يقول هيغل في كتابه "فلسفة الحقّ": مينيرفا تطير فقط في الليل". وكان يشير بذلك إلى نوبات الأرق.
الإجهاد، التعب، احمرار العينين، كلّها علامات تذكّر بأن الأرق يهدّ الجسد والروح. الجيران المزعجون، بكاء الأطفال، العمل الزائد، الغذاء السيّئ، المرض، الألم، الحساسية، والزوّار الوقحون، كلّها عوامل تتسبّب في حرمان الإنسان من النوم. وكذلك الحال بالنسبة إلى الأفكار المجرّدة والكلمات التي ترتديها.
الفلسفة في مسلمّاتها الهائلة لا تغفل شيئا. لذا كان هناك دائما فلاسفة للأرق. لقد فتن الأرق المفكّرين منذ القدم. وهو اهتمام ما يزال مستمرّا إلى اليوم، خاصّة في أوربّا.
الفلسفة ليست صديقا للنوم. في كتابه "القوانين" يكتب أفلاطون: عندما يكون الإنسان نائما فإنه ليس بأفضل حالا مما لو كان ميّتا. والذين يحبّون الحياة والحكمة لا يحتاجون نوما أكثر ممّا هو ضروري لصحّتهم".
كليمنت الاسكندري قال كلاما قريبا من هذا: لا فائدة من إنسان نائم، مثلما لا فائدة من إنسان ميّت. لكن أكثر الناس اهتماما بالحياة الحقيقية والمشاعر النبيلة يظلّون مستيقظين لأطول فترة ممكنة". ويضيف: الحاجة إلى النوم ليست في العقول لأنها نشطة بلا توقّف".
نيتشه في كتابه "ما وراء الخير والشرّ" بشّر بأن أسمى غايات الأوربيين الطيّبين ينبغي أن تكون اليقظة نفسها".
أرسطو قال إن جميع الحيوانات تنام". وفي القرن العشرين أضاف الفيلسوف الروماني اميل تشوران في كتابه "فوق مرتفعات اليأس": البشر وحدهم هم من يأرقون".
الفيلسوف الفرنسي ايمانويل ليفيناس تخيّل فلسفة هي عبارة عن دعوة إلى المسئولية النهائية التي لا تتأتى إلا بالأرق التامّ واليقظة التي لا تعرف الكلل".
الكثير من العلماء استمعوا إلى تلك الدعوة، فضحّوا بالنوم وأجهدوا عيونهم وعرّضوا صحّتهم للخطر بحثا عن شيء من الحقيقة والسموّ.
ومنذ رواية سارتر "نوم مضطرب" (1949)، توالى العديد من فلسفات الأرق التي تتحدّث الفرنسية. فباريس أصبحت ملجأ للفلاسفة مثل ليفيناس الهارب من النازية، وتشوران الباحث عن الشهرة .
الحرب العالمية الثانية وما تلاها منحت الفلسفة الفرنسية الكثير مما يستوجب التفكير لدرجة فقدان النوم.
كان أفلاطون نموذجا لفيلسوف الأرق. كان يحرم جسده من النوم ويكبّله حتى حافّة الموت من اجل البحث عن الحقيقة.
تقول آن دوفورمانتيلي في كتابها "موعد أعمى: الجنس والفلسفة": الفلسفة ولدت مع القلق والتساؤل والأرق. وهي تضع على عاتقها مصائب وعلل العالم، وبالتالي لا يستطيع الفيلسوف أن ينام".
ايمانويل ليفيناس هو ملك فلاسفة الأرق بلا منازع. وتشوران كان الناطق الساخر بلسانهم. ويُفترض انه كان أرقا وعابسا ومحبطا ومنهكا.
عندما كان في العشرين من عمره وقعت له حادثة غيّرت مجرى حياته. لقد توقّف عن النوم فجأة، واعتبر أن هذه أعظم مأساة يمكن أن تقع لإنسان. وطوال ساعات الليل، كان يمشي في الشوارع مثل شبح. وكلّ ما كتبه بعد ذلك أنجزه خلال تلك الليالي.
ليفيناس كان يرى الأرق كمشهد واضح، كوعي عارٍ، حالة ذهنية مثالية للتفكير الفلسفي الذي ينكر الذات.
تشوران قال ذات مرّة: الأرق يجعلك تعاني من كل شيء وبإفراط. الرياح تتحوّل إلى عواصف، كلّ لمسة تتحوّل إلى خنجر، والابتسامات تستحيل صفعات وتفاهات ونوازل".
يقول تشوران: الطاغية ينام يقظا، وهذا ما يميّزه عن غيره".
الأرق يحتضن جنون العظمة. الخليفة العظيم هارون الرشيد كان يمشي في ألف ليلة وليلة كشخص محروم من الرقاد. نيرون أيضا كان مسهّدا. وهتلر كان لا ينام الليل أيضا.
لا توجد فلسفة يمكن أن تستمر ليلة دون أن تظهر تناقضاتها. والأرق له هذه الخاصية. فهو يمزق جسدك ويضخم الأنا بداخلك.
وقد فهم تشوران هذه العلاقة. يقول: تدخل في صراع مع العالم كلّه، مع البشر النائمين، ولا تعود تشعر انك فرد بين آخرين، لأن الآخرين يعيشون دون وعي. وتنشأ مع الشخص مشاعر عزّة وإحساس بالتفوّق يخالطها عَتَه وجنون. الإنسان المسهد يقول لنفسه: قدري مختلف. أعرف تجربة اليقظة التي لا تنقطع".
الإنسان المُسهَد لا يفكّر في عواقب الأرق وأثره على التفكير.
في طرفة عين ينزلق الأرق من الفكر إلى الهواجس، ومن الشكّ إلى الماسوشية وكراهية الناس. الأرق له لحظات شفافية غير عادية. لكن له أيضا فِخاخه وأوهام عظمته. "مترجم".
الإجهاد، التعب، احمرار العينين، كلّها علامات تذكّر بأن الأرق يهدّ الجسد والروح. الجيران المزعجون، بكاء الأطفال، العمل الزائد، الغذاء السيّئ، المرض، الألم، الحساسية، والزوّار الوقحون، كلّها عوامل تتسبّب في حرمان الإنسان من النوم. وكذلك الحال بالنسبة إلى الأفكار المجرّدة والكلمات التي ترتديها.
الفلسفة في مسلمّاتها الهائلة لا تغفل شيئا. لذا كان هناك دائما فلاسفة للأرق. لقد فتن الأرق المفكّرين منذ القدم. وهو اهتمام ما يزال مستمرّا إلى اليوم، خاصّة في أوربّا.
الفلسفة ليست صديقا للنوم. في كتابه "القوانين" يكتب أفلاطون: عندما يكون الإنسان نائما فإنه ليس بأفضل حالا مما لو كان ميّتا. والذين يحبّون الحياة والحكمة لا يحتاجون نوما أكثر ممّا هو ضروري لصحّتهم".
كليمنت الاسكندري قال كلاما قريبا من هذا: لا فائدة من إنسان نائم، مثلما لا فائدة من إنسان ميّت. لكن أكثر الناس اهتماما بالحياة الحقيقية والمشاعر النبيلة يظلّون مستيقظين لأطول فترة ممكنة". ويضيف: الحاجة إلى النوم ليست في العقول لأنها نشطة بلا توقّف".
نيتشه في كتابه "ما وراء الخير والشرّ" بشّر بأن أسمى غايات الأوربيين الطيّبين ينبغي أن تكون اليقظة نفسها".
أرسطو قال إن جميع الحيوانات تنام". وفي القرن العشرين أضاف الفيلسوف الروماني اميل تشوران في كتابه "فوق مرتفعات اليأس": البشر وحدهم هم من يأرقون".
الفيلسوف الفرنسي ايمانويل ليفيناس تخيّل فلسفة هي عبارة عن دعوة إلى المسئولية النهائية التي لا تتأتى إلا بالأرق التامّ واليقظة التي لا تعرف الكلل".
الكثير من العلماء استمعوا إلى تلك الدعوة، فضحّوا بالنوم وأجهدوا عيونهم وعرّضوا صحّتهم للخطر بحثا عن شيء من الحقيقة والسموّ.
ومنذ رواية سارتر "نوم مضطرب" (1949)، توالى العديد من فلسفات الأرق التي تتحدّث الفرنسية. فباريس أصبحت ملجأ للفلاسفة مثل ليفيناس الهارب من النازية، وتشوران الباحث عن الشهرة .
الحرب العالمية الثانية وما تلاها منحت الفلسفة الفرنسية الكثير مما يستوجب التفكير لدرجة فقدان النوم.
كان أفلاطون نموذجا لفيلسوف الأرق. كان يحرم جسده من النوم ويكبّله حتى حافّة الموت من اجل البحث عن الحقيقة.
تقول آن دوفورمانتيلي في كتابها "موعد أعمى: الجنس والفلسفة": الفلسفة ولدت مع القلق والتساؤل والأرق. وهي تضع على عاتقها مصائب وعلل العالم، وبالتالي لا يستطيع الفيلسوف أن ينام".
ايمانويل ليفيناس هو ملك فلاسفة الأرق بلا منازع. وتشوران كان الناطق الساخر بلسانهم. ويُفترض انه كان أرقا وعابسا ومحبطا ومنهكا.
عندما كان في العشرين من عمره وقعت له حادثة غيّرت مجرى حياته. لقد توقّف عن النوم فجأة، واعتبر أن هذه أعظم مأساة يمكن أن تقع لإنسان. وطوال ساعات الليل، كان يمشي في الشوارع مثل شبح. وكلّ ما كتبه بعد ذلك أنجزه خلال تلك الليالي.
ليفيناس كان يرى الأرق كمشهد واضح، كوعي عارٍ، حالة ذهنية مثالية للتفكير الفلسفي الذي ينكر الذات.
تشوران قال ذات مرّة: الأرق يجعلك تعاني من كل شيء وبإفراط. الرياح تتحوّل إلى عواصف، كلّ لمسة تتحوّل إلى خنجر، والابتسامات تستحيل صفعات وتفاهات ونوازل".
يقول تشوران: الطاغية ينام يقظا، وهذا ما يميّزه عن غيره".
الأرق يحتضن جنون العظمة. الخليفة العظيم هارون الرشيد كان يمشي في ألف ليلة وليلة كشخص محروم من الرقاد. نيرون أيضا كان مسهّدا. وهتلر كان لا ينام الليل أيضا.
لا توجد فلسفة يمكن أن تستمر ليلة دون أن تظهر تناقضاتها. والأرق له هذه الخاصية. فهو يمزق جسدك ويضخم الأنا بداخلك.
وقد فهم تشوران هذه العلاقة. يقول: تدخل في صراع مع العالم كلّه، مع البشر النائمين، ولا تعود تشعر انك فرد بين آخرين، لأن الآخرين يعيشون دون وعي. وتنشأ مع الشخص مشاعر عزّة وإحساس بالتفوّق يخالطها عَتَه وجنون. الإنسان المسهد يقول لنفسه: قدري مختلف. أعرف تجربة اليقظة التي لا تنقطع".
الإنسان المُسهَد لا يفكّر في عواقب الأرق وأثره على التفكير.
في طرفة عين ينزلق الأرق من الفكر إلى الهواجس، ومن الشكّ إلى الماسوشية وكراهية الناس. الأرق له لحظات شفافية غير عادية. لكن له أيضا فِخاخه وأوهام عظمته. "مترجم".