:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأربعاء، فبراير 11، 2009

محطّات

أفرغ كأسك


قرأت بالأمس قصّة جميلة وذات مغزى عن حدود المعرفة وعن قابلية الإنسان لاستيعاب أفكار وتصوّرات جديدة.
تقول القصّة إن شابّا وصل إلى درجة من العلم بحيث تمكّن من قراءة معظم كتب المعرفة والحكمة القديمة، وزاد على ذلك بأن حصل على ارفع الشهادات الأكاديمية الحديثة.
وقد سمع الشابّ عن معلّم عظيم يسكن الجبال ويقصده الناس لطلب الحكمة والمعرفة بأحوال وأمور الدنيا.
وفي احد الأيّام قرّر الشابّ الذهاب إلى ذلك المعلّم في صومعته البعيدة كي يُجري معه نقاشا وليلتمس لنفسه منه بعض الحكمة. وعندما وصل إلى مكان المعلّم بدأ يحدّثه عن العلوم والمعارف والشهادات التي حصل عليها وعن الكتب التي قرأها في مسيرته لطلب العلم.
وبينما كان الشابّ منهمكا في الحديث عن نفسه وصل الشاي. وأخذ المعلّم يصبّ الشاي في كأس حتى فاض الكأس عن آخره. لكنّه استمرّ يسكب الشاي في الكأس إلى أن تدفّق على الطاولة ومن ثمّ على الأرض.
وهنا قطع الشابّ حديثه عن نفسه وقال منبّها المعلّم: لقد فاض الكأس عن آخره. ولا يمكنه أن يستوعب المزيد". فابتسم المعلم وقال: إنك تبدو مثل هذا الكأس تماما. كيف يمكنني أن أعلّمك الحكمة ما لم تفرغ كأسك أوّلا. إن عقلك مملوء بالكثير من الأفكار والتصوّرات المسبقة. ولن يكون بمقدوري أن أعلّمك شيئا جديدا ما دمت تشعر بأنك على إحاطة وعلم بكلّ شيء".
هذه القصّة على بساطتها تتضمّن عددا من الدروس المهمّة.
أوّلها أن تصوّراتنا وأفكارنا المسبقة عن الناس وعن أمور الحياة المختلفة قد تحجب عنا رؤية الحقيقة كما هي فعلا، فلا نعود نرى سوى ما نظنّ انه صواب رغم انه قد يكون خلاف ذلك.
والدرس الثاني أن الإنسان مهما أحسّ انه ملمّ وضليع بالكثير من الأمور، فإنه يجب أن يكون على قناعة بأنه ما يزال يجهل الكثير وأن ثمّة أشياءً كثيرة ومفيدة ممّا يمكن تعلّمها واكتسابها في الحياة.
الدرس الثالث هو ضرورة أن لا يركّز الإنسان في طلب المعرفة على علم أو تخصّص بذاته، بل يجب أن يُبقي عقله مفتوحا وأن تكون لديه القابلية والاستعداد دائما على تقبّل واكتساب الأفكار والخبرات والتجارب الجديدة.
أما الدرس الرابع والأخير فهو أن المعرفة التي تستند إلى نظريات ومعطيات فكرية مجرّدة لا تكفي، بل لا بدّ أيضا من تدريب العقل على التأمّل والحدس وحتى الشكّ سبيلا لاكتساب المعرفة والوصول إلى الحقيقة.

❉ ❉ ❉

امرأة أمام كوخ


في هذه اللوحة الصغيرة لـ فنسنت فان غوخ بعنوان امرأة فلاحة تحفر أمام كوخها، يمكنك أن ترى عالما كبيرا ينفتح أمامك. المرأة الفلاحة التي لا نرى وجهها تنقل لنا ما قد تعجز عن نقله مجلدّات من الكتب.
هناك أشياء كثيرة في هذه اللوحة يمكن أن تقول لنا الكثير عن المرأة. هناك مثلا، حجم الكوخ وبساطته. إذ لا يوجد له مدخل ولا ممرّ يقود إليه ولا حديقة. وكلّ هذه التفاصيل تقول لنا بوضوح أن المرأة فقيرة جدّا.
الملابس التي ترتديها والوشاح الذي يغطّي رأسها تبدو رثّة ومهلهلة. وتقريبا لا يوجد لون في هذه البقعة. أي ليس هناك اثر للأزهار أو المصابيح أو الطوب. كلّ شيء حول هذا البيت يشي بالفقر وحياة الكفاف.
ومع ذلك فالمرأة هنا تتمتّع بإحساس بالكرامة. إذ رغم كونها فقيرة وغير متعلّمة على الأرجح، إلا أنها نظيفة وتقوم بمهمّة. إنها لا تجلس على كرسيّ مريح أمام شرفة. وهي تعلم بأن النهار قصير ولا بدّ أن تُنهي عملها قبل غروب الشمس.
في القرن التاسع عشر كانت الظلمة تخيّم على الأرياف والقرى الأوربية. فالمصابيح الكهربائية كما نعرفها اليوم لم تكن متوفّرة في ذلك الوقت. لذا كان يتعيّن على الناس أن ينجزوا أعمالهم في ضوء النهار الطبيعيّ. كان من الصعب أن تفعل شيئا أكثر من الكلام في الأمسيات عندما تعيش على نور شمعة.
بُنية البيت بسيطة. السقف منخفض وقريب من الأرض كي يوفّر الحماية للجدران والغرف الداخلية. الطقس بارد وأحيانا ممطر في مثل هذا المكان. والمباني يجب أن تُشيّد بطريقة تردع عناصر الطبيعة.
في اللوحة يوظّف فان غوخ الألوان السوداء والبنّية ليعبّر من خلالها عن الأماكن المظلّلة من البيت. هذا اللون القاتم يعطي قوّة ودعما للكوخ وللوحة بشكل عام.
فان غوخ كان من الرسّامين القلائل الذين عرفوا كيف يعملون مع اللون الأسود. وهذه اللوحة تقدّم برهانا إضافيا على هذا.
ضربات الفرشاة التي يتشكّل منها السقف والمباني المجاورة والأشجار التي خلفها تبدو سريعة وغنيّة بالطلاء. وعلى طول سقف البيت استخدم الرسّام ألوانا أرضية متنوّعة بالإضافة إلى بعض الأبيض لإبراز نسيج القشّ في السقف.
صحيح أن هذه اللوحة صغيرة نوعا ما. لكنّ فان غوخ استطاع أن يمنحنا من خلالها الكثير.

❉ ❉ ❉

استراحة موسيقية



❉ ❉ ❉

قدَح التايتان


هذه اللوحة هي مثال واضح على فانتازيا توماس كول الرومانسية. وهي صدى لأعمال الرسّام الأخرى في تلك الفترة، بديكورها الإيطاليّ ومحاولتها تصوير عظمة العصور القديمة وصيرورة الزمن والتأكيد على دور الطبيعة. وقد رُفضت اللوحة من قبل راعي كول في ذلك الوقت لومان ريد. ثم اشتراها لاحقا الفنّان جون فالكونر.
و"قدح التايتان" تتحدّى أيّ محاولة لتفسيرها. فالقدح الواسع والضخم يظهر وقد غطّت حوافّه النباتات والأنقاض الكلاسيكية بينما تطفو على سطحه الزجاجيّ قوارب شراعية. وقد رُبطت هذه التفاصيل بالأساطير الاسكندينافية واليونانية.
ثيوفيلوس سترونغفيلو وصف اللوحة بأنها عالم قائم بذاته وأنها ربّما تكون تجسيدا لعالم الإنسانية المصغّر في خضمّ الطبيعة الشاسعة.
فالكونر ربط الجذع الضخمة للقدح بجذع الشجرة التي ترمز للعالم في أساطير اسكندينافيا.
وهناك نظريات أخرى تربط الأشكال الفانتازية بلوحة اوليسيس يحتقر بوليفيموس لـ تيرنر وبالهندسة المعمارية الإيطالية والأشكال الجيولوجية، أو بالكأس الذهبية لإله الشمس هيليوس.
بدايات هذه المدرسة في الرسم، والتي يُعتبر كول مؤسّسها، تزامنت مع وصوله إلى نيويورك في العام 1825م. وقد قرّر أن يصبح رسّاما للمناظر الطبيعية بعد فترة من اشتغاله برسم البورتريهات.
ومنذ البداية، كان أسلوبه يتّسم بالأشكال الدرامية والتقنية القويّة، وهو ملمح يعكس تأثّره بالنظرية الجمالية للفنّانين الانجليز الذين كانوا يعبّرون عن كلّ ما هو سامٍ أو مخيف في الطبيعة.
بعد أن عاد كول إلى أميركا من جولة أوربّية، استمرّ يرسم الطبيعة من منظور إيطالي في هيئة رموز وصروح ضخمة، من قبيل سلسلة لوحاته بعنوان "مسار الإمبراطورية".
وبعد جولته الأوروبّية الثانية عام 1839، رسم لوحته "رحلة الحياة" واستمرّ في رسم مواضيع تغلب عليها المناظر الخلابة للطبيعة الأمريكية.
لكن حتى في تلك اللوحات، كان ميل كول واضحا لمزج صور الطبيعة بمعان تاريخية ودينية. وقد توفّي فجأة في نيويورك التي كان قد انتقل إليها عام 1836 مترسّما خُطى العديد من فنّاني مدرسة نهر هدسون.

Credits
vangoghgallery.com