:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الثلاثاء، مايو 17، 2016

رسّام الروح الإنسانية


في هذه الأيّام، يكون قد مرّ على ولادة رمبراندت أربعمائة عام. وأنا ممّن يحبّون رمبراندت ويقدّرون فنّه كثيرا. والأسباب كثيرة، لكن يمكن إيجازها في انه كان إنسانا متميّزا على المستويين الإنسانيّ والإبداعيّ.
حتى ولو لم تكن على علم بسمات فنّ هذا الرجل، يكفي أن ترى لوحة فيها شخوص ضائعون في الظلّ، وليس في الفراغ الذي حولهم سوى نقطة ضوء وحيدة، لتعرف أن من رسم هذا المنظر هو رمبراندت.
حالة الفقر والبؤس التي مرّ بها في آخر سنوات حياته دفعت أناسا كثيرين لأن يتعاطفوا معه كشخص لا منتمٍ، وأحيانا كمنبوذ اجتماعيّا. وعلى الرغم من حقيقة أن رمبراندت كان يتحدّر من أصول بسيطة اجتماعيّا، إلا أن فنّه واجتهاده رفعاه عاليا. وكان له معلّمون كثر، لكنه على ما يبدو لم يتعلّم منهم شيئا.
كان رسّاما مختلفا حقّا. وعندما تنظر إلى بورتريهاته الكثيرة التي رسمها لنفسه، سيُخيّل إليك كما لو انه يريد أن يقول: انظروا إليّ، أنا مختلف جدّا عن غيري، ولم آت من التقاليد الراسخة والقديمة".
وقد انتُقد رمبراندت بشدّة لأنه وضع كلابا في لوحاته الدينية مثل "موعظة يوحنّا المعمدان" و"السامريّ الطيّب". وعُرف عنه انه لم يكن يسمح لأيّ شخص، حتى الأمراء وعلية القوم، بأن يقاطعوه أثناء عمله. وبعض منتقديه كانوا يأخذون عليه إهماله لمظهره، ثيابه كانت في غالب الأحيان متّسخة ومنظره أشعث لأنه اعتاد على أن يمسح فرشاته بملابسه.
كما انتُقد على تواضعه واتخاذه أناسا بسطاء كأصدقاء. لكن بالنسبة للفرنسيين، كان رمبراندت هو رجل الشعب، لأن رسوماته كانت تهتمّ بالفقراء والشحّاذين والطبقة المعدمة. كان يمثّل للفرنسيين في زمن الثورة قيم الديمقراطية والمشاعر الجمهورية، في حين كانوا يعتبرون زميله ومواطنه بيتر بول روبنز رسّام الملوك والارستقراطيين.


وإحدى العلامات الفارقة الأخرى في فنّ رمبراندت هي أن لوحاته، أكثر من أيّ رسّام آخر، تثير إحساسا بالفخامة والجلال. و صفة الفخامة في لوحاته تجعل كلّ واحدة منها متفرّدة وخاصّة. والكثير منها يوصل إلى المتلقّي، غالبا بلا شرح ولا تفسير وبطريقة لامعة، معنى الصمت. حتى مناظره الطبيعية لا تخلو من الجمال والروعة.
كان رمبراندت مشهورا في حياته وبعد مماته، وهذا لا يتوفّر سوى للقليل من الفنّانين. وكان له دائما معجبون، كما كانت لوحاته تبيع جيّدا.
أيضا قوّة رمبراندت التعبيرية كانت عظيمة، خاصّة في لوحاته التاريخية والدينية. وشخوصه بشر حقيقيون بمشاعر واقعية.
البورتريهات التي رسمها لنفسه بعد أن تقدّمت به السنّ، والتي يظهر فيها بتجاعيد وبعينين تشعّان بالبريق، تذكّر بملامح الفلاسفة القدامى.
كان الناس في زمانه يتوقون لرؤية لوحات تتضمّن أشخاصا ذوي ملامح جميلة وبالقليل من الملابس، لكن رمبراندت لم يفعل. كانت الفكرة الرائجة آنذاك هي أن الرسّامين غير المتعلّمين بما فيه الكفاية هم فقط من يحاولون إلباس شخوصهم ملابس داكنة وغامضة.
وقد قيل في بعض الأوقات أن معظم متاعبه سبّبتها له لوحته المشهورة المسمّاة الحرس الليليّ، فقد أغضبت اللوحة أعضاء ميليشيا فرانز كوك الذين يظهرون فيها، والسبب أن رمبراندت لم يرسم وجوههم بشكل واضح.
كما أغضبهم أكثر رفض رمبراندت تعديل اللوحة استجابة لمطلبهم، لذا رفضوا أن يدفعوا له. ولهذا السبب عوقب بتعليق اللوحة في مكان مهجور تقريبا. هذه اللوحة تُعتبر اليوم أيقونة وطنية، كما أن متحف ريكس الهولنديّ يعتبرها واسطة عقد مقتنياته من الكنوز الفنّية التي لا تُقدّر بثمن.
لقد تغيّرت الآراء حول رمبراندت على مدى القرون الأربعة الماضية ما بين ناقد ومادح. كان الأكاديميون منجذبين إليه ونافرين منه بنفس الوقت. وكان يمثّل البوهيميين والليبراليين والرومانسيين والثوريين. لكن الكلّ مجمعون على اعتبار هذا الرسّام من بين أعظم المبدعين في تاريخ الفنّ العالميّ.

Credits
rembrandtonline.org
rijksmuseum.nl