:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الاثنين، مايو 20، 2013

سيرة إمام وعارف من القرن العشرين

يتحدّث مارتن لينغز في هذا الكتاب بعنوان "متصوّف ووليّ من القرن العشرين: سيرة حياة الشيخ أحمد العلاوي" عن شخصية دينية غير معروفة نسبيّا للدارسين خارج العالم الإسلامي. إذ يتناول حياة وتعاليم الشيخ احمد بن مصطفى العلاوي (1869 - 1934) مؤسّس إحدى أهمّ الطرق الصوفيّة في شمال أفريقيا والمعروفة بالطريقة العلاويّة.
ووفقا لمجلّة دراسات الشرق الأدنى، يُعتبر هذا الكتاب احد أكثر المصادر شمولا عن التصوّف التي كتبها مفكّر غربيّ. كما أن قراءته شرط أساسيّ لأيّة دراسة جادّة عن الصوفية، بحسب ما يقوله المفكّر الأمريكي من أصل إيراني سيّد حسين نصر في استعراضه للطبعة الأولى من الكتاب.
المؤلّف مارتن لينغز، المعروف أيضا باسم أبو بكر سراج الدين، هو كاتب وباحث إنجليزي سبق وأن ألّف ثلاثة كتب عن التصوّف في الإسلام. لكن كتابه الأشهر الذي حظي، وما يزال، بشعبية كبيرة هو السيرة التي كتبها عن حياة الرسول بعنوان محمّد: حياته استنادا إلى مصادر مبكّرة. وقد اكسبه هذا الكتاب شهرة واسعة في العالم الإسلامي ونال عليه العديد من الجوائز، كما اعتُبر أفضل سيرة كُتبت عن الرسول بالانجليزية.
النصف الأوّل من هذا الكتاب هو عبارة عن عرض لتاريخ التصوّف في شمال أفريقيا مع نبذة عن حياة الشيخ العلاوي. بينما النصف الثاني مخصّص لكتابات الشيخ مع مختارات من قصائده الصوفية المعروفة. وإحدى الملاحظات الجانبية المثيرة للاهتمام هو أن لينغز يشبّه مكانة الشيخ بالعصر الذهبي لمتصوّفة العصور الوسطى ويقرن عظمته بتلك التي للمتصوّف الهنديّ رامانا ماهارشي.
المعروف أن الشيخ أحمد العلاوي ولد في مستغانم بالجزائر عام 1869، وتلقّى تعليمه الأوّلي في بيت والده العالم. وقد أطلق على طريقته اسم العلاوية نسبة إلى الإمام عليّ بن أبي طالب الذي قال انه ظهر له في رؤيا واقترح عليه هذا الاسم.
يشير لينغز إلى إن الغرض من تأليف كتابه هو الذهاب إلى ما هو ابعد من الاستشراق الأكاديمي، في محاولة لتمكين حتى أولئك الذين لا يمتلكون خلفية عن الإسلام من فهم موضوعه وأخذ فكرة، ولو عامّة، عن أصول التصوّف الإسلامي. وهو يقدّم للقارئ رؤية عن شخصية وحياة الشيخ العلاوي، سواءً من خلال الناس الذين عرفوه أو من خلال مجموعة كتاباته التي تركها.
ثمّ يتحدّث عن بعض مواقف وأفكار الشيخ العلاوي التي تدلّل على انفتاحه وتسامحه، فقد كان احد الدعاة الأوائل للحوار بين الأديان، كما عُرف عنه احترامه غير العاديّ للمسيحيين واطلاعه الكبير على الإنجيل. وهناك أيضا محاولاته المتعدّدة للتوفيق بين الإسلام والحداثة، وتشجيع أتباعه على إرسال أطفالهم إلى المدرسة لتعلّم اللغة الفرنسية، ثم دعوته إلى ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية ولغة الأمازيغ من أجل جعله أكثر يسرا، وهو الموقف الذي أثار في زمانه جدلا كبيرا.
الهالة التي اكتسبها الشيخ في أوساط المتصوّفة الكلاسيكيين يعزوها المؤلّف إلى حقيقة أن الشيخ كان منخرطا في القضايا المعاصرة، بالإضافة إلى الكاريزما الشخصية التي كان يتمتّع بها والتي أجمعت عليها مصادر عديدة. وما من شكّ - يقول المؤلّف – في أن جاذبية الشيخ وأفكاره الحضارية والمتسامحة أسهمت في انتشار إسلام يتّسم بالمعرفة والحكمة في أوربّا وفي إقبال العديد من الأوربيّين على اعتناق الإسلام.
ثم يتحدّث عن شخصية الشيخ كما تعكسها نظرة من كانوا يتعاملون معه من داخل دائرته. ويستشهد بكلام طبيبه الفرنسي مارسيل كاريه الذي لازمه أربعة عشر عاما وكتب يقول في مذكّراته: التقيت الشيخ العلاوي لأوّل مرّة في ربيع عام 1920. لم يكن لقاء صدفة، بل دُعيت إليه بصفتي طبيبا. وكان ذلك بعد بضعة أشهر من بدء ممارستي للطبّ في مستغانم. وما أثارني بصفة خاصّة هو ذلك الشبه الغريب بين ملامح الشيخ وبين الوجه الذي يُستخدم عادة لتمثيل المسيح. كنت اعرف أنني في حضرة شخصية غير عاديّة. كانت الغرفة مثل جميع الغرف في منازل المسلمين، خالية سوى من القليل من السجّاد والفرش. وكانت هناك خزانتان اكتشفت في ما بعد أنهما تحتويان على عدد من الكتب والمخطوطات. كان الشيخ العلاوي يجلس بصمت ووقار في زاوية الغرفة واضعا يديه على ركبتيه".
في جزء آخر من الكتاب، يتحدّث المؤلّف عن مذهب وحدة الوجود الذي يحتلّ مكانا مركزيا في معظم التقاليد الصوفية للإسلام، بل وأيضا في كلّ التقاليد الصوفية الأخرى. كما يتناول جوانب أخرى من مذهب الشيخ مثل "العوالم الثلاثة" التي تمثّل التسلسل الهرميّ للوجود، و"السلام العظيم" الذي يحقّق بلوغه غاية الرحلة الداخلية. كما يناقش مواضيع هامّة أخرى مثل النبوّة والقداسة.
الكاتب مارتن لينغز كان معروفا بكثرة أسفاره، على الرغم من انه في أخريات حياته لم يغادر منزله في لندن إلى حين وفاته في العام 2005. وبالإضافة إلى كتاباته في التصوّف، كان لينغز ضليعا بحياة وأدب وليام شكسبير. وقد أشار في عدد من كتاباته إلى المعاني الباطنية والروحانية العميقة التي وجدها في مسرحيات وأعمال الشاعر الانجليزي. "مترجم".