:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأربعاء، مارس 04، 2009

التغيير قانون حياة

من العبارات المشهورة المنسوبة للفيلسوف اليوناني القديم هيراكليتوس قوله: لا يمكن أن نخطو في نفس النهر مرّتين".
والمعنى الكامن في هذه العبارة هو أن كلّ شيء في هذه الحياة مآله إلى التغيّر والتبدّل المستمرّ. فمياه النهر في حال تدفّق وفيضان دائم. وماء النهر في هذه اللحظة هو غيره بعد دقيقة او حتّى بعد ثانية.
إن الإنسان لا يستطيع أن يخطو في نفس النهر مرّتين. لأن النهر في المرّة الثانية سيكون قد تغيّر وتبدّل ولا يعود هو نفسه.
لكن يمكن أن ينصرف معنى العبارة أيضا إلى أن الإنسان نفسه في حالة تغيّر دائم. فأنت الآن غير ما ستكون عليه بعد لحظات. المشاعر والأحاسيس والافكار تتغيّر باستمرار وهذا من طبيعة الإنسان.
ولا يبتعد كثيرا عن هذا المعنى قول آخر منسوب الى الكاتب المشهور إسحاق ازيموف رائد روايات الخيال العلمي إذ يقول: التغيير هو الثابت الوحيد في هذه الحياة".
التغيير أمر مهم، قانون حياة، بل وعنصر مركزي في حركة الكون وما يضمّه من مخلوقات وموجودات.
والتغيير مرتبط دائما بالنموّ وبالإبداع. إذ لا إبداع بلا تغيير أو تجديد. وكثير من مظاهر إبداع الإنسان في المجالات المختلفة لم تتحقق إلا من خلال تغيير ما هو عاديّ ونمطيّ ومألوف.
منذ أيّام وعلى إحدى القنوات الفضائية سمعت جملة تكرّرت أكثر من مرّة في سياق الحديث عن الاقتصاد والأعمال تقول: الوقت هو المال". هذه الجملة على إيجازها وقصَرها تختزل بطريقة بليغة ما تعنيه كلمة التغيير وما تنطوي عليه من دلالات ومضامين. فالوقت عنصر مهمّ في عملية التغيير، لذا يقال "القرار المناسب في الوقت المناسب".
وفي بدايات الأزمة المالية العالمية الأخيرة كانت الشركات التي لم تسارع إلى تغيير برامجها وإعادة هيكلة نفسها وتعديل خططها واستراتيجياتها لتواكب المتغيّرات الحاصلة هي الأكثر تضرّرا من مفاعيل الأزمة. وبعضها أعلنت إفلاسها والبعض الآخر اكتفت كخطوة أوّلية بخفض ميزانياتها وتسريح أعداد كبيرة من عمّالها وموظّفيها.
والتغيير أمر مطلوب ليس في الأمور والقضايا العامّة والكبيرة فحسب، بل وحتى على مستوى اهتمامات وسلوكيّات الفرد العادي. لأنه يكسر الرتابة ويخلق التحدّي الذي يحرّض الإنسان ويدفعه لأن يبدع ويتجاوز.
في أحيان كثيرة أسمع من بعض من أعرفهم نفس الشكوى القديمة: لم يعد هناك ما يثير اهتمامي أو دهشتي".
وأظنّ أن السبب يعود في جزء كبير منه إلى حقيقة أن العالم من حولنا يتغيّر بوتيرة سريعة، بل سريعة جدّا إلى الحدّ الذي يفاجئنا ويسلبنا القدرة على التفكير في كيفية التواؤم مع الأحداث والمجريات السريعة التي تدهمنا وتحاصرنا من كل جانب.
وهناك سبب آخر وهو أن الإنسان اعتاد أن يستسلم لأسلوب حياة معيّن ليس فيه تغيير أو تجديد، وبذا انتفى من حياته عامل التحدّي الذي يحفز الإنسان ويخلق في نفسه الإحساس بالدهشة وحبّ الاكتشاف وارتياد المزيد من المناطق المجهولة في شِعاب الحياة ومنعرجاتها الكثيرة.
إن التغيير عندما يكون مدروسا يمكن أن يكون له فعل السحر في حياتنا. وليس بالضرورة أن يكون تغييرا جذريا أو دراماتيكيا. يكفي أن نبدأ بتغيير بعض عاداتنا وسلوكياتنا اليومية البسيطة التي أصبحنا أسرى لها لكثرة ما ألفناها واعتدنا عليها، لندرك بعدها ما لذلك من أثر كبير على نوعية عيشنا ومزاجنا بل وحتى على طريقة نظرتنا للحياة نفسها.