في عام 1869، وبعد أن انتهى من كتابة روايته "الحرب والسلام"، مرّ ليو تولستوي بأزمة روحية عميقة نتيجة حادثة حصلت له أثناء رحلة عبر مدينة أرزاماس التي تقع على نهر تايوشا وتبعد حوالي 250 ميلا إلى الشرق من موسكو. تولستوي وصف تلك التجربة في قصّته "مذكّرات رجل مجنون". وقد اختار لها هذا العنوان لأنه كان مقتنعا بأن القرّاء سيجدون القصّة غير قابلة للتصديق.
بعد ساعات قليلة من منتصف إحدى الليالي استيقظ تولستوي من نومه وقد استولى عليه اليأس والرعب كما لم يحدث له من قبل. وبعد أن سأل نفسه عن سبب خوفه وحيرته، جاءته الإجابة سريعا: أنا هنا". ولم يكن المتحدّث سوى الموت. تولستوي كان يواجه حتمية موته ويشعر بالرعب والهلع من سلطة الموت.
ظلّت ذكرى تلك الليلة المؤرّقة تلازم تولستوي بقيّة حياته، وأصبح مشغولا بشكل دائم بفكرة الفناء. وعندما كتب اعترافاته بعد ذلك بعشر سنوات تساءل: هل يبقى لحياتي أيّ معنى في ظلّ حتمية اقتراب الموت؟". وانهمك في تأمّلات طويلة وشاقّة. زوجته سونيا التي عانت معه طويلا تصف ما حدث بقولها: كثيرا ما كان يقول إن دماغه يؤلمه. كانت هناك عملية مؤلمة تجري في داخله، كان كلّ شيء بالنسبة له قد انتهى، وحان الوقت لكي يموت".
رعب تولستوي في أرزاماس، كما اسماه صديقه الكاتب الروسي مكسيم غوركي، كان هو الأساس الذي بنى عليه تولستوي روايته القصيرة والبارعة "موت إيفان إيليتش". ومنذ ظهور هذه الرواية عام 1886، والنقّاد والقرّاء يشيدون بها باعتبارها تحفة أدبيّة. وقد اكتسبت الرواية سمعتها بسبب مقاربتها المعاصرة والثوريّة لفكرة الموت.
إيفان إيليتش، المحميّ بأمان في عالم من الامتيازات والرفاهية، يعمل قاضيا في المحكمة العليا في سانت بطرسبرغ القيصرية. وهو لم يفكّر ذات يوم في الموت. ثمّ، في احد الأيام، وبينما كان يحاول مساعدة نجّار في تعليق ستارة في إحدى غرف منزله، يقع إيفان عن السلّم. في البداية يهنّئ نفسه على أنه نجا من الحادث، باستثناء إصابة بسيطة في فخذه. لكن مع مرور الوقت، يكبر الألم ويصبح إيفان منهكا ومكتئبا وغير قادر على استجماع ما يكفي من طاقته للتحرّك بعيدا عن الأريكة.
الأطبّاء يرفضون الاعتراف بأن إيفان إيليتش في طريقه لأن يموت. زوجته وابنته تصبحان ضجرتين من حاجته الدائمة للراحة والدعم العاطفي. الجميع تخلّوا عنه باستثناء خادمه الأمين، غيراسيم. لقد تُرك إيفان إيليتش كي يواجه الموت لوحده. وفي النهاية يموت في بيته ببطء وبكثير من الألم والوحدة.
والنتيجة هي أننا بمواجهة قصّة محزنة ومليئة بالعواطف في تفاصيلها اليومية المعتادة وفي جمال نثرها، ما يؤهّلها لأن تكون واحدة من أكثر الأعمال الأدبية إثارة للمشاعر.
الكتابة عن الموت لم تكن بالأمر الجديد. في القرن التاسع عشر، كان الموت موضوعا مفضّلا للرومانسيين وللكثير من الكتّاب الذين أتوا بعدهم. وقد ابتكر هؤلاء أبطالا من جميع الأنواع: عشّاق يموتون موتا مأساويا، وفنّانون معذّبون ووحيدون تنتهي حياتهم بطريقة جميلة ومؤلمة في الوقت نفسه، ورجال شجعان يضحّون بأنفسهم في المعارك ويواجهون الموت ببسالة.
الشيء الجديد في رواية تولستوي هو الطريقة التي واجه بها بطلها الرئيسي الموت. فعندما يقع إيفان فريسة للمرض، يكتشف انه غير قادر على أن يستمتع بشيء، وأن الأصدقاء الذين تعرّف عليهم ليسوا أصدقاء حقيقيين، وأن عائلته لا تحبّه حقّا، وأنه أصبح لوحده تماما. كما يكتشف أن أيّا من الأشياء التي قام بها في حياته لم تعد تعني له شيئا.
تبدأ الرواية في اللحظة التي يعرف زملاء إيفان إيليتش عن وفاة صديقهم. ثم، فجأة تتحوّل إلى "فلاش باك" يعرض لتفاصيل من حياة إيفان إيليتش، كالقرارات التي اتخذها، ولماذا وكيف أخذها، وكيف أثّرت تلك القرارات على حياته. لقد أصبحت حياته مادّية وتفتقر إلى أيّ نوع من العاطفة. ثم يقع حادث صغير يتسبّب في وفاته قبل الأوان. وبالقرب من نهاية حياته، يضطرّ لأن يتصالح مع حقيقة أن الموت أمر لا مفرّ منه. وعندما يتقبّل هذه الحقيقة يتبيّن له انه رغم انه عاش حياته بطريقة صحيحة اجتماعيا، إلا انه لم يعش الكثير منها على الإطلاق.
ثم يشرح تولستوي بشكل مؤلم كيف أن أحدا لا يبدو مهتمّا بـ إيفان إيليتش عندما يموت. زملاؤه عندما يسمعون عن خبر موته يقرّون بأن تلك صدمة. لكن سرعان ما يتحوّل اهتمامهم إلى الحديث عن الترقيات والفرص الوظيفية الجديدة. زوجة إيفان، براسكوفيا، لا تختلف كثيرا عن زملائه. إنها لا تأبه كثيرا بحقيقة أن زوجها مات وتبدو مهتمّة أكثر بالتفكير في حظّها العاثر.
بعد ساعات قليلة من منتصف إحدى الليالي استيقظ تولستوي من نومه وقد استولى عليه اليأس والرعب كما لم يحدث له من قبل. وبعد أن سأل نفسه عن سبب خوفه وحيرته، جاءته الإجابة سريعا: أنا هنا". ولم يكن المتحدّث سوى الموت. تولستوي كان يواجه حتمية موته ويشعر بالرعب والهلع من سلطة الموت.
ظلّت ذكرى تلك الليلة المؤرّقة تلازم تولستوي بقيّة حياته، وأصبح مشغولا بشكل دائم بفكرة الفناء. وعندما كتب اعترافاته بعد ذلك بعشر سنوات تساءل: هل يبقى لحياتي أيّ معنى في ظلّ حتمية اقتراب الموت؟". وانهمك في تأمّلات طويلة وشاقّة. زوجته سونيا التي عانت معه طويلا تصف ما حدث بقولها: كثيرا ما كان يقول إن دماغه يؤلمه. كانت هناك عملية مؤلمة تجري في داخله، كان كلّ شيء بالنسبة له قد انتهى، وحان الوقت لكي يموت".
رعب تولستوي في أرزاماس، كما اسماه صديقه الكاتب الروسي مكسيم غوركي، كان هو الأساس الذي بنى عليه تولستوي روايته القصيرة والبارعة "موت إيفان إيليتش". ومنذ ظهور هذه الرواية عام 1886، والنقّاد والقرّاء يشيدون بها باعتبارها تحفة أدبيّة. وقد اكتسبت الرواية سمعتها بسبب مقاربتها المعاصرة والثوريّة لفكرة الموت.
إيفان إيليتش، المحميّ بأمان في عالم من الامتيازات والرفاهية، يعمل قاضيا في المحكمة العليا في سانت بطرسبرغ القيصرية. وهو لم يفكّر ذات يوم في الموت. ثمّ، في احد الأيام، وبينما كان يحاول مساعدة نجّار في تعليق ستارة في إحدى غرف منزله، يقع إيفان عن السلّم. في البداية يهنّئ نفسه على أنه نجا من الحادث، باستثناء إصابة بسيطة في فخذه. لكن مع مرور الوقت، يكبر الألم ويصبح إيفان منهكا ومكتئبا وغير قادر على استجماع ما يكفي من طاقته للتحرّك بعيدا عن الأريكة.
الأطبّاء يرفضون الاعتراف بأن إيفان إيليتش في طريقه لأن يموت. زوجته وابنته تصبحان ضجرتين من حاجته الدائمة للراحة والدعم العاطفي. الجميع تخلّوا عنه باستثناء خادمه الأمين، غيراسيم. لقد تُرك إيفان إيليتش كي يواجه الموت لوحده. وفي النهاية يموت في بيته ببطء وبكثير من الألم والوحدة.
والنتيجة هي أننا بمواجهة قصّة محزنة ومليئة بالعواطف في تفاصيلها اليومية المعتادة وفي جمال نثرها، ما يؤهّلها لأن تكون واحدة من أكثر الأعمال الأدبية إثارة للمشاعر.
الكتابة عن الموت لم تكن بالأمر الجديد. في القرن التاسع عشر، كان الموت موضوعا مفضّلا للرومانسيين وللكثير من الكتّاب الذين أتوا بعدهم. وقد ابتكر هؤلاء أبطالا من جميع الأنواع: عشّاق يموتون موتا مأساويا، وفنّانون معذّبون ووحيدون تنتهي حياتهم بطريقة جميلة ومؤلمة في الوقت نفسه، ورجال شجعان يضحّون بأنفسهم في المعارك ويواجهون الموت ببسالة.
الشيء الجديد في رواية تولستوي هو الطريقة التي واجه بها بطلها الرئيسي الموت. فعندما يقع إيفان فريسة للمرض، يكتشف انه غير قادر على أن يستمتع بشيء، وأن الأصدقاء الذين تعرّف عليهم ليسوا أصدقاء حقيقيين، وأن عائلته لا تحبّه حقّا، وأنه أصبح لوحده تماما. كما يكتشف أن أيّا من الأشياء التي قام بها في حياته لم تعد تعني له شيئا.
تبدأ الرواية في اللحظة التي يعرف زملاء إيفان إيليتش عن وفاة صديقهم. ثم، فجأة تتحوّل إلى "فلاش باك" يعرض لتفاصيل من حياة إيفان إيليتش، كالقرارات التي اتخذها، ولماذا وكيف أخذها، وكيف أثّرت تلك القرارات على حياته. لقد أصبحت حياته مادّية وتفتقر إلى أيّ نوع من العاطفة. ثم يقع حادث صغير يتسبّب في وفاته قبل الأوان. وبالقرب من نهاية حياته، يضطرّ لأن يتصالح مع حقيقة أن الموت أمر لا مفرّ منه. وعندما يتقبّل هذه الحقيقة يتبيّن له انه رغم انه عاش حياته بطريقة صحيحة اجتماعيا، إلا انه لم يعش الكثير منها على الإطلاق.
ثم يشرح تولستوي بشكل مؤلم كيف أن أحدا لا يبدو مهتمّا بـ إيفان إيليتش عندما يموت. زملاؤه عندما يسمعون عن خبر موته يقرّون بأن تلك صدمة. لكن سرعان ما يتحوّل اهتمامهم إلى الحديث عن الترقيات والفرص الوظيفية الجديدة. زوجة إيفان، براسكوفيا، لا تختلف كثيرا عن زملائه. إنها لا تأبه كثيرا بحقيقة أن زوجها مات وتبدو مهتمّة أكثر بالتفكير في حظّها العاثر.
تولستوي نفسه كان بعيدا جدّا عن كونه سعيدا عندما كتب هذه الرواية. قبل أن يبلغ الخمسين، كان قد كتب الحرب والسلام (1869)، وآنا كارينينا (1877)، اللتين تعتبران من بين الروايات العظيمة. ولم يكن مفاجئا أن تولستوي أصبح بعد كتابته هاتين الروايتين احد أشهر الكتّاب في العالم.
لكن برغم كلّ هذه الشهرة والانجازات الكثيرة، مرّ تولستوي بعد كتابته "آنا كارينينا" بما يُسمّى أزمة منتصف العمر. وقرّر انه لن يستطيع الاستمرار في العيش ما لم يجد للحياة معنى. ولم تنته تلك الأزمة إلا بعد أن تحوّل جذريا عن المسيحية. وهي تجربة غيّرت كلّ أفكاره تقريبا. وقد أعلن عن تحولّه ذاك عام 1881 في كتاب اسماه "اعترافات". في مقطع من يوميّاته التي كتبها آنذاك، يقول تولستوي: الموت الهادئ تحت تأثير طقوس الكنيسة هو مثل الموت تحت تأثير المورفين".
بعد ذلك توقّف تولستوي عن النظر إلى نفسه كفنّان وبدأ يكتب عن الدين والسياسة، وأصبح يدعو إلى اللاعنف والحياة البسيطة. كما أخذ أتباعه يتردّدون على ضيعته لسماع آرائه عن الحياة والوقوف على تجاربه في تطبيق أفكاره المثالية.
"موت إيفان إيليتش" كان أوّل عمل أدبيّ مهم كتبه تولستوي بعد تحوّله الديني. والرواية، بالإضافة إلى كونها مواجهة قويّة مع مشكلة الموت ومعنى الحياة، تنطوي كذلك على سخرية حادّة من أسلوب حياة أفراد الطبقة الوسطى الحديثة كما يجسّدها إيفان إيليتش. كان تولستوي يراقب موقف هؤلاء من الحياة وهو يتشكّل في أيّامه. وكان يعتقد أن الذين يتبنّون هذه النوعية من الحياة غير قادرين على مواجهة الموت لأنهم لم يفهموا الحياة.
بعض القرّاء أعجبوا بالرواية بسبب رسالتها الأخلاقية القويّة. لكن آخرين رأوا فيها بداية النهاية لـ تولستوي كفنّان، وأنه بمجرّد أن بدأ يلعب دور الواعظ الأخلاقي، فقدت كتاباته تعقيدها ووهجها وأصبحت ذات بعد واحد.
رسالة تولستوي في "موت إيفان إيليتش" تقول: من السهل أن تنسى الموت في خضمّ انشغالك بالرياضة والمدرسة والمواعيد والأعمال اليومية الروتينية. ومع ذلك فإننا جميعا في طريقنا لأن نموت في وقت ما. وحتى لو لم يقع لنا حادث سخيف يؤدّي بنا إلى مرض طويل كما حدث لـ إيفان إيليتش، فإننا ما نزال نواجه الموت. إن من السهل نسيان الموت عندما يبدو كلّ شيء على ما يرام. وهذا هو السبب في أن إيفان لم يكن يفكّر فيه. ولكن هذا لا يهمّ. فالموت زحف إليه عندما لم يكن يتوقّعه.
العمق السيكولوجي لهذه الرواية ربّما يساعدنا في أن نتفهمّ ما يمرّ به أناس كثيرون عندما يموتون. يقول إيفان لأطبّائه في احد أجزاء الرواية: إنكم تعرفون جيّدا أنكم لن تتمكّنوا من فعل أيّ شيء لمساعدتي، لذا اتركوني وشأني". فيجيب احدهم: نستطيع أن نخفّف من معاناتك. فيردّ إيفان قائلا: لا يمكنكم حتى أن تفعلوا ذلك. فقط اتركوني وشأني"!
إيفان إيليتش كان يلعب دوره المرسوم له سلفا في الحياة. كان ناجحا جدّا في عمله. لكنه، كقاض في المحكمة، لم يكن لديه سوى القليل من المشاعر. كان يجرّد الناس من إنسانيتهم وينظر إليهم على أنهم مجرّد "قضايا" وليس أكثر. الشكليات عنده كانت أكثر أهمّية من أيّ نوع من الشعور الإنساني. أطبّاؤه جلّ ما يشغلهم هو البحث في أسباب مرضه. وهم ليسوا منشغلين بما إن كان سيعيش أو يموت، تماما مثلما أن إيفان نفسه لم يكن يهتمّ أبدا بما إن كانت أحكامه القضائية منصفة أو ظالمة.
لكن برغم كلّ هذه الشهرة والانجازات الكثيرة، مرّ تولستوي بعد كتابته "آنا كارينينا" بما يُسمّى أزمة منتصف العمر. وقرّر انه لن يستطيع الاستمرار في العيش ما لم يجد للحياة معنى. ولم تنته تلك الأزمة إلا بعد أن تحوّل جذريا عن المسيحية. وهي تجربة غيّرت كلّ أفكاره تقريبا. وقد أعلن عن تحولّه ذاك عام 1881 في كتاب اسماه "اعترافات". في مقطع من يوميّاته التي كتبها آنذاك، يقول تولستوي: الموت الهادئ تحت تأثير طقوس الكنيسة هو مثل الموت تحت تأثير المورفين".
بعد ذلك توقّف تولستوي عن النظر إلى نفسه كفنّان وبدأ يكتب عن الدين والسياسة، وأصبح يدعو إلى اللاعنف والحياة البسيطة. كما أخذ أتباعه يتردّدون على ضيعته لسماع آرائه عن الحياة والوقوف على تجاربه في تطبيق أفكاره المثالية.
"موت إيفان إيليتش" كان أوّل عمل أدبيّ مهم كتبه تولستوي بعد تحوّله الديني. والرواية، بالإضافة إلى كونها مواجهة قويّة مع مشكلة الموت ومعنى الحياة، تنطوي كذلك على سخرية حادّة من أسلوب حياة أفراد الطبقة الوسطى الحديثة كما يجسّدها إيفان إيليتش. كان تولستوي يراقب موقف هؤلاء من الحياة وهو يتشكّل في أيّامه. وكان يعتقد أن الذين يتبنّون هذه النوعية من الحياة غير قادرين على مواجهة الموت لأنهم لم يفهموا الحياة.
بعض القرّاء أعجبوا بالرواية بسبب رسالتها الأخلاقية القويّة. لكن آخرين رأوا فيها بداية النهاية لـ تولستوي كفنّان، وأنه بمجرّد أن بدأ يلعب دور الواعظ الأخلاقي، فقدت كتاباته تعقيدها ووهجها وأصبحت ذات بعد واحد.
رسالة تولستوي في "موت إيفان إيليتش" تقول: من السهل أن تنسى الموت في خضمّ انشغالك بالرياضة والمدرسة والمواعيد والأعمال اليومية الروتينية. ومع ذلك فإننا جميعا في طريقنا لأن نموت في وقت ما. وحتى لو لم يقع لنا حادث سخيف يؤدّي بنا إلى مرض طويل كما حدث لـ إيفان إيليتش، فإننا ما نزال نواجه الموت. إن من السهل نسيان الموت عندما يبدو كلّ شيء على ما يرام. وهذا هو السبب في أن إيفان لم يكن يفكّر فيه. ولكن هذا لا يهمّ. فالموت زحف إليه عندما لم يكن يتوقّعه.
العمق السيكولوجي لهذه الرواية ربّما يساعدنا في أن نتفهمّ ما يمرّ به أناس كثيرون عندما يموتون. يقول إيفان لأطبّائه في احد أجزاء الرواية: إنكم تعرفون جيّدا أنكم لن تتمكّنوا من فعل أيّ شيء لمساعدتي، لذا اتركوني وشأني". فيجيب احدهم: نستطيع أن نخفّف من معاناتك. فيردّ إيفان قائلا: لا يمكنكم حتى أن تفعلوا ذلك. فقط اتركوني وشأني"!
إيفان إيليتش كان يلعب دوره المرسوم له سلفا في الحياة. كان ناجحا جدّا في عمله. لكنه، كقاض في المحكمة، لم يكن لديه سوى القليل من المشاعر. كان يجرّد الناس من إنسانيتهم وينظر إليهم على أنهم مجرّد "قضايا" وليس أكثر. الشكليات عنده كانت أكثر أهمّية من أيّ نوع من الشعور الإنساني. أطبّاؤه جلّ ما يشغلهم هو البحث في أسباب مرضه. وهم ليسوا منشغلين بما إن كان سيعيش أو يموت، تماما مثلما أن إيفان نفسه لم يكن يهتمّ أبدا بما إن كانت أحكامه القضائية منصفة أو ظالمة.
إيليتش يشير في الرواية إلى انه تزوّج لأن المجتمع كان يريد ذلك. وهو يقرّ بأنه لم يكن يحبّ زوجته حقّا. كان يظنّ أن الزواج أمر مناسب فحسب. حياته العائلية استمرّت في التفكّك، لكنّه كان يتجاهل هذا دائما. كما أصبح مهووسا بالأشياء المادّية. ودائما ما كان يركّز على إثارة إعجاب المجتمع به وتحقيق الراحة والمكانة الشخصية، وليس على رفاه عائلته. وفي الساعات الأخيرة من حياته، يدرك إيفان انه كان على خطأ طوال الوقت. وبدلا من الصعود في الحياة مثلما كان يظنّ، كان يتّجه إلى القاع.
في نهاية الرواية، يموت إيليتش على الرغم من جهود طبيبه الماهر والمحترم، ولكن ليس قبل أن يحقّق قدرا من الخلاص. كما انه يجد بعض العزاء في اعتقاده بأن موته من شأنه أن يخفّف من معاناة عائلته والقائمين على رعايته.
نموذج تولستوي من الوجودية يظهر في هذه الرواية في أجلى صُوَره. الفكرة الوجودية القائلة بأن "الوجود يسبق الجوهر" تعني أن وجود الإنسان لا هدف له ولا معنى محدّدا سلفا، وإنما يُخلق كلّ إنسان ومعه حرّيته في الاختيار. أي أن الوجود هو في النهاية ضرب من العدم. وإذا كنّا نبحث عن معنى خارجي، ثابت ونهائي، فإن عملية البحث هي في حدّ ذاتها عقيمة وعبثية. السبب في موت إيفان إيليتش كان سقوطه من على سلّم نقّال بينما كان يعلّق ستارة. وجزئية الستارة، كونها المتسبّب في سقوطه ومن ثمّ موته، تعكس هذا النوع من العبث الوجودي.
نظرية تولستوي الجمالية تعكس المعتقدات الدينية التي أصبح يعتنقها بعد أزمته العميقة المتعلقة بمعنى الحياة وحتمية الموت. و"موت إيفان إيليتش" كان أوّل كتاب أصدره بعد أن خرج من فترة الأزمة والتحوّل.
غيراسيم، خادم إيفان، مزارع بسيط وعلى الفطرة. وهو الشخص الوحيد الذي يشفق على إيفان إيليتش ويتلمّس احتياجاته ويلبّيها. انه يمسك بساقيه كي يخفّف ألمه، وأحيانا يظلّ على تلك الحال طوال الليل. إيليتش يشعر بتحسّن في حالته عندما يلمسه خادمه، ما يوحي بأن ليس هناك ما هو أقوى من تأثير اللمسة الإنسانية. وليس من قبيل الصدفة أن يكون غيراسيم هو الشخصية الوحيدة التي تعترف بأننا جميعا سنموت وأن الأمر في النهاية لا يمثّل مشكلة. انه يجسّد الإيمان البسيط والأخوّة الإنسانية والصدق، أي القيم التي كان تولستوي يثمّنها في الحياة وفي الفنّ ويربطها بالفلاحين.
كان تولستوي يجد معنى في الحياة البسيطة للفلاحين وفي إيمانهم البسيط بالله. وقد تخلّى عن الأشياء الدنيوية وعن الجنس والكحول. بل وذهب إلى أبعد من ذلك عندما بدأ يصنع أحذيته بنفسه.
تولستوي يشير في هذه الرواية إلى حقيقة سيكولوجية، وهي أن معظم الناس يعتقدون أنهم لن يواجهوا الموت مع انه قد يحدث لغيرهم. وهم ميّالون لأن يَظهروا أمام الآخرين بطريقة مناسبة ولائقة. لذا فإنهم يزيحون جانبا كلّ الأشياء غير المريحة من خلال تجاهلها ببساطة.
تولستوي أيضا يوضّح أن المجتمع لا يأبه كثيرا بالعواطف الإنسانية. وهذا هو السبب في أن الناس يصبحون باردين وبلا مشاعر.
الموت، حسب تولستوي، يحدث لنا جميعا، حتى لو كانت تلك حقيقة غير سارّة. وعندما يواجه الناس هذه الحقيقة فإنهم يدركون أن لا شيء يعوّض عن الترابط الإنساني والتعاطف مع الآخرين. وإذا ما فطن الناس إلى هذه الحقيقة، فإن باستطاعتهم أن يتجاوزوا عقدة الخوف من الموت وينظروا إلى ما هو ابعد منه.
بعض النقّاد يعتبرون "موت إيفان إيليتش" أشهر روايات تولستوي بعد "الحرب والسلام" لسبب وجيه. فهذه الرواية هي من أكثر الأعمال الأدبية تعذيباً وإثارة للأسئلة. إنها عبارة عن تحديق في هاوية سحيقة؛ ليست الموت فحسب، وإنما أيضا الطبيعة البشرية نفسها.
وقراءة الرواية مسألة ضرورية، ليس لأنها مَعلَم أدبيّ كبير فحسب، وإنما أيضا لأنك، إن لم تقرأها، فستفقد جزءا من صورة ما يعنيه أن تكون إنساناً. "مترجم".
في نهاية الرواية، يموت إيليتش على الرغم من جهود طبيبه الماهر والمحترم، ولكن ليس قبل أن يحقّق قدرا من الخلاص. كما انه يجد بعض العزاء في اعتقاده بأن موته من شأنه أن يخفّف من معاناة عائلته والقائمين على رعايته.
نموذج تولستوي من الوجودية يظهر في هذه الرواية في أجلى صُوَره. الفكرة الوجودية القائلة بأن "الوجود يسبق الجوهر" تعني أن وجود الإنسان لا هدف له ولا معنى محدّدا سلفا، وإنما يُخلق كلّ إنسان ومعه حرّيته في الاختيار. أي أن الوجود هو في النهاية ضرب من العدم. وإذا كنّا نبحث عن معنى خارجي، ثابت ونهائي، فإن عملية البحث هي في حدّ ذاتها عقيمة وعبثية. السبب في موت إيفان إيليتش كان سقوطه من على سلّم نقّال بينما كان يعلّق ستارة. وجزئية الستارة، كونها المتسبّب في سقوطه ومن ثمّ موته، تعكس هذا النوع من العبث الوجودي.
نظرية تولستوي الجمالية تعكس المعتقدات الدينية التي أصبح يعتنقها بعد أزمته العميقة المتعلقة بمعنى الحياة وحتمية الموت. و"موت إيفان إيليتش" كان أوّل كتاب أصدره بعد أن خرج من فترة الأزمة والتحوّل.
غيراسيم، خادم إيفان، مزارع بسيط وعلى الفطرة. وهو الشخص الوحيد الذي يشفق على إيفان إيليتش ويتلمّس احتياجاته ويلبّيها. انه يمسك بساقيه كي يخفّف ألمه، وأحيانا يظلّ على تلك الحال طوال الليل. إيليتش يشعر بتحسّن في حالته عندما يلمسه خادمه، ما يوحي بأن ليس هناك ما هو أقوى من تأثير اللمسة الإنسانية. وليس من قبيل الصدفة أن يكون غيراسيم هو الشخصية الوحيدة التي تعترف بأننا جميعا سنموت وأن الأمر في النهاية لا يمثّل مشكلة. انه يجسّد الإيمان البسيط والأخوّة الإنسانية والصدق، أي القيم التي كان تولستوي يثمّنها في الحياة وفي الفنّ ويربطها بالفلاحين.
كان تولستوي يجد معنى في الحياة البسيطة للفلاحين وفي إيمانهم البسيط بالله. وقد تخلّى عن الأشياء الدنيوية وعن الجنس والكحول. بل وذهب إلى أبعد من ذلك عندما بدأ يصنع أحذيته بنفسه.
تولستوي يشير في هذه الرواية إلى حقيقة سيكولوجية، وهي أن معظم الناس يعتقدون أنهم لن يواجهوا الموت مع انه قد يحدث لغيرهم. وهم ميّالون لأن يَظهروا أمام الآخرين بطريقة مناسبة ولائقة. لذا فإنهم يزيحون جانبا كلّ الأشياء غير المريحة من خلال تجاهلها ببساطة.
تولستوي أيضا يوضّح أن المجتمع لا يأبه كثيرا بالعواطف الإنسانية. وهذا هو السبب في أن الناس يصبحون باردين وبلا مشاعر.
الموت، حسب تولستوي، يحدث لنا جميعا، حتى لو كانت تلك حقيقة غير سارّة. وعندما يواجه الناس هذه الحقيقة فإنهم يدركون أن لا شيء يعوّض عن الترابط الإنساني والتعاطف مع الآخرين. وإذا ما فطن الناس إلى هذه الحقيقة، فإن باستطاعتهم أن يتجاوزوا عقدة الخوف من الموت وينظروا إلى ما هو ابعد منه.
بعض النقّاد يعتبرون "موت إيفان إيليتش" أشهر روايات تولستوي بعد "الحرب والسلام" لسبب وجيه. فهذه الرواية هي من أكثر الأعمال الأدبية تعذيباً وإثارة للأسئلة. إنها عبارة عن تحديق في هاوية سحيقة؛ ليست الموت فحسب، وإنما أيضا الطبيعة البشرية نفسها.
وقراءة الرواية مسألة ضرورية، ليس لأنها مَعلَم أدبيّ كبير فحسب، وإنما أيضا لأنك، إن لم تقرأها، فستفقد جزءا من صورة ما يعنيه أن تكون إنساناً. "مترجم".