وُجدت الأساطير مع الإنسان منذ آلاف السنين. وقراءتها تساعدنا على فهم الحياة والتجربة الإنسانية بشكل أفضل وتزيد معرفتنا بالماضي وبالكثير من الحضارات التي سادت ثم بادت. كما أنها تعلّمنا بأن هناك الكثير من الأديان والثقافات في هذا العالم، وبالتالي تجعلنا أكثر تسامحا وانفتاحا.
بعض الأساطير أسهمت في صياغة الأديان وفي تشكيل تاريخ العديد من الأقوام والحضارات. وبعضها كان وما يزال مصدرا للكثير من الأعمال الشعرية والمسرحية والأدبية والموسيقية والفلسفية.
الأساطير القديمة ما تزال تعيش معنا في ثقافتنا ونجد لها مرجعيات في العديد من المفردات والتعبيرات اللغوية المعاصرة.
موسيقى اورفيوس:
أحيانا، تتردّد على الألسن عبارة "الموسيقى تروّض الوحوش"، في إشارة إلى ما للموسيقى من قوّة في إثارة مشاعر الإنسان بل وحتى الحيوان.
العلم الحديث يشير إلى أن الموسيقى تعمل على مستوى أعمق في الدماغ، وهو أمر ما يزال تفسيره إلى اليوم لغزا. وهناك من العلماء من يتحدّث عن القوّة الغريبة للموسيقى في استحضار تجارب وحالات تقصر عنها غيرها من الفنون.
عبارة "الموسيقى تروّض الوحوش" مستوحاة من الأسطورة اليونانية القديمة عن أورفيوس، الموسيقيّ الذي أحبّه أبوللو إله الموسيقى. هذه الأسطورة، مع العديد من الأساطير الأخرى، تشهد على أن موسيقى أورفيوس كانت قادرة على تهدئة أكثر الحيوانات عنفا وتوحّشا.
الموزاييك الرومانيّ يصوّر أورفيوس وهو يعزف على القيثارة بينما يحيط به في جوّ من الوئام حشد من الحيوانات التي كثيرا ما يعادي بعضها بعضا في الأحوال الطبيعية. تشير الأسطورة إلى أن اورفيوس عندما يغنّي كان يستدرج البشر والحيوانات المتوحّشة والأنهار وحتى الصخور الصمّاء كي تتبعه وتقتفي أثره. ذات مرّة، عندما كان يعزف موسيقاه الشجيّة في الغابة، اقتلعت أشجار السنديان نفسها من جذورها وتبعته وهو يهبط إلى سفح الجبل ثم غرست نفسها على شاطئ البحر في المكان الذي أنهى اورفيوس أغنيته عنده. وعندما مات في نهاية الأسطورة بكت الطيور على أطراف التلال وأسقطت الأشجار أوراقها أسفاً وفاضت الأنهار بمياهها حزنا على رحيله.
القيثارة في هذه الأسطورة ترمز إلى تقدير الموسيقى والفنون. والآلهة والبشر الذين يحملون هذه الآلة يتميّزون غالبا بإحساسهم العالي ورهافة مشاعرهم. وإذا رأيت صورة لشخص وسيم يحتضن هذه الآلة الوترية الصغيرة، فهناك احتمال كبير بأنه إمّا أبوللو أو اورفيوس، وهما أكثر الشخصيات في الأساطير الإغريقية ميلا إلى الموسيقى. أمّا إن سمعت ذات يوم موسيقى حزينة تتحدّث عن حبّ ضائع أو بلا أمل، فاعلم أن روح اورفيوس هي من ألهمت صاحبها ذلك اللحن.
اورفيوس، كشخصية رمزية، يرتبط بالموسيقى والحزن وبعدم قدرته على نسيان حبّه لزوجته يوريديسي. وليس من المستغرب أن نرى حضوره في العديد من المعالجات الحديثة لهذه القصّة. فهو موجود، على سبيل المثال، في فيلم اورفيوس الأسود وفي لوحة كميل كورو وفي موسيقى جاك اوفنباخ وفي تمثال رودان ، بالإضافة إلى عشرات الأعمال الأدبية والفنّية والمسرحية.
لمسة ميداس:
في الأسطورة، كان ميداس ملكا على فريجيا، وهي منطقة تقع اليوم في تركيا. كان هذا الملك معروفا بحماقته وجشعه. كان شخصا ثريّا جدّا وكان يعيش في قصر فخم مع ابنته الوحيدة. متعته الأولى كانت جمع الذهب وهاجسه الدائم كان تكديس المال. وقد اعتاد على أن يمضي أيّامه في إحصاء ثروته من النقود الذهبيّة.
لكن ذات يوم، مرّ بمملكته دايونيسيس إله الخمر والمجون. فدعاه ميداس إلى قصره كي يقوم بواجب إكرامه. ومن باب ردّ الجميل، عرض عليه دايونيسيس أن يحقّق له أمنية، وحثّه على أن يفكّر جيّدا في نوعيّتها. فتمنّى ميداس أن تتوفّر له القدرة على تحويل كلّ شيء يلمسه إلى ذهب. ووعده دايونيسيس أن يحقّق له أمنيته تلك اعتبارا من اليوم التالي.
وفي صباح ذلك اليوم، استيقظ ميداس من نومه مبكّرا كي يتأكّد أن أمنيته أصبحت حقيقة. ومدّ يده ليلمس طاولة فتحوّلت فورا إلى ذهب. وغمره شعور بالفرح والسعادة لما حدث. ثمّ لمس كرسيّا وسجّادة وباباً فتحوّلت جميعها إلى ذهب. ثمّ جلس إلى المائدة لتناول الإفطار ومدّ يده إلى وردة كي يشمّ عبيرها فتحوّلت في الحال إلى ذهب. وبعد قليل جاءت ابنته الحبيبة لتطوّقه بذراعيها فلم تلبث أن تحوّلت إلى تمثال من الذهب. عندها هبّ ميداس من مكانه مذعورا وسارع من ساعته إلى دايونيسيس ملتمسا منه أن يبطل مفعول تلك الأمنية.
شعر دايونيسيس بالحزن لما حلّ بميداس وقال له: عليك أن تذهب الآن إلى نهر باكتولوس وتغسل يديك من مائه. وذهب الملك إلى النهر وفعل ما طُلب منه. وعندما عاد إلى قصره كان كلّ شيء قد عاد إلى طبيعته الأولى. ومن يومها تغيّر ميداس كثيرا وصار شخصا آخر. أصبح إنسانا كريما يعطف على الآخرين ويتحسّس همومهم ومشاكلهم. وعاش شعبه حياة مرفّهة بعد أن قرّر أن يقاسمهم ثروته الطائلة.
أمنية ميداس لم تكن في الواقع نعمة وإنّما لعنة. وجشع الملك يدعونا لأن ندرك قيمة السعادة الحقيقية وأن نفكّر في العواقب التي قد تقودنا لأن نصبح عبيدا لرغباتنا الأنانية. الثراء قد لا يجلب السعادة بالضرورة وقد لا يحلّ كلّ المشاكل، لأن الثروة قد تخلق مشكلات من تلقاء نفسها.
هذه الأيّام عندما نقول إن لشخص ما لمسة ميداس، فإننا نعني أنه يملك ثروة كبيرة، أو انه ناجح في جميع مشاريعه الماليّة وأن كلّ ما يفعله مضمون الربح. لكن يمكن أن يكون لهذه العبارة معنى ساخر، انطلاقا من حقيقة أن لمسة ميداس كانت في واقع الأمر نقمة أكثر ممّا هي نعمة.
بعض الأساطير أسهمت في صياغة الأديان وفي تشكيل تاريخ العديد من الأقوام والحضارات. وبعضها كان وما يزال مصدرا للكثير من الأعمال الشعرية والمسرحية والأدبية والموسيقية والفلسفية.
الأساطير القديمة ما تزال تعيش معنا في ثقافتنا ونجد لها مرجعيات في العديد من المفردات والتعبيرات اللغوية المعاصرة.
أحيانا، تتردّد على الألسن عبارة "الموسيقى تروّض الوحوش"، في إشارة إلى ما للموسيقى من قوّة في إثارة مشاعر الإنسان بل وحتى الحيوان.
العلم الحديث يشير إلى أن الموسيقى تعمل على مستوى أعمق في الدماغ، وهو أمر ما يزال تفسيره إلى اليوم لغزا. وهناك من العلماء من يتحدّث عن القوّة الغريبة للموسيقى في استحضار تجارب وحالات تقصر عنها غيرها من الفنون.
عبارة "الموسيقى تروّض الوحوش" مستوحاة من الأسطورة اليونانية القديمة عن أورفيوس، الموسيقيّ الذي أحبّه أبوللو إله الموسيقى. هذه الأسطورة، مع العديد من الأساطير الأخرى، تشهد على أن موسيقى أورفيوس كانت قادرة على تهدئة أكثر الحيوانات عنفا وتوحّشا.
الموزاييك الرومانيّ يصوّر أورفيوس وهو يعزف على القيثارة بينما يحيط به في جوّ من الوئام حشد من الحيوانات التي كثيرا ما يعادي بعضها بعضا في الأحوال الطبيعية. تشير الأسطورة إلى أن اورفيوس عندما يغنّي كان يستدرج البشر والحيوانات المتوحّشة والأنهار وحتى الصخور الصمّاء كي تتبعه وتقتفي أثره. ذات مرّة، عندما كان يعزف موسيقاه الشجيّة في الغابة، اقتلعت أشجار السنديان نفسها من جذورها وتبعته وهو يهبط إلى سفح الجبل ثم غرست نفسها على شاطئ البحر في المكان الذي أنهى اورفيوس أغنيته عنده. وعندما مات في نهاية الأسطورة بكت الطيور على أطراف التلال وأسقطت الأشجار أوراقها أسفاً وفاضت الأنهار بمياهها حزنا على رحيله.
القيثارة في هذه الأسطورة ترمز إلى تقدير الموسيقى والفنون. والآلهة والبشر الذين يحملون هذه الآلة يتميّزون غالبا بإحساسهم العالي ورهافة مشاعرهم. وإذا رأيت صورة لشخص وسيم يحتضن هذه الآلة الوترية الصغيرة، فهناك احتمال كبير بأنه إمّا أبوللو أو اورفيوس، وهما أكثر الشخصيات في الأساطير الإغريقية ميلا إلى الموسيقى. أمّا إن سمعت ذات يوم موسيقى حزينة تتحدّث عن حبّ ضائع أو بلا أمل، فاعلم أن روح اورفيوس هي من ألهمت صاحبها ذلك اللحن.
اورفيوس، كشخصية رمزية، يرتبط بالموسيقى والحزن وبعدم قدرته على نسيان حبّه لزوجته يوريديسي. وليس من المستغرب أن نرى حضوره في العديد من المعالجات الحديثة لهذه القصّة. فهو موجود، على سبيل المثال، في فيلم اورفيوس الأسود وفي لوحة كميل كورو وفي موسيقى جاك اوفنباخ وفي تمثال رودان ، بالإضافة إلى عشرات الأعمال الأدبية والفنّية والمسرحية.
في الأسطورة، كان ميداس ملكا على فريجيا، وهي منطقة تقع اليوم في تركيا. كان هذا الملك معروفا بحماقته وجشعه. كان شخصا ثريّا جدّا وكان يعيش في قصر فخم مع ابنته الوحيدة. متعته الأولى كانت جمع الذهب وهاجسه الدائم كان تكديس المال. وقد اعتاد على أن يمضي أيّامه في إحصاء ثروته من النقود الذهبيّة.
لكن ذات يوم، مرّ بمملكته دايونيسيس إله الخمر والمجون. فدعاه ميداس إلى قصره كي يقوم بواجب إكرامه. ومن باب ردّ الجميل، عرض عليه دايونيسيس أن يحقّق له أمنية، وحثّه على أن يفكّر جيّدا في نوعيّتها. فتمنّى ميداس أن تتوفّر له القدرة على تحويل كلّ شيء يلمسه إلى ذهب. ووعده دايونيسيس أن يحقّق له أمنيته تلك اعتبارا من اليوم التالي.
وفي صباح ذلك اليوم، استيقظ ميداس من نومه مبكّرا كي يتأكّد أن أمنيته أصبحت حقيقة. ومدّ يده ليلمس طاولة فتحوّلت فورا إلى ذهب. وغمره شعور بالفرح والسعادة لما حدث. ثمّ لمس كرسيّا وسجّادة وباباً فتحوّلت جميعها إلى ذهب. ثمّ جلس إلى المائدة لتناول الإفطار ومدّ يده إلى وردة كي يشمّ عبيرها فتحوّلت في الحال إلى ذهب. وبعد قليل جاءت ابنته الحبيبة لتطوّقه بذراعيها فلم تلبث أن تحوّلت إلى تمثال من الذهب. عندها هبّ ميداس من مكانه مذعورا وسارع من ساعته إلى دايونيسيس ملتمسا منه أن يبطل مفعول تلك الأمنية.
شعر دايونيسيس بالحزن لما حلّ بميداس وقال له: عليك أن تذهب الآن إلى نهر باكتولوس وتغسل يديك من مائه. وذهب الملك إلى النهر وفعل ما طُلب منه. وعندما عاد إلى قصره كان كلّ شيء قد عاد إلى طبيعته الأولى. ومن يومها تغيّر ميداس كثيرا وصار شخصا آخر. أصبح إنسانا كريما يعطف على الآخرين ويتحسّس همومهم ومشاكلهم. وعاش شعبه حياة مرفّهة بعد أن قرّر أن يقاسمهم ثروته الطائلة.
أمنية ميداس لم تكن في الواقع نعمة وإنّما لعنة. وجشع الملك يدعونا لأن ندرك قيمة السعادة الحقيقية وأن نفكّر في العواقب التي قد تقودنا لأن نصبح عبيدا لرغباتنا الأنانية. الثراء قد لا يجلب السعادة بالضرورة وقد لا يحلّ كلّ المشاكل، لأن الثروة قد تخلق مشكلات من تلقاء نفسها.
هذه الأيّام عندما نقول إن لشخص ما لمسة ميداس، فإننا نعني أنه يملك ثروة كبيرة، أو انه ناجح في جميع مشاريعه الماليّة وأن كلّ ما يفعله مضمون الربح. لكن يمكن أن يكون لهذه العبارة معنى ساخر، انطلاقا من حقيقة أن لمسة ميداس كانت في واقع الأمر نقمة أكثر ممّا هي نعمة.
من التعبيرات المتداولة والمستندة إلى أساطير عبارة "مهمّة سيزيفية" التي تشير إلى عمل مضنٍ ومستعصٍ وعبثيّ وليست له نهاية. في الأساطير اليونانية، كان سيزيف ملكا على كورينث وكان فخورا جدّا بذكائه وخداعه الذي لا ينتهي للآلهة وللبشر، وإغوائه لابنة أخيه وخرقه لقانون إكرام الغرباء بقتله الضيوف.
كلّ هذه الانتهاكات الفادحة استوجبت عقابه وذلك بوضعه في تارتاروس، وهي أسفل درَك من الجحيم. مهمّة سيزيف الأبدية هناك كانت تلزمه بدحرجة صخرة إلى قمّة جبل. وعندما يصل إلى القمّة تتراجع الصخرة إلى أسفل الجبل، وبالتالي كان عليه دائما أن يبدأ من جديد في دفع الصخرة إلى قمّة الجبل في مهمّة لا تنتهي أبدا.
هذه العقوبة كانت إحدى أكثر العقوبات ترويعا التي يمكن أن تواجه إنسانا. ولحسن الحظ، فإن أحفاد سيزيف لم تلاحقهم تلك اللعنة. فحفيده المسمّى بيلليروفون كان البطل الذي قتل وحش الشيميرا بمساعدة كلّ من أثينا وبيغاسوس الجواد المجنّح.
سيزيف، ببعديه الوجودي والمأساوي، نجده اليوم في رواية يوم في حياة إيفان دينيسوفيتش للكاتب الروسي الكسندر سولجينِتسين وفي كتاب أسطورة سيزيف لـ البير كامو. كامو أضفى على سيزيف مسحة نبل ورأى أن حكايته تلخّص مصير الإنسان المعاصر الذي يصحو في الصباح ليذهب إلى عمله ثم يعود في المساء إلى بيته، وفي اليوم التالي يكرّر نفس ما فعله في اليوم السابق.. وهكذا.
لكن سيزيف، حسب كامو أيضا، كان يمرّ بمرحلة من مراحل تطوّر الوعي، فقد تقبّل مهمّته على الرغم من عبثيّتها لأنها سمحت له بأن ينمو وأن يتعلّم. لقد عرف سيزيف مصيره وتقبّله، وبإمكان البشر أن يتعلّموا منه فيقبلوا أقدارهم.
يقول البير كامو في كتابه: إن أسوا مصير يمكن أن يواجهه الإنسان هو أن يجد نفسه مسجونا في وجود عبثيّ، لكنه يجهل عبثيّته. لذا فإن سيزيف بعد أن أدرك عدمية مصيره كان يحقّق انتصارا صغيرا في كلّ مرّة يدفع فيها بالصخرة إلى قمّة الجبل. كان قد فهم عدم جدوى عمله ولم يعد منشغلا بمحاولة أن يجد معنى لما يقوم به.
كثيرا ما نقول لشخص ما على سبيل التحذير: لا تفتح هذا، انه صندوق باندورا"، ما يعني أنه لو فعل هذا الشيء فستكون النتائج وخيمة بحيث لا يمكن تجنّبها أو إبطالها مفاعيلها.
هيسيود، الشاعر الروماني، كان المصدر الأساسيّ لقصّة باندورا. وأصل الأسطورة أن زيوس كبير الإلهة أمر هيفيستوس زوج افرودايت بأن يصنع له، أي لـ زيوس، ابنة. وقد صنع له امرأة جميلة وأسماها باندورا. كانت باندورا عبارة عن هديّة جميلة شارك جميع الآلهة في تشكيل ملامحها. وكانت أوّل امرأة تُخلق على الأرض في عالم كان حتى ذلك الوقت مقتصرا على الآلهة والرجال فقط.
وأرسل زيوس ابنته باندورا إلى الأرض لتتزوّج ابيميثيوس، وهو رجل مهذّب ووحيد. لكن كان لـ ابيميثيوس أخ اسمه بروميثيوس، وكان زيوس حانقا على الأخير لسرقته النار وإعطائها للبشر دون إذن من زيوس.
وقبل أن يرسل زيوس باندورا إلى الأرض أعطاها صندوقا له قفل ثقيل وأخذ منها وعدا بألا تفتح ذلك الصندوق أبدا. غير أنها كانت امرأة فضولية وأرادت أن تعرف ما بداخل الصندوق.
وفي إحدى الليالي، وبينما كان زوجها نائما، سرقت منه المفتاح وفتحت الصندوق. ومنه خرجت إلى العالم كافّة الشرور والآفات التي لم يخبرها البشر من قبل، كالأمراض والكراهية والحسد والجريمة والألم والموت والحزن.
عندما فتحت باندورا الصندوق لم يكن ذلك الفعل يعبّر عن خبث أو سوء طويّة. كانت فقط تمارس فضولها، لأنها عندما رأت ما حدث سارعت إلى إغلاق الصندوق ولكن بعد فوات الأوان.
باندورا هي النسخة اليونانية من حوّاء التي حُذّرت بألا تأكل التفّاحة. حوّاء أيضا كانت جميلة وفضولية ولم تستطع مقاومة أكل الفاكهة المحرّمة. ونتيجة لذلك طُردت هي وآدم من الجنّة التي أصبحت فردوسا مفقودا لأن ذرّية آدم وحوّاء، أي البشر، عانوا من الآثار السلبية لذلك الفعل، أي الألم والخطيئة والموت. لقد حُرم البشر وإلى الأبد من نعمة الخلود وأصبح يتعيّن عليهم أن يناضلوا وأن يعانوا من مشاكل ومشاقّ الحياة.
ومن الواضح أن هاتين القصّتين توفّران مبرّرا جيّدا للرجال لأن يلوموا النساء ويحمّلوهنّ المسئولية عن كافّة الشرور والمصائب التي حلّت بالأرض.
سيغموند فرويد ذهب إلى أن صندوق باندورا يرمز إلى أعضاء الأنثى التناسلية، وأحيانا إلى الأخطار والرغبات والمخاوف المكبوتة في اللاوعي. والأدباء والشعراء، مثل فولتير وغوته، رأوا في باندورا معنى مجازيّا يتمثّل في أن جمال الأنثى غالبا ما يخفي ميلها إلى الخداع والتدمير.
أسطورة صندوق باندورا تنطوي في أصلها على تحذير للبشر بأن لا يحشروا أنوفهم في ما لا يخصّهم. وهذه الأيّام أصبحت العبارة تُستخدم للإشارة إلى أن عملا ما، مهما بدا صغيرا وبلا أهميّة، يمكن أن يؤدّي إلى نتائج قويّة ومؤلمة وذات آثار بعيدة المدى، وأن تَرْك وضع ما على حالته الراهنة قد يكون أفضل كثيرا من تغييره. من قبيل هذا، أن تسمع تصريحا لوزير أو مسئول في بلد ما يؤكّد فيه انه لن يناقش مسألة معيّنة لأنه لا يريد أن يفتح "صندوق باندورا"، ما يعني أن مناقشة تلك المسألة يمكن أن تؤدّي إلى نتائج وخيمة وغير متوقّعة.