في بعض الأحيان، تصبح بعض الأحداث التافهة ظاهريّا نقاط تحوّل مهمّة في مسار التاريخ. في الرابع عشر من يوليو 1789، اقتحمت مجموعة صغيرة من الغوغاء سجنا فارغا تقريبا في إحدى ضواحي باريس. وهكذا بدأت الثورة الفرنسية التي أنهت 500 عام من الحكم الملكي في فرنسا.
وفي ديسمبر من عام 1955، طُلب من إحدى الأميركيات من أصل أفريقي أن تنتقل إلى الجزء الخلفيّ من حافلة في مونتغمري بولاية ألاباما. وبسبب تلك الحادثة ولدت حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة.
وفي عام 1969، انشأت وزارة الدفاع الأمريكية شبكة اتصالات الكترونية أسميت الاربانت لتربط مجموعة من مراكز الأبحاث. وهكذا ولدت الإنترنت.
في 25 يناير من عام 1919، توفي فنّان غير معروف تقريبا في جناح خيريّ في احد مشافي باريس. وبموته انتهت الهيمنة الفرنسية على عالم الفنّ. كان ذلك الفنّان آخر شخص في سلالة كانت تُعرف بآخر الفنّانين البوهيميين.
كان اسمه اميديو موديلياني. وكان قد عانى من الفقر والسلّ وإدمان الكحول وتعاطي المخدرات. وبعد أيّام، وبينما كانت جنازته تمرّ في شوارع مونمارتر القديمة، كان الآلاف من الناس ممّن لم يكونوا قد رأوا أعماله من قبل، وبعضهم لم يكونوا قد سمعوا باسمه، يصطفّون على جانب الطريق لتحيّته وإلقاء نظرة الوداع على جثمانه.
كان موديلياني، الايطالي الأصل، آخر أربعة فنّانين ارتبطت أقدارهم معا وانتهى بهم المطاف جميعا في شوارع وأزقّة مونمارتر، مهد الفنّ الحديث في أوائل القرن العشرين. والثلاثة الآخرون كانوا الفرنسيّ موريس اوتريللو، والبلغاري جول باسكين، والليثواني شيم سوتين.
ولد موريس اوتريللو عام 1883، وعاش فترة صباه حياة فقر وتشرّد. وكان يكسب قوته من عمله كموديل للرسّامين. كان اوتريللو مدمنا على الكحول منذ أن كان في الخامسة عشرة. ثم وُضع في عهدة أمّه وزوجته اللتين أنقذتاه من تدميره لنفسه. وقد استمرّ يرسم حتى وفاته. وهو الوحيد من بين الأربعة الذي تمكّن من الإفلات من حياة الشوارع والضياع.
جول باسكين كان اصغر قليلا من اوتريللو. لكنّه كان أكثر موهبة وتدريبا أكاديميّا، إذ درس الرسم في فيينا وميونيخ وباريس. وسافر إلى أماكن كثيرة من العالم، بما في ذلك المكسيك والولايات المتحدة. مشاهد باسكين للشوارع كانت من بين أفضل ما رسمه الأربعة.
ومع ذلك، كان نموذجا للبلاي بوي الذي لا يهدأ ولا يستقرّ. وقد انتهت حياته بطريقة مأساوية عندما أقدم على الانتحار في عام 1930.
شيم سوتين كان اصغر الأربعة. وقد هرب من منزل والده الخيّاط الذي كان يتأمّل منه أن يسير على خطاه ويرث عنه مهنته. وانتهى به الأمر في باريس التي قرّر أن يدرس فيها الرسم. وقد عاش في مسكن مجاور لمسلخ، حيث كان من عادته أن يذهب إلى هناك لرسم لحوم الحيوانات واستكشاف ميوله في التعبير واللون.
الفقر المدقع الذي عانى منه سوتين دفعه في النهاية إلى الانتحار. لكن قُيّض له أن ينجو من الموت بفضل صديق تصادف وجوده بالقرب من المكان،فأنقذه وبذا كُتبت له حياة جديدة.
وفي وقت لاحق، وبمساعدة صديقه موديلياني، التقى سوتين أحد وكلاء الفنّ الذي نصحه بمغادرة باريس. ثم قابل في ما بعد الأمريكيّ ألبرت بارنز، وهو احد هواة جمع الفنّ الحديث، الذي اشترى ما يقرب من 100 من لوحاته. وعلى الرغم من انه أصبح مرتاحا ماليّا، إلا انه كان يزداد عزلة وكان يرفض عرض أعماله. واستمرّ على تلك الحال إلى أن توفّي وحيدا منسيّا في عام 1943.
لكن لماذا شكّل موت موديلياني نقطة تحوّل؟ ما حدث بعد وفاة موديلياني هو أن الفنّانين هجروا مونمارتر واحدا في إثر الآخر، واختاروا أن يذهبوا إلى ميونيخ أو نيويورك، أو إلى أيّ مكان باستثناء باريس.
وابتداءً من العام 1919، لم تظهر حركات فنّية جديدة. وغابت عن سماء باريس تلك الروح المثيرة للابتكار وذلك المزيج المتفجّر من المواهب الخلاقة والمبدعة. حدث هذا قبل سنوات طويلة من وصول طلائع جند ادولف هتلر إلى شارع الشونزيليزيه.
آخر سلالة الفنّانين البوهيميين كانوا الفصل النهائي والأخير من تقليد دام زهاء 300 عام وتمثّل في الهيمنة الفرنسية على الفنون التي بدأت زمن الملك شارل الثاني.
من وقت لآخر، كانت هناك جذوات تتوهّج هنا وهناك ثم لا تلبث أن تخبو وتموت. لكنّ الفنّ وباريس كانا قد تغيّرا إلى الأبد. وانتهى الزمن الذي كانت فيه باريس تفيض على غيرها من عواصم أوربّا والعالم فنّاً وإبداعاً وألقاً.
وفي ديسمبر من عام 1955، طُلب من إحدى الأميركيات من أصل أفريقي أن تنتقل إلى الجزء الخلفيّ من حافلة في مونتغمري بولاية ألاباما. وبسبب تلك الحادثة ولدت حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة.
وفي عام 1969، انشأت وزارة الدفاع الأمريكية شبكة اتصالات الكترونية أسميت الاربانت لتربط مجموعة من مراكز الأبحاث. وهكذا ولدت الإنترنت.
في 25 يناير من عام 1919، توفي فنّان غير معروف تقريبا في جناح خيريّ في احد مشافي باريس. وبموته انتهت الهيمنة الفرنسية على عالم الفنّ. كان ذلك الفنّان آخر شخص في سلالة كانت تُعرف بآخر الفنّانين البوهيميين.
كان اسمه اميديو موديلياني. وكان قد عانى من الفقر والسلّ وإدمان الكحول وتعاطي المخدرات. وبعد أيّام، وبينما كانت جنازته تمرّ في شوارع مونمارتر القديمة، كان الآلاف من الناس ممّن لم يكونوا قد رأوا أعماله من قبل، وبعضهم لم يكونوا قد سمعوا باسمه، يصطفّون على جانب الطريق لتحيّته وإلقاء نظرة الوداع على جثمانه.
كان موديلياني، الايطالي الأصل، آخر أربعة فنّانين ارتبطت أقدارهم معا وانتهى بهم المطاف جميعا في شوارع وأزقّة مونمارتر، مهد الفنّ الحديث في أوائل القرن العشرين. والثلاثة الآخرون كانوا الفرنسيّ موريس اوتريللو، والبلغاري جول باسكين، والليثواني شيم سوتين.
ولد موريس اوتريللو عام 1883، وعاش فترة صباه حياة فقر وتشرّد. وكان يكسب قوته من عمله كموديل للرسّامين. كان اوتريللو مدمنا على الكحول منذ أن كان في الخامسة عشرة. ثم وُضع في عهدة أمّه وزوجته اللتين أنقذتاه من تدميره لنفسه. وقد استمرّ يرسم حتى وفاته. وهو الوحيد من بين الأربعة الذي تمكّن من الإفلات من حياة الشوارع والضياع.
جول باسكين كان اصغر قليلا من اوتريللو. لكنّه كان أكثر موهبة وتدريبا أكاديميّا، إذ درس الرسم في فيينا وميونيخ وباريس. وسافر إلى أماكن كثيرة من العالم، بما في ذلك المكسيك والولايات المتحدة. مشاهد باسكين للشوارع كانت من بين أفضل ما رسمه الأربعة.
ومع ذلك، كان نموذجا للبلاي بوي الذي لا يهدأ ولا يستقرّ. وقد انتهت حياته بطريقة مأساوية عندما أقدم على الانتحار في عام 1930.
شيم سوتين كان اصغر الأربعة. وقد هرب من منزل والده الخيّاط الذي كان يتأمّل منه أن يسير على خطاه ويرث عنه مهنته. وانتهى به الأمر في باريس التي قرّر أن يدرس فيها الرسم. وقد عاش في مسكن مجاور لمسلخ، حيث كان من عادته أن يذهب إلى هناك لرسم لحوم الحيوانات واستكشاف ميوله في التعبير واللون.
الفقر المدقع الذي عانى منه سوتين دفعه في النهاية إلى الانتحار. لكن قُيّض له أن ينجو من الموت بفضل صديق تصادف وجوده بالقرب من المكان،فأنقذه وبذا كُتبت له حياة جديدة.
وفي وقت لاحق، وبمساعدة صديقه موديلياني، التقى سوتين أحد وكلاء الفنّ الذي نصحه بمغادرة باريس. ثم قابل في ما بعد الأمريكيّ ألبرت بارنز، وهو احد هواة جمع الفنّ الحديث، الذي اشترى ما يقرب من 100 من لوحاته. وعلى الرغم من انه أصبح مرتاحا ماليّا، إلا انه كان يزداد عزلة وكان يرفض عرض أعماله. واستمرّ على تلك الحال إلى أن توفّي وحيدا منسيّا في عام 1943.
لكن لماذا شكّل موت موديلياني نقطة تحوّل؟ ما حدث بعد وفاة موديلياني هو أن الفنّانين هجروا مونمارتر واحدا في إثر الآخر، واختاروا أن يذهبوا إلى ميونيخ أو نيويورك، أو إلى أيّ مكان باستثناء باريس.
وابتداءً من العام 1919، لم تظهر حركات فنّية جديدة. وغابت عن سماء باريس تلك الروح المثيرة للابتكار وذلك المزيج المتفجّر من المواهب الخلاقة والمبدعة. حدث هذا قبل سنوات طويلة من وصول طلائع جند ادولف هتلر إلى شارع الشونزيليزيه.
آخر سلالة الفنّانين البوهيميين كانوا الفصل النهائي والأخير من تقليد دام زهاء 300 عام وتمثّل في الهيمنة الفرنسية على الفنون التي بدأت زمن الملك شارل الثاني.
من وقت لآخر، كانت هناك جذوات تتوهّج هنا وهناك ثم لا تلبث أن تخبو وتموت. لكنّ الفنّ وباريس كانا قد تغيّرا إلى الأبد. وانتهى الزمن الذي كانت فيه باريس تفيض على غيرها من عواصم أوربّا والعالم فنّاً وإبداعاً وألقاً.