عند الحديث عن الفنّ الأوروبّي، فإنه من السهل جدّا أن ننشغل بأعمال فنّانين من ايطاليا وفرنسا وألمانيا وهولندا وانكلترا، لدرجة أننا قد ننسى رسّامي معظم البلدان الأخرى.
لكنّ هناك رسّامين عظاما ومؤثّرين ظهروا في أرجاء مختلفة من القارّة. ومع ذلك لا يكاد احد اليوم يتذكّرهم أو يشير إلى أعمالهم.
وربّما تكون اسبانيا البلد الأكثر عرضة للتجاهل. نحن مثلا نعرف إل غريكو "رغم انه لم يكن اسبانيا أصلا". ونعرف فيلاسكيز. ونعرف بيكاسو، رغم أننا نربطه غالبا بفرنسا.
ولو فكّرنا في غير هؤلاء فسنتذكّر دالي وميرو. تاريخ الرسم الاسباني يمتدّ لأكثر من خمس مائة سنة. ومع ذلك يمكن عدّ الفنّانين المعروفين من هذا البلد على أصابع اليد الواحدة.
ولكي نوسّع العدد قليلا، لنتذكّر رسّاما اسبانيّا لا يقلّ أهمّية عن أيّ من الفنّانين الذين وردت أسماؤهم آنفا.
اسم هذا الرسّام بارتولومي موريللو. لم يعش موريللو حياة صاخبة أو مثيرة. والمعروف انه ولد حوالي عام 1617 في اشبيلية. وقد شاء له سوء حظّه أن يجرّب حياة اليُتم وهو في سنّ العاشرة. لكنّ هذا العامل خدم موريللو من حيث لا يتوقّع وأحدث تغييرا جذريا في حياته. فبعد وفاة أبويه ذهب للعيش في بيت احد أعمامه.
كان عمّه يهتم به ويشجّعه على قضاء جزء من وقته في محترف معلّم رسم موهوب يُدعى ديل كاستيلو.
وعندما كبر موريللو قليلا استطاع أن يكسب بعض المال نظير استنساخه للوحات الدينية الرخيصة التي كانت تُصدّر إلى الأمريكيتين. وحوالي العام 1640 سافر إلى مدريد حيث التقى مواطنه الاشبيلي الأشهر دييغو فيلاسكيز.
وبفضل فيلاسكيز الذي كان قريبا من أوساط القصر، استطاع موريللو الوصول إلى المجموعة الفنّية الملكية واطّلع على أعمال الرسّامين الفلمنكيين والفرنسيين والإيطاليين. وقد تبنّاه فيلاسكيز وعرّفه على العديد من الأشخاص الذين كلّفوه بأن يرسم لهم لوحات ذات مضامين دينية في الغالب.
وخلال السنوات التي قضاها في مدريد أصبح موريللو اسما مشهورا في أوساط الرسم واعترف الكثيرون بموهبته وتميّزه.
وعندما عاد إلى إشبيلية بعد سنوات، عاش حياة بسيطة ومملّة، وهو الفنّان البارع الذي لم يكن يشكو من قلّة العمل والذي كان يبدع في رسم الصور الدينية غير العادية.
كان يتذكّر تلك اللوحات التي رسمها في بدايات شبابه والنسخ العديدة التي كان يرسمها من نفس اللوحة لزبائن مختلفين. في ذلك الوقت كانت اسبانيا ترفل في ذهب العالم الجديد، وكان سوق الفنّ نشطا ومزدهرا.
وربّما كانت أكثر أعمال موريللو إثارة للاهتمام هي مشاهد الحياة اليومية التي صوّر فيها فقراء وشحاذّين صغار. في تلك اللوحات، ثمّة واقعية صارخة ومذهلة. في إحداها بعنوان المتسوّل الصغير يرسم موريللو صبيّا في الثانية عشرة من عمره تقريبا وهو يجلس في غرفة مظلمة ويرتدي ملابس رثّة وينشغل بالبحث عن برغوث داخل ملابسه. وعند قدميه العاريتين المتّسختين تتناثر قشور من سمك الغمبري وبضع تفّاحات فاسدة.
رؤية هذه اللوحة واثنتين أو ثلاث غيرها تصوّر هي أيضا أطفالا بائسين ربّما تدفع المرء للسؤال ما إذا كان موريللو يحاول من خلال هذه اللوحات التسامي فوق حالة الفقر المدقع الذي مرّ به في طفولته بسبب قسوة الظروف وتجربة اليتم المبكّر.
المأساة التي خبِرها موريللو في صباه وتسبّبت في أخذه إلى طريق الفنّ، تكرّر مثلها في العام 1682 لتضع نهاية لمسيرته الطويلة والصعبة. فبينما كان يرسم لوحته زواج سانت كاترين على جدار إحدى الكنائس في قادش، زلّت قدمه عن السقالة فجأة وسقط على الأرض من علوّ شاهق ليتوفّى في اليوم التالي. "مترجم"
:تنويه
تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .