"من الذي يملك عمرا كافيا ليتطلّع في طيّات شعرك؟! كلّ قطرة ندى تنتظر الموت عند وصول أشعّة الشمس. وأنا أيضا انتظر أن أتحرّر عندما ترمقينني بنظرة".
"سمعنا عن طرد آدم من الجنّة. بمزيد من الإذلال سأرحل عن الشارع الذي تقيمين فيه".
"في الحبّ، لا فرق بين الحياة والموت. نحيا على صورة الكافر الذي قد نموت لأجله".
"أيّتها المستبدّة! سيعرفك الجميع إذا انزلقت خصلات شعري المجعّد من تحت عمامتي".
بعض الشعراء يتحدّثون عن الثورة. وبعضهم الآخر عن تعاسة الحبّ. والبعض الثالث عن معنى الحياة. و ميرزا أسد الله خان غالب (1797-1869) يمكن اعتباره شاعر الجنون: جنون العشق، جنون الوجود، وجنون الفناء.
ومحاولة الكتابة عن هذا الشاعر هي في حدّ ذاتها انتقاص من شعره وما يمثّله. وبعد قراءة شعره، سيبدو لك الكثير من الشعراء الآخرين باهتين مقارنة به.
عالم غالب بوتقة حقيقية من المشاعر الإنسانية. وبقدر ما يطمح قارئه في أن يفهم شعره، بقدر ما يكتشف أن ذلك الشعر مثل العنقاء، غامض وبعيد المنال. بعض أشعاره بسيطة بشكل خادع. وهناك منها ما قد تأخذ منك أشهرا قبل أن تكشف لك عن أسرارها الكامنة.
بالإضافة إلى شعره، فإن ما يحبّب الكثيرين إلى شعر غالب هو شخصيّته. ومن خلال رسائله التي هي انعكاس للواقع الاجتماعي والسياسي في عصره، تستطيع أن تستنتج، مثلا، انه تعّرف إلى بعض الأسرار الغامضة للكون أثناء حديثه مع فتاة جميلة رآها ذات يوم في حانة. ويبدو أن غالب كان يتنقّل على حدود عالَمَين في وقت واحد. وهذا أمر نادر جدّا بين الشعراء.
في مسائل الحبّ خاصّة، كان الجنون هو ما يميّز غالب ويبرزه. وبعض تعابيره القويّة عن العشق تذكّر بمجنون ليلى.
"لماذا يخاف قاتلي/معشوقي؟ لا احد سيعتبره مسئولا عن الدم الذي سينهمر من عينيّ بلا انقطاع طوال حياتي".
"إن كان هناك من يريد أن يكتب لها رسالة، فيمكن له أن يسألني. ففي كلّ صباح أغادر بيتي وقلمي فوق أذني".
"من كنت أتوقّع منه الإنصاف والثناء على ضعفي تبيّن انه مثخن أكثر بنفس السيف القاسي".
على الرغم من أن غالب كان رجلا مؤمنا، إلا انه لم يكن أبدا إنسانا متديّنا. ومثل الكثير من الصوفيين الذين أتوا قبله وبعده، لم يكن يعترف بأيّ تمييز بين طبقة وأخرى أو بين دين وآخر. ويمكن اعتبار شعره صدى لهذه الرسالة العالمية.
وجاذبية شعر غالب هي اليوم أكثر قوّة ممّا كانت عليه أثناء حياته. ربّما لأن شعره هو انعكاس للطبيعة المتأصّلة فيه كإنسان. وهو في شعره يتناول شتّى المشاعر الإنسانية كالحبّ والبؤس والوجود والعدم.
"بحقّ الله، لا ترفع العباءة التي تغطّي الكعبة. أخشى أن يكون الكافر الذي تحتها معشوقي".
"شتّان ما بين باب المسجد وباب الحان. ما أعلمه أنني عندما غادرت الحان بالأمس رأيت الفقيه يدخله".
"أوه، يا ربّ! ليست الخطايا التي ارتكبتها هي ما اندم عليه، بل تلك التي لم تواتِني الفرصة لارتكابها".
"انوي الذهابُ إلى مكانٍ اختلي فيه مع نفسي. في ذلكَ المكان، لا أحد غيري ولا أحد حولي. أريد أن ابني لي بيتا بلا باب ولا جدران ولا حرس أو جيران. وعندما أرحل عن هذه الحياة، لن يكون هناك من يندبُ حظّه أو يذرف الدموع".
"سمعنا عن طرد آدم من الجنّة. بمزيد من الإذلال سأرحل عن الشارع الذي تقيمين فيه".
"في الحبّ، لا فرق بين الحياة والموت. نحيا على صورة الكافر الذي قد نموت لأجله".
"أيّتها المستبدّة! سيعرفك الجميع إذا انزلقت خصلات شعري المجعّد من تحت عمامتي".
بعض الشعراء يتحدّثون عن الثورة. وبعضهم الآخر عن تعاسة الحبّ. والبعض الثالث عن معنى الحياة. و ميرزا أسد الله خان غالب (1797-1869) يمكن اعتباره شاعر الجنون: جنون العشق، جنون الوجود، وجنون الفناء.
ومحاولة الكتابة عن هذا الشاعر هي في حدّ ذاتها انتقاص من شعره وما يمثّله. وبعد قراءة شعره، سيبدو لك الكثير من الشعراء الآخرين باهتين مقارنة به.
عالم غالب بوتقة حقيقية من المشاعر الإنسانية. وبقدر ما يطمح قارئه في أن يفهم شعره، بقدر ما يكتشف أن ذلك الشعر مثل العنقاء، غامض وبعيد المنال. بعض أشعاره بسيطة بشكل خادع. وهناك منها ما قد تأخذ منك أشهرا قبل أن تكشف لك عن أسرارها الكامنة.
بالإضافة إلى شعره، فإن ما يحبّب الكثيرين إلى شعر غالب هو شخصيّته. ومن خلال رسائله التي هي انعكاس للواقع الاجتماعي والسياسي في عصره، تستطيع أن تستنتج، مثلا، انه تعّرف إلى بعض الأسرار الغامضة للكون أثناء حديثه مع فتاة جميلة رآها ذات يوم في حانة. ويبدو أن غالب كان يتنقّل على حدود عالَمَين في وقت واحد. وهذا أمر نادر جدّا بين الشعراء.
في مسائل الحبّ خاصّة، كان الجنون هو ما يميّز غالب ويبرزه. وبعض تعابيره القويّة عن العشق تذكّر بمجنون ليلى.
"لماذا يخاف قاتلي/معشوقي؟ لا احد سيعتبره مسئولا عن الدم الذي سينهمر من عينيّ بلا انقطاع طوال حياتي".
"إن كان هناك من يريد أن يكتب لها رسالة، فيمكن له أن يسألني. ففي كلّ صباح أغادر بيتي وقلمي فوق أذني".
"من كنت أتوقّع منه الإنصاف والثناء على ضعفي تبيّن انه مثخن أكثر بنفس السيف القاسي".
على الرغم من أن غالب كان رجلا مؤمنا، إلا انه لم يكن أبدا إنسانا متديّنا. ومثل الكثير من الصوفيين الذين أتوا قبله وبعده، لم يكن يعترف بأيّ تمييز بين طبقة وأخرى أو بين دين وآخر. ويمكن اعتبار شعره صدى لهذه الرسالة العالمية.
وجاذبية شعر غالب هي اليوم أكثر قوّة ممّا كانت عليه أثناء حياته. ربّما لأن شعره هو انعكاس للطبيعة المتأصّلة فيه كإنسان. وهو في شعره يتناول شتّى المشاعر الإنسانية كالحبّ والبؤس والوجود والعدم.
"بحقّ الله، لا ترفع العباءة التي تغطّي الكعبة. أخشى أن يكون الكافر الذي تحتها معشوقي".
"شتّان ما بين باب المسجد وباب الحان. ما أعلمه أنني عندما غادرت الحان بالأمس رأيت الفقيه يدخله".
"أوه، يا ربّ! ليست الخطايا التي ارتكبتها هي ما اندم عليه، بل تلك التي لم تواتِني الفرصة لارتكابها".
"انوي الذهابُ إلى مكانٍ اختلي فيه مع نفسي. في ذلكَ المكان، لا أحد غيري ولا أحد حولي. أريد أن ابني لي بيتا بلا باب ولا جدران ولا حرس أو جيران. وعندما أرحل عن هذه الحياة، لن يكون هناك من يندبُ حظّه أو يذرف الدموع".
الذين تحدّثوا عن غالب وشعره كثيرون. وأشهر هؤلاء هو رالف راسل، الأستاذ في كلّية لندن للدراسات الشرقية والأفريقية، الذي ألّف أكثر من ستّة كتب عن الشاعر.
ولد غالب في اغرا بالهند في 27 ديسمبر 1797 لعائلة تعود أصولها إلى السلاجقة الأتراك. والده تزوّج من أسرة موسرة في اغرا. لكنّه توفّي عندما كان غالب في الخامسة من عمره. وقد قضى الصبيّ معظم طفولته في منزل جدّيه لأمّه، وتلقّى تعليمه بالفارسية والعربية والأردية، كما درس المنطق والفلسفة. وطوال حياته، عاش غالب حياة متقشّفة. كان دائما بحاجة إلى المال وكان يعيش على الديون.
بدأ الشاعر الكتابة باللغة الأوردية في سنّ مبكّرة جدّا، وباللغة الفارسية عندما بلغ الحادية عشرة. وقد تزوّج في سنّ المراهقة، وأنجب العديد من الأطفال. لكنّهم جميعا توفّوا وهم صغار.
وخلافا لأسلافه القدامى، قرّر غالب أن يعيش من القلم بدلا من السيف. ولأن البلاط الملكي كان مقرّه في دلهي، فقد انتقل غالب إلى هناك كي يحصل على رعاية الإمبراطور المغولي بهادور شاه ظفر، الذي كان هو نفسه شاعرا. وكان أيضا يطمح في نيل رضا النبلاء الذين كانوا يتردّدون على القصر، وكذلك الانجليز.
في رسالة إلى ملكة بريطانيا آنذاك، يكتب غالب ممنّيا النفس بأعطية أو مكافأة: من عادة ملوك بلاد فارس أن يملئوا أفواه الشعراء باللؤلؤ أو يمنحوهم وزنهم ذهبا أو يفتحوا لهم خزائنهم". المفارقة أن الرجل الذي أثرى الأدب الفارسي والأوردي بقي متسوّلا طوال حياته.
كان ميرزا أسد الله خان غالب شاعرا منفلتا على طريقته. وعلى الرغم من أنه كان يوقّر الله والرسول، إلا انه لم يكن مواظبا على الصلوات، ولم يكن يصوم رمضان، كما لم يذهب لأداء الحجّ في مكّة.
وكان معروفا عنه ارتياده لبيوت المتعة ومصاحبته للمحظيّات. كما كان مولعا بشكل مفرط بالخمرة. كان يفضّل النبيذ الفرنسي، وكان يحبّ أيضا النبيذ الاسكتلندي الذي كان يشربه مساءً ممزوجا بالماء المعطّر أثناء نظمه لأشعاره. وكان يرى أن من لم يذق طعم النبيذ ولم يعرف القمار ولم يُضرب بحذاء معشوقة يوما ولم يدخل السجن لا يمكن أن يكون شاعرا!
"أهل العرفان منهكون من تعب الطريق. معظمهم تخلّوا عن المهمّة ولم يستدلّوا أبدا على عنوانك".
"إضغط على قلبك لتزيل ذلك السهم القاتل. إذا خرج سيخرج معه قلبك".
"واحسرتاه! ليس هناك من ممدوح يستحقّ المدح. وليس هناك من معشوق يستحقّ الغزل".
يُروى انه بعد إخماد ثورة عام 1857، قام الانجليز بطرد جميع المسلمين من دلهي. والتزم غالب منزله في الوقت الذي كان فيه التمرّد مستمرّا. وقد استدعاه كولونيل انجليزي وسأله: ألست مسلما؟ فقال: نصف. فسأله الانجليزي: ماذا تقصد؟ فأجاب: أنا لا آكل لحم الخنزير، لكنّني اشرب الخمر".
وعلى الرغم من أن غالب عاش حياة بساطة وزهد، إلا انه كان شغوفا بالقمار. وقد عوقب ذات مرّة بالسجن ثلاثة أشهر لإدارته محلا للقمار.
الغريب أن غالب كان يعتقد أن المشاعر العميقة لا يمكن التعبير عنها بلغة الأوردو. وكان يفضّل أن يكتب شعره بالفارسية بدلا من الاوردية. لكن لحسن الحظ انه غيّر رأيه في الوقت المناسب وترك لنا هذا الكنز الثمين من القصائد والأشعار النفيسة بالاوردية.
صحيح أن أشعاره تفقد الكثير من بريقها ووهجها وموسيقيّتها بفعل الترجمة. لكن شيئا من المعنى يصل في النهاية.
حاول غالب التنبّؤ بسنة وفاته. ولكنه اخطأ في تخمين ذلك. وقد كان أقرب ما يكون إلى الحقيقة عندما كتب يقول: الحياة تمرّ بوتيرة متهوّرة، لا أعرف أين ومتى ستتوقّف. يداي ليستا في السلاسل وقدماي ليستا في الرِكاب".
ميرزا غالب ما يزال يتمتّع بشعبية كبيرة في الثقافة المعاصرة. وقد تغنّى بأشعاره الغزلية العديد من مشاهير الغناء الهنود والباكستانيين مثل عابدة برفين ونور جيهان ونصرت فاتح علي خان وغيرهم. كما كان موضوعا لأكثر من عمل سينمائي ومسرحي. "مترجم".
ولد غالب في اغرا بالهند في 27 ديسمبر 1797 لعائلة تعود أصولها إلى السلاجقة الأتراك. والده تزوّج من أسرة موسرة في اغرا. لكنّه توفّي عندما كان غالب في الخامسة من عمره. وقد قضى الصبيّ معظم طفولته في منزل جدّيه لأمّه، وتلقّى تعليمه بالفارسية والعربية والأردية، كما درس المنطق والفلسفة. وطوال حياته، عاش غالب حياة متقشّفة. كان دائما بحاجة إلى المال وكان يعيش على الديون.
بدأ الشاعر الكتابة باللغة الأوردية في سنّ مبكّرة جدّا، وباللغة الفارسية عندما بلغ الحادية عشرة. وقد تزوّج في سنّ المراهقة، وأنجب العديد من الأطفال. لكنّهم جميعا توفّوا وهم صغار.
وخلافا لأسلافه القدامى، قرّر غالب أن يعيش من القلم بدلا من السيف. ولأن البلاط الملكي كان مقرّه في دلهي، فقد انتقل غالب إلى هناك كي يحصل على رعاية الإمبراطور المغولي بهادور شاه ظفر، الذي كان هو نفسه شاعرا. وكان أيضا يطمح في نيل رضا النبلاء الذين كانوا يتردّدون على القصر، وكذلك الانجليز.
في رسالة إلى ملكة بريطانيا آنذاك، يكتب غالب ممنّيا النفس بأعطية أو مكافأة: من عادة ملوك بلاد فارس أن يملئوا أفواه الشعراء باللؤلؤ أو يمنحوهم وزنهم ذهبا أو يفتحوا لهم خزائنهم". المفارقة أن الرجل الذي أثرى الأدب الفارسي والأوردي بقي متسوّلا طوال حياته.
كان ميرزا أسد الله خان غالب شاعرا منفلتا على طريقته. وعلى الرغم من أنه كان يوقّر الله والرسول، إلا انه لم يكن مواظبا على الصلوات، ولم يكن يصوم رمضان، كما لم يذهب لأداء الحجّ في مكّة.
وكان معروفا عنه ارتياده لبيوت المتعة ومصاحبته للمحظيّات. كما كان مولعا بشكل مفرط بالخمرة. كان يفضّل النبيذ الفرنسي، وكان يحبّ أيضا النبيذ الاسكتلندي الذي كان يشربه مساءً ممزوجا بالماء المعطّر أثناء نظمه لأشعاره. وكان يرى أن من لم يذق طعم النبيذ ولم يعرف القمار ولم يُضرب بحذاء معشوقة يوما ولم يدخل السجن لا يمكن أن يكون شاعرا!
"أهل العرفان منهكون من تعب الطريق. معظمهم تخلّوا عن المهمّة ولم يستدلّوا أبدا على عنوانك".
"إضغط على قلبك لتزيل ذلك السهم القاتل. إذا خرج سيخرج معه قلبك".
"واحسرتاه! ليس هناك من ممدوح يستحقّ المدح. وليس هناك من معشوق يستحقّ الغزل".
يُروى انه بعد إخماد ثورة عام 1857، قام الانجليز بطرد جميع المسلمين من دلهي. والتزم غالب منزله في الوقت الذي كان فيه التمرّد مستمرّا. وقد استدعاه كولونيل انجليزي وسأله: ألست مسلما؟ فقال: نصف. فسأله الانجليزي: ماذا تقصد؟ فأجاب: أنا لا آكل لحم الخنزير، لكنّني اشرب الخمر".
وعلى الرغم من أن غالب عاش حياة بساطة وزهد، إلا انه كان شغوفا بالقمار. وقد عوقب ذات مرّة بالسجن ثلاثة أشهر لإدارته محلا للقمار.
الغريب أن غالب كان يعتقد أن المشاعر العميقة لا يمكن التعبير عنها بلغة الأوردو. وكان يفضّل أن يكتب شعره بالفارسية بدلا من الاوردية. لكن لحسن الحظ انه غيّر رأيه في الوقت المناسب وترك لنا هذا الكنز الثمين من القصائد والأشعار النفيسة بالاوردية.
صحيح أن أشعاره تفقد الكثير من بريقها ووهجها وموسيقيّتها بفعل الترجمة. لكن شيئا من المعنى يصل في النهاية.
حاول غالب التنبّؤ بسنة وفاته. ولكنه اخطأ في تخمين ذلك. وقد كان أقرب ما يكون إلى الحقيقة عندما كتب يقول: الحياة تمرّ بوتيرة متهوّرة، لا أعرف أين ومتى ستتوقّف. يداي ليستا في السلاسل وقدماي ليستا في الرِكاب".
ميرزا غالب ما يزال يتمتّع بشعبية كبيرة في الثقافة المعاصرة. وقد تغنّى بأشعاره الغزلية العديد من مشاهير الغناء الهنود والباكستانيين مثل عابدة برفين ونور جيهان ونصرت فاتح علي خان وغيرهم. كما كان موضوعا لأكثر من عمل سينمائي ومسرحي. "مترجم".