على مدى قرون، تحدّث العلماء والكتّاب من الرجال، من سيغموند فرويد إلى ديف باري وروبيرت بول سميث وآخرين، عن ثديي الأنثى فامتدحوهما وقدّسوهما كموضع للحنان وللإثارة الجنسية.
الكاتبة والفيلسوفة النسوية ايريس يونغ أشارت ذات مرّة إلى هذه الثنائية في وظيفة الثديين عندما كتبت تقول: الثديان فضيحة، لأنهما يحطّمان الحدود بين الأمومة والجنسانية''.
والحقيقة أن لا شيء يذكّرنا بالثديين وروعتهما وتألّقهما التطوّري وتأثيرهما على تفكيرنا الجمعي أفضل من التحديق في الجبال.
فلورانس وليامز، وهي كاتبة علمية جسورة تعيش بالقرب من جبال روكي في كولورادو، صرفت من وقتها وجهدها الشيء الكثير لتخرج لنا بهذا الكتاب المثير للاهتمام بعنوان "الثديان: تاريخ طبيعيّ وغير طبيعيّ".
في بداية الكتاب، تؤكّد المؤلّفة أن ثديي المرأة تطوّرا في الأساس استجابة لمتطلّبات بقاء الإنسان على قيد الحياة. أما هاجس الرجال بهما فلم ينشأ إلا في مرحلة متأخّرة. وتشير إلى أن أجيالا عديدة من الباحثين الذكور ركّزوا دراساتهم العلمية على افتراض خاطئ مؤدّاه أن وظيفة الثديين في المقام الأوّل هي زيادة الجاذبية الجنسية للمرأة. لكن في ما بعد ظهرت دراسات أخرى تعترف أن الوظيفة المركزية والأكثر أهميّة للثديين هي الرضاعة.
وتورد الكاتبة قصّة عن هنري دي موندفيل، الجرّاح الفرنسي الشهير، الذي سُئل مرّة عن السبب في أن موضع ثديي المرأة هو صدرها بخلاف ما عليه الحال في المخلوقات والحيوانات الأخرى. وقد أورد دي موندفيل سببين رئيسيين: الأوّل لأن الصدر مصدر للنبل والعفاف، وبالتالي يمكن إظهار الثديين هناك بشكل لائق. والثاني لأنهما يستمدّان الدفء من اقرب عضو منهما، أي القلب، ثم يبثّان ذلك الدفء ثانية في جسم الرضيع.
فكرة هذا الكتاب ظهرت عندما شعرت فلورانس وليامز بالانزعاج بعد أن قرأت مقالا يتحدّث فيه كاتبه عن السموم والموادّ الكيماوية التي وُجدت في حليب الثدي. ولأنها ترضع طفلا فقد قرّرت أن تُخضع ثدييها لفحص طبّي. وحدثت المفاجأة عندما اكتشفت أن ثدييها محشوّان بالسموم التي كانت ترضعها مباشرة لطفلها، مثل مثبّطات اللهب ومخفّفات الدهان والسوائل المنظّفة والموادّ الحافظة ومزيلات العرق والموادّ المضافة إلى مستحضرات التجميل ومشتقّات البنزين ووقود الصواريخ والسموم الحشرية، بالإضافة إلى موادّ أخرى مماثلة للقنّب الذي يدخل في تركيب الماريوانا.
وتعلّق الكاتبة على ما حدث باقتباس عبارة منسوبة لأحد الممثّلين الفكاهيين الذي قال ذات مرّة: إن الوظيفة الأساسيّة للثديين هي جعل الرجال أغبياء". وتصف كيف أن تلك الملاحظة التي قيلت أصلا على سبيل الدعابة تبدو حقيقية من الناحية العلمية وعلى ضوء الأبحاث التي أجريت على الثديين. فالسموم والمخلّفات القاتلة في حليب الثدي مرتبطة، ليس فقط بنقص المناعة والمشاكل السلوكية والسرطان، وإنّما أيضا بانخفاض معدّلات الذكاء.
وتؤكّد وليامز انه على الرغم من دور الثديين المركزي في بقاء الجنس البشري وحقيقة أنهما يتعلّقان بنصف سكّان العالم البالغين، إلا أننا لا نعرف في الواقع سوى القليل جدّا عن البيولوجيا الأساسية لهما.
التجربة الشخصية للمؤلّفة دفعتها إلى تتبّع تاريخ الثديين ودورة حياتهما، من سنّ البلوغ إلى مرحلة الحمل والرضاعة الطبيعية ثمّ انقطاع الطمث أو ما يُسمّى بسنّ اليأس، في محاولة للإجابة على بعض الأسئلة مثل: من أين جاء الثديان، وإلامَ انتهى بهما المطاف، وما الذي يمكننا فعله لإنقاذهما.
تقول وليامز في معرض حديثها عن تشريح الثدي وكيف انه يربطنا بأطفالنا وماضينا ومحيطنا: البشر هم تقريبا الثدييات الوحيدة التي لديها أعضاء متدليّة ومكوّرة تُسمّى الثديين. ومعظم الثدييات ليس لديها، أو ليست بحاجة إلى ثديين لإرضاع صغارها.
وتضيف: الثدي البشريّ فريد من نوعه في الطبيعة لحجمه وشكله. وقد تطوّر في مرحلة مبكّرة من تطوّر فصيلتنا. ومن اجل فهم أعمق لتشريح الثديين، درست المؤلّفة التاريخ التطورّي للثدييات وذهبت إلى أماكن شتّى لمقابلة المزيد من خبراء الثدي. وهي تصف الثديين بأنهما بيئة مجهولة إلى حدّ كبير تؤوي أنظمة معقّدة وقابلة للتكيّف، مع قدرة فريدة على الاستجابة والتفاعل مع العالم المحيط. لكن هذه القدرة تتضاءل الآن مع كلّ هذه الاعتداءات على البيئة والتي يكمن فيها دمار الإنسان.
الكاتبة والفيلسوفة النسوية ايريس يونغ أشارت ذات مرّة إلى هذه الثنائية في وظيفة الثديين عندما كتبت تقول: الثديان فضيحة، لأنهما يحطّمان الحدود بين الأمومة والجنسانية''.
والحقيقة أن لا شيء يذكّرنا بالثديين وروعتهما وتألّقهما التطوّري وتأثيرهما على تفكيرنا الجمعي أفضل من التحديق في الجبال.
فلورانس وليامز، وهي كاتبة علمية جسورة تعيش بالقرب من جبال روكي في كولورادو، صرفت من وقتها وجهدها الشيء الكثير لتخرج لنا بهذا الكتاب المثير للاهتمام بعنوان "الثديان: تاريخ طبيعيّ وغير طبيعيّ".
في بداية الكتاب، تؤكّد المؤلّفة أن ثديي المرأة تطوّرا في الأساس استجابة لمتطلّبات بقاء الإنسان على قيد الحياة. أما هاجس الرجال بهما فلم ينشأ إلا في مرحلة متأخّرة. وتشير إلى أن أجيالا عديدة من الباحثين الذكور ركّزوا دراساتهم العلمية على افتراض خاطئ مؤدّاه أن وظيفة الثديين في المقام الأوّل هي زيادة الجاذبية الجنسية للمرأة. لكن في ما بعد ظهرت دراسات أخرى تعترف أن الوظيفة المركزية والأكثر أهميّة للثديين هي الرضاعة.
وتورد الكاتبة قصّة عن هنري دي موندفيل، الجرّاح الفرنسي الشهير، الذي سُئل مرّة عن السبب في أن موضع ثديي المرأة هو صدرها بخلاف ما عليه الحال في المخلوقات والحيوانات الأخرى. وقد أورد دي موندفيل سببين رئيسيين: الأوّل لأن الصدر مصدر للنبل والعفاف، وبالتالي يمكن إظهار الثديين هناك بشكل لائق. والثاني لأنهما يستمدّان الدفء من اقرب عضو منهما، أي القلب، ثم يبثّان ذلك الدفء ثانية في جسم الرضيع.
فكرة هذا الكتاب ظهرت عندما شعرت فلورانس وليامز بالانزعاج بعد أن قرأت مقالا يتحدّث فيه كاتبه عن السموم والموادّ الكيماوية التي وُجدت في حليب الثدي. ولأنها ترضع طفلا فقد قرّرت أن تُخضع ثدييها لفحص طبّي. وحدثت المفاجأة عندما اكتشفت أن ثدييها محشوّان بالسموم التي كانت ترضعها مباشرة لطفلها، مثل مثبّطات اللهب ومخفّفات الدهان والسوائل المنظّفة والموادّ الحافظة ومزيلات العرق والموادّ المضافة إلى مستحضرات التجميل ومشتقّات البنزين ووقود الصواريخ والسموم الحشرية، بالإضافة إلى موادّ أخرى مماثلة للقنّب الذي يدخل في تركيب الماريوانا.
وتعلّق الكاتبة على ما حدث باقتباس عبارة منسوبة لأحد الممثّلين الفكاهيين الذي قال ذات مرّة: إن الوظيفة الأساسيّة للثديين هي جعل الرجال أغبياء". وتصف كيف أن تلك الملاحظة التي قيلت أصلا على سبيل الدعابة تبدو حقيقية من الناحية العلمية وعلى ضوء الأبحاث التي أجريت على الثديين. فالسموم والمخلّفات القاتلة في حليب الثدي مرتبطة، ليس فقط بنقص المناعة والمشاكل السلوكية والسرطان، وإنّما أيضا بانخفاض معدّلات الذكاء.
وتؤكّد وليامز انه على الرغم من دور الثديين المركزي في بقاء الجنس البشري وحقيقة أنهما يتعلّقان بنصف سكّان العالم البالغين، إلا أننا لا نعرف في الواقع سوى القليل جدّا عن البيولوجيا الأساسية لهما.
التجربة الشخصية للمؤلّفة دفعتها إلى تتبّع تاريخ الثديين ودورة حياتهما، من سنّ البلوغ إلى مرحلة الحمل والرضاعة الطبيعية ثمّ انقطاع الطمث أو ما يُسمّى بسنّ اليأس، في محاولة للإجابة على بعض الأسئلة مثل: من أين جاء الثديان، وإلامَ انتهى بهما المطاف، وما الذي يمكننا فعله لإنقاذهما.
تقول وليامز في معرض حديثها عن تشريح الثدي وكيف انه يربطنا بأطفالنا وماضينا ومحيطنا: البشر هم تقريبا الثدييات الوحيدة التي لديها أعضاء متدليّة ومكوّرة تُسمّى الثديين. ومعظم الثدييات ليس لديها، أو ليست بحاجة إلى ثديين لإرضاع صغارها.
وتضيف: الثدي البشريّ فريد من نوعه في الطبيعة لحجمه وشكله. وقد تطوّر في مرحلة مبكّرة من تطوّر فصيلتنا. ومن اجل فهم أعمق لتشريح الثديين، درست المؤلّفة التاريخ التطورّي للثدييات وذهبت إلى أماكن شتّى لمقابلة المزيد من خبراء الثدي. وهي تصف الثديين بأنهما بيئة مجهولة إلى حدّ كبير تؤوي أنظمة معقّدة وقابلة للتكيّف، مع قدرة فريدة على الاستجابة والتفاعل مع العالم المحيط. لكن هذه القدرة تتضاءل الآن مع كلّ هذه الاعتداءات على البيئة والتي يكمن فيها دمار الإنسان.
في احد فصول الكتاب، تذكر المؤلّفة أن الدراسات التطوّرية والأنثروبولوجية الأكثر حداثة تؤكّد وبشكل مقنع أن الثديين أخذا شكلهما الخارجي ومكانهما في الجسم كي يكون لدينا أطفال اصغر بأدمغة اكبر، ولتسهيل مهمّة الإرضاع في مختلف الأوضاع ومساعدة الرضّع في تطوير الحركات وبناء الفكّين وتعزيز مهارات الفم الحركية والضرورية للكلام.
ووفقا للأبحاث التي تستشهد بها الكاتبة، فإن الثديين الكبيرين ليسا بأفضل من الصغيرين في صنع الحليب ولا ينتجان حليبا أكثر. وبصرف النظر عن حجم الثديين، فإن الأمّ الجديدة تنتج في المتوسط ستّ عشرة أوقية من الحليب يوميّا من كلّ ثدي.
وفي فصل آخر تشير وليامز إلى أن الثديين مصنوعان من أنسجة دهنية تمتصّ الملوّثات مثل زوج من الإسفنج الليّن. كما أنهما العضوان الأكثر حساسية للموادّ الكيميائية، خاصّة تلك التي تؤثّر سلبا على الغدد، والموجودة في كلّ مكان تقريبا، في الهواء الذي نتنفّسه وفي الماء الذي نشربه وفي السيّارات التي نقودها. ونتيجة لذلك، أصبح سرطان الثدي هو السرطان القاتل رقم واحد للنساء في جميع أنحاء العالم. كما أصبح على نحو متزايد مشكلة للرجال أيضا. وقد تضاعفت حالات الإصابة بسرطان الثدي في العالم منذ عام 1940، وهي مستمرّة في الارتفاع.
وبسبب عوامل مختلفة من بينها السمنة والملوّثات الصناعية، فإن الثديين يصبحان أكبر حجما، وفي كثير من الأحيان يمكن أن يصلا إلى درجة لا تُحتمل من البشاعة.
بالمناسبة، هذا الكتاب لا يهمّ النساء فقط. الرجال أيضا مدعوّون لقراءته، ليس لأنه سيجعلهم أقلّ ميلا لمشاهدة الأعضاء الغريبة والمحسّنة صناعيا لنجمات الأفلام المثيرة، ولكن بسبب الأخطار التي تفصّلها وليامز والتي لا تقتصر على النساء بل تشمل الرجال أيضا. تسرد، مثلا، قصّة رجل شخّص الأطبّاء حالته وتوصّلوا إلى انه مصاب بسرطان الثدي. وقد واجه الرجل الخبر الصادم بقوله: ليس لديّ ثديان، فكيف يمكن أن أصاب بورم؟! إنني أعمل دائما وآكل جيّدا وأمارس الرياضة ولم أدخّن يوما كما لم أتعاط أيّة مخدّرات". لكن الأطباّء عزوا سبب الورم الخبيث إلى تسرّب نفطي من خزّان وقود امتزج بالمياه الجوفية وجلب معه ثلاثي كلور الايثيلين ومذيبات الشحوم وغيرها من المواد الكيميائية الخطرة.
وليامز تتتبّع أيضا تاريخ حبوب منع الحمل والعلاج الهرموني على امتداد أكثر من نصف قرن وتخلص إلى أن الهرمونات التي نمتصّها طوال دورة حياتنا هي الجاني المرجّح والسبب الأوّل في الارتفاع الكبير في نسبة الإصابة بسرطانات الثدي.
ثم تتحدّث عن ظاهرة إقبال النساء على عمليات تكبير الثديين، وهي جراحة ذات تاريخ قبيح وخطير، لأن دافعها الأوّل كان وما يزال الجشع. وطوال القرن الماضي، أدخل الجرّاحون إلى ثدي المرأة كلّ شيء، من البارافين إلى رقائق الخشب، وذلك لجعلهما اكبر. لكن النتائج كانت في الغالب إمّا مميتة أو مشوّهة.
وفي أواخر الخمسينات حدثت أوّل زراعة لثدي. وفي العمليات المبكّرة استُخدم الإسفنج والبولي فينيل والبولي إيثيلين. ثم وُظّف السيليكون الذي كان يُستخدم في الأساس لعزل أجزاء الطائرات وتليين الآلات. ثم استُخدمت لحشو الثديين موادّ أخرى كالدهانات والموادّ اللاصقة والأنابيب الطبّية. ومع بداية الستّينات، تعزّزت شعبية زراعة ثدي السيليكون من قبل جرّاحي التجميل. وعلى الرغم من أن السيليكون يوصف عادة بأنه المادّة الأكثر أمانا، إلا أن استخدامه ما يزال يؤدّي إلى مشاكل صحّية مثل انكماش وضمور الثدي، مع ما يستتبع ذلك من دعاوى ومنازعات قضائية وجدل طبّي كبير.
وتقول المؤلّفة أن زراعة الثديين تتضمّن موادّ مثل كرات الزجاج والعاج ورقائق الخشب وزيت الفول السوداني والعسل وحليب الماعز وغضاريف الثور. وتضيف إن ذهاب المرأة إلى أقصى حدود الخطر من اجل الجمال ليس بالأمر الجديد. فلآلاف السنين، تُشوّه النساء الصينيات أنفسهنّ وبناتهنّ كي يكتسبن أقداما صغيرة ومشوّهة، في حين تختنق النساء الغربيات بارتدائهنّ الكورسيهات التي تتسبّب أحيانا في ثقب أعضائهن الداخلية. كما أن النساء يلطّخن وجوههنّ بالرصاص والزرنيخ ويمزّقن شعورهنّ بالشمع الساخن، وما زلن يفعلن ذلك".
حديث المؤلّفة عن زراعة الثدي قد يتركك تتساءل في استغراب: ترى هل يمكن أن يُخضع الرجال أنفسهم لحقن صدورهم برقائق الخشب وبالكرات الزجاجية أو غضروف الثور وذلك لأسباب تجميلية أو لأيّة أسباب أخرى؟!
هذا الكتاب لن تندم على قراءته أبدا. فهو يجمع إلى جانب المعلومة الجادّة.. الحكمة والطرافة. هل تعلم، مثلا، أن أكثر جراحات التجميل رواجا اليوم هي عمليات تكبير الثديين؟! وأن حليب الثدي يباع عبر الإنترنت بسعر يفوق سعر النفط بمائتين وستّين ضعفا؟!
الثديان - تكتب وليامز في نهاية الكتاب - يحتاجان عالما أكثر أمانا وأكثر اهتماما بمواطن الضعف فيهما. كما أنهما بحاجة إلى من يستمع إليهما جيّدا وليس فقط لمن يحدّق فيهما باهتمام.
ووفقا للأبحاث التي تستشهد بها الكاتبة، فإن الثديين الكبيرين ليسا بأفضل من الصغيرين في صنع الحليب ولا ينتجان حليبا أكثر. وبصرف النظر عن حجم الثديين، فإن الأمّ الجديدة تنتج في المتوسط ستّ عشرة أوقية من الحليب يوميّا من كلّ ثدي.
وفي فصل آخر تشير وليامز إلى أن الثديين مصنوعان من أنسجة دهنية تمتصّ الملوّثات مثل زوج من الإسفنج الليّن. كما أنهما العضوان الأكثر حساسية للموادّ الكيميائية، خاصّة تلك التي تؤثّر سلبا على الغدد، والموجودة في كلّ مكان تقريبا، في الهواء الذي نتنفّسه وفي الماء الذي نشربه وفي السيّارات التي نقودها. ونتيجة لذلك، أصبح سرطان الثدي هو السرطان القاتل رقم واحد للنساء في جميع أنحاء العالم. كما أصبح على نحو متزايد مشكلة للرجال أيضا. وقد تضاعفت حالات الإصابة بسرطان الثدي في العالم منذ عام 1940، وهي مستمرّة في الارتفاع.
وبسبب عوامل مختلفة من بينها السمنة والملوّثات الصناعية، فإن الثديين يصبحان أكبر حجما، وفي كثير من الأحيان يمكن أن يصلا إلى درجة لا تُحتمل من البشاعة.
بالمناسبة، هذا الكتاب لا يهمّ النساء فقط. الرجال أيضا مدعوّون لقراءته، ليس لأنه سيجعلهم أقلّ ميلا لمشاهدة الأعضاء الغريبة والمحسّنة صناعيا لنجمات الأفلام المثيرة، ولكن بسبب الأخطار التي تفصّلها وليامز والتي لا تقتصر على النساء بل تشمل الرجال أيضا. تسرد، مثلا، قصّة رجل شخّص الأطبّاء حالته وتوصّلوا إلى انه مصاب بسرطان الثدي. وقد واجه الرجل الخبر الصادم بقوله: ليس لديّ ثديان، فكيف يمكن أن أصاب بورم؟! إنني أعمل دائما وآكل جيّدا وأمارس الرياضة ولم أدخّن يوما كما لم أتعاط أيّة مخدّرات". لكن الأطباّء عزوا سبب الورم الخبيث إلى تسرّب نفطي من خزّان وقود امتزج بالمياه الجوفية وجلب معه ثلاثي كلور الايثيلين ومذيبات الشحوم وغيرها من المواد الكيميائية الخطرة.
وليامز تتتبّع أيضا تاريخ حبوب منع الحمل والعلاج الهرموني على امتداد أكثر من نصف قرن وتخلص إلى أن الهرمونات التي نمتصّها طوال دورة حياتنا هي الجاني المرجّح والسبب الأوّل في الارتفاع الكبير في نسبة الإصابة بسرطانات الثدي.
ثم تتحدّث عن ظاهرة إقبال النساء على عمليات تكبير الثديين، وهي جراحة ذات تاريخ قبيح وخطير، لأن دافعها الأوّل كان وما يزال الجشع. وطوال القرن الماضي، أدخل الجرّاحون إلى ثدي المرأة كلّ شيء، من البارافين إلى رقائق الخشب، وذلك لجعلهما اكبر. لكن النتائج كانت في الغالب إمّا مميتة أو مشوّهة.
وفي أواخر الخمسينات حدثت أوّل زراعة لثدي. وفي العمليات المبكّرة استُخدم الإسفنج والبولي فينيل والبولي إيثيلين. ثم وُظّف السيليكون الذي كان يُستخدم في الأساس لعزل أجزاء الطائرات وتليين الآلات. ثم استُخدمت لحشو الثديين موادّ أخرى كالدهانات والموادّ اللاصقة والأنابيب الطبّية. ومع بداية الستّينات، تعزّزت شعبية زراعة ثدي السيليكون من قبل جرّاحي التجميل. وعلى الرغم من أن السيليكون يوصف عادة بأنه المادّة الأكثر أمانا، إلا أن استخدامه ما يزال يؤدّي إلى مشاكل صحّية مثل انكماش وضمور الثدي، مع ما يستتبع ذلك من دعاوى ومنازعات قضائية وجدل طبّي كبير.
وتقول المؤلّفة أن زراعة الثديين تتضمّن موادّ مثل كرات الزجاج والعاج ورقائق الخشب وزيت الفول السوداني والعسل وحليب الماعز وغضاريف الثور. وتضيف إن ذهاب المرأة إلى أقصى حدود الخطر من اجل الجمال ليس بالأمر الجديد. فلآلاف السنين، تُشوّه النساء الصينيات أنفسهنّ وبناتهنّ كي يكتسبن أقداما صغيرة ومشوّهة، في حين تختنق النساء الغربيات بارتدائهنّ الكورسيهات التي تتسبّب أحيانا في ثقب أعضائهن الداخلية. كما أن النساء يلطّخن وجوههنّ بالرصاص والزرنيخ ويمزّقن شعورهنّ بالشمع الساخن، وما زلن يفعلن ذلك".
حديث المؤلّفة عن زراعة الثدي قد يتركك تتساءل في استغراب: ترى هل يمكن أن يُخضع الرجال أنفسهم لحقن صدورهم برقائق الخشب وبالكرات الزجاجية أو غضروف الثور وذلك لأسباب تجميلية أو لأيّة أسباب أخرى؟!
هذا الكتاب لن تندم على قراءته أبدا. فهو يجمع إلى جانب المعلومة الجادّة.. الحكمة والطرافة. هل تعلم، مثلا، أن أكثر جراحات التجميل رواجا اليوم هي عمليات تكبير الثديين؟! وأن حليب الثدي يباع عبر الإنترنت بسعر يفوق سعر النفط بمائتين وستّين ضعفا؟!
الثديان - تكتب وليامز في نهاية الكتاب - يحتاجان عالما أكثر أمانا وأكثر اهتماما بمواطن الضعف فيهما. كما أنهما بحاجة إلى من يستمع إليهما جيّدا وليس فقط لمن يحدّق فيهما باهتمام.
Credits
textpublishing.com.au
wsj.com
textpublishing.com.au
wsj.com