ظلّت الصين دائما في حالة عدم وفاق مع كلّ ما هو أجنبيّ. وكان الصينيون يَعتبرون أن جميع الشعوب التي تعيش خارج حدود السور العظيم هم من البرابرة. ولكن في بعض الأحيان كان الغزاة موضع ترحيب داخل الأسرة الصينية الكبيرة. وأحد هؤلاء كان قُبلاي خان.
في القرن الثالث عشر، لم يكن احد يدرك كم أن هذا العالم كبير وواسع. لذلك لم يكن غريبا أن ينطلق المغول خارج مراعيهم ومروجهم وفي ذهنهم فكرة أن يبسطوا سيطرتهم على العالم أجمع.
عندما توفّي الزعيم القويّ جنكيز خان عام 1227، كان قد أسّس بالفعل إمبراطورية تمتدّ من المحيط الهادئ إلى حدود أوروبّا. وكان على حفيده قبلاي خان أن يكمل تلك المهمّة. وقد بدأ الأخير مسيرته بالاتجاه جنوبا لمهاجمة سلالة سونغ الصينية.
لكن الصين كانت إمبراطورية موحّدة لأكثر من ألف عام. وبالنسبة لحكّام سلالة سونغ، لم يكن متصوّرا على الإطلاق أن يتمكّن المغول من الاستيلاء على كامل التراب الصينيّ. كان الأمر أشبه بأن تحتلّ قبيلة بدائية روما، أو بأن تحتلّ قبيلة هندية كلا من كندا والولايات المتحدة. كان أمرا لا يمكن تصوّره أبدا. لذا عندما حدث، كان يمثّل صدمة وكارثة. الإمبراطور الطفل أقدم على الانتحار. وكذلك فعل العديد من المسئولين وأفراد الحاشية وأبنائهم وأسرهم.
وعلى مدى قرون، كان الصينيون ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم حضارة العالم. والآن أصبحت هذه الحضارة تحت رحمة شعب كانوا يعتبرونه من البرابرة. المحتلّون الجدد كانوا يبدون مختلفين. وهذا الاختلاف كان يمثّل مشكلة، إذ لم يكن الصينيون يعرفون حقّا كيف يتعاملون مع هؤلاء الناس.
كان المغول يجدون متعتهم في المصارعة وفي تناول حليب الفرس المخمّر وفي الغناء. وهذه الاهتمامات كانت مختلفة جدّا عن أسلوب حياة النخب الصينية التي كان أفرادها يرتدون ملابس الحرير النفيسة ويتذوّقون الشِعر والرسم والموسيقى.
كان قبلاي خان متفوّقا جدّا من الناحية العددية. لكن كانت سلالة سونغ أقوى بعشرات المرّات من ناحية العتاد والمؤن. وكان على المغول أن يتصرّفوا بذكاء. إحدى المعارك الكبيرة بين الجانبين وقعت في شيانغيانغ، وهي مدينة ذات أسوار لا يمكن اختراقها، كما أنها تتحكّم في منطقة نهر هان، أحد روافد اليانغتسي.
وتحوّلت المعركة إلى نوع من حصار طروادة مصغّر. واستمرّ الحصار خمس سنوات لم يستطع الصينيون خلالها كسره كما لم يتمكّن المغول من النفاذ إلى الداخل. وكانت هناك محاولات لا تُعدّ ولا تُحصى للتسلّل إلى داخل المدينة، لكن تمّ إحباطها جميعا. لذلك كان لا بدّ للمغول من البحث عن وسيلة ما.
وكان قبلاي قد سمع بالمقاليع الضخمة التي سبق للمسيحيين أن استخدموها أثناء الحروب الصليبية. فاستدعى مهندسَين من بلاد فارس شيّدا له ما يشبه المدفعية الثقيلة اليوم. كان ذلك السلاح عبارة عن منجنيق ضخم يمكن أن يطلق حجرا زنته مائة كيلوغرام إلى مسافة تصل إلى مائتي متر.
وبعد بضع طلقات تجريبية لتحديد المدى المطلوب، اسقط المنجنيق برجا قويّا وسط سحابة من الغبار. وفي نهاية الأمر تمكّن المغول من احتلال المدينة، ما سمح لأساطيلهم بالوصول إلى مناطق جنوب الصين.
قبلاي خان حكم في الواقع كلّ مناطق الصين التي نعرفها اليوم: من يونان الواقعة في الجنوب الغربيّ والمحاذية لفيتنام وبورما، إلى شينجيانغ الممتدّة إلى وسط آسيا، وبالطبع إقليم التبت. ومن المفارقات الغريبة أن هذا البلد يدين بمساحته الهائلة للغزاة الذين كانت تتملّكهم طموحات توسّعية.
التاجر والرحّالة الفينيسي ماركو بولو زار قبلاي خان وترك لنا هذا الوصف لقصره: كان القصر محاطا بسور كبير مع خمس بوّابات على واجهته الجنوبية. البوّابة الوسطى لا تفتح أبدا في أيّة مناسبة إلا عندما يغادر الخان القصر أو يدخله. هذا هو أعظم قصر تمّ بناؤه على الإطلاق. السقف فخم جدّا. والجدران مغطّاة بالكامل بالذهب والفّضة. القاعة ضخمة بحيث يمكنها استيعاب ستّة آلاف شخص. والسقف مزيّن بالألوان القرمزي والأصفر والأخضر والأزرق. والبلاط يتألّق مثل الكريستال ويمكن رؤيته من مسافة بعيدة".
كانت عاصمة قبلاي خان بيجين، المدينة التي تزدحم اليوم بناطحات السحاب. لكن قبلاي هو من أحدث فيها التحوّل الكبير الأوّل. وقد أعطى سلالته اسما صينيّا "يوان"، وكان يحكم من خلال نظام خدمة صيني. وقد ردّ التاريخ الصينيّ على هذه التحيّة بمثلها عندما استوعب سلالة المغول ضمن قصّة الإمبراطورية، وكذلك عندما دمج جزءا من منغوليا نفسها في الدولة الصينية.
اليوم يشكّل المغول واحدة من ستّ وخمسين مجموعة عرقية في الصين، جنبا إلى جنب مع سكّان التبت والاويغور وطائفة الهان المهيمنة.
أثناء حكمهم للصين، جلب المغول الكثير من المستجدّات المفيدة، كالفلفل وأواني الشاي المعروفة بـ "الصينيّ" والدرّاجات.
والثابت تاريخيّا انه لولا قبلاي خان، لما وصلت القوى الغربية إلى الصين في القرن التاسع عشر. كانت أسطورته هي التي ألهمت عصر الاستكشافات الجغرافية الأوروبّي. وبسبب حكاية ماركو بولو عن قبلاي خان، قرّر كولومبوس التوجّه إلى الصين. وبدلا من أن يصل إليها اكتشف أمريكا عن طريق الصدفة.
لم يتحقّق حلم قبلاي خان بالهيمنة على العالم. وقد سيّر أسطولا بحريّا ضخما لاحتلال اليابان مرّتين. لكن الأسطول هُزم وتفرّق في البحر على أيدي الكاميكاز اليابانيين المسمّين بالرياح الإلهية. وبذا غرق حلم المغول بفتح العالم مع سفن قبلاي الغارقة.
في نهاية حياته، أصبح قبلاي خان عجوزاً وبديناً ومريضاً. وقد توفّي ابنه الوحيد ووريث عرشه، ثمّ توفّيت زوجته، وتوفّي هو نفسه عام 1294 تاركا هذا الجزء من الإمبراطورية لورثته. لكنّ أيّا من هؤلاء لم يكن يشبهه في كفاءته وقدرته. لذا بعد ذلك بثمانين عاما، انتهى حكم المغول للصين بعد أن اندلعت ضدّهم ثورة، فطوردوا ليعودوا أدراجهم إلى حيث المراعي والمروج التي خرجوا منها أوّل مرّة.
في القرن الثالث عشر، لم يكن احد يدرك كم أن هذا العالم كبير وواسع. لذلك لم يكن غريبا أن ينطلق المغول خارج مراعيهم ومروجهم وفي ذهنهم فكرة أن يبسطوا سيطرتهم على العالم أجمع.
عندما توفّي الزعيم القويّ جنكيز خان عام 1227، كان قد أسّس بالفعل إمبراطورية تمتدّ من المحيط الهادئ إلى حدود أوروبّا. وكان على حفيده قبلاي خان أن يكمل تلك المهمّة. وقد بدأ الأخير مسيرته بالاتجاه جنوبا لمهاجمة سلالة سونغ الصينية.
لكن الصين كانت إمبراطورية موحّدة لأكثر من ألف عام. وبالنسبة لحكّام سلالة سونغ، لم يكن متصوّرا على الإطلاق أن يتمكّن المغول من الاستيلاء على كامل التراب الصينيّ. كان الأمر أشبه بأن تحتلّ قبيلة بدائية روما، أو بأن تحتلّ قبيلة هندية كلا من كندا والولايات المتحدة. كان أمرا لا يمكن تصوّره أبدا. لذا عندما حدث، كان يمثّل صدمة وكارثة. الإمبراطور الطفل أقدم على الانتحار. وكذلك فعل العديد من المسئولين وأفراد الحاشية وأبنائهم وأسرهم.
وعلى مدى قرون، كان الصينيون ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم حضارة العالم. والآن أصبحت هذه الحضارة تحت رحمة شعب كانوا يعتبرونه من البرابرة. المحتلّون الجدد كانوا يبدون مختلفين. وهذا الاختلاف كان يمثّل مشكلة، إذ لم يكن الصينيون يعرفون حقّا كيف يتعاملون مع هؤلاء الناس.
كان المغول يجدون متعتهم في المصارعة وفي تناول حليب الفرس المخمّر وفي الغناء. وهذه الاهتمامات كانت مختلفة جدّا عن أسلوب حياة النخب الصينية التي كان أفرادها يرتدون ملابس الحرير النفيسة ويتذوّقون الشِعر والرسم والموسيقى.
كان قبلاي خان متفوّقا جدّا من الناحية العددية. لكن كانت سلالة سونغ أقوى بعشرات المرّات من ناحية العتاد والمؤن. وكان على المغول أن يتصرّفوا بذكاء. إحدى المعارك الكبيرة بين الجانبين وقعت في شيانغيانغ، وهي مدينة ذات أسوار لا يمكن اختراقها، كما أنها تتحكّم في منطقة نهر هان، أحد روافد اليانغتسي.
وتحوّلت المعركة إلى نوع من حصار طروادة مصغّر. واستمرّ الحصار خمس سنوات لم يستطع الصينيون خلالها كسره كما لم يتمكّن المغول من النفاذ إلى الداخل. وكانت هناك محاولات لا تُعدّ ولا تُحصى للتسلّل إلى داخل المدينة، لكن تمّ إحباطها جميعا. لذلك كان لا بدّ للمغول من البحث عن وسيلة ما.
وكان قبلاي قد سمع بالمقاليع الضخمة التي سبق للمسيحيين أن استخدموها أثناء الحروب الصليبية. فاستدعى مهندسَين من بلاد فارس شيّدا له ما يشبه المدفعية الثقيلة اليوم. كان ذلك السلاح عبارة عن منجنيق ضخم يمكن أن يطلق حجرا زنته مائة كيلوغرام إلى مسافة تصل إلى مائتي متر.
وبعد بضع طلقات تجريبية لتحديد المدى المطلوب، اسقط المنجنيق برجا قويّا وسط سحابة من الغبار. وفي نهاية الأمر تمكّن المغول من احتلال المدينة، ما سمح لأساطيلهم بالوصول إلى مناطق جنوب الصين.
قبلاي خان حكم في الواقع كلّ مناطق الصين التي نعرفها اليوم: من يونان الواقعة في الجنوب الغربيّ والمحاذية لفيتنام وبورما، إلى شينجيانغ الممتدّة إلى وسط آسيا، وبالطبع إقليم التبت. ومن المفارقات الغريبة أن هذا البلد يدين بمساحته الهائلة للغزاة الذين كانت تتملّكهم طموحات توسّعية.
التاجر والرحّالة الفينيسي ماركو بولو زار قبلاي خان وترك لنا هذا الوصف لقصره: كان القصر محاطا بسور كبير مع خمس بوّابات على واجهته الجنوبية. البوّابة الوسطى لا تفتح أبدا في أيّة مناسبة إلا عندما يغادر الخان القصر أو يدخله. هذا هو أعظم قصر تمّ بناؤه على الإطلاق. السقف فخم جدّا. والجدران مغطّاة بالكامل بالذهب والفّضة. القاعة ضخمة بحيث يمكنها استيعاب ستّة آلاف شخص. والسقف مزيّن بالألوان القرمزي والأصفر والأخضر والأزرق. والبلاط يتألّق مثل الكريستال ويمكن رؤيته من مسافة بعيدة".
كانت عاصمة قبلاي خان بيجين، المدينة التي تزدحم اليوم بناطحات السحاب. لكن قبلاي هو من أحدث فيها التحوّل الكبير الأوّل. وقد أعطى سلالته اسما صينيّا "يوان"، وكان يحكم من خلال نظام خدمة صيني. وقد ردّ التاريخ الصينيّ على هذه التحيّة بمثلها عندما استوعب سلالة المغول ضمن قصّة الإمبراطورية، وكذلك عندما دمج جزءا من منغوليا نفسها في الدولة الصينية.
اليوم يشكّل المغول واحدة من ستّ وخمسين مجموعة عرقية في الصين، جنبا إلى جنب مع سكّان التبت والاويغور وطائفة الهان المهيمنة.
أثناء حكمهم للصين، جلب المغول الكثير من المستجدّات المفيدة، كالفلفل وأواني الشاي المعروفة بـ "الصينيّ" والدرّاجات.
والثابت تاريخيّا انه لولا قبلاي خان، لما وصلت القوى الغربية إلى الصين في القرن التاسع عشر. كانت أسطورته هي التي ألهمت عصر الاستكشافات الجغرافية الأوروبّي. وبسبب حكاية ماركو بولو عن قبلاي خان، قرّر كولومبوس التوجّه إلى الصين. وبدلا من أن يصل إليها اكتشف أمريكا عن طريق الصدفة.
لم يتحقّق حلم قبلاي خان بالهيمنة على العالم. وقد سيّر أسطولا بحريّا ضخما لاحتلال اليابان مرّتين. لكن الأسطول هُزم وتفرّق في البحر على أيدي الكاميكاز اليابانيين المسمّين بالرياح الإلهية. وبذا غرق حلم المغول بفتح العالم مع سفن قبلاي الغارقة.
في نهاية حياته، أصبح قبلاي خان عجوزاً وبديناً ومريضاً. وقد توفّي ابنه الوحيد ووريث عرشه، ثمّ توفّيت زوجته، وتوفّي هو نفسه عام 1294 تاركا هذا الجزء من الإمبراطورية لورثته. لكنّ أيّا من هؤلاء لم يكن يشبهه في كفاءته وقدرته. لذا بعد ذلك بثمانين عاما، انتهى حكم المغول للصين بعد أن اندلعت ضدّهم ثورة، فطوردوا ليعودوا أدراجهم إلى حيث المراعي والمروج التي خرجوا منها أوّل مرّة.
Credits
bbc.com
bbc.com