:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


السبت، مايو 09، 2009

لغة الجسد

ربّما يتفاجأ القارئ إذا عرف أن تأثير العامل الشفهي "أي الكلام" في الآخرين لا يتجاوز نسبة 7 بالمائة، في حين أن الصوت بما يتضمّنه من نبرات وأجراس ووقفات يصل تأثيره إلى حوالي 38 بالمائة، بينما يصل تأثير لغة الجسد "أي النواحي غير الشفهية" إلى حوالي 55 بالمائة.
هذا ما طالعته في كتاب شيّق ابتعته من لندن كي يكون رفيقي في الطائرة في رحلة العودة من هناك. الكتاب عنوانه "لغة الجسد: طريقك إلى النجاح" من تأليف الدكتورة شاليني فيرما الخبيرة في الدراسات السلوكية والتواصل الإنساني. هذا المجال شهد طفرة كبيرة في السنوات الأخيرة من خلال الدراسات والأبحاث الكثيرة التي تناولته. وهناك العديد من علماء النفس والاجتماع والانثروبولوجيا وحتى علماء اللسانيات ممن درسوا وحلّلوا نواحي السلوك الإنساني التي تتسم بصفات لها علاقة بالاتصال بين البشر.
في الفصل الأوّل من الكتاب تتناول المؤلفة أهمّية الاتصال غير الشفهي، أو ما يُعرف بلغة الجسد، مثل الإيماءات والإشارات والأوضاع والحالات وأثرها في الاتصال بين الأشخاص.
ويتناول الفصل الثاني بعض النصائح والإرشادات التي تدلّ القارئ على الطرق التي يمكن من خلالها ترك انطباع أوّلي يدوم طويلا في نفس الآخر. وتسرد المؤلفة عددا من الأوامر والنواهي التي تستحقّ التفكير. وهي مهمّة سواءً كان الإنسان يسعى لنيل وظيفة أو للقاء شخص ما للمرّة الأولى.
الفصل الثالث يناقش أهمّية الاتصال من خلال العيون في لغة الجسد. تقول المؤلفة إن الاتصال بالعيون يعتبر أهم وسائل لغة الجسد فاعلية وتأثيرا. وتضيف: إن النظر في عيني محدّثك مباشرة يعطيه الانطباع بأنك شخص مراع ومهتم ومخلص. بينما العينان اللتان ترمشان ولا تهدءان أو تستقرّان يمكن أن تخلقا انطباعا سيئا في نفسه، إذ قد يظنّ بأنك شخص محتال أو مخادع أو حتى متآمر! لكنّ نظرة العين إذا طالت أكثر مما ينبغي يمكن أن تثير في الآخر ردّ فعل عدوانيا. وفي بعض الحالات قد تعتبر مؤشّرا على الانجذاب الجنسي. لذا ينبغي على الإنسان أن يأخذ حذره عند اتصاله بالآخرين من خلال نظرات العيون كي لا يُساء فهمه".
ويتطرّق الفصل الرابع من الكتاب إلى الأنواع المختلفة لتعابير الوجه، مثل الابتسام وتأثيره في الكثير من مناحي حياتنا اليومية وعند الحديث إلى الآخرين.
في الفصل الخامس يشرح الكتاب حركات الرأس المختلفة مثل الإيماءات والانحناءات ونوعية الشعور الذي تثيره في نفس الآخر. حركات الرأس، مثلا، ليست مهمّة فقط أثناء الكلام بل أثناء الاستماع أيضا. وإذا أسيء استخدامها فإنها يمكن أن تؤثر سلبا على علاقتك بالشخص الذي تتصّل به. في هذا الفصل أيضا حديث عن إيماءات وحركات الجسد المختلفة ودلالاتها ورموزها في العديد من ثقافات الشعوب.
وتتطرّق المؤلفة بعد ذلك إلى قواعد الاتيكيت المتّبعة في مجال الأعمال، وتشرح كيف أن تلك القواعد أصبحت مع مرور الأيام قواعد للسلوك العام الذي يمكن أن يكون مفيدا للأشخاص العاديين في نقل الإشارات غير الشفهية.
كما تناقش سلوك اللمس وأنواع اللمس المختلفة، مثل المصافحة والاحتضان والضرب الخفيف على الكتف ودلالات ومعاني كلّ نوع في الاتصال الشفهي بين الناس.
وتتحدّث الكاتبة عن أهمّية حاسّة اللمس وأثرها الكبير فتقول: إن اللمس هو أوّل حاسّة تولد مع الإنسان. فالجنين في بطن أمّه لا يستطيع أن يرى أو يشمّ أو يتذوّق أو يسمع. وعندما يولد يصبح اللمس أهمّ حاسّة لديه. وبعض الدراسات تؤكّد أن الأطفال وبعض صغار الحيوان عندما ُيحرمون من اللمس من قبل الآخرين فإن نموّهم يتوقّف، ليس فقط اجتماعيا وانفعاليا وإنما أيضا جسديا.
كما تبدي الكاتبة استغرابها من حقيقة أن اللمس كثيرا ما يحصر في دلالاته الجنسية، في حين انه يمكن أن يكون وسيلة تشجيع أو تعبيرا عن الرقّة أو التعاطف أو الدعم.
ثم تحلّل المؤلفة بعض السلوكيات اللاإرادية المرتبطة بالاتصال. تقول مثلا: إن الشخص عندما يكون واقعا تحت تأثير الضغوط فإنه يضع إصبعه في فمه. وهو تصرّف غير واع يؤشّر إلى توق الإنسان للعودة إلى أمان الطفل الذي يرضع ثدي أمه. والطفل عندما يكبر يستعيض عن ثدي الأمّ بمصّ إصبعه. بينما الإنسان البالغ لا يضع إصبعه فقط في فمه بل يدخل فيه بعض الأشياء الأخرى مثل السيغارة أو القلم. وهذه السلوكيات غير الإرادية ليست في حقيقتها سوى تعبيرات خارجية عن حاجة الشخص للإحساس بالطمأنينة وراحة البال.
هذا الكتاب، كما أسلفت، جميل وممتع وقد زُوّد بصور إيضاحية كثيرة وروعي أن يكون إخراجه وتبويبه على درجة عالية من الأناقة والجاذبية. وإجمالا، يمكن وصفه بأنه من تلك النوعية من الكتب التي تتسم بالرشاقة والخفّة وسهولة الهضم سواءً من حيث الشكل أو المضمون.