:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأربعاء، ديسمبر 28، 2011

جينتيليسكي: صورة البطلة الأنثى


خلافا للطليعيات من النساء اللاتي برزن في الرسم مثل سوفونيزبا ويسولا ولافينيا فونتانا اللتين تنتميان لعائلتين موسرتين، فإن ارتيميشيا جينتيليسكي التي توفّيت والدتها عندما كانت في سنّ الثانية عشرة، أتت من خلفية اجتماعية أدنى ونشأت في بيت عنيف.
في العام 1612، وكان عمرها لا يتجاوز الثامنة عشرة، ظهرت جينتيليسكي في محاكمة اغتصاب مثيرة. كانت تلك الحادثة كافية لأن تعيش الرسّامة حياة نبذ وعزلة وأصبح من المستحيل بالنسبة لها أن تنال رضا الطبقة الارستقراطية التي كانت ترعى الفنون وتكلّف الفنّانين برسم أعمال فنية لأفرادها.
ولدت ارتيميشيا جينتيليسكي (أو جينتيلاشي كما يُنطق اسمها بالايطالية) في روما عام 1593م. وكان والدها الفنّان اوراتسيو جينتيليسكي ابنا لصائغ من توسكاني. وقد تعلّمت ارتيميشيا الرسم من والدها وأتقنت أسلوبه بسرعة، لدرجة انه كان من المستحيل أحيانا تمييز أعمالها عن أعمال والدها، خاصّة في سنوات مراهقتها.
في مايو من عام 1611 وجد اغوستينو تاسي، وهو رسّام كان والدها يتعاون معه في انجاز لوحات جدارية في القصر البابوي، وجد ارتيميشيا وحدها ترسم في منزل العائلة فقام باغتصابها، وفي ما بعد وعد بأن يتزوّجها.
كان لدى اوراتسيو عدد من الأصدقاء التافهين. والغريب انه اتخذ من تاسي صديقا له حتى مع علمه بالسجلّ المشين لهذا الأخير وبارتكابه جرائم عنف في العديد من المدن الإيطالية. وكان من بين التهم التي سبق أن وجّهت له زنا المحارم ومحاولته قتل زوجته العاهرة. وعندما اتضح أن زوجة تاسي كانت ما تزال حيّة وأنه لم يكن في موقف يسمح له بالزواج من ارتيميشيا لتصحيح خطئه، بادر والدها بتوجيه تهمة الاغتصاب له في المحكمة.
كان والد ارتيميشيا يحاول استعادة شرف ابنته. إلا أن إحالة القضية إلى المحكمة عرّض المرأة للعديد من الاتهامات الباطلة بالفجور. ولأنها فقدت عذريتها وهي ما تزال غير متزوّجة، فقد اعتبرتها المحكمة امرأة عديمة الشرف وبالتالي لا يمكن الاعتداد بشهادتها. لكنها تمسّكت بروايتها عن الحادثة. وفي النهاية أدين اغوستينو تاسي وحُكم عليه بالنفي. لكن الحكم لم يُنفّذ أبدا.
اوراتسيو الذي كان قد حاول أكثر من مرّة إجبار ارتيميشيا على أن تصبح راهبة، زوّجها على عجل من رجل عجوز يدعى بييترو ستياتيسي. وسرعان ما غادرت بمعيّته إلى فلورنسا.

في الفترة التي سبقت ذلك، كان والدها قد تعرّض لتأثير النجم الصاعد كارافاجيو. وهذا كان له تأثير ملحوظ على لوحات ارتيميشيا. لكن من غير المرجّح أن تكون قد رأت لوحة كارافاجيو جوديث تقطع رأس هولوفيرنس قبل أن ترسم ترجمتها الخاصّة للقصّة حوالي العام 1612م.
وعلى أيّ حال، فإن لوحة ارتيميشيا تختلف بشكل ملحوظ عن لوحة كارافاجيو في تصوير الصراع الدرامي الذي تلعب فيه خادمة جوديث دورا نشطا. في اللوحة تظهر الخادمة وهي تمسك الجنرال بشكل محموم بينما تحزّ البطلة عنقه بسيفها فيما يتدفّق دمه أسفل السرير.
وقد قيل إن العنف الشديد في هذا المشهد يعكس ردّ فعل ارتيميشيا على حادثة الاغتصاب التي تعرّضت لها.
ومن أشهر أعمالها الأخرى لوحتها المبهرة سوزانا والكَهْلان التي رسمتها عندما كانت في السابعة عشرة من عمرها. ومن الواضح أنها استخدمت نفسها كموديل في اللوحة العارية. وقد فعلت ذلك مرارا في لوحاتها. قصّة هذه اللوحة تتحدّث عن الاغتصاب أيضا. وملامح المرأة فيها هي نفسها ملامح ارتيميشيا. وربّما أرادت من خلالها التأكيد على براءتها، تماما مثلما ظهرت براءة سوزانا في القصّة.
الانتقال إلى فلورنسا شكّل بداية حياة جديدة لـ ارتيميشيا كفنّانة. موهبتها المثيرة للإعجاب تغلّبت على مكانتها الاجتماعية المتواضعة ومنحتها فرصة الاتصال بالشخصيات الفكرية التي كانت تجتمع في منزل بوناروتي. هناك تعرّفت ارتيميشيا إلى العالم الشهير غاليليو. لكنها أيضا تعرّفت إلى فرانشيسكو ماريا دي نيكولو مارينجي الذي أصبح عشيقها وداعمها المالي.
وفي عام 1614، وبفضل مساندة رعاتها الأقوياء وزملائها الفنّانين، أصبحت ارتيميشيا أوّل امرأة يتمّ قبولها في أكاديمية فلورنسا للفنون.
كانت ارتيميشيا تميل إلى رسم النساء العاريات بطريقة لا تخلو من إثارة. وكانت شخصيّاتها في الرسم تحمل شبها قريبا منها، كما هو الحال مع لوحتها داناي.
علامة ارتيميشيا الفارقة كانت المرأة البطلة: سوزانا، جوديث، لوكريتسيا، كليوباترا، مريم المجدلية. وهنّ يظهرن في لوحاتها عاريات غالبا.
كانت ارتيميشيا جينتيليسكي تواكب الموضة وتتبع أسلوب حياة باذخا، ما تسبّب في تراكم ديونها والتزاماتها المالية. وقد اضطرّت إلى الذهاب إلى روما عام 1520 حيث وجدت رعاة جددا واستغلّت الفرص الجديدة لتطوّر سمعتها كرسّامة بورتريه. وقد كُلّفت برسم لوحة كبيرة لتزيّن جدران كاتدرائية بوتزولي في نابولي. وكانت قائمة رعاتها في ذلك الوقت تتضمّن اسم الملك الاسباني فيليب الرابع.
وفي أواخر عام 1630 سافرت الرسّامة إلى لندن حيث كان والدها يعمل آنذاك رسّاما في بلاط الملكة هنرييتا منذ العام 1626م. وقيل إنها ذهبت إلى هناك لمساعدة والدها الذي كان قد أصبح عجوزا ولرسم بعض اللوحات في سقف قصر الملكة في غرينيتش.
كانت جينتيليسكي أوّل رسّامة امرأة تدير محترفا كبيرا مع مساعدين كثر. وقد قضت بقيّة حياتها في نابولي، المدينة التي لم تكن تحبّها كثيرا، طبقا لما توحي به رسائلها. وقد توفّيت هناك في عام 1654م.
ومؤخّرا، ظهر فيلم سينمائي عن حياة وفنّ ارتيميشيا جينتيليسكي. غير أن الفيلم تعرّض لانتقادات كثيرة بسبب افتقاره للدقّة التاريخية. وقد قدّم الفيلم المغتصب تاسي بصورة العاشق المتمنّع والإنسان النبيل الذي وقف إلى جانب الرسّامة وأشعل موهبتها الإبداعية في الرسم. .

Credits
britannica.com