من عادة البشر أن ينجذبوا إلى الحيوانات لسببين: الأوّل لأنها توفّر نافذة رمزية على عالم الإنسان نفسه. والثاني أن الحيوانات تستثير الأفكار وتدفع الإنسان إلى تأمّل أوجه الشبه بينها وبين البشر.
وفي معظم القصص التي تتضمّن "عنصر حيوان"، يتمّ تقديم الطبيعة في حالة تناغم تامّ مع البشر كما أنها تسهم في تعليمهم دروسا ثمينة ومفيدة.
وبينما نجد أن القصص الشعبية والفولكلورية التي تحكي عن الثعلب كثيرة ومتواترة، فإنه لا تتوفّر عن حيوان مثل القنفذ سوى القليل من القصص. ومع ذلك فالقنفذ مخلوق ذكيّ، إذ يقال انه يمكن أن يعيش لسبع سنوات، وأحيانا أكثر.
والحقيقة أن من الأشياء المسليّة مراقبة قنفذ وهو يتجوّل خلسة في الليل بحثا عن طعام أو فريسة. ومن المشاهد التي لا أنساها عن الحياة الفطرية منظر من فيلم ألمانيّ، على ما أذكر، يصوّر صراعا رهيبا بين قنفذ صغير وأفعى كوبرا ضخمة. وبعد نزال دامٍ وعنيف تمكّن القنفذ في النهاية من تهشيم رأس الأفعى ثم مزّق جسدها إلى قطع صغيرة قبل أن يلتهمه.
وهناك اعتقاد شعبيّ بأن القنافذ تجمع التفّاح والعنب وتحملها إلى مستودعاتها السرّية التي تختارها غالبا بين أكوام الحطب المتراكمة في الحدائق والمزارع.
وفي الرسومات التي تعود إلى القرون الوسطى، تظهر القنافذ وهي تحمل الفاكهة إلى بيوتها. وهناك رسومات أخرى تصوّر القنفذ وهو يتلذّذ بشرب الحليب. وبعض سكّان القرى الأوربّية ظلّوا يعتقدون أن القنافذ تمتصّ اللبن من أثداء الأبقار. لكن علميّا ثبت الآن أن القنافذ لا تحتمل اللاكتوز.
الناقد الأدبيّ المشهور ايسايا بيرلين كان قد كتب في خمسينات القرن الماضي مقالا عن الروائي الروسيّ الكبير ليو تولستوي وصفه فيه بأنه "قنفذ كلاسيكيّ"، في إشارة إلى انه كاتب ذو رؤية واحدة متفرّدة وتركيز مكثّف.
وقد وضع الناقد نموذج تولستوي في مواجهة نموذج آخر من الكتّاب ممّن يسعون لغايات عديدة لا صلة بينها أحيانا، وأحيانا تكون متناقضة ولا يربطها مبدأ أخلاقيّ أو جماليّ.
بيرلين نفسه اعتمد في مقارنته أو تصنيفه للكتّاب على مقطع من قصيدة للشاعر اليونانيّ القديم اركيلوغوس يقول فيه إن الثعلب يعرف أشياء كثيرة، بينما القنفذ لا يعرف سوى شيء واحد، لكنه كبير ومهم. وطبعا لا يُعرف إن كان هناك شبه حقيقيّ أو فعليّ بين القنفذ وبين تولستوي.
ومنذ بضع سنوات، صدرت عن دار غاليمار الباريسية رواية بعنوان "أناقة القنفذ" للكاتبة الفرنسية وأستاذة الفلسفة مورييل باربري. وفي السنة التالية لصدورها، باعت الرواية أكثر من مليوني نسخة وتُرجمت لأكثر من أربعين لغة.
الرواية تناقش مسائل الحياة والموت وتتناول أسئلة مثل: هل الحياة بسيطة أم معقّدة، منطقية أم متناقضة، وما هي وظيفة الذكاء، ولماذا لدينا فنّ وموسيقى وأدب؟
ويروي الأحداث شخصان يعيشان في شقّتين تقعان في مبنى بورجوازيّ في باريس. الراوي الأول هو رينيه، عمرها 54 عاما، وتعشق الأدب والفنّ، لكنها تشعر أنها يجب أن تتخفّى في هيئة شخص بلا اسم. تقول رينيه في مكان من الرواية: قد أكون فقيرة باسمي ووظيفتي ومظهري، ولكن في عقلي أنا آلهة لا تُنافَس".
أما الراوي الثاني فيُدعى بالوما، وهي فتاة غير مستقرّة، لكنها شديدة الذكاء. وبالوما ابنة عائلة من الطبقة الباريسية الرفيعة تعيش بنفس البناية التي تعمل فيها رينيه. ورغم سنّها الغضّ، فإن بالوما ذكيّة جدّا وناضجة عقليّا. كما أنها تعتبر أن الحياة سخيفة ومملّة.
ومن الواضح أن القنفذ هو رمز لكلّ من رينيه وبالوما، حيث المظهر الخشن يُخفي شيئا من الجمال الداخلي.
والرواية مكتوبة في سلسلة من الفصول القصيرة تتناوب على كتابتها كلّ من البطلتين. وتبدأ القصّة عندما ينتقل اوزو، وهو رجل أعمال يابانيّ، إلى نفس المبنى الذي تعيش فيه المرأتان ليصبح الثلاثة أصدقاء.
رواية "أناقة القنفذ" تتضمّن بالإضافة إلى الشخصيّتين الرئيسيّتين عددا من الشخصيات واسعة المعرفة. وهي مليئة بالإشارات إلى الأعمال الأدبية والموسيقية والأفلام واللوحات التشكيلية، كما تمتلئ بالحوارات والتأمّلات الفلسفية. هنا أمثلة منها على سبيل المثال لا الحصر..