وُجدت الأساطير مع الإنسان منذ آلاف السنين. وقراءتها تساعدنا على فهم الحياة والتجربة الإنسانية بشكل أفضل وتزيد معرفتنا بالماضي وبالكثير من الحضارات التي سادت ثم بادت. كما أنها تعلّمنا بأن هناك الكثير من الأديان والثقافات في هذا العالم، وبالتالي تجعلنا أكثر تسامحا وانفتاحا.
بعض الأساطير أسهمت في صياغة الأديان وفي تشكيل تاريخ العديد من الأقوام والحضارات. وبعضها كان وما يزال مصدرا للكثير من الأعمال الشعرية والمسرحية والأدبية والموسيقية والفلسفية.
الأساطير القديمة ما تزال تعيش معنا في ثقافتنا ونجد لها مرجعيات في العديد من المفردات والتعبيرات اللغوية المعاصرة.
أغاني السيرانات:
في بعض الأحيان، نسمع أو نقرأ عبارة "أغاني السيرانات". والسيرانات هنّ حوريّات بحر بملامح فاتنة. كنّ يستلقين على الشواطئ للإيقاع بالبحّارة من خلال أغانيهنّ الساحرة التي تصيب عقل من يسمعها بالخبل والذهول. الإغريق المتأخّرون يصفونهنّ كنساء لهنّ أجنحة الطيور، وهي صورة مستعارة من قدامى المصريين.
أغاني الحوريّات، لفرط جمالها، تصيب العقل بالتشوّش والذهول لأنها تعمل على شلّ قدرة الإنسان على التفكير والحكم العقلاني على الأمور. في الأوديسّا، تحذّر سيرسي اوديسيوس من الاستماع إلى السيرانات لأن أغانيهنّ قد تدفعه إلى الجنون. كما تحثّ بحّارته على ربطه بالسارية وسدّ أذنيه بالشمع كي تكونا منيعتين على الاستماع لتلك الأغاني الساحرة.
أسطورة السيرانات يبدو أنها موجودة في العديد من ثقافات العالم. في الأسطورة هنّ مخلوقات خطيرة جدّا، ولكنهنّ أيضا يتمتّعن بجاذبية لا تقاوَم. كما يمكن اعتبار قصّتهن أمّاً لجميع الرموز الأسطورية الأنثوية، فهنّ مثيرات وفاتنات وقويّات.
في جميع الحضارات القديمة تقريبا، كانت الأنثى تُعبد كآلهة، وفي نفس الوقت يُخشى جانبها كشيطان. والسيرانات يجسّدن جوهر السحر الذي تملكه المرأة وتزهو به على الرجل. لكن في الفنّ، فإن الأسطورة تتحدّث إلى الجنسين. وهي، بمعنى ما، تمثّل كلّ تلك الأشياء التي يقضي الإنسان حياته وهو يتجنّبها خوفا، لكنّه يندم على ذلك في النهاية.
السيرانات نجدها اليوم في العديد من الأعمال الفنّية والأدبية وفي شعار شركة ستاربكس وفي رواية فرانز كافكا بعنوان صمت السيرانات .
في وقتنا الحاضر، تكتسب أغاني السيرانات معنى مجازيّا. فالساسة الذين يبذلون للناس الوعود السخيّة والبرّاقة كي ينتخبوهم، إنما يعكسون بهذه الوعود معرفتهم بسيكولوجيا الإنسان وميله لتصديق الكلام المنمّق والمعسول. لذا فإن هؤلاء الساسة بارعون في غناء السيرانات، وبالنتيجة فإن الناس يميلون إلى الافتتان بـ "غنائهم" وتصديق وعودهم.
حصان طروادة:
تتحدّث هذه الأسطورة عن إحدى أكثر الحيل شهرة في جميع العصور. الحرب بين الإغريق وأهل طروادة هي الآن في عامها العاشر. الطرواديّون شعروا بالابتهاج عندما استيقظوا في صباح احد الأيّام ليجدوا أن الجيش الإغريقي الذي كان يحاصر مدينتهم قد غادر أخيرا. غير أن الإغريق تركوا وراءهم هديّة غريبة هي عبارة عن حصان خشبيّ عملاق.
تنفّس الطرواديّون الصعداء لأنهم اعتقدوا أنهم ارتاحوا أخيرا بعد أن خاضوا حربا ضارية وطويلة. وعندما رأوا الحصان الضخم أمام بوّابة مدينتهم ظنّوه رمزا للسلام وتحيّة للإلهة أثينا. لكنّ بعض الأهالي خمّنوا أن الحصان الخشبي قد يكون خدعة وأنه من الأسلم أن يتمّ إحراقه في مكانه.
عرّاف المدينة، واسمه لوكون، حذّر الملك برايام حاكم المدينة من الحصان قائلا انه مكيدة وليس رمزا للسلام. غير أن بوسيدون، إله البحر، الذي كان يقف إلى جانب الإغريق، أرسل إحدى أفاعي البحر الضخمة كي تقتل لوكون وولديه. برايام ظنّ أن لوكون قُتل لأنه أدلى بنبوءة كاذبة. لذا أمر الملك بإحضار الحصان الخشبيّ إلى داخل أسوار المدينة.
كان الإغريق قد وضعوا خطّة محكمة بعد عشر سنوات من الحصار الفاشل الذي فرضوه على طروادة. فقد تظاهروا بأنهم تخلّوا عن الحرب وقرّروا العودة إلى ديارهم. لكنهم تركوا ذلك الحصان الخشبيّ خارج الأسوار بعد أن ملئوه بالجند.
وبعد يوم وليلة من الاحتفالات الصاخبة، انهار الطرواديون من الإنهاك الشديد بسبب إفراطهم في شرب النبيذ. الجنود الإغريق الذين كانوا مختبئين داخل الحصان استغلّوا الوضع وخرجوا من مخبئهم وفتحوا بوّابة المدينة. ثم دخل الجيش الغازي بأكمله إلى داخل المدينة وسوّوا أسوارها بالأرض ثم باشروا في قتل أو أسر جميع سكّانها.
أسطورة حصان طروادة تحمل رمزيّة رائعة، وهي تعيدنا إلى ماض بعيد كان يخلو تقريبا من اللغة، وإلى مكان كانت فيه الرموز مرتبطة ارتباطا وثيقا بسعي الإنسان للبقاء على قيد الحياة. الحصان هو رمز للحرب، لكنه بنفس الوقت نموذج أصيل لقدرة الإنسان على الابتكار وعلى التدمير. كان حصان طروادة الوسيلة المثلى لحسم نزاع ملحميّ طويل أدّى في النهاية إلى القضاء على حضارة.
وعلى الرغم من أن هذه القصّة منشؤها التاريخ القديم، إلا أننا ما نزال إلى اليوم نستخدمها في لغة الخطاب اليومي. وعندما نطلق على شيء ما "حصان طروادة"، فإننا نعني أنه حسن المظهر ولكنّه ينطوي على نيّة شريرة بداخله.
وقد يكون حصان طروادة شخصا أو جماعة ما تحاول الإطاحة بشركة أو بلد أو حكومة من الداخل. كما يمكن أن يُطلق هذا الوصف على مجموعة مخرّبة أو جهاز يتمّ دسّه داخل صفوف العدو، أو على هديّة تُقدّم إلى شخص ما بنيّة الخداع وإيقاع الضرر. وتنويعا على هذا المعنى، تُستخدم هذه العبارة لوصف نوع من برامج الفيروسات التي تبدو قانونية وبريئة في الظاهر، لكنّ تأثيرها مدمّر على جهاز الحاسوب الذي تُنصب عليه.
بعض الأساطير أسهمت في صياغة الأديان وفي تشكيل تاريخ العديد من الأقوام والحضارات. وبعضها كان وما يزال مصدرا للكثير من الأعمال الشعرية والمسرحية والأدبية والموسيقية والفلسفية.
الأساطير القديمة ما تزال تعيش معنا في ثقافتنا ونجد لها مرجعيات في العديد من المفردات والتعبيرات اللغوية المعاصرة.
في بعض الأحيان، نسمع أو نقرأ عبارة "أغاني السيرانات". والسيرانات هنّ حوريّات بحر بملامح فاتنة. كنّ يستلقين على الشواطئ للإيقاع بالبحّارة من خلال أغانيهنّ الساحرة التي تصيب عقل من يسمعها بالخبل والذهول. الإغريق المتأخّرون يصفونهنّ كنساء لهنّ أجنحة الطيور، وهي صورة مستعارة من قدامى المصريين.
أغاني الحوريّات، لفرط جمالها، تصيب العقل بالتشوّش والذهول لأنها تعمل على شلّ قدرة الإنسان على التفكير والحكم العقلاني على الأمور. في الأوديسّا، تحذّر سيرسي اوديسيوس من الاستماع إلى السيرانات لأن أغانيهنّ قد تدفعه إلى الجنون. كما تحثّ بحّارته على ربطه بالسارية وسدّ أذنيه بالشمع كي تكونا منيعتين على الاستماع لتلك الأغاني الساحرة.
أسطورة السيرانات يبدو أنها موجودة في العديد من ثقافات العالم. في الأسطورة هنّ مخلوقات خطيرة جدّا، ولكنهنّ أيضا يتمتّعن بجاذبية لا تقاوَم. كما يمكن اعتبار قصّتهن أمّاً لجميع الرموز الأسطورية الأنثوية، فهنّ مثيرات وفاتنات وقويّات.
في جميع الحضارات القديمة تقريبا، كانت الأنثى تُعبد كآلهة، وفي نفس الوقت يُخشى جانبها كشيطان. والسيرانات يجسّدن جوهر السحر الذي تملكه المرأة وتزهو به على الرجل. لكن في الفنّ، فإن الأسطورة تتحدّث إلى الجنسين. وهي، بمعنى ما، تمثّل كلّ تلك الأشياء التي يقضي الإنسان حياته وهو يتجنّبها خوفا، لكنّه يندم على ذلك في النهاية.
السيرانات نجدها اليوم في العديد من الأعمال الفنّية والأدبية وفي شعار شركة ستاربكس وفي رواية فرانز كافكا بعنوان صمت السيرانات .
في وقتنا الحاضر، تكتسب أغاني السيرانات معنى مجازيّا. فالساسة الذين يبذلون للناس الوعود السخيّة والبرّاقة كي ينتخبوهم، إنما يعكسون بهذه الوعود معرفتهم بسيكولوجيا الإنسان وميله لتصديق الكلام المنمّق والمعسول. لذا فإن هؤلاء الساسة بارعون في غناء السيرانات، وبالنتيجة فإن الناس يميلون إلى الافتتان بـ "غنائهم" وتصديق وعودهم.
تتحدّث هذه الأسطورة عن إحدى أكثر الحيل شهرة في جميع العصور. الحرب بين الإغريق وأهل طروادة هي الآن في عامها العاشر. الطرواديّون شعروا بالابتهاج عندما استيقظوا في صباح احد الأيّام ليجدوا أن الجيش الإغريقي الذي كان يحاصر مدينتهم قد غادر أخيرا. غير أن الإغريق تركوا وراءهم هديّة غريبة هي عبارة عن حصان خشبيّ عملاق.
تنفّس الطرواديّون الصعداء لأنهم اعتقدوا أنهم ارتاحوا أخيرا بعد أن خاضوا حربا ضارية وطويلة. وعندما رأوا الحصان الضخم أمام بوّابة مدينتهم ظنّوه رمزا للسلام وتحيّة للإلهة أثينا. لكنّ بعض الأهالي خمّنوا أن الحصان الخشبي قد يكون خدعة وأنه من الأسلم أن يتمّ إحراقه في مكانه.
عرّاف المدينة، واسمه لوكون، حذّر الملك برايام حاكم المدينة من الحصان قائلا انه مكيدة وليس رمزا للسلام. غير أن بوسيدون، إله البحر، الذي كان يقف إلى جانب الإغريق، أرسل إحدى أفاعي البحر الضخمة كي تقتل لوكون وولديه. برايام ظنّ أن لوكون قُتل لأنه أدلى بنبوءة كاذبة. لذا أمر الملك بإحضار الحصان الخشبيّ إلى داخل أسوار المدينة.
كان الإغريق قد وضعوا خطّة محكمة بعد عشر سنوات من الحصار الفاشل الذي فرضوه على طروادة. فقد تظاهروا بأنهم تخلّوا عن الحرب وقرّروا العودة إلى ديارهم. لكنهم تركوا ذلك الحصان الخشبيّ خارج الأسوار بعد أن ملئوه بالجند.
وبعد يوم وليلة من الاحتفالات الصاخبة، انهار الطرواديون من الإنهاك الشديد بسبب إفراطهم في شرب النبيذ. الجنود الإغريق الذين كانوا مختبئين داخل الحصان استغلّوا الوضع وخرجوا من مخبئهم وفتحوا بوّابة المدينة. ثم دخل الجيش الغازي بأكمله إلى داخل المدينة وسوّوا أسوارها بالأرض ثم باشروا في قتل أو أسر جميع سكّانها.
أسطورة حصان طروادة تحمل رمزيّة رائعة، وهي تعيدنا إلى ماض بعيد كان يخلو تقريبا من اللغة، وإلى مكان كانت فيه الرموز مرتبطة ارتباطا وثيقا بسعي الإنسان للبقاء على قيد الحياة. الحصان هو رمز للحرب، لكنه بنفس الوقت نموذج أصيل لقدرة الإنسان على الابتكار وعلى التدمير. كان حصان طروادة الوسيلة المثلى لحسم نزاع ملحميّ طويل أدّى في النهاية إلى القضاء على حضارة.
وعلى الرغم من أن هذه القصّة منشؤها التاريخ القديم، إلا أننا ما نزال إلى اليوم نستخدمها في لغة الخطاب اليومي. وعندما نطلق على شيء ما "حصان طروادة"، فإننا نعني أنه حسن المظهر ولكنّه ينطوي على نيّة شريرة بداخله.
وقد يكون حصان طروادة شخصا أو جماعة ما تحاول الإطاحة بشركة أو بلد أو حكومة من الداخل. كما يمكن أن يُطلق هذا الوصف على مجموعة مخرّبة أو جهاز يتمّ دسّه داخل صفوف العدو، أو على هديّة تُقدّم إلى شخص ما بنيّة الخداع وإيقاع الضرر. وتنويعا على هذا المعنى، تُستخدم هذه العبارة لوصف نوع من برامج الفيروسات التي تبدو قانونية وبريئة في الظاهر، لكنّ تأثيرها مدمّر على جهاز الحاسوب الذي تُنصب عليه.
لآلاف السنين، ظلّ الناس يتساءلون عن الكيفية التي يقع فيها البشر في الحبّ، أو كيف ينجذبون عاطفيّا إلى بعضهم البعض. وكانوا يعتقدون أن قوى خارجية تضرب ضربتها فجأة وتجرّد الإنسان من إرادته الواعية.
الدراسات الحديثة تؤكّد أن هناك استجابات فسيولوجية يتمّ تحفيزها بأنواع مختلفة من الكيمياء الداخلية، بما في ذلك الغدد الصمّاء والأدرينالين والاندورفين والأوكسيتوسين.
اليونانيون القدماء كان لهم تفسيرهم الخاصّ عن سرّ الوقوع في الحب، إذ كانوا يعزون ذلك إلى ما يُعرف بسهم إيروس إله الحبّ. سهم إيروس "أو كيوبيد عند الرومان" يشير ضمنا إلى وجود الفيرومونات وغيرها من الإشارات الفيزيائية والكيميائية.
لكن ما هو مفقود في هذه الأسطورة في كثير من الأحيان هو حقيقة أن إيروس أو كيوبيد كان له سهمان: احدهما ذهبيّ يجلب الحبّ والجاذبية، والآخر رصاصيّ يُُحدث الكراهية والتنافر.
أبوليوس يشير إلى هذه الثنائية في روايته الشهيرة عن كيوبيد وسايكي، بينما تتضمّن ترنيمة هوميروس إلى أفرودايت مقطعا يقول إن الحبّ لا يعرف حدودا وأن الإلهة وابنها يضربان جميع المخلوقات الحيّة برغبة غير عقلانية.
في أوّل مرّة ظهر فيها كيوبيد، وكان ذلك في كتاب التحوّلات لـ اوفيد، استخدم سهمه بطريقة شرّيرة. أبوللو تعمّد إهانته عندما وصفه بأنه ولد سخيف لا عمل له سوى إطلاق السهام. وقد انتقم منه كيوبيد بأن أطلق عليه سهما ذهبيّا ليجعله يقع في الحبّ، كما أطلق سهما آخر، رصاصيّا هذه المرّة، باتجاه دافني الجميلة ليجعلها تخشى الحبّ وتكرهه. لذا فإن أبوللو في القصّة يطارد دافني إلى أن تتحوّل إلى شجرة غار كي تهرب منه، وكلّ هذا بسبب سهام كيوبيد التي لا ترحم.
كثيرا ما يأتي الحديث عن نهر ستيكس المظلم مترافقا مع الحديث عن كعب أخيل. في الأساطير اليونانية، كان نهر ستيكس حدّا فاصلا بين العالم العلوي للأحياء وعالم الموتى السفلي. كان النهر أسود لدرجة انه يستحيل رؤية أيّ شيء تحت سطحه.
الإغريق كانوا يعتقدون أن آلهتهم لا تختلف كثيرا عن البشر من حيث أنها، هي أيضا، عرضة للأفكار والمشاعر الشرّيرة. الفارق الوحيد هو أن الآلهة اكبر وأقوى من البشر، كما أنها مستثناة من الشعور بالخوف من الموت.
كان الموت بالنسبة لليونانيين القدماء شيئا مرعبا. تصوّرهم المأساوي عن أرض الموت الكئيبة هو الذي كان يدفعهم للتعلّق الشديد بالأرض ومباهجها. كانوا يعتقدون أن أرواح البشر بعد موتهم تسكن في منطقة باردة ومظلمة تُدعى هيديز. هناك يقضي الأموات وقتهم في البكاء والتطلّع للعودة إلى الأرض التي تركوها وراءهم.
عندما تصل أرواح الموتى إلى نهر ستيكس، يتمّ نقلهم في قارب يقوده بحّار عجوز وغامض يقال له كيرون. البحّار لا يتكلّم أبدا إلى أيّ من ركّابه، كما أن أحدا منهم لا يتحدّث معه. صمت الموت يلفّ الجميع منذ اللحظة التي يستقرّون فيها على القارب.
ويتوجّب على كلّ راكب أن يدفع لـ كيرون أجرا نظير نقله في قاربه. لذا كان اليونانيون يضعون عملة نقدية في فم كلّ شخص يموت. كما أن البحّار لا يحمل سوى أولئك الذي تمّ دفنهم بعد موتهم. ومصير كلّ من لا يفي بهذين الشرطين هو أن يهيم على وجهه على شاطئ النهر بلا هدف لمئات السنين. فيرجيل ودانتي وصفا في وقت لاحق الأرواح وهي تتدافع بشكل محموم ويائس على شاطئ نهر ستيكس للحصول على مكان في القارب.
عندما تصل الأرواح إلى الشاطئ الآخر، تدخل من بوّابة كبيرة يحرسها كلب له ثلاثة رؤوس. وخلف هذه البوّابة يتمّ إصدار الحكم النهائي، فالأخيار يذهبون إلى الفردوس أو الحدائق السماويّة. أما الأشرار فيُرسلون إلى تارتاروس أو الجحيم، وهو مكان غامض تسكنه الأشباح والظلال والكوابيس.
بعض علماء النفس يشيرون إلى أن تارتاروس، أو الجحيم، ليست سوى رمز لهذا العالم الذي نتقبّل فيه كلّ شيء ظاهريّا ودون نقد أو تمحيص. أمّا "الأجر" الذي يتقاضاه كيرون من ركّاب قاربه فهو رمز لشرط تخلّي الإنسان عن أي رغبة متبقيّة له في الواقع الماديّ الذي كان يعيش ضمنه قبل موته.
نهر ستيكس هو رمز للانتقال من حالة الحياة إلى الموت. غير أن مياه هذا النهر هي التي منحت القوّة التي كانت تسعى إليها والدة أخيل لحماية ابنها.
تذكر الأسطورة أن أخيل كان ابنا لـ ثيتيس، وهي حورية بحر ونصف إلهة. وأبوه كان بيليوس، ملك منطقة في جبل بيليون. وقد سمعت أمّه ذات مرّة كلام ساحرة تتحدّث عن موت أخيل في حرب ستحدث مستقبلا في طروادة. لذا أخذت الأمّ رضيعها إلى أن بلغت به نهر ستيكس المظلم كي تغمره في الماء ليصبح خالدا. كانت تمسك به من كاحله وهي تغمره. لذا أصبح جسده غير معرّض للخطر باستثناء بقعة واحدة فيه هي كعبه.
لكن في وقت لاحق، مات أخيل قرب نهاية حرب طروادة نتيجة سهم أصابه في كعبه بعد قتله للبطل هيكتور. الأسطورة تشير إلى أن الجرح الذي أصاب أخيل كان مميتا لأن كعبه كان الموضع الوحيد الذي اجتمعت فيه قابليّته للفناء من شتّى أنحاء جسده. أوفيد يشير في "التحوّلات" إلى أن أبوللو هو من حدّد لـ باريس نقطة ضعف أخيل وساعده في مهمّة قتله.
ومثل العديد من الأساطير، فإن وجود النهر في هذه الأسطورة يحمل رمزيّة خاصّة. فالنهر دائم الجريان ومياهه تتغيّر باستمرار. لذا فإن الأنهار رمز مثاليّ للتحوّلات والانتقال من طور لآخر. بل إنها تمثّل اكبر التحوّلات جميعا: أي الانتقال من الحياة إلى الموت، كما يجسّده نهر ستيكس الذي يجب أن يعبره جميع البشر قبل أن يدخلوا هيديز أو عالم الأموات.
ورغم أن أسطورة أخيل قديمة جدّا، إلا أنها لم تدخل التداول اللغوي إلا في القرن التاسع عشر. وهي تُستخدم ككناية عن الضعف القاتل أو المنطقة الهشّة والسريعة العطب. وأوّل من استخدمها كان الشاعر الانجليزي سامويل تيلر كولريدج عندما وصف ايرلندا بأنها "الكعب الضعيف لـ أخيل البريطانيّ". هذه الأيّام، لو سمعت مديرا أو مسئولا يتحدّث عن احد أقسام مؤسّسته واصفا إيّاه بأنه "كعب أخيل" المؤسّسة، فالمقصود أن ذلك القسم لا يحقّق مكاسب أو أرباحا وأن بقاءه على هذا الوضع قد يشكّل خطرا على مستقبل الشركة.
موضوع ذو صلة: نساء الأوديسّا