وصلنا إلى بينانغ في الشمال..
وبينانغ هي المدينة الوحيدة تقريبا التي يشكل المتحدّرون من أصول صينية الأغلبية الكاثرة من سكانها. نسبة تعداد الصينيين هنا تفوق السبعين بالمائة والبقية من أهل الملايو والهنود.
والصينيون ليسوا طارئين على ماليزيا كما قد يظن البعض. إذ علمنا أن تاريخ الهجرة الصينية إلى بلاد الملايو يعود إلى حوالي ثلاثة آلاف عام. وقد أتى معظمهم من جنوب الصين واستوطنوا على ضفاف الأنهار والبحيرات. وهناك عشرات المعابد لهم موّزعة على المدن الماليزية، وقد نقل الصينيون معهم إلى هنا ذوقهم العالي في الأطعمة والفنون والموسيقى.
وغير خاف ما لهم من دور مشهود في دعم اقتصاد البلاد وانعاش نهضتها.
في الطريق إلى الفندق أشار السائق الصيني العجوز "لي" بيده إلى جزء من الطريق الساحلي وقال: هنا ضرب السونامي ضربته، وعندما استكملت الموجة الثانية زخمها رضّت الناس والمركبات في الجبل رضّا، ولم تمض دقائق حتى انجلى المشهد عن فداحة الكارثة.
اكثر من سبعين شخصا فقدوا أرواحهم في بينانغ وحدها واكتسحت الأمواج الهادرة صالات الاستقبال في الفنادق والمنتجعات والنزل المتناثرة على الشاطئ، ما أشاع أجواء من الهلع والفوضى.
كانت أخبار السونامي ما تزال طازجة.
وقد نشرت الصحف في اليوم التالي لوصولنا إلى بينانغ نبأ عن عزم الحكومة تخصيص مبلغ 70 مليون رنغيت لاعادة بناء بيوت المتضرّرين من الكارثة.
وقد بلغ مجموع البيوت المتضررة جرّاء الفيضان اكثر من 2000 منزل في كل من بينانغ وولاية قدح.
قال لنا السائق وهو يهمّ بالوقوف بنا أمام بوابة الفندق: استمتعوا بإجازتكم ولا تنسوا أن تقتصدوا قليلا في تناول السمك.
سألته عن السبب فقال: هناك روايات تتحدّث عن بقايا أصابع وأشلاء آدمية ُعثر عليها في جوف بعض الأسماك، ومن المستحسن استبدال السمك بالدجاج أو الروبيان الصغير في احسن الأحوال.
الأخبار عن تلوث الأسماك أدّت في الأيام التالية إلى انخفاض حاد في أسعار السمك وارتفاع مماثل في أسعار اللحوم عامة والدجاج بشكل خاص.
في بينانغ لاحظنا حضورا مكثفا للعرب. بعض النساء تمسّكن بالحجاب وغطاء الوجه بينما فضّلت غالبيتهن التخلي عن ذلك كله والتشبه بأهل البلاد.
لكن الملاحظة الأهم هي ميل العرب إلى تجنّب بعضهم وعزوفهم عن التعرّف إلى بعضهم بعضا.
شخصيا تفهّمت ذلك، فتصرفات بعض الناس في تلك البلاد تتسم بالغوغائية وانعدام الإحساس بالمسئولية.
:تنويه
تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .