:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


السبت، مايو 27، 2017

خواطر رمضانية


كلّ عام وأنتم بخير. ورمضان كريم.
بعض الحكايات القديمة جميلة ومعبّرة وتتضمّن دروسا وعِبَرا يمكن أن تفيدنا في واقع الحياة. وهذه المرّة اخترت حكايتين، لكن العبرة فيهما واحدة تقريبا.
  • الحكاية الأولى من الصين، وهي عن مزارع يُدعى تشي وونغ عاش في زمن حكم سلالة الهان قبل أكثر من ألفي عام. والقصّة تتردّد كثيرا في الأدب الطاويّ وفي كتب الزِن.
    تقول القصّة أن الفلاح كان يعتاش هو وعائلته على المحاصيل البسيطة التي ينتجها حقله. وذات يوم اكتشف أن حصانه الوحيد هرب. وعندما سمع أهل قريته بالخبر جاءوا إليه معبرّين عن أسفهم لما حدث وقالوا له: هذا شيء سّيء. فردّ عليهم: ربّما.
    وفي الصباح التالي، عاد الحصان ومعه ثلاثة أحصنة أخرى. فأتاه جيرانه مهنّئين وقالوا له: أليس هذا بالشيء الرائع؟ فردّ عليهم: ربّما.
    وفي اليوم التالي، حاول ابنه ترويض احد الخيول الثلاثة فسقط عن ظهر الحصان وكُسرت ساقه. فجاءه جيرانه مواسين وقالوا: هذا أمر مؤسف. فقال لهم: ربّما.
    وفي اليوم الذي بعده، أتى بعض الجنود إلى القرية كي يجنّدوا بعض شبابها في الجيش. وعندما رأوا ساق ابن المزارع مكسورة قرّروا إعفاءه من الخدمة الإلزامية. وتوافد أهل القرية على بيت المزارع كي يهنّئوه على الخبر السعيد وقالوا: يا له من حظّ عظيم. فردّ عليهم: ربّما.
    من السهل أن نفهم لماذا مثل هذه القصّة القديمة عن مزارع صينيّ بسيط ما يزال لها صدى، خاصّة في مثل عصرنا الذي تكثر فيه الأخبار المزعجة والحوادث السيّئة.
    والدرس الذي تقدّمه الحكاية هو أننا جميعا قد نواجه أوقاتا صعبة من حين لآخر. والمزارع الحكيم كان من خلال ردوده المختصرة والبليغة يمارس عدم الحكم على الأشياء، لأنه يفهم الطبيعة الحقيقية والمتغيّرة للحياة.
    فحادثة واحدة يمكن أن ينتج عنها تأثيرات كثيرة، لذا لا جدوى من وصفها بالجيّدة أو السيّئة أو بأنها خير أو شرّ. والسبب هو أن الخير والشرّ مترابطان وهما وجهان لعملة واحدة. فإذا بدا لك أن حادثا ما جيّد فقد لا يكون كذلك بالضرورة. وإذا ظننت أن حياتك صعبة ومتكّدرة فقد لا تكون كذلك في واقع الحال.
    المعاناة في الحياة أمر حتميّ، لكن لا يتعيّن علينا أن نعاني فوق المعاناة بأن نخلع على الأشياء والحالات أوصافا محدّدة ونهائية. ومن الأفضل أن نَفصِل أفكارنا عن كلّ حالة كي نرى الأشياء بحجمها الطبيعيّ.
    أيضا من الأجدى أن لا نفكّر في الأشياء من منظور الربح أو الخسارة، أو السلب أو الإيجاب، لأننا لا نعرف، ولأن الزمن وحده هو الذي سيقول.
    الحياة معقدّة جدّا. ونحن لا نعرف نهاية القصص التي نعيشها، لأننا لا يمكن أن نتكهّن بالتحوّلات والمنعطفات التي ستسلكها. لذلك تذكّر دائما أن أفضل إجابة هي: ربّما.
  • أما الحكاية الثانية فعن ملك عظيم كان يعيش في ارض بعيدة. ولم يكن ذلك الملك سعيدا بالرغم مما كان يتمتّع به من كثرة المال والجاه. كان اقلّ شيء يتسبّب في إثارة غضبه. وكثيرا ما كانت أوقات سعادته العابرة تتحوّل بسرعة إلى شعور باليأس وخيبة الأمل.
    وعندما لم يعد الملك قادرا على التحمّل أكثر، بدأ يبحث عن حلّ لمشكلته، فأرسل في طلب رجل كان مشهورا بالحكمة والأناة وسداد الرأي. ولما وصل الحكيم قال له الملك: أريد أن أكون مثلك، وأرغب بأن تدلّني على ما يعيد التوازن والهدوء إلى حياتي. وأنا مستعدّ لدفع أيّ ثمن تطلبه مقابل ذلك.
    فقال له الحكيم: ربّما استطيع مساعدتك، لكن الثمن الذي اطلبه كبير جدّا، اكبر حتى من مملكتك". وغادر الحكيم القصر بعد أن وعده الملك بأن يلبّي أيّ طلب يطلبه.
    وبعد أسابيع عاد حاملا معه للملك علبة صغيرة موشّاة بالذهب والجواهر. وعندما فتح الملك العلبة وجد بداخلها خاتما ذهبيّا صغيرا. ولما تفحّصه وجد منقوشا عليه عبارة تقول: هذا أيضا سيَمُرّ".
    دُهش الملك ممّا رأى وظنّ أن الحكيم يسخر منه، وسأله: ما معنى هذا؟ فأجاب: أريدك أن تلبس هذا الخاتم دائما، وكلّما حدث لك شيء، وقبل أن تحكم عليه بأنه خير أو شرّ، أدر الخاتم واقرأ النقش الذي عليه. وبهذه الطريقة ستعيش دائما في سلام وراحة بال".
    العبرة من هذه القصة الرائعة يمكن تلخيصها في كلمات بسيطة وموجزة. فالغضب والإحساس بالتعاسة واليأس ليس مقتصرا على الناس العاديّين، بل حتى الملوك وعلية الناس يمكن أن يمرّوا في حياتهم بمثل هذه المشاعر السلبية.
    لكن ما من عسر إلا وأعقبه يسر. ولا تضيق الحياة بإنسان إلا كتب الله له مخرجا في النهاية. صحيح أننا في معظم الأحيان قد لا نستطيع التحكّم في ما يحدث لنا أو من حولنا، لكنّنا نستطيع التحكّم في ردود أفعالنا على ما يحدث.
    وفي كلّ الأحوال، عش حياتك باعتدال وحاول أن تحتفظ بمزاج هادئ دائما. لا تحكم على شيء ولا تتوقّع أيّ شيء، لأنك قد لا ترى الصورة الأكبر.