:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الثلاثاء، مايو 15، 2012

شخصيّات في الرسم: كليوباترا

ألهمت كليوباترا العديد من الفنّانين منذ عصر النهضة. كانت ملكة عظيمة خضع لسحرها اثنان من أقوى الزعماء العسكريين الرومان: يوليوس قيصر ومارك أنطوني. صحيح أنها هُزمت في النهاية، لكن موتها المأساوي حرم المنتصر من جزء من انتصاره على الأقلّ.
الكتّاب القدامى متفّقون على حقيقة أن كليوباترا ماتت بلدغة أفعى في يدها. غير أن شكسبير هو الذي اخترع قصّة أن اللدغة كانت في ثديها. ثم أخذت الفكرة بعد ذلك طريقها إلى الفنون البصرية. والملاحظ أن معظم اللوحات التي تصوّر كليوباترا تركّز على واقعة موتها، استنادا إلى ما تذكره بعض المصادر التاريخية والأعمال الأدبية.
ولدت كليوباترا لعائلة من الفراعنة عام تسعة وستّين قبل الميلاد. كان تعطّشها للسلطة قويّا، لدرجة أن شقيقها بطليموس الثالث عشر اجبرها على مغادرة مصر كي يتمكّن وحده من حكم البلاد.
كانت كليوباترا تستخدم حيلها النسائية. وقد اخفت نفسها في سجّادة تمّ تسليمها في ما بعد إلى يوليوس قيصر. وأصبح في النهاية متورّطا في علاقة عاطفية معها ووعدها بمساعدتها على استعادة عرش مصر.
أنجبت كليوباترا لقيصر ابنا. لكنها في ما بعد أصبحت عشيقة للجنرال الروماني مارك أنطوني الذي أنجبت له ثلاثة أطفال. لكن علاقتها بـ انطوني نتج عنها في النهاية عواقب مصيرية.
كانت كليوباترا قاسية على منافسيها بفضل ما كانت تمتلكه من جاذبية وسحر. ويبدو أن قصص حبّها كانت مبنية على أهداف استراتيجية.
كليوباترا الحقيقية قد لا تشبه في الواقع النساء اللواتي ظهرن في لوحات عديدة تصوّرها. غير أن حياتها الأسطورية وموتها المأساوي كانا عنصري إلهام للرسّامين على مرّ قرون. جمال كليوباترا الغرائبي استبعد الشقراوات وذوات الشعر الأحمر ووفّر بدلا من ذلك الفرصة للعديد من الملهمات ذوات الشعر الأسود أن يُخلّدن في الرسم.
الرسّامون الاستشراقيون والأكاديميون والنيوكلاسيكيون وجدوا في كليوباترا موضوعا مثاليا لأسلوبهم الغنّي والمفصّل. لوحة الفنّان الاستشراقي جان ليون جيروم بعنوان "كليوباترا وقيصر" تصوّر كليوباترا في اللحظة التي تغادر فيها السجّادة التي كانت قد اخفت نفسها بداخلها كي تتمكّن من الالتقاء بـ يوليوس قيصر. وكليوباترا هي النقطة المحورية في اللوحة، بينما يتراجع حضور قيصر إلى الخلفية. ويُرى وهو جالس عند طاولة بينما يحدّق في المرأة التي ستغيّر مسار حياته.

   

كان يوليوس قيصر في ذلك الوقت في العقد الخامس من عمره، في حين كانت كليوباترا في العشرينات من عمرها. كانت بحاجة إلى قوّة قيصر. وكان هو يطمح في توسيع نفوذه الشخصي من خلال كليوباترا. غير أن الرومان لم يوافقوا أبدا على تحالفه معها. لذا اغتيل قيصر عام 44 قبل الميلاد، بينما عادت كليوباترا إلى الإسكندرية لتحكم مصر مع طفلها الصغير منه.
في لوحة بعنوان "كليوباترا تجرّب السمّ على سجناء مُدانين"، رسم الفنّان الأكاديمي الفرنسي ألكسندر كابانيل (1823-1889) لـ كليوباترا صورة تقشعرّ لها الأبدان. وتظهر في اللوحة، بصحبة خادمتها ونمر مروّض، وهي جالسة تراقب مشهدا لرجال ينازعون الموت بعد تعريضهم لجرعات سمّ مميتة. في هذه اللوحة نرى كليوباترا الجميلة، لكن القاسية، وهي تلاحظ بلا مبالاة تأثير السمّ على السجناء الفقراء. وقد بذل الرسّام جهدا كبيرا في إبراز اللباس الغريب للمرأة والعمارة المصرية في الخلفية.
كان المصريون بارعين في استخدام العقاقير والسموم. وكليوباترا هنا تضيف إلى معرفتها الخاصّة بكيفية القضاء على منافسيها مهارة التحضير لطريقة انتحار سريعة.
الفنّان الرمزي الفرنسي غوستاف مورو (1826-1898) كان مفتونا على ما يبدو بالنساء الأشرار في التاريخ. ولوحاته تصوّر عددا من الإناث القاتلات مثل سالومي وباثشيبا وغيرهما. في إحدى لوحاته، رسم مورو كليوباترا وهي تجلس بطريقة مغرية أمام خلفية حالمة. نظراتها تبدو غير مكترثة. وهي هنا ليست مجرّد كائن مزخرف، بل امرأة تشعّ بهالة من الذكاء.
مع صعود أوكتيفيان وسقوط مارك أنطوني، وصل حكم كليوباترا إلى نهايته. وبعد معركة كارثية بالقرب من الإسكندرية، تم إبلاغ انطوني كذبا أن كليوباترا ماتت، فقام بطعن نفسه حتى الموت.
وبعد ذلك بفترة وجيزة، كانت كليوباترا قد خطّطت لموتها. القصّة الشهيرة هي أنها ماتت بلدغة أفعى عام 30 قبل الميلاد. والمؤكّد أنها كانت تعرف الكثير عن السموم. وربّما كانت تفضّل جرعة سريعة على الموت البطيء بلدغة أفعى.

في لوحة بعنوان "موت كليوباترا"، رسم الفنّان الفرنسي أندريه جان ريكسانس (1846-1924) منظرا مذهلا لـ كليوباترا الميّتة مع خادمتها التي تعرّضت هي الأخرى للدغة قاتلة من الأفعى. ريكسانس رسم كليوباترا على هيئة امرأة عارية. وهي تبدو في اللوحة اقرب ما تكون إلى جارية أو محظية منها إلى ملكة.
الفنّان الايطالي غويدو ريني رسم كليوباترا بهيئة خاطئة تائبة، وعلى نحو لا يختلف كثيرا عن لوحته عن مريم المجدلية.
الفنّان النمساوي هانز ماكارت أيضا رسم موت كليوباترا مع أنماط فنّية وتفاصيل زخرفية.
والفنّان لورانس ألما تاديما أُظهر كليوباترا كملكة جميلة وواثقة. لكنه أهمل العري الذي كان آنذاك موضة سائدة، وتنازل عن الزخرفة الشرقية لمصلحة الزيّ الهلنستي الصحيح تاريخيّا.
الفنّان الأمريكي فريدريك آرثر بريدجمان رسم كليوباترا برفقة عدد من خادماتها وهي تتمشّى على مدرّجات جزيرة فيلة. بالنسبة لـ بريدجمان فإن العمارة تلعب دورا مهمّا. وقد أضاف إليها الضوء والمناظر الطبيعية. كان بريدجمان نفسه قد سافر إلى مصر وعكس انطباعاته عن تلك الزيارة في سلسلة من اللوحات. كليوباترا في لوحة بريدجمان لم تعد مهمّة كثيرا. هي ليست أكثر من ذريعة لرسم امرأة جميلة أمام خلفية مصرية.
في لوحته "كليوباترا والأفعى"، رسم الفنّان الفرنسي ميشيل كورنيلي كليوباترا بنفس الطريقة التي رسمها بها زميله اوجين ديلاكروا. وهي تظهر في اللوحة بصحبة الفلاح الذي يقدّم لها سلّة من التين تختبئ بداخلها أفعى، وسط دهشة اثنتين من وصيفاتها.
بعض المؤرّخين يشيرون إلى أن كليوباترا، رغم قوّتها، لم تكن تتمتّع بذلك الجمال الخارق. غير أن الأمر لا يتعلّق بالملامح. فالجمال العادي كان ولا يزال احد أعظم المغريات في جميع العصور. ويقال إن الوسامة تولد مع الإنسان، بينما الجمال يوفّر فرصا متساوية.
موت كليوباترا أصبح مع مرور الأيّام أسطورة رومانسية بعد أن خلّده شكسبير في مسرحيّته. وقد فضّلت الموت بالسمّ على أن تؤخذ أسيرة إلى روما على يد اوكتيفيان. وبعد موتها أحكم الرومان سيطرتهم نهائيا على مصر.
ومع ذلك، فإن التاريخ الحقيقي لـ كليوباترا دُفن معها إلى الأبد. والتاريخ الذي نعرفه عن تلك الحقبة هو ما سجّله المنتصرون.

موضوع ذو صلة: ديلاكروا ومصرع كليوباترا