:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الجمعة، نوفمبر 25، 2016

الأوقات الثمينة للدوق

"الأوقات الثمينة للدوق" هو عنوان أهمّ مخطوطة ملوّنة من أوربّا القرن الخامس عشر. وهي عبارة عن كتاب يحتوي على زخارف ورسومات نفيسة رسمها الإخوة لامبور بين عامي 1412 و 1416 بناءً على تكليف من راعيهم دوق دو بيري.
و المخطوطة توضّح بالرسم الأنشطة المختلفة التي يقوم بها بلاط الدوق وفلاحوه في كلّ شهر من أشهر السنة.
وقد تُركت المخطوطة ناقصة عند وفاة الإخوة الثلاثة في عام 1416 خلال موجة الطاعون التي ضربت أوربّا في بداية القرن الخامس عشر.
كانوا وقتها دون الثلاثين، وهذا كان متوسّط العمر الطبيعي للإنسان في القرون الوسطى. لكن على الرغم من حياتهم القصيرة، إلا أنهم استطاعوا أن ينتجوا عددا من الأعمال الفنّية الرائعة من بينها هذه المخطوطة التي تُعدّ الأشهر.
كان الإخوة لامبور بارعين جدّا في رسم المنمنمات، ولهذا السبب ذاعت شهرتهم كثيرا في القرنين الرابع عشر والخامس عشر. ومعظم التراث الذي تركوه تمّ نسيانه مع مرور الوقت، إلى أن اشترى دوق "امالي" احد أعمالهم.
وقد تعهّدهم بالرعاية دوق دو بيري. وقصّتهم أصبحت مرتبطة بعهد ذلك الأمير الموسر والمتنفّذ والذي كان بنفس الوقت راعيا ومشجّعا للفنون.
وعلى الأرجح قضى احدهم بعض الوقت في ايطاليا لدراسة فنّ عصر النهضة، وخاصّة طريقة رسم المناظر الطبيعية والحوافّ الزخرفية.
وهذه المخطوطة، كما سبق، تتضمّن رسومات عن أنشطة الدوق وعن الأعمال المختلفة التي يقوم بها العمّال والفلاحون الذين يعملون في خدمته. وفي خلفية معظم هذه الصور، تظهر قلاع وأراض تخصّ دوق دو بيري، وأحيانا أجزاء من داخل قصره.
واللوحات مليئة بالتفاصيل المتعلّقة بأنشطة كلّ شهر. في شهر يناير، مثلا نرى الدوق جالسا في قصره بثيابه الزرقاء وهو يتبادل الهدايا مع ضيوفه لمناسبة رأس السنة الجديدة. الطاولات مغطّاة بالحرير والأشياء الثمينة التي ترمز إلى ثراء الدوق وذوقه.
المخطوطة التي تصوّر شهر فبراير تأخذ الناظر إلى فصل الشتاء القارس. الضوء يسقط على طبيعة ثلجية، بينما نرى في الخلفية بلدة مغطّاة بالجليد مع مزارع وحماره. وفي الوسط نرى فلاحا آخر يقطع الأخشاب، بينما يلتمس ثالث ملجئاً يقيه من البرد. وفي المقدّمة نرى عائلة من الفلاحين يُدفّئون أنفسهم في بيت خشبيّ صغير.
وفي مايو، نرى نبلاء يركبون الخيول في موكب، وفي الخلفية مقرّ إقامة الدوق في باريس.
في ابريل يظهر شابّان، رجل وامرأة، وهما يتبادلان الخواتم. وفي يونيو نرى بعضا من مشاهد الحصاد. وفي أغسطس الصيد بالصقور. وفي سبتمبر حصاد العنب. وفي أكتوبر حراثة الحقول. وهكذا.
وفي بعض هذه اللوحات مناظر لفرسان يبرزون من القلعة ويتأهّبون للذهاب إلى المعركة.
الرسّامون الثلاثة كانوا جزءا من هذه الطقوس. وقد استخدموا لإنجاز هذه الصور فُرَشا رائعة وطلاء رسم ثمين.
الفنّ القوطي، وهو الفنّ الذي ارتبط بتلك الفترة، كان يركّز على الأنماط الزخرفية. وهذا واضح من الملابس التي يرتديها الأشخاص. ولكن حتى الأشجار أيضا تخلق أشكالا زخرفية. والأشخاص أنيقون وبأطراف طويلة.
تمّ العمل على هذا الكتاب على مدار قرن كامل تقريبا. إذ بعد وفاة الإخوة لامبور في العام 1416، كلّف دوق دو سافوي الرسّام جان كولومب بإتمام مهمّتهم وإكمال الرسومات.
وهناك شيء ربّما يفاجئ المتلقّي المعاصر ويثير فضوله، وهو إدخال الأبراج الفلكية في الكتاب. ففي رأس كلّ صفحة، هناك علامة فلكية. والسبب هو أن النجوم كانت مرتبطة بمواقيت الزراعة. وحتى الأطبّاء في القرون الوسطى كانوا يعتقدون أن صحّة الناس لها علاقة بالأبراج التي ولدوا فيها. أما الكنيسة فكانت تلجأ للأبراج لحساب مواقيت الصيام.