لا بدّ وأن تتحرّك مشاعرك وأنت ترى لوحة الليدي ديغبي لـ انطوني فان دايك. تبدو المرأة نائمة، رأسها يستريح برفق فوق يدها. لكن بعد ذلك، ستلاحظ أن إحدى عينيها مفتوحة بطريقة غير طبيعية، وتدرك أنها ميّتة. فان دايك يستحضر في هذه اللوحة صورة خالدة من صور الصفاء والجمال ضمن فكرة الموت.
وهناك لوحات حزينة أخرى لهذا الرسّام. وهي تعكس أجواء القرن السابع عشر: الطاعون، الحرب والموت المبكّر. ومع ذلك، ثمّة لوحات أخرى لـ فان دايك تصوّر مواضيع دينية وأسطورية، بالإضافة إلى بورتريهات للعديد من الأشخاص بملابسهم الرائعة الألوان. وهذه الأخيرة هي التي اشتُهر بها أكثر من غيرها.
كان فان دايك في لوحاته يحتفظ بالحدّ الأدنى من الرمزية بحيث يمكنك تركيز الاهتمام على الفرد، لا سيّما تعابير وجهه وحركات يديه. لوحته التي رسمها لـ ماريا لويزا دي تاسيس لا بدّ وأن تغريك بابتسامتها التي تشبه كثيرا ابتسامة الموناليزا.
المؤرّخ كريستوفر هيل وصف ذات مرّة فان دايك بأنه كان يروّج للحكم المطلق بتزييفه لحقيقة المظهر في لوحاته". لكن الردّ على هذا الكلام قد يكون شديد التعقيد.
ولد انطوني فان دايك في انتويرب في بلجيكا عام 1599، وهي مدينة تقع على خطّ المعركة بين الإصلاح البروتستانتي والكاثوليكية المضادّة للإصلاح. وقد بُنيت المدينة كي تكون مركزا تجاريّا. وكان والد فان دايك تاجر أقمشة. والكثير من رعاته كانوا من التجّار أيضا.
في ذلك الزمان، شهدت الفنون والثقافة طفرة كبيرة، وبخاصّة في إيطاليا التي ازدهرت فيها دراسة الثقافة اليونانية والرومانية الكلاسيكية خلال عصر النهضة. الفنّ في تلك الفترة، بحسب ما يقوله الناقد الماركسي الروسي البارز بليخانوف، كان يمرّ بتحوّل مهم تمثّل في حقيقة أن الفكرة المسيحية المثالية عن الشكل البشري كانت في تراجع بفعل الأفكار الدنيوية التي كان ظهورها محتّما مع بداية النضال الحضري من أجل التحرّر.
صور المادونات، على سبيل المثال، أصبحت مشبعة بملامح الوجود الأرضي البحت، لدرجة أنه لم يعد يجمعها شيء مع العذراوات التقيّات في العصور الوسطى.
كان ذلك العصر عصر دافنشي ومايكل أنجيلو ورافائيل وتيشيان وعلم دراسة المنظور والتشريح البشري.
الأساليب الفنّية الجديدة كانت تغزو جميع أرجاء أوربّا. والتجارة والسفر والطباعة سهّلت التفاعل بين الأشكال والأساليب الفنّية المختلفة. ولوحات المناظر الطبيعية الضخمة التي نشأت في هولندا عادت إلى الظهور مجدّدا في لوحات عصر النهضة في فينيسيا، والتي استفاد منها فان دايك خلال إقامته في انجلترا.
الفنّان الألماني البريخت ديورر (1471-1528) زار فينيسيا في وقت لاحق، وساعد في إدخال أساليب عصر النهضة الإيطالي إلى بلده. و هولبين (1497-1543) قام بتزيين الكنائس الألمانية متأثّرا بأسلوب عصر النهضة. ثم هاجر بعد ذلك إلى انجلترا البروتستانتية.
ولد فان دايك في خضمّ هذه العاصفة السياسية والاجتماعية والثقافية. كانت عائلته كاثوليكية ملتزمة. فاثنتان من شقيقاته انضمّتا إلى احد الأديرة بينما أصبح شقيقه كاهنا. وهو نفسه، أي الرسّام، انضمّ إلى جماعة يسوعية.
تتلمذ أنطوني فان دايك على احد رسّامي انتويرب الكبار، وهو هندريك فان بيلين عندما كان عمره عشر سنوات. وبعد بضع سنوات أخرى، أصبح يدرس على يد بيتر بول روبنز.
كان روبنز الرسّام الأوّل في العالم الكاثوليكي. وكان يتبع التقاليد الفلمنكية التي بدأها رسّامون مثل بريغل الذي كان يحاكي الطبيعة ويرسم مشاهد ريفية. لكن بعد أسفاره في ايطاليا، أصبح فان دايك متأثّرا بجمال وبساطة أعمال انيبالي كاراتشي وكارافاجيو.
وعندما عاد إلى بلجيكا، أصبح أوّل فنّان يرسم الصور الكبيرة. وأعماله في ذلك الوقت مليئة بالحركة والناس، لكن ما يزال فيها إحساس بالضوء والمكان. ومقارنة مع صوره، كانت لوحات الرسّامين من مواطنيه صغيرة ورسمية ومتيبّسة.
استوعب فان دايك بسرعة أسلوب وتقنيات روبنز. وكان الأخير يعتبره أفضل تلاميذه. لكن على الرغم من تأثير روبنز الكبير عليه، إلا انه كان قد بدأ بالفعل أسلوبه الخاصّ به.
وكان أفراد الطبقة البرجوازية الصاعدة في انتويرب يرعونه ويقدّرونه. وفي لوحاته العديدة التي رسمها لهم، يظهر هؤلاء بملابسهم السوداء وياقاتهم البيضاء وعلى وجوههم علامات الفخر والزهو بوضعهم الجديد.
وهناك لوحات حزينة أخرى لهذا الرسّام. وهي تعكس أجواء القرن السابع عشر: الطاعون، الحرب والموت المبكّر. ومع ذلك، ثمّة لوحات أخرى لـ فان دايك تصوّر مواضيع دينية وأسطورية، بالإضافة إلى بورتريهات للعديد من الأشخاص بملابسهم الرائعة الألوان. وهذه الأخيرة هي التي اشتُهر بها أكثر من غيرها.
كان فان دايك في لوحاته يحتفظ بالحدّ الأدنى من الرمزية بحيث يمكنك تركيز الاهتمام على الفرد، لا سيّما تعابير وجهه وحركات يديه. لوحته التي رسمها لـ ماريا لويزا دي تاسيس لا بدّ وأن تغريك بابتسامتها التي تشبه كثيرا ابتسامة الموناليزا.
المؤرّخ كريستوفر هيل وصف ذات مرّة فان دايك بأنه كان يروّج للحكم المطلق بتزييفه لحقيقة المظهر في لوحاته". لكن الردّ على هذا الكلام قد يكون شديد التعقيد.
ولد انطوني فان دايك في انتويرب في بلجيكا عام 1599، وهي مدينة تقع على خطّ المعركة بين الإصلاح البروتستانتي والكاثوليكية المضادّة للإصلاح. وقد بُنيت المدينة كي تكون مركزا تجاريّا. وكان والد فان دايك تاجر أقمشة. والكثير من رعاته كانوا من التجّار أيضا.
في ذلك الزمان، شهدت الفنون والثقافة طفرة كبيرة، وبخاصّة في إيطاليا التي ازدهرت فيها دراسة الثقافة اليونانية والرومانية الكلاسيكية خلال عصر النهضة. الفنّ في تلك الفترة، بحسب ما يقوله الناقد الماركسي الروسي البارز بليخانوف، كان يمرّ بتحوّل مهم تمثّل في حقيقة أن الفكرة المسيحية المثالية عن الشكل البشري كانت في تراجع بفعل الأفكار الدنيوية التي كان ظهورها محتّما مع بداية النضال الحضري من أجل التحرّر.
صور المادونات، على سبيل المثال، أصبحت مشبعة بملامح الوجود الأرضي البحت، لدرجة أنه لم يعد يجمعها شيء مع العذراوات التقيّات في العصور الوسطى.
كان ذلك العصر عصر دافنشي ومايكل أنجيلو ورافائيل وتيشيان وعلم دراسة المنظور والتشريح البشري.
الأساليب الفنّية الجديدة كانت تغزو جميع أرجاء أوربّا. والتجارة والسفر والطباعة سهّلت التفاعل بين الأشكال والأساليب الفنّية المختلفة. ولوحات المناظر الطبيعية الضخمة التي نشأت في هولندا عادت إلى الظهور مجدّدا في لوحات عصر النهضة في فينيسيا، والتي استفاد منها فان دايك خلال إقامته في انجلترا.
الفنّان الألماني البريخت ديورر (1471-1528) زار فينيسيا في وقت لاحق، وساعد في إدخال أساليب عصر النهضة الإيطالي إلى بلده. و هولبين (1497-1543) قام بتزيين الكنائس الألمانية متأثّرا بأسلوب عصر النهضة. ثم هاجر بعد ذلك إلى انجلترا البروتستانتية.
ولد فان دايك في خضمّ هذه العاصفة السياسية والاجتماعية والثقافية. كانت عائلته كاثوليكية ملتزمة. فاثنتان من شقيقاته انضمّتا إلى احد الأديرة بينما أصبح شقيقه كاهنا. وهو نفسه، أي الرسّام، انضمّ إلى جماعة يسوعية.
تتلمذ أنطوني فان دايك على احد رسّامي انتويرب الكبار، وهو هندريك فان بيلين عندما كان عمره عشر سنوات. وبعد بضع سنوات أخرى، أصبح يدرس على يد بيتر بول روبنز.
كان روبنز الرسّام الأوّل في العالم الكاثوليكي. وكان يتبع التقاليد الفلمنكية التي بدأها رسّامون مثل بريغل الذي كان يحاكي الطبيعة ويرسم مشاهد ريفية. لكن بعد أسفاره في ايطاليا، أصبح فان دايك متأثّرا بجمال وبساطة أعمال انيبالي كاراتشي وكارافاجيو.
وعندما عاد إلى بلجيكا، أصبح أوّل فنّان يرسم الصور الكبيرة. وأعماله في ذلك الوقت مليئة بالحركة والناس، لكن ما يزال فيها إحساس بالضوء والمكان. ومقارنة مع صوره، كانت لوحات الرسّامين من مواطنيه صغيرة ورسمية ومتيبّسة.
استوعب فان دايك بسرعة أسلوب وتقنيات روبنز. وكان الأخير يعتبره أفضل تلاميذه. لكن على الرغم من تأثير روبنز الكبير عليه، إلا انه كان قد بدأ بالفعل أسلوبه الخاصّ به.
وكان أفراد الطبقة البرجوازية الصاعدة في انتويرب يرعونه ويقدّرونه. وفي لوحاته العديدة التي رسمها لهم، يظهر هؤلاء بملابسهم السوداء وياقاتهم البيضاء وعلى وجوههم علامات الفخر والزهو بوضعهم الجديد.
في ايطاليا، رسم فان دايك العديد من الصور الجميلة واللوحات الدينية. كما عمّق دراسته لفنّ عصر النهضة في فينيسيا، وخاصّة تيشيان. وقبيل وفاته، كان قد جمع سبع عشرة لوحة من أعمال هذا الأخير.
كان تيشيان الأكثر شهرة بين معاصريه بسبب بورتريهاته. وكان للوحاته نوعية حالمة، مقارنة بـ فان دايك الذي كان يضع البشر بقوّة على الأرض.
وقد أمضى فان دايك سنواته الأخيرة في لندن كرسّام للبلاط. وأقام هناك ورشة فنّية كانت تنتج لوحة كلّ أسبوع. ومثل روبنز، كان غالبا ما يترك العمل الأساسي لمساعديه ويكتفي فقط بإضافة اللمسات الأخيرة.
وجوده في لندن تزامن مع فترة حكم الملك تشارلز الأوّل الذي كان يمارس حكما فرديّا. فالبرلمان لم ينعقد من 1628 إلى 1640م. وتشارلز، البروتستانتي، كان يعتمد على الطبقة الأرستقراطية. وكان خصومه من التجّار ومُلاك الأراضي الذين كانوا يخشون عودة الكاثوليكية لأن ذلك كان يعني ضياع أراضيهم. وقد ركّز هؤلاء كراهيتهم على الملكة هنرييتا ماريّا التي كانت فرنسية وكاثوليكية. وكان فان دايك، بحكم وظيفته، مقرّبا من البلاط.
تصوير فان دايك للسلطة ربّما يغضب بعض الناس. ومع ذلك، فإن لوحاته تُعتبر سجلا رائعا لـ انجلترا التي كانت وقتها تتّجه إلى الحرب الأهلية. وقد وجد رعاته أنفسهم على كلا الجانبين في هذا الصراع.
كان ايرل سترافورد عضوا في مجلس العموم ونائبا في البرلمان. ثمّ عُيّن كبيرا لمستشاري الملك تشارلز. وقد حوكم من قبل البرلمان المنصّب حديثا في العام 1641 وأعدم بعد أن وقّع تشارلز نفسه على الحكم بقتله.
في اللوحة التي رسمها له فان دايك، يقف ايرل سترافورد بشعره القصير وبدلته السوداء اللامعة بينما يقف إلى جانبه كلب صيد ايرلندي. ملامح وجه الرجل كما يظهر في اللوحة تكتسي بتعابير هي مزيج من التوتّر والخوف.
بعد فترة وجيزة من وصوله إلى انجلترا في 1632، تلقّى فان دايك تكليفا من الملك بأن يرسم له لوحة بمعيّة الملكة.
وفي اللوحة قلّل فان دايك من أهمّية الجانب الاحتفالي ورسم الزوجين، الملك والملكة، بملابس زاهية فيما تشارلز ينظر بمحبّة نحو هنرييتا الجميلة.
هل زوّر فان دايك مظهر الحقيقة هنا؟ الزوجان الملكيان لم يكونا قد رأيا بعضهما لمدّة ثلاث سنوات بعد زواجهما المرتّب. ابنة أخت هنرييتا وصفتها آنذاك بأنها "امرأة صغيرة بذراعين نحيفتين طويلتين وكتفين ملتويين وأسنان بارزة من فمها مثل بنادق في حصن".
تشارلز كان ينظر إلى الفنّ كوسيلة للترويج لنفسه كملك لبريطانيا. لكن حتى هذه الصورة لها جانبها التخريبي. إذ لم يحدث من قبل أن ظهر ملك بهذا الشكل الإنساني والمتحرّر من جبروت السلطة.
وفي بعض لوحاته العائلية، حطّم فان دايك التقليد القديم الذي كان يقضي بأن يكون الرجل إلى اليمين والمرأة إلى اليسار.
كما كان يعامل الأطفال كأفراد لهم شخصيّاتهم الخاصّة، ما أضاف لمسة من الشقاوة والخفّة إلى لوحاته.
توفي فان دايك في السادس من ديسمبر 1641 عن اثنين وأربعين عاما. وخلال حياته القصيرة أنتج ما يقرب من ألف لوحة. وقد عاش كما يعيش الارستقراطيون وكان متعاطفا مع اليسوعيين والملكيين. غير أن هذا لا ينتقص من جاذبية فنّه.
ويبدو انه كان قادرا على المزج بين مختلف التيّارات في الفنّ الأوروبّي كي ينتج صورا جميلة وقويّة ومملوءة بالشعور بالألفة والفردانية والبعد عن الرسمية.
قبل وفاته بثمان سنوات، رسم فان دايك لنفسه بورتريها شخصيا يظهر فيه مرتديا قميصا من الحرير الأحمر اللامع وحول كتفه سلسلة ذهبية بينما ينظر إلى الوراء. يده اليمنى تشير إلى زهرة كبيرة ومتفتّحة من أزهار عبّاد الشمس، رمزا لولائه للملك، وخلفها زهرة أخرى ذوَت وذهبت نضارتها.
هذه اللوحة رسمها وهو في أوج شهرته وثرائه. والمعنى الكامن فيها ما يزال يثير إعجاب الناس إلى اليوم. كأن الرسّام يقول: أنا هنا مثل عبّاد الشمس. عشت هذه الحياة واكتشفت جوهرها. لقد جعلتْ منّي إنسانا ثريّا ومشهورا. ولكن، ما قيمة كلّ هذه الثروة والشهرة عندما يموت عبّاد الشمس"؟!
Credits
nationalgallery.org.uk
historytoday.com
nationalgallery.org.uk
historytoday.com