في العام 1808م، غزت جيوش نابليون اسبانيا، فأسقطت حكم الملك شارل الرابع وأجبرت العائلة الملكية الإسبانية على مغادرة البلاد والذهاب إلى المنفى. وقد رافق الغزو عمليات إعدام جماعية ووحشية للمواطنين الإسبان الذين ثاروا احتجاجا على الغزو. ووصلت وحشية القوّات الغازية ذروتها مع قرار نابليون بتعيين شقيقه جوزيف ملكا على العرش الإسباني.
كان نابليون مؤمنا بقيم التنوير مثل الحرّية والعدالة المساواة. لذا كان يعتقد بأن الإسبان سيرحّبون به بوصفه محرّرا. غير أن الناس أصبحوا ينظرون إليه باعتباره طاغية أوروبّا.
وفي اللحظة التي قرّر فيها الإسبان التصدّي لقوّات الاحتلال، بدأت حرب دامية وشرسة. وفي ذلك الوقت، صيغ مصطلح حرب العصابات لأوّل مرة في تاريخ الحروب.
كان الرسّام خوسيه فرانشيسكو دي غويا وقتها قد أكمل عامه الثاني والستّين، وكان قد أصبح أصمّ بسبب إصابته بمرض غامض. كان ينظر حوله ويرى في الإيماءات الصامتة أشياء بشعة ومؤرّقة.
كان موقف غويا من الغزو مختلطا. كان يحبّ إسبانيا وشعبها كما تبرهن على ذلك الكثير من أعماله. لكنّه أيضا كان مؤمنا بالأفكار التقدّمية ومعجبا بحركة التنوير الفرنسية وبكتابات مونتسكيو وفولتير وجان جاك روسّو. ومثل الكثيرين غيره، كان يرى أن الحكم الفرنسي قد يكون متفوّقا على حكم المَلِكَين الإسبانيين شارل الرابع وفرديناند السابع. ولأنه عاش جزءا من حياته في البلاط الملكي، فقد كان على بيّنة من الآثار السيّئة للحكم الاستبداديّ المطلق.
وقد شهد غويا آنذاك ما أسماه "تقطيع أوصال اسبانيا"، وسجّل ذلك في سلسلة لوحاته المزعجة بعنوان ويلات الحرب. نُشرت هذه اللوحات لأوّل مرّة في العام 1863، أي بعد وفاته بـ 30 عاما. وهي عبارة عن إدانة قويّة للحرب وللفظائع التي تُرتكب أثناءها. وفيها يصوّر مشاهد من حرب الاستقلال التي خاضها الإسبان ضدّ محتلّيهم الفرنسيين. وقد تردّد الرسّام في نشر تلك الصور أثناء حياته خوفا من العواقب، إذ أن بعضها تتضمّن انتقادات مباشرة لما تلا تلك الحرب من صراع على السلطة بين حكّام البلاد الجدد والكنيسة.
ويمكن تصنيف اللوحات، حسب الموضوع، إلى ثلاث فئات: الدراما العنيفة للحرب مع الفرنسيين، والمجاعة التي حدثت في مدريد وحصدت أرواح أكثر من عشرين ألف شخص نتيجة حصار نابليون الطويل للمدينة، ثمّ المشاهد الرمزية التي تشير إلى فترة ما بعد الحرب عندما أعيد الملك فرديناند السابع إلى الحكم، جنبا إلى جنب مع عودة سلطة الكنيسة ومحاكم التفتيش.
كان غويا شاهد عيان على مآسي تلك الحرب وعلى وحشية المتقاتلين من كلا الطرفين. وكان يقف إلى جانب الإنسانية والعقل والسلام. كان شخصا يعيش في عالم مثاليّ من صنعه بفعل حاجز الصمم. لكنّه كان يرى المستقبل، فضلا عن الحاضر، بوضوح. وفنّه لم يكن مرتكزا على السياسة، بل على التاريخ. وقد لاحظ بمرارة آثار الحرب على بلاده وصوّر المعاناة والدمار الذي خلفته.
بالنسبة لـ غويا، أصبح الجنديّ نفسه، بصرف النظر إن كان من هذا الجانب أو ذاك، رمزا للشرّ المنتشر في كلّ مكان. وفي ظلمة الدمار الذي كان يرسمه، كان الأشخاص هم الجناة والضحايا على حدّ سواء. كان الأمر كما لو أن غويا كان شاهدا محايدا وعن كثب لمأساة عالمية، وكما لو انه ينصح الإنسان في كلّ مكان وزمان أن لا يتصرّف كالبرابرة الذين كان يرسمهم.
كان نابليون مؤمنا بقيم التنوير مثل الحرّية والعدالة المساواة. لذا كان يعتقد بأن الإسبان سيرحّبون به بوصفه محرّرا. غير أن الناس أصبحوا ينظرون إليه باعتباره طاغية أوروبّا.
وفي اللحظة التي قرّر فيها الإسبان التصدّي لقوّات الاحتلال، بدأت حرب دامية وشرسة. وفي ذلك الوقت، صيغ مصطلح حرب العصابات لأوّل مرة في تاريخ الحروب.
كان الرسّام خوسيه فرانشيسكو دي غويا وقتها قد أكمل عامه الثاني والستّين، وكان قد أصبح أصمّ بسبب إصابته بمرض غامض. كان ينظر حوله ويرى في الإيماءات الصامتة أشياء بشعة ومؤرّقة.
كان موقف غويا من الغزو مختلطا. كان يحبّ إسبانيا وشعبها كما تبرهن على ذلك الكثير من أعماله. لكنّه أيضا كان مؤمنا بالأفكار التقدّمية ومعجبا بحركة التنوير الفرنسية وبكتابات مونتسكيو وفولتير وجان جاك روسّو. ومثل الكثيرين غيره، كان يرى أن الحكم الفرنسي قد يكون متفوّقا على حكم المَلِكَين الإسبانيين شارل الرابع وفرديناند السابع. ولأنه عاش جزءا من حياته في البلاط الملكي، فقد كان على بيّنة من الآثار السيّئة للحكم الاستبداديّ المطلق.
وقد شهد غويا آنذاك ما أسماه "تقطيع أوصال اسبانيا"، وسجّل ذلك في سلسلة لوحاته المزعجة بعنوان ويلات الحرب. نُشرت هذه اللوحات لأوّل مرّة في العام 1863، أي بعد وفاته بـ 30 عاما. وهي عبارة عن إدانة قويّة للحرب وللفظائع التي تُرتكب أثناءها. وفيها يصوّر مشاهد من حرب الاستقلال التي خاضها الإسبان ضدّ محتلّيهم الفرنسيين. وقد تردّد الرسّام في نشر تلك الصور أثناء حياته خوفا من العواقب، إذ أن بعضها تتضمّن انتقادات مباشرة لما تلا تلك الحرب من صراع على السلطة بين حكّام البلاد الجدد والكنيسة.
ويمكن تصنيف اللوحات، حسب الموضوع، إلى ثلاث فئات: الدراما العنيفة للحرب مع الفرنسيين، والمجاعة التي حدثت في مدريد وحصدت أرواح أكثر من عشرين ألف شخص نتيجة حصار نابليون الطويل للمدينة، ثمّ المشاهد الرمزية التي تشير إلى فترة ما بعد الحرب عندما أعيد الملك فرديناند السابع إلى الحكم، جنبا إلى جنب مع عودة سلطة الكنيسة ومحاكم التفتيش.
كان غويا شاهد عيان على مآسي تلك الحرب وعلى وحشية المتقاتلين من كلا الطرفين. وكان يقف إلى جانب الإنسانية والعقل والسلام. كان شخصا يعيش في عالم مثاليّ من صنعه بفعل حاجز الصمم. لكنّه كان يرى المستقبل، فضلا عن الحاضر، بوضوح. وفنّه لم يكن مرتكزا على السياسة، بل على التاريخ. وقد لاحظ بمرارة آثار الحرب على بلاده وصوّر المعاناة والدمار الذي خلفته.
بالنسبة لـ غويا، أصبح الجنديّ نفسه، بصرف النظر إن كان من هذا الجانب أو ذاك، رمزا للشرّ المنتشر في كلّ مكان. وفي ظلمة الدمار الذي كان يرسمه، كان الأشخاص هم الجناة والضحايا على حدّ سواء. كان الأمر كما لو أن غويا كان شاهدا محايدا وعن كثب لمأساة عالمية، وكما لو انه ينصح الإنسان في كلّ مكان وزمان أن لا يتصرّف كالبرابرة الذين كان يرسمهم.
صوّر غويا في هذه اللوحات أفعال بطولة معزولة وأفعالا أخرى تنمّ عن البشاعة والوحشية: أسرى يتمّ إعدامهم من قبل إحدى فرق الموت. امرأة تمشي بانكسار أمام عشرات الجثث التي تنتظر الدفن. رجال ونساء يحمل بعضهم بعضا ويهربون ليلا وسط الاضطراب والفوضى. نساء ميّتات على جانب تلّ، وشخص وحيد يبكيهنّ بصمت. صفّ طويل من الأسرى المشدودي الوثاق يُساقون عبر طريق جبلي. امرأتان ممدّدتان على الأرض إحداهما على وشك الموت، بينما تجثو امرأة ثالثة بقربهما وبيدها كأس ماء. حشد من الناس يطاردون طائرا ضخما من أكلة الجيف لإبعاده عن الجثث. امرأتان تتعثّران خلف احد البيوت وهما تحاولان مواراة امرأة ثالثة التراب. حصان يرمز على ما يبدو إلى الملكية الدستورية يتعارك مع مجموعة من الذئاب وسط لامبالاة مجموعة أخرى من الكلاب التي تمثّل، ربّما، الثورة المضادّة للملكية. امرأة مستلقية على ظهرها وسط هالة من ضوء، تمثّل الحقيقة، بينما يحيط بها حشد من الرهبان الذين يغطّون رؤوسهم.
لم يكن الرجال الإسبان فقط هم من شاركوا في الحرب ضدّ الفرنسيين، بل النساء أيضا. كنّ يمنحن الرجال مزيدا من الشجاعة وكنّ يقاتلن كالحيوانات البرّية. في لوحة بعنوان "شجاعة"، يصوّر غويا عملا بطوليا لامرأة اسبانية شابّة من أراغون تُدعى أوغستين. وتظهر وهي تحشو مدفعا بالذخيرة بعد أن قُتل الرجل المحارب. كانت هذه المرأة البطلة قد قاتلت إلى جانب الجنود أثناء حصار الفرنسيين لمدينة ساراغوسا.
وفي لوحة أخرى، تظهر امرأة حافية القدمين تحمل طفلها بيد، بينما تمسك بالأخرى آلة حادّة تدفع بها في خاصرة جنديّ فرنسي. وفي لوحة ثالثة، نرى جنديا فرنسيّا وهو يهاجم امرأة، بينما تهبّ للدفاع عنها عجوز مسنّة تمسك بيدها خنجرا.
لكن في الكثير من الحالات، كانت النساء يقفن عزلا أمام الجنود الفرنسيين. وأحيانا كنّ ضحايا للاعتداء والاغتصاب وإساءة المعاملة. في إحدى اللوحات، نرى جنودا فرنسيين وهم يحملون امرأة اسبانية بعيدا، بينما يمشي طفلها في إثرهم وهو يبكي.
شخصيّات غويا في هذه اللوحات هم أشخاص مجهولون من الطبقة الإسبانية الدنيا يُظهرون في كثير من الأحيان شجاعة يائسة في مواجهة القوّة الساحقة للفرنسيين.
كان الإسبان يشعرون بالاستياء والغضب من الوجود الفرنسي في أرضهم، وكانت روحهم انتقامية. في إحدى اللوحات، يُظهر غويا كيف أن جثث الجنود الفرنسيين تعرّضت لإهانات وحشية، بينما كان المواطنون الإسبان يشاهدون ما يجري باستحسان.
كان الفرنسيون والإسبان يعذّبون ويشوّهون أسراهم ويعرّضونهم لموت مؤلم وطويل. تشويه جثث القتلى جسّده غويا في لوحة بعنوان "بطولة رائعة ضدّ رجل ميّت"، وفيها تتدلّى الجثث المشوّهة من شجرة، في تصوير آخر لمدى قسوة وشراسة الإنسان. وفي لوحة أخرى بعنوان "ادفنوهم والتزموا الصمت"، يُظهر غويا جانبا آخر مظلما من أمجاد الحرب: جثث عارية تُركت بلا دفن على إحدى التلال، واثنان من الناجين يراقبان المشهد باشمئزاز.
بعض الفرنسيين، وحتى الإسبان، ممّن كانوا يعادون رجال الدين قاموا بتدمير العديد من الأديرة واغتصاب الراهبات على نحو ما يصوّره غويا في إحدى هذه اللوحات. وفي لوحة أخرى، نرى كاهنا مقتولا ومربوطا إلى عمود بينما يمسك بيده صليبا، والسكّين المثبّتة على صدره تشير إلى سبب قتله، أي حيازة سكّين. وفي لوحة ثالثة، يرسم غويا راهبا يُقتل على أيدي جنود فرنسيين يقومون بنهب كنوز إحدى الكنائس.
لم يكن الرجال الإسبان فقط هم من شاركوا في الحرب ضدّ الفرنسيين، بل النساء أيضا. كنّ يمنحن الرجال مزيدا من الشجاعة وكنّ يقاتلن كالحيوانات البرّية. في لوحة بعنوان "شجاعة"، يصوّر غويا عملا بطوليا لامرأة اسبانية شابّة من أراغون تُدعى أوغستين. وتظهر وهي تحشو مدفعا بالذخيرة بعد أن قُتل الرجل المحارب. كانت هذه المرأة البطلة قد قاتلت إلى جانب الجنود أثناء حصار الفرنسيين لمدينة ساراغوسا.
وفي لوحة أخرى، تظهر امرأة حافية القدمين تحمل طفلها بيد، بينما تمسك بالأخرى آلة حادّة تدفع بها في خاصرة جنديّ فرنسي. وفي لوحة ثالثة، نرى جنديا فرنسيّا وهو يهاجم امرأة، بينما تهبّ للدفاع عنها عجوز مسنّة تمسك بيدها خنجرا.
لكن في الكثير من الحالات، كانت النساء يقفن عزلا أمام الجنود الفرنسيين. وأحيانا كنّ ضحايا للاعتداء والاغتصاب وإساءة المعاملة. في إحدى اللوحات، نرى جنودا فرنسيين وهم يحملون امرأة اسبانية بعيدا، بينما يمشي طفلها في إثرهم وهو يبكي.
شخصيّات غويا في هذه اللوحات هم أشخاص مجهولون من الطبقة الإسبانية الدنيا يُظهرون في كثير من الأحيان شجاعة يائسة في مواجهة القوّة الساحقة للفرنسيين.
كان الإسبان يشعرون بالاستياء والغضب من الوجود الفرنسي في أرضهم، وكانت روحهم انتقامية. في إحدى اللوحات، يُظهر غويا كيف أن جثث الجنود الفرنسيين تعرّضت لإهانات وحشية، بينما كان المواطنون الإسبان يشاهدون ما يجري باستحسان.
كان الفرنسيون والإسبان يعذّبون ويشوّهون أسراهم ويعرّضونهم لموت مؤلم وطويل. تشويه جثث القتلى جسّده غويا في لوحة بعنوان "بطولة رائعة ضدّ رجل ميّت"، وفيها تتدلّى الجثث المشوّهة من شجرة، في تصوير آخر لمدى قسوة وشراسة الإنسان. وفي لوحة أخرى بعنوان "ادفنوهم والتزموا الصمت"، يُظهر غويا جانبا آخر مظلما من أمجاد الحرب: جثث عارية تُركت بلا دفن على إحدى التلال، واثنان من الناجين يراقبان المشهد باشمئزاز.
بعض الفرنسيين، وحتى الإسبان، ممّن كانوا يعادون رجال الدين قاموا بتدمير العديد من الأديرة واغتصاب الراهبات على نحو ما يصوّره غويا في إحدى هذه اللوحات. وفي لوحة أخرى، نرى كاهنا مقتولا ومربوطا إلى عمود بينما يمسك بيده صليبا، والسكّين المثبّتة على صدره تشير إلى سبب قتله، أي حيازة سكّين. وفي لوحة ثالثة، يرسم غويا راهبا يُقتل على أيدي جنود فرنسيين يقومون بنهب كنوز إحدى الكنائس.
كان غويا على معرفة واسعة بأنماط الصور وبأساليب التعبير المبتكرة، ما ساعده على استخدام الحيوانات والوحوش لخدمة أغراضه.
في إحدى اللوحات، يظهر رجال الكنيسة والفلاحون وهم يركعون أمام ذئب. الذئب يبدو ممسكا برقعة راح يكتب عليها هذه الجملة: أيّتها الإنسانية البائسة! الخطأ خطؤك!". غويا يعبّر من خلال هذا الرسم عن غضب وخيبة أمل الشعب الإسباني من نتائج الحرب الرهيبة. إذ أن كلّ ما جنته اسبانيا من وراء الحرب كان مَلِكا اتضح انه أكثر قمعية وفقدانا للإحساس من الحاكم القديم شارل الرابع. فالملك الجديد، فرديناند السابع، لم يكن يشارك سلفه آراءه المستنيرة نسبيا. فقد ألغى الدستور وأعاد العمل بمحاكم التفتيش وأعلن نفسه ملكا مطلقا على البلاد. ولم يمض وقت طويل حتى أطلق عهدا من الإرهاب.
في لوحة بعنوان "موت الحقيقة"، يصوّر الفنّان جنازة للحقيقة يقودها رجل دين، بينما تُخفي العدالة عينيها في الظلّ. وفي ما يبدو وكأنه استمرار لمشهد الجنازة، يرسم غويا لوحة أخرى تظهر فيها مخلوقات ليلية يتخلّل عالمها المظلم ضوء باهت، كأنما ليمنح اليائسين بعض الأمل في أن تنهض البلاد ثانية من رماد الحرب.
الأحداث التي شهدها غويا من مسافة قريبة وبمثل هذا الانفعال جعلته يشعر بالعزلة والانطواء، وأحيانا اللامبالاة. ولم يكن ذلك بسبب نقص في دوافعه الوطنية، بل بسبب حبّه لاسبانيا التي شعر أن جرحها عميق جدّا. حبّه للسلام وحياده الظاهريّ يعنيان انه كان ينظر إلى العالم من خلال عدسات محايدة الألوان. وكان ذلك يعني أيضا نفوره من الأعمال الوحشية التي تُرتكب باسم الدين أو الوطنية.
وعندما كان يرسم لنفسه، كان يعود إلى مشاهده الهادئة والمعتادة التي تُظهر صورا لنساء وسحرة وشهداء وأبطال ومواكب دينية وأساطير ومهرجانات وأعياد، وغيرها من مظاهر الحياة اليومية للناس الذين كان يحبّهم. كان ذلك بالنسبة له شكلا من أشكال الهروب من مرارة الواقع.
سلسلة لوحات ويلات الحرب لا تنبع قوّتها فقط بسبب ما أظهره غويا فيها من قسوة جنود نابليون وهم يذبحون المدنيين الإسبان ويمارسون ضدّهم كافّة أشكال التعذيب من إخصاء وخوزقة وبتر للأطراف، وإنما أيضا من حقيقة أن القتلة القساة في الحرب كانوا هم نفس الفرنسيين الذين أعجب بهم غويا طوال حياته.
ولم تكن اللغة وسيلة تعبير كافية بالنسبة له. حتى العناوين القصيرة لهذه اللوحات هي أشبه ما تكون بالغمغمات المبهمة التي تناسب عالمه الأصمّ والصامت، مثل "نفس الشيء" أو "رأيت ذلك" أو "هذا أسوأ".
لقد فرضت الحرب نفسها على غويا. كان متأثّرا جدّا، عاطفيا، بسبب ما كان يراه. وهو يذكّر الآخرين بالواقع الرهيب الذي تنتجه الحروب. وشهادته العيانية تُظهر أن الحرب كارثة لا ينتج عنها سوى الدمار والمعاناة. ومناظره هي تصوير للحرب عندما تكون بلا أمجاد وتفتقد للشهامة والفروسية والرحمة.
الرسالة التي تتضمّنها سلسلة لوحات ويلات الحرب ما تزال ذات صلة وثيقة بعالم اليوم. وغويا يصوّر للمرّة الأولى الحرب من زاوية معاناة المدنيين دون محاولة لتخفيف آثارها ونتائجها المريعة. ويمكن اعتبار هذه اللوحات تقريرا بصريا مكثّفا عن قسوة ووحشية الحرب ولا إنسانية البشر، وعن السلوك الوحشيّ الذي ظلّ يعيد نفسه منذ ذلك الحين وما يزال يفعل حتى اليوم.
في إحدى اللوحات، يظهر رجال الكنيسة والفلاحون وهم يركعون أمام ذئب. الذئب يبدو ممسكا برقعة راح يكتب عليها هذه الجملة: أيّتها الإنسانية البائسة! الخطأ خطؤك!". غويا يعبّر من خلال هذا الرسم عن غضب وخيبة أمل الشعب الإسباني من نتائج الحرب الرهيبة. إذ أن كلّ ما جنته اسبانيا من وراء الحرب كان مَلِكا اتضح انه أكثر قمعية وفقدانا للإحساس من الحاكم القديم شارل الرابع. فالملك الجديد، فرديناند السابع، لم يكن يشارك سلفه آراءه المستنيرة نسبيا. فقد ألغى الدستور وأعاد العمل بمحاكم التفتيش وأعلن نفسه ملكا مطلقا على البلاد. ولم يمض وقت طويل حتى أطلق عهدا من الإرهاب.
في لوحة بعنوان "موت الحقيقة"، يصوّر الفنّان جنازة للحقيقة يقودها رجل دين، بينما تُخفي العدالة عينيها في الظلّ. وفي ما يبدو وكأنه استمرار لمشهد الجنازة، يرسم غويا لوحة أخرى تظهر فيها مخلوقات ليلية يتخلّل عالمها المظلم ضوء باهت، كأنما ليمنح اليائسين بعض الأمل في أن تنهض البلاد ثانية من رماد الحرب.
الأحداث التي شهدها غويا من مسافة قريبة وبمثل هذا الانفعال جعلته يشعر بالعزلة والانطواء، وأحيانا اللامبالاة. ولم يكن ذلك بسبب نقص في دوافعه الوطنية، بل بسبب حبّه لاسبانيا التي شعر أن جرحها عميق جدّا. حبّه للسلام وحياده الظاهريّ يعنيان انه كان ينظر إلى العالم من خلال عدسات محايدة الألوان. وكان ذلك يعني أيضا نفوره من الأعمال الوحشية التي تُرتكب باسم الدين أو الوطنية.
وعندما كان يرسم لنفسه، كان يعود إلى مشاهده الهادئة والمعتادة التي تُظهر صورا لنساء وسحرة وشهداء وأبطال ومواكب دينية وأساطير ومهرجانات وأعياد، وغيرها من مظاهر الحياة اليومية للناس الذين كان يحبّهم. كان ذلك بالنسبة له شكلا من أشكال الهروب من مرارة الواقع.
سلسلة لوحات ويلات الحرب لا تنبع قوّتها فقط بسبب ما أظهره غويا فيها من قسوة جنود نابليون وهم يذبحون المدنيين الإسبان ويمارسون ضدّهم كافّة أشكال التعذيب من إخصاء وخوزقة وبتر للأطراف، وإنما أيضا من حقيقة أن القتلة القساة في الحرب كانوا هم نفس الفرنسيين الذين أعجب بهم غويا طوال حياته.
ولم تكن اللغة وسيلة تعبير كافية بالنسبة له. حتى العناوين القصيرة لهذه اللوحات هي أشبه ما تكون بالغمغمات المبهمة التي تناسب عالمه الأصمّ والصامت، مثل "نفس الشيء" أو "رأيت ذلك" أو "هذا أسوأ".
لقد فرضت الحرب نفسها على غويا. كان متأثّرا جدّا، عاطفيا، بسبب ما كان يراه. وهو يذكّر الآخرين بالواقع الرهيب الذي تنتجه الحروب. وشهادته العيانية تُظهر أن الحرب كارثة لا ينتج عنها سوى الدمار والمعاناة. ومناظره هي تصوير للحرب عندما تكون بلا أمجاد وتفتقد للشهامة والفروسية والرحمة.
الرسالة التي تتضمّنها سلسلة لوحات ويلات الحرب ما تزال ذات صلة وثيقة بعالم اليوم. وغويا يصوّر للمرّة الأولى الحرب من زاوية معاناة المدنيين دون محاولة لتخفيف آثارها ونتائجها المريعة. ويمكن اعتبار هذه اللوحات تقريرا بصريا مكثّفا عن قسوة ووحشية الحرب ولا إنسانية البشر، وعن السلوك الوحشيّ الذي ظلّ يعيد نفسه منذ ذلك الحين وما يزال يفعل حتى اليوم.