تُعتبر اوريانا فالاتشي (1929-2006) أشهر صحفية امرأة في العالم. وقد وصفها احد الكتّاب ذات مرّة بأنها الصحفية التي لا يمكن أن يرفض زعيم سياسي الالتقاء بها.
واشتهرت فالاتشي في ستّينات وسبعينات وثمانينات القرن الماضي بمقابلاتها الجريئة والصِدامية مع العديد من زعماء العالم والتي تمّ نشرها في اكبر صحف ومجلات العالم مثل شتيرن الألمانية والتايم والنيويورك تايمز والنيويوركر الأمريكية.
هذا الكتاب بعنوان "مقابلات مع التاريخ والسُّلطة" يتضمّن بعض أشهر المقابلات التي أجرتها الصحفية الايطالية في مراحل مختلفة من عملها في الصحافة مع ابرز شخصيات السياسة العالمية.
ومن أهمّ هؤلاء هنري كيسينجر وشاه إيران وآية الله الخميني وليش فاليسا والدالاي لاما وويلي براندت وذو الفقار علي بوتو وولتر كرونكايت ومعمّر القذافي ودينغ هسياو بينغ وياسر عرفات وانديرا غاندي والأسقف مكاريوس وغولدا مائير وهيلا سيلاسي وغيرهم.
كانت اوريانا فالاتشي تجوب العالم وتتحدّث إلى المشاهير والأقوياء. وكانت تتعمّد دائما إنزالهم من بروجهم العاجية وجعلهم في مصافّ الناس العاديّين.
وبهذه الطريقة، قدّمت لنا فكرة الصحفي كبطل خارق وكزعيم.
حوار فالاتشي مع الخميني، على وجه الخصوص، كان مثيرا وعاصفا وهو من أفضل ما يمكن أن يُقرأ في هذا الكتاب. وقد أجرت تلك المقابلة المشهورة في أكتوبر من عام 1979م، أي بعد وقت قصير من انتصار الثورة الإيرانية. وكانت فالاتشي قد سافرت إلى مدينة قم المقدّسة لإجراء تلك المقابلة وتعيّن عليها أن تنتظر عشرة أيام قبل أن يوافق الخميني على التحدّث معها. واتّبعت بصرامة تعليمات مرافقي زعيم الثورة، فوصلت إلى منزله حافية القدمين ولفّت كامل جسدها بالتشادور. وعلى الرغم من أنها غضبت من مجرّد التفكير في ارتداء اللباس التقليدي للنساء الإيرانيات، إلا أنها في النهاية قبلت بارتدائه نظير أن تقضي ساعة مع الخميني. وفي نهاية تلك الساعة ، كان كلاهما متعبا ومتبرّما من الآخر.
وأثناء المقابلة أمطرت فالاتشي الخميني بوابل من الأسئلة حول إغلاق صحف المعارضة ومعاملة الأقليّة الكردية والإعدامات بلا محاكمة التي نفّذها النظام الجديد ضدّ رجالات العهد السابق.
وعندما دافع الخميني عن تلك الممارسات سألته: هل من العدل أن تطلقوا النار على المومسات أو على امرأة لم تكن وفيّة لزوجها أو على رجل ذنبه انه كان يحبّ امرأة؟ وكان جوابه: إذا كانت إصبعك تعاني من الغنغرينا فماذا تفعلين؟ هل تتركين اليد بكاملها، ثمّ الجسم كلّه، عرضة للتلف أم تبادرين إلى قطع الإصبع؟
واستمرّت فالاتشي في طرح أسئلتها الجريئة. فسألت الخميني عن معاملة النساء في الدين الإسلامي قائلة: لماذا تجبرون النساء على أن يخفين أنفسهن بعد أن اثبتن مكانتهنّ المتساوية مع الرجال عندما ساعدن في نشوب الثورة؟
وأجاب الخميني بأن النساء اللاتي ساهمن في الثورة كنّ نساء يرتدين الزيّ الإسلامي. وأضاف: لم تكن النساء الإيرانيات مثلك يتجوّلن متكشّفات ويسحبن خلفهن صفوفا من الرجال".
وبعد دقائق عاجلته بسؤال غريب ومستفزّ. قالت له: كيف بإمكانك أن تسبح وأنت ترتدي التشادور؟ صوت الخميني الذي كان رقيقا وهامسا تقريبا منذ لحظات أصبح فجأة أكثر امتلاءً وتشدّداً.
وقد ردّ بإجابة لا تقلّ استفزازا إذ قال: إن ملابسنا ليست من شأنك. لا علاقة لكم أيّها الغربيّون بعاداتنا. وإذا لم تكوني تحبّين لباسنا فلست ملزمة بأن ترتديه، لأن اللباس الإسلامي للنساء المحترمات". في تلك اللحظة، تقول فالاتشي، أحسست بالغضب والاختناق. لقد عوملت باحتقار واضح".
ثم ردّت قائلة: شكرا لك يا سيّد. أنت رجل مهذّب حقّا. لكن بما انك قلت هذا فسأخلع هذه الخرقة القروسطية السخيفة الآن". وفي الحال خلعت فالاتشي التشادور وألقت به على أرضية الغرفة.
في ما بعد قالت فالاتشي معلّقة على ما حدث: ما أن خلعت التشادور حتى نهض الرجل بخفّة. وبقفزة تشبه حركة القطط، داس في طريقه على التشادور ثم اختفى. لكن كان عليّ الانتظار ثمانا وأربعين ساعة أخرى كي أراه ثانية وأختم المقابلة معه".
وعندما سُمح لها في ما بعد بأن تعود، أسرّ لها نجل الخميني احمد ببعض النصائح لكي لا ينحرف الحوار عن مساره. "إن والدي ما يزال مغضبا جدّا من تصرّفك الأخير. لذا من الأفضل أن لا تذكري كلمة التشادور أمامه أبدا".
"في اللقاء الثاني وبينما كنت افتح جهاز التسجيل، لاحظت أن الخميني ينظر إليّ باندهاش. تغيّرت فجأة تلك النظرات الرهيبة التي كانت تتجاهلني كما لو كنت كائنا لا يستحقّ أيّ اهتمام. ثم لم تلبث شفتاه أن انفرجتا عن ابتسامة خفيفة سرعان ما تحوّلت إلى ابتسامة حقيقية فضحكة. وعندها ضحك ابنه احمد وبني صدر وجميع الحرّاس الملتحين المتواجدين في الغرفة. وبعد انتهاء المقابلة همس احمد الخميني لي قائلا: صدّقيني لم أرَ والدي يضحك من قبل. اعتقد انك الشخص الوحيد في هذا العالم الذي جعله يضحك".
لم يكن الخميني يثق في الصحافة الغربية. إذن لماذا وافق على الحديث مع فالاتشي؟ السبب هو أنها كانت قد قابلت الشاه قبل ذلك بستّ سنوات. وقد أغضبته كثيرا بأسئلتها الاستفزازية لدرجة انه منعها من زيارة إيران بعد ذلك. وكانت مقابلتها مع الخميني هي الثانية التي يعطيها لصحفيّ غربي بعد عودته من ضاحية نوفيل لو شاتو الباريسية. كانت المقابلة الأولى مع اريك رولو الصحفي بجريدة اللوموند الفرنسية. وقد ظهر حوارها مع الزعيم الإيراني في يومية كوريرا ديلا سيرا الايطالية أوّلا ثم في جريدة النيويورك تايمز الأمريكية.
كانت اوريانا فالاتشي تشير إلى نفسها ككاتبة ولم تستخدم لوصف نفسها صفة "صحفية" أبدا. وأسلوبها الفريد في محاورة قادة العالم تمتزج فيه العاطفة بالسخرية والجرأة. ولم تكن تتهيّب من طرح أصعب الأسئلة التي يخشى الجميع مواجهتها.
وكما يوحي عنوان كتابها، فإن مجموعة المقابلات التي يتضمّنها تمنحنا إحساسا أعمق بالتاريخ وبالمشاركة في اللحظة التي تجري فيها الأحداث.
ومن أهمّ مقابلاتها الأخرى التي يتضمّنها هذا الكتاب حوارها مع هنري كيسنجر الذي وصف لقاءه معها بأنه أكثر مقابلاته كارثية. ولا بدّ للمرء أن يتذكّر أن كيسنجر كان آنذاك، أي عام 1972م، في أوج قوّته السياسية كوزير لخارجية الولايات المتحدة، لدرجة أن الكثيرين كانوا يعتبرونه طاغية من نوع ما.
وقد استطاعت في تلك المقابلة أن تنتزع من كيسنجر وصفه للحرب في فيتنام بالحرب غير المجدية، الأمر الذي جلب له كثيرا من الانتقادات وقتها.
تقول فالاتشي في تقديمها للمقابلة التي أجرتها مع العقيد الليبي معمر القذّافي عام 1979م: ترى كيف استطاع هذا الرجل، أي القذّافي، انتزاع السلطة والسيطرة على ما يُسمّى بالثورة. وكيف أصبح نبيّها ومسيحها؟ هذا هو السؤال الذي كان يحيّرني وأنا اخطّط للقائي معه. كيف استطاع هذا الرجل أن يفعل ما فعله؟ انه مجرّد شخص عاديّ، لا عقل له ولا يتمتّع بأيّ كاريزما. وعلاوة على ذلك، فهو يثير الضحك. انه حتى لا يستطيع أن يتكلّم. يا إلهي! كيف استطاع هذا الرجل أن يصل إلى ما وصل إليه".
سالت القذّافي: ما سرّ كراهيتك للغرب؟
- لقد غزت ايطاليا ليبيا. والغرب يدعم إسرائيل. وأنتم أعداء للوحدة العربية وللإسلام. لقد صبرنا عليكم طويلا. في القرون الوسطى كنّا نحن أهل الحضارة. انتم كنتم برابرة ومتوحّشين. ونحن من علّمكم العلوم والرياضيات والأدب. بل إن دينكم أتى من الشرق. وربّما لا تعرفين أن المسيح لم يكن من روما".
المسيح كان يهوديا كما اعلم. لكن لنترك المسيح الآن. لاحظت أنني أينما ذهبت في بلدكم أرى صورك.
- ما الذي استطيع فعله إذا كان هذا هو ما يريده الناس"؟
تستطيع أن تمنعهم من تعليقها.
- يجب أن تدرسي ليبيا جيّدا. يبدو انك لم تقرئي الكتاب الأخضر بعد. هذا بلد لا حكومة فيه ولا إضرابات ولا برلمان. كلّ شيء هنا ليبي".
ماذا تعني؟
- اعني المؤتمرات واللجان الشعبية. يبدو انك امرأة جاهلة".
وأين المعارضة؟
- ماذا تقصدين بالمعارضة؟ ما الحاجة لمعارضة أصلا؟ إذا كان الشعب يحكم نفسه بنفسه، فما الحاجة للاعتراض"؟
كانت اوريانا فالاتشي تتناول كلّ موضوع بجرأة لا متناهية. وكثيرا ما كانت تلوّن حواراتها بأسئلة وجودية حول الموت والله والقدر. كما كانت تصف نفسها دائما بأنها ملحدة مسيحية.
وفي نهايات حياتها هجرت الحياة العامة واشتغلت على تأليف بعض الكتب أشهرها ذلك الذي أثار غضب المسلمين عندما أشارت فيه إلى أن الإسلام أصبح يشكّل خطرا على الاستقرار والسلم في أوربّا.
فالاتشي لم تتزوّج أبدا. لكن كانت تربطها صداقة مع سياسي يوناني مات في ما بعد في ظروف غامضة.
وفي ثمانينات القرن الماضي قضت وقتا في لبنان زمن الحرب الأهلية وصوّرت النزاع اللبناني في كتاب حمل عنوان "إن شاء الله".
وفي الرابع عشر من سبتمبر عام 2006م توفّيت اوريانا فالاتشي في فلورنسا عن 77 عاما بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان.
واشتهرت فالاتشي في ستّينات وسبعينات وثمانينات القرن الماضي بمقابلاتها الجريئة والصِدامية مع العديد من زعماء العالم والتي تمّ نشرها في اكبر صحف ومجلات العالم مثل شتيرن الألمانية والتايم والنيويورك تايمز والنيويوركر الأمريكية.
هذا الكتاب بعنوان "مقابلات مع التاريخ والسُّلطة" يتضمّن بعض أشهر المقابلات التي أجرتها الصحفية الايطالية في مراحل مختلفة من عملها في الصحافة مع ابرز شخصيات السياسة العالمية.
ومن أهمّ هؤلاء هنري كيسينجر وشاه إيران وآية الله الخميني وليش فاليسا والدالاي لاما وويلي براندت وذو الفقار علي بوتو وولتر كرونكايت ومعمّر القذافي ودينغ هسياو بينغ وياسر عرفات وانديرا غاندي والأسقف مكاريوس وغولدا مائير وهيلا سيلاسي وغيرهم.
كانت اوريانا فالاتشي تجوب العالم وتتحدّث إلى المشاهير والأقوياء. وكانت تتعمّد دائما إنزالهم من بروجهم العاجية وجعلهم في مصافّ الناس العاديّين.
وبهذه الطريقة، قدّمت لنا فكرة الصحفي كبطل خارق وكزعيم.
حوار فالاتشي مع الخميني، على وجه الخصوص، كان مثيرا وعاصفا وهو من أفضل ما يمكن أن يُقرأ في هذا الكتاب. وقد أجرت تلك المقابلة المشهورة في أكتوبر من عام 1979م، أي بعد وقت قصير من انتصار الثورة الإيرانية. وكانت فالاتشي قد سافرت إلى مدينة قم المقدّسة لإجراء تلك المقابلة وتعيّن عليها أن تنتظر عشرة أيام قبل أن يوافق الخميني على التحدّث معها. واتّبعت بصرامة تعليمات مرافقي زعيم الثورة، فوصلت إلى منزله حافية القدمين ولفّت كامل جسدها بالتشادور. وعلى الرغم من أنها غضبت من مجرّد التفكير في ارتداء اللباس التقليدي للنساء الإيرانيات، إلا أنها في النهاية قبلت بارتدائه نظير أن تقضي ساعة مع الخميني. وفي نهاية تلك الساعة ، كان كلاهما متعبا ومتبرّما من الآخر.
وأثناء المقابلة أمطرت فالاتشي الخميني بوابل من الأسئلة حول إغلاق صحف المعارضة ومعاملة الأقليّة الكردية والإعدامات بلا محاكمة التي نفّذها النظام الجديد ضدّ رجالات العهد السابق.
وعندما دافع الخميني عن تلك الممارسات سألته: هل من العدل أن تطلقوا النار على المومسات أو على امرأة لم تكن وفيّة لزوجها أو على رجل ذنبه انه كان يحبّ امرأة؟ وكان جوابه: إذا كانت إصبعك تعاني من الغنغرينا فماذا تفعلين؟ هل تتركين اليد بكاملها، ثمّ الجسم كلّه، عرضة للتلف أم تبادرين إلى قطع الإصبع؟
واستمرّت فالاتشي في طرح أسئلتها الجريئة. فسألت الخميني عن معاملة النساء في الدين الإسلامي قائلة: لماذا تجبرون النساء على أن يخفين أنفسهن بعد أن اثبتن مكانتهنّ المتساوية مع الرجال عندما ساعدن في نشوب الثورة؟
وأجاب الخميني بأن النساء اللاتي ساهمن في الثورة كنّ نساء يرتدين الزيّ الإسلامي. وأضاف: لم تكن النساء الإيرانيات مثلك يتجوّلن متكشّفات ويسحبن خلفهن صفوفا من الرجال".
وبعد دقائق عاجلته بسؤال غريب ومستفزّ. قالت له: كيف بإمكانك أن تسبح وأنت ترتدي التشادور؟ صوت الخميني الذي كان رقيقا وهامسا تقريبا منذ لحظات أصبح فجأة أكثر امتلاءً وتشدّداً.
وقد ردّ بإجابة لا تقلّ استفزازا إذ قال: إن ملابسنا ليست من شأنك. لا علاقة لكم أيّها الغربيّون بعاداتنا. وإذا لم تكوني تحبّين لباسنا فلست ملزمة بأن ترتديه، لأن اللباس الإسلامي للنساء المحترمات". في تلك اللحظة، تقول فالاتشي، أحسست بالغضب والاختناق. لقد عوملت باحتقار واضح".
ثم ردّت قائلة: شكرا لك يا سيّد. أنت رجل مهذّب حقّا. لكن بما انك قلت هذا فسأخلع هذه الخرقة القروسطية السخيفة الآن". وفي الحال خلعت فالاتشي التشادور وألقت به على أرضية الغرفة.
في ما بعد قالت فالاتشي معلّقة على ما حدث: ما أن خلعت التشادور حتى نهض الرجل بخفّة. وبقفزة تشبه حركة القطط، داس في طريقه على التشادور ثم اختفى. لكن كان عليّ الانتظار ثمانا وأربعين ساعة أخرى كي أراه ثانية وأختم المقابلة معه".
وعندما سُمح لها في ما بعد بأن تعود، أسرّ لها نجل الخميني احمد ببعض النصائح لكي لا ينحرف الحوار عن مساره. "إن والدي ما يزال مغضبا جدّا من تصرّفك الأخير. لذا من الأفضل أن لا تذكري كلمة التشادور أمامه أبدا".
"في اللقاء الثاني وبينما كنت افتح جهاز التسجيل، لاحظت أن الخميني ينظر إليّ باندهاش. تغيّرت فجأة تلك النظرات الرهيبة التي كانت تتجاهلني كما لو كنت كائنا لا يستحقّ أيّ اهتمام. ثم لم تلبث شفتاه أن انفرجتا عن ابتسامة خفيفة سرعان ما تحوّلت إلى ابتسامة حقيقية فضحكة. وعندها ضحك ابنه احمد وبني صدر وجميع الحرّاس الملتحين المتواجدين في الغرفة. وبعد انتهاء المقابلة همس احمد الخميني لي قائلا: صدّقيني لم أرَ والدي يضحك من قبل. اعتقد انك الشخص الوحيد في هذا العالم الذي جعله يضحك".
لم يكن الخميني يثق في الصحافة الغربية. إذن لماذا وافق على الحديث مع فالاتشي؟ السبب هو أنها كانت قد قابلت الشاه قبل ذلك بستّ سنوات. وقد أغضبته كثيرا بأسئلتها الاستفزازية لدرجة انه منعها من زيارة إيران بعد ذلك. وكانت مقابلتها مع الخميني هي الثانية التي يعطيها لصحفيّ غربي بعد عودته من ضاحية نوفيل لو شاتو الباريسية. كانت المقابلة الأولى مع اريك رولو الصحفي بجريدة اللوموند الفرنسية. وقد ظهر حوارها مع الزعيم الإيراني في يومية كوريرا ديلا سيرا الايطالية أوّلا ثم في جريدة النيويورك تايمز الأمريكية.
كانت اوريانا فالاتشي تشير إلى نفسها ككاتبة ولم تستخدم لوصف نفسها صفة "صحفية" أبدا. وأسلوبها الفريد في محاورة قادة العالم تمتزج فيه العاطفة بالسخرية والجرأة. ولم تكن تتهيّب من طرح أصعب الأسئلة التي يخشى الجميع مواجهتها.
وكما يوحي عنوان كتابها، فإن مجموعة المقابلات التي يتضمّنها تمنحنا إحساسا أعمق بالتاريخ وبالمشاركة في اللحظة التي تجري فيها الأحداث.
ومن أهمّ مقابلاتها الأخرى التي يتضمّنها هذا الكتاب حوارها مع هنري كيسنجر الذي وصف لقاءه معها بأنه أكثر مقابلاته كارثية. ولا بدّ للمرء أن يتذكّر أن كيسنجر كان آنذاك، أي عام 1972م، في أوج قوّته السياسية كوزير لخارجية الولايات المتحدة، لدرجة أن الكثيرين كانوا يعتبرونه طاغية من نوع ما.
وقد استطاعت في تلك المقابلة أن تنتزع من كيسنجر وصفه للحرب في فيتنام بالحرب غير المجدية، الأمر الذي جلب له كثيرا من الانتقادات وقتها.
تقول فالاتشي في تقديمها للمقابلة التي أجرتها مع العقيد الليبي معمر القذّافي عام 1979م: ترى كيف استطاع هذا الرجل، أي القذّافي، انتزاع السلطة والسيطرة على ما يُسمّى بالثورة. وكيف أصبح نبيّها ومسيحها؟ هذا هو السؤال الذي كان يحيّرني وأنا اخطّط للقائي معه. كيف استطاع هذا الرجل أن يفعل ما فعله؟ انه مجرّد شخص عاديّ، لا عقل له ولا يتمتّع بأيّ كاريزما. وعلاوة على ذلك، فهو يثير الضحك. انه حتى لا يستطيع أن يتكلّم. يا إلهي! كيف استطاع هذا الرجل أن يصل إلى ما وصل إليه".
سالت القذّافي: ما سرّ كراهيتك للغرب؟
- لقد غزت ايطاليا ليبيا. والغرب يدعم إسرائيل. وأنتم أعداء للوحدة العربية وللإسلام. لقد صبرنا عليكم طويلا. في القرون الوسطى كنّا نحن أهل الحضارة. انتم كنتم برابرة ومتوحّشين. ونحن من علّمكم العلوم والرياضيات والأدب. بل إن دينكم أتى من الشرق. وربّما لا تعرفين أن المسيح لم يكن من روما".
المسيح كان يهوديا كما اعلم. لكن لنترك المسيح الآن. لاحظت أنني أينما ذهبت في بلدكم أرى صورك.
- ما الذي استطيع فعله إذا كان هذا هو ما يريده الناس"؟
تستطيع أن تمنعهم من تعليقها.
- يجب أن تدرسي ليبيا جيّدا. يبدو انك لم تقرئي الكتاب الأخضر بعد. هذا بلد لا حكومة فيه ولا إضرابات ولا برلمان. كلّ شيء هنا ليبي".
ماذا تعني؟
- اعني المؤتمرات واللجان الشعبية. يبدو انك امرأة جاهلة".
وأين المعارضة؟
- ماذا تقصدين بالمعارضة؟ ما الحاجة لمعارضة أصلا؟ إذا كان الشعب يحكم نفسه بنفسه، فما الحاجة للاعتراض"؟
كانت اوريانا فالاتشي تتناول كلّ موضوع بجرأة لا متناهية. وكثيرا ما كانت تلوّن حواراتها بأسئلة وجودية حول الموت والله والقدر. كما كانت تصف نفسها دائما بأنها ملحدة مسيحية.
وفي نهايات حياتها هجرت الحياة العامة واشتغلت على تأليف بعض الكتب أشهرها ذلك الذي أثار غضب المسلمين عندما أشارت فيه إلى أن الإسلام أصبح يشكّل خطرا على الاستقرار والسلم في أوربّا.
فالاتشي لم تتزوّج أبدا. لكن كانت تربطها صداقة مع سياسي يوناني مات في ما بعد في ظروف غامضة.
وفي ثمانينات القرن الماضي قضت وقتا في لبنان زمن الحرب الأهلية وصوّرت النزاع اللبناني في كتاب حمل عنوان "إن شاء الله".
وفي الرابع عشر من سبتمبر عام 2006م توفّيت اوريانا فالاتشي في فلورنسا عن 77 عاما بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان.