيح أن الكتاب يتضمّن الكثير عن التاريخ اللاحق للوحة. لكنه لا يتحدّث سوى عن القليل جدّا من أسرارها الداخلية. "مترجم".
وعلى غرار رواية ايريس موردوك عن لوحة تيشيان الحبّ المقدس والحبّ الدنيوي، ورواية تريسي شيفالييه عن لوحة فيرمير الفتاة ذات القرط اللؤلؤي، تتتبّع مؤرّخة الفنّ كارولا هيكس في كتابها فتاة بفستان اخضر، تاريخ إحدى أكثر اللوحات في العالم شهرة وغموضا.
وهيكس تستخدم مهارتها في الطبّ الشرعي في محاولة لفكّ غموض هذه اللوحة وتروي كيف أنها نجت، طوال أكثر من أربعة قرون، من الحرائق والمعارك والرحلات البحرية الخطرة. كما تتحدّث عن دور اللوحة بوصفها مرآة تعكس ثقافة وتاريخ الزمن الذي ظهرت فيه.
بورتريه الزوجين ارنولفيني للرسّام الهولندي يان فان آيك يحيّر كلّ من يراه. الخبراء والعامّة، على حدّ سواء، يتساءلون عن معنى هذا الجوهرة المؤرّقة من فنّ القرون الوسطى. الزوجان الغامضان في اللوحة يبدو أنهما ينقلان لنا رسالة من وراء القرون. لكن ما هي؟ هل اللوحة احتفال بالزواج أو الحمل؟ محاولة لإحياء ذكرى زوجة شابّة توفّيت أثناء ولادتها لطفلها؟ بيان عن الموضة في ذلك الزمان؟ أم أنها رمز للمكانة أو الوجاهة الاجتماعية للرجل والمرأة الظاهرين فيها؟
الزوجان ارنولفيني كان لهما حياة أخرى حافلة بالأحداث في الخيال. فقد كانا دائما موضوعا لسجالات النقّاد وسخرية رسّامي الكاريكاتير. احد الكتّاب افترض أن الفتاة ذات المظهر الرقيق تخبّئ خلف طيّات ثوبها طفلا. وقال آخر إن اللوحة ربّما تتحدّث عن زواج بالإكراه. وكانت آخر مرّة ظهرت فيها اللوحة في المسلسل المعروف زوجات يائسات.
كارولا هيكس تلخّص هذا التاريخ اللزج للوحة، ولكنها لا تضيف إليه الشيء الكثير. غرضها في الأساس هو أن تتحقّق من مضامين اللوحة، وتدقّق في ديكورها الذي رسمه الفنّان بدقّة فائقة. كما ترصد المؤلّفة مسار اللوحة خلال أربعمائة عام انتقلت خلالها بين عدد من البيوت المالكة الأوروبية ونُهبت كغنيمة حرب، قبل أن تصل أخيرا إلى ملاذها الآمن بالقرب من ساحة الطرف الأغرّ في لندن.
تقول هيكس: الفنّ بحاجة إلى مال. كما انه يتبع السلطة. ولهذا السبب سرعان ما أصبحت لوحة فان آيك لعبة ملكية. في البداية، كانت اللوحة جزءا من تراث عائلة هابسبيرغ. ثم وقعت في يد فيليب الثاني ملك اسبانيا الذي كان يفضّل هيرونيموس بوش على فان آيك.
سليل فيليب، أي كارلوس الثالث، وضع اللوحة في مخزن مهجور. لكنّها انتُشلت في ما بعد، أو على الأصح اشتُريت من قبل أحد جنود ويلينغتون بعد معركة فيتوريا عام 1813.
وبهذه الطريقة جُلبت اللوحة إلى لندن. وقد ابتاعها الناشيونال غاليري، الوليد آنذاك؛ أي عام 1842م، بمبلغ ستّمائة جنيه، وهو سعر زهيد نسبيّا.
ومن هناك ترسّخت شهرة اللوحة بعد أن احتفى بها الرسّامون ما قبل الرافائيليين. ولم يمضِ وقت كثير حتى دخلت اللوحة حيّز الوعي الفنّي الأوسع.
الكاتبة تنقل الحقائق المعروفة كما هي. لكنّها لا تقدّم كشوفا أو تفسيرات جديدة. كما أنها لا تشير إلى السبب الذي جعلها تختار هذه اللوحة بالذات لكتابها، ولا ما الذي تعنيه لها اللوحة وما الذي يجعلها عملا أيقونيّا.
ماذا عن الزوجين ارنولفيني؟ ما هو سرّ تقطيب الرجل الذي تشبه ملامحه ملامح فلاديمير بوتين؟ من هم ضيوف الزوجين الذين نلمح صورهم منعكسة في المرآة على الحائط الخلفي؟ وما سرّ وجود سرير في غرفة الاستقبال؟
من الواضح أن كارولا هيكس تعشق هذه اللوحة كثيرا. ويصحّ اعتبار كتابها هذا رسالة حبّ إلى اللوحة. لكنّ المؤسف أن المؤلّفة رحلت عنّا في سنّ صغيرة نسبيّا وقبل أن تكمل كتابها الذي يبدو انه لم يُطبخ تماما.
وهذا الكتاب، في النهاية، هو تذكير لنا بأننا لا نعيش داخل بيت هذا التاجر، أي ارنولفيني، الذي يشبه عالم بيت الدمية الذي لا يمكن بلوغه أو سبر أسراره.
صحيح أن الكتاب يتضمّن الكثير عن التاريخ اللاحق للوحة. لكنه لا يتحدّث سوى عن القليل جدّا من أسرارها الداخلية. "مترجم".