:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الاثنين، يونيو 18، 2012

عين الإبرة

الأديان، بلا استثناء تقريبا، تحتقر الثروة وتحثّ الإنسان على أن لا ينشغل بجمع المال والأشياء النفيسة وأن لا يجعل ذلك اكبر همومه في الدنيا. وبعض القصص الدينية تطرح أفكارا وحالات مستحيلة للتدليل على أن الغنى بحدّ ذاته لا يجلب السعادة للإنسان، كما انه لا يحقّق خلاصه في الآخرة.
ومع ذلك فإن الله، طبقا لهذه النصوص، قادر على أن يفعل المستحيل لمساعدة الإنسان في التغلّب على نوازع نفسه الدنيوية والتطلّع إلى ما تعد به الحياة الأخرى من ثواب عميم ونعيم مقيم.
اللوحة فوق يمكن أن تكون تجسيدا لنظرة الرسّام إلى الوجود ومكان الإنسان فيه. وهي بنفس الوقت ترجمة لعبارة منسوبة إلى السيّد المسيح يقول فيها: أن يدخل الجمل في ثقب الإبرة أيسر من أن يدخل الإنسان الغنيّ ملكوت الله".
والإسلام يقدّم تنويعا على هذه الفكرة من خلال إحدى الآيات الكريمة التي تقول: إن الذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تُفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنّة حتى يلج الجمل في سمّ الخِيَاط".
ثقب الإبرة في المسيحية، أو سمّ الخياط في الأدبيات الإسلامية، عبارة ترمز لاستحالة حدوث شيء دون تدخّل من الله.
وحتّى البوذية، وما يتفرّع عنها من مدارس وفلسفات، توصي أتباعها بالانفصال عن الرغبات والدوافع والمشاعر الدنيوية وتعتبر ذلك شرطا للوصول إلى مرتبة النيرفانا، أي التحرّر من المعاناة وبلوغ أعلى درجات السلام الداخلي والصفاء الروحي.
بعض المؤرّخين يشيرون إلى أن ثقب الإبرة هو اسم حقيقيّ كان يُطلق على بوّابة في مدينة القدس كانت تُفتح ليلا عندما تُغلق بوّابة المدينة الرئيسية. ولم يكن من السهل بالنسبة للقوافل أن تمرّ عبر هذه البوّابة لصغرها. وكان يتعيّن على الجمال أن تنحني وأن تُزال عنها أحمالها كي تمرّ عبرها.
لوحة فلاديمير كوش تشبه حلما بالألوان وتذكّر بمناظر دالي وماغريت. في اللوحة، قافلة الجمال التي أعطاها الرسّام لون الذهب، والنهر الذي يكتسي بالزرقة اللامعة، يرمزان كلاهما للثروة.
القافلة تسير ببطء وقت الغروب، بينما تتراجع الألوان في المقدّمة وتهيمن الظلال. لاحظ الجهد الذي يبذله زعيم القافلة لحمل الجمل الأوّل على المرور من الإبرة. ومع ذلك، فالمفارقة الساخرة هنا هي أن الرسّام حرص على أن يكون الثقب واسعا بما يكفي لأن تمرّ الجمال عبره.
ربّما أراد الفنّان أن يقول أنه لا مشكلة ولا تناقض في أن يكون الإنسان غنيّا وتقيّا في الوقت نفسه طالما انه اكتسب ثروته بوسائل شريفة ومشروعة وليس عن طريق السرقة والغشّ والاحتيال. وأن بإمكان الإنسان، إذا استخدم الحكمة والعقل، أن يتعامل مع الحياة بطريقة واقعية ومتوازنة، بحيث لا يطغى جانب على آخر وبحيث يضمن السعادة وراحة البال في الدنيا والآخرة معا.