كان العلّامة أبو الفضل ابن المبارك (1551 - 1602) مؤرّخا وأديبا ومفكّرا ووزيرا أعظم للسلطان المغولي أكبر في الهند. وينحدر أسلاف أبي الفضل من اليمن ويعود نسبهم إلى الشيخ موسى الذي هاجر مع بعض قومه إلى السند في أواخر القرن الخامس عشر. وما أن استقرّوا في الهند حتى انتظموا في الحركات الصوفية، وخاصّة حركة طائفة الشيستي في راجستان.
كان والده مبارك فقيها معروفا وقد أسّس له مدرسة فقهية في أغرا حيث كان مجال اختصاصه الفلسفة. وقد جذب عددا من العلماء إلى محاضراته، كما أمضى بعض الوقت في "بدوان" التي كانت تُعتبر الأرض المقدّسة للصوفية. لكن فيما بعد انتقد العلماء مبارك واتهموه بتغيير قناعاته الدينية حسب المصلحة. فمثلا كان سنيّا في عهد السلطان إبراهيم لودي، ثم أصبح مهدويّا في عهد همايون فَبَطلاً للفكر الليبرالي في عهد أكبر.
يتحدّث أبو الفضل عن السنوات العشرين الأولى من حياته فيقول: في ليلة الأحد السادس من محرّم 958هـ، خرجت روحي الطاهرة من الرحم إلى هذا الفضاء الجميل من العالم. وفي سنّ تزيد قليلاً عن عام، اكتسبت موهبة النطق الطليق. وفي سنّ الخامسة اكتسبت مخزوناً غير عاديّ من المعلومات وعرفت القراءة والكتابة. وفي سنّ السابعة أصبحت أميناً على مخازن والدي من المعرفة وحارساً أميناً لجواهر المعاني الخفيّة، وكنت أحرس الكنز كأفعى".
ويضيف: كان والدي يستحضر بطريقته سحر المعرفة ويعلّمني القليل من كلّ فرع من فروع العلم. ورغم نموّ ذكائي، إلا أنني لم أكتسب انطباعات عميقة من مدرسة التعلّم. وفي بعض الأحيان لم أكن أفهم شيئا على الإطلاق. وفي أحيان أخرى كانت تلوح في الأفق شكوك لم يكن لساني قادرا على تفسيرها. فإمّا أن الخجل يجعلني أتردّد أو أنني لم أكن أمتلك القدرة على التعبير. وكنت أبكي في الأماكن العامّة وألقي باللوم كلّه على نفسي".
ثم يقول: وذات يوم تعرّفت على شخص أصبح صديقا مقرّبا منّي فتعافت روحي من هذا الجهل وعدم الفهم. ولم تمرّ أيّام قليلة حتى استعاد عقلي المشتّت هدوءه. ورغم أنني كنت أتمتّع بموهبة خاصّة نزلت عليّ من عرش القداسة، إلا أن إلهام والدي الجليل كان مفيدا للغاية وأصبح أحد أهم أسباب تنويري. ثم ولعشر سنوات أخرى، تحرّرت روحي مرّة أخرى من نيرها ونشأ في داخلي قلق جديد. فلم أعد أفرّق بين الليل والنهار أو بين الشبع والجوع، ولم أميّز بين الخصوصية والمجتمع، ولم تكن لديّ القدرة على فصل الألم عن اللذّة. ولم أعترف بأيّ شيء آخر غير رباط الإثبات والمعرفة".
ويضيف: ثم اعترضتُ على الكتّاب القدامى وخالفت الرجال الذين علّموني في شبابي، وانزعجَ عقلي وكان قلبي في حال من الاضطراب. كنت كلّما قوِيتْ إرادتي استنار فكري، إلى أن وصلتني بشرى استقلاليّتي وتخلّصَ عقلي من قيوده السابقة وعادت حيرتي المبكّرة. لم أكن أعلم كيف سينتهي كلّ شيء ولا في أيّ مكان سأستقرّ في رحلتي الأخيرة. لكن منذ بداية وجودي وحتى الآن، ظلّت نعمة الله تحميني باستمرار. وأتمنّى أن أقضي لحظاتي الأخيرة في تنفيذ إرادته وأن أنتقل إلى الراحة الأبدية متخفّفاً من أيّ أعباء".
كان والده مبارك فقيها معروفا وقد أسّس له مدرسة فقهية في أغرا حيث كان مجال اختصاصه الفلسفة. وقد جذب عددا من العلماء إلى محاضراته، كما أمضى بعض الوقت في "بدوان" التي كانت تُعتبر الأرض المقدّسة للصوفية. لكن فيما بعد انتقد العلماء مبارك واتهموه بتغيير قناعاته الدينية حسب المصلحة. فمثلا كان سنيّا في عهد السلطان إبراهيم لودي، ثم أصبح مهدويّا في عهد همايون فَبَطلاً للفكر الليبرالي في عهد أكبر.
يتحدّث أبو الفضل عن السنوات العشرين الأولى من حياته فيقول: في ليلة الأحد السادس من محرّم 958هـ، خرجت روحي الطاهرة من الرحم إلى هذا الفضاء الجميل من العالم. وفي سنّ تزيد قليلاً عن عام، اكتسبت موهبة النطق الطليق. وفي سنّ الخامسة اكتسبت مخزوناً غير عاديّ من المعلومات وعرفت القراءة والكتابة. وفي سنّ السابعة أصبحت أميناً على مخازن والدي من المعرفة وحارساً أميناً لجواهر المعاني الخفيّة، وكنت أحرس الكنز كأفعى".
ويضيف: كان والدي يستحضر بطريقته سحر المعرفة ويعلّمني القليل من كلّ فرع من فروع العلم. ورغم نموّ ذكائي، إلا أنني لم أكتسب انطباعات عميقة من مدرسة التعلّم. وفي بعض الأحيان لم أكن أفهم شيئا على الإطلاق. وفي أحيان أخرى كانت تلوح في الأفق شكوك لم يكن لساني قادرا على تفسيرها. فإمّا أن الخجل يجعلني أتردّد أو أنني لم أكن أمتلك القدرة على التعبير. وكنت أبكي في الأماكن العامّة وألقي باللوم كلّه على نفسي".
ثم يقول: وذات يوم تعرّفت على شخص أصبح صديقا مقرّبا منّي فتعافت روحي من هذا الجهل وعدم الفهم. ولم تمرّ أيّام قليلة حتى استعاد عقلي المشتّت هدوءه. ورغم أنني كنت أتمتّع بموهبة خاصّة نزلت عليّ من عرش القداسة، إلا أن إلهام والدي الجليل كان مفيدا للغاية وأصبح أحد أهم أسباب تنويري. ثم ولعشر سنوات أخرى، تحرّرت روحي مرّة أخرى من نيرها ونشأ في داخلي قلق جديد. فلم أعد أفرّق بين الليل والنهار أو بين الشبع والجوع، ولم أميّز بين الخصوصية والمجتمع، ولم تكن لديّ القدرة على فصل الألم عن اللذّة. ولم أعترف بأيّ شيء آخر غير رباط الإثبات والمعرفة".
ويضيف: ثم اعترضتُ على الكتّاب القدامى وخالفت الرجال الذين علّموني في شبابي، وانزعجَ عقلي وكان قلبي في حال من الاضطراب. كنت كلّما قوِيتْ إرادتي استنار فكري، إلى أن وصلتني بشرى استقلاليّتي وتخلّصَ عقلي من قيوده السابقة وعادت حيرتي المبكّرة. لم أكن أعلم كيف سينتهي كلّ شيء ولا في أيّ مكان سأستقرّ في رحلتي الأخيرة. لكن منذ بداية وجودي وحتى الآن، ظلّت نعمة الله تحميني باستمرار. وأتمنّى أن أقضي لحظاتي الأخيرة في تنفيذ إرادته وأن أنتقل إلى الراحة الأبدية متخفّفاً من أيّ أعباء".
واصل أبو الفضل ولعه بالقراءة ودفن نفسه في قراءة المصادر العربية واليونانية الكلاسيكية، مع اهتمام خاص بالفلسفة والتصوّف. وفي عام 1574، دخل الى بلاط السلطان أكبر، وكان عمره 23 عاما. وبسبب اعتدالهما وتسامحهما، نشأت بين السلطان والفقيه علاقة عميقة، حيث أثّر كلّ منهما على الآخر فكريّا وإنسانيّا. كان أبو الفضل يحظى باحترام كبير لعلمه وفضله، ولم يلبث أن أصبح يشار اليه باعتباره إحدى "الدّرر التسع" في بلاط السلطان.
وعلى امتداد السنوات الخمس والعشرين التالية، عمل كمستشار لأكبر وكمتحدّث باسمه، حيث صاغ وروّج لأفكار وسياسات السلطان. ثم عُيّن مسؤولاً عن "بيت العبادة" العلماني، حيث كان الفلاسفة والمفكّرون من ديانات مختلفة يناقشون شتّى القضايا، الأمر الذي جرّ عليه غضب بعض الزعماء الأصوليين الذين اتهموه بالتأثّر بالأفكار الصوفية "المتساهلة".
ثم عهد إليه السلطان بتأليف كتاب "أكبر نامه" أو كتاب أكبر، وهو وثيقة لتاريخ حكم السلطان موزّعة على ثلاثة مجلّدات. ويحتوي الكتاب على تاريخ أسلاف السلطان من تيمور إلى همايون وحتى العام السادس والأربعين من حكم أكبر. وقد عمل أبو الفضل على هذا المشروع الضخم لمدة 12 عاما تقريبا وحتى مقتله في عام 1602. "في اللوحة التي فوق، يظهر العلّامة أبو الفضل وهو يسلّم الكتاب الى السلطان أكبر الجالس على عرشه محاطا بعدد من أفراد حاشيته وخدمه".
في الكتاب، تناول أبو الفضل القيم الطيّبة في الديانات المختلفة وجمَعها معا من أجل الحفاظ على السلام ومساعدة الناس على أن يتحرّروا من الأفكار المكبّلة، وقدّم "أكبر" كحاكم عقلاني وتبنّاه باعتباره "بطله" الشخصي، مشيدا بسياساته العلمانية والمتفتّحة. كما ذكر أن الهدف الأساسي من فتوحات أكبر كان إخضاع أكبر عدد ممكن من الناس لإدارته وحكمه الليبرالي والمتسامح والعادل والمسالم، من أجل تحقيق أقصى قدر من الفوائد السياسية لأكبر عدد ممكن من الهنود.
وقد ذكر أبو الفضل أسباباً عديدة لظهور الخلافات بين أتباع الديانات المختلفة في الهند. فرأى مثلا أن تنوّع اللغات يُعدّ من بين هذه الأسباب وأن اختلافها يجعل من الصعب على الأفراد فهم الموضوعات الدينية والطقوس والعادات التي يتبنّاها أتباع الديانات الأخرى. وذكر أيضا أن هناك نقصاً في الحماس بين مختلف الناس لمحاولة فهم تعاليم الديانات المختلفة. وبحسب أبي الفضل فإن الحكّام الضيّقي الأفق والمهووسين هم أيضا مسؤولون عن ذلك لأنهم يمارسون أفعالا وسياسات معادية لأتباع الديانات الأخرى.
كتاب "أكبر نامه" يُعتبر عملا تاريخيا وأدبيّا مُهمّا يوفّر رؤية عن المشهد السياسي لإمبراطورية المغول وجهود "أكبر" لتعزيز التسامح الديني والتوليف الثقافي. وما يزال الكتاب مصدرا قيّما للمؤرّخين المهتمّين بدراسة تلك الفترة من تاريخ الهند. ويتّفق الكثيرون على أن الإرث الدائم لأبي الفضل هو أنه أسهم في وضع رؤية لإمبراطورية كبيرة وموحّدة يحكمها زعيم مسلم يمارس "الإسلام العالمي".
كان قُرب أبي الفضل من "السلطان أكبر" سببا في شعور الكثيرين بالغيرة منه. وقد اغتيل الرجل عام 1602 في مؤامرة دبّرها الابن الأكبر لأكبر الأمير سليم الذي أصبح فيما بعد الإمبراطور جهانغير. وقيل إن سبب مقتله كان معارضته لتولّي سليم للعرش. كان أبو الفضل وقتها في الخمسين من عمره. وقد أُرسل رأسه المقطوع إلى سليم في الله أباد. وفي عام 1608، عُيّن ابن أبي الفضل، الشيخ أفضل خان، حاكما على بيهار بأمر من جهانغير نفسه.
وعلى امتداد السنوات الخمس والعشرين التالية، عمل كمستشار لأكبر وكمتحدّث باسمه، حيث صاغ وروّج لأفكار وسياسات السلطان. ثم عُيّن مسؤولاً عن "بيت العبادة" العلماني، حيث كان الفلاسفة والمفكّرون من ديانات مختلفة يناقشون شتّى القضايا، الأمر الذي جرّ عليه غضب بعض الزعماء الأصوليين الذين اتهموه بالتأثّر بالأفكار الصوفية "المتساهلة".
ثم عهد إليه السلطان بتأليف كتاب "أكبر نامه" أو كتاب أكبر، وهو وثيقة لتاريخ حكم السلطان موزّعة على ثلاثة مجلّدات. ويحتوي الكتاب على تاريخ أسلاف السلطان من تيمور إلى همايون وحتى العام السادس والأربعين من حكم أكبر. وقد عمل أبو الفضل على هذا المشروع الضخم لمدة 12 عاما تقريبا وحتى مقتله في عام 1602. "في اللوحة التي فوق، يظهر العلّامة أبو الفضل وهو يسلّم الكتاب الى السلطان أكبر الجالس على عرشه محاطا بعدد من أفراد حاشيته وخدمه".
في الكتاب، تناول أبو الفضل القيم الطيّبة في الديانات المختلفة وجمَعها معا من أجل الحفاظ على السلام ومساعدة الناس على أن يتحرّروا من الأفكار المكبّلة، وقدّم "أكبر" كحاكم عقلاني وتبنّاه باعتباره "بطله" الشخصي، مشيدا بسياساته العلمانية والمتفتّحة. كما ذكر أن الهدف الأساسي من فتوحات أكبر كان إخضاع أكبر عدد ممكن من الناس لإدارته وحكمه الليبرالي والمتسامح والعادل والمسالم، من أجل تحقيق أقصى قدر من الفوائد السياسية لأكبر عدد ممكن من الهنود.
وقد ذكر أبو الفضل أسباباً عديدة لظهور الخلافات بين أتباع الديانات المختلفة في الهند. فرأى مثلا أن تنوّع اللغات يُعدّ من بين هذه الأسباب وأن اختلافها يجعل من الصعب على الأفراد فهم الموضوعات الدينية والطقوس والعادات التي يتبنّاها أتباع الديانات الأخرى. وذكر أيضا أن هناك نقصاً في الحماس بين مختلف الناس لمحاولة فهم تعاليم الديانات المختلفة. وبحسب أبي الفضل فإن الحكّام الضيّقي الأفق والمهووسين هم أيضا مسؤولون عن ذلك لأنهم يمارسون أفعالا وسياسات معادية لأتباع الديانات الأخرى.
كتاب "أكبر نامه" يُعتبر عملا تاريخيا وأدبيّا مُهمّا يوفّر رؤية عن المشهد السياسي لإمبراطورية المغول وجهود "أكبر" لتعزيز التسامح الديني والتوليف الثقافي. وما يزال الكتاب مصدرا قيّما للمؤرّخين المهتمّين بدراسة تلك الفترة من تاريخ الهند. ويتّفق الكثيرون على أن الإرث الدائم لأبي الفضل هو أنه أسهم في وضع رؤية لإمبراطورية كبيرة وموحّدة يحكمها زعيم مسلم يمارس "الإسلام العالمي".
كان قُرب أبي الفضل من "السلطان أكبر" سببا في شعور الكثيرين بالغيرة منه. وقد اغتيل الرجل عام 1602 في مؤامرة دبّرها الابن الأكبر لأكبر الأمير سليم الذي أصبح فيما بعد الإمبراطور جهانغير. وقيل إن سبب مقتله كان معارضته لتولّي سليم للعرش. كان أبو الفضل وقتها في الخمسين من عمره. وقد أُرسل رأسه المقطوع إلى سليم في الله أباد. وفي عام 1608، عُيّن ابن أبي الفضل، الشيخ أفضل خان، حاكما على بيهار بأمر من جهانغير نفسه.
Credits
static-cdn.edit.site
static-cdn.edit.site