:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الاثنين، مايو 23، 2011

تأثير موزارت


يقول دون كامبل في كتابه المشهور تأثير موزارت: في لحظات، يمكن للموسيقى أن تسمو بأرواحنا. إنها تصفّي عقولنا وتوقظ في دواخلنا مشاعر الصلاة والعاطفة والحبّ".
ويشرح الكاتب القوّة الشفائية للموسيقى منذ أقدم الأزمنة فيقول: لقد كان الصينيون والهنود والسحرة في الثقافات المحلّية المختلفة يمزجون الموسيقى بالطبّ. وجميع الأديان الكبرى وظّفت قوّة الصوت في الطقوس والصلاة والإنشاد الديني. وهناك اليوم عشرات الأمراض التي بإمكان الموسيقى أن تسهم في شفائها من آلام الظهر إلى الأرق إلى مرض السكّر وغيرها".
لقد بدأ مفهوم الصوت مع الصرخة الأولى. ومع مرور الزمن تطوّرت صرخات وآهات البشر إلى أشكال مختلفة من اللغة. إن التزاوج الساحر بين الإيقاع والنغم، بين الصوت والحركة، هو الذي أدّى إلى ولادة اللغة. ثم تطوّرت اللغة بعد ذلك إلى ما نسمّيه الآن الموسيقى.
إن كلّ شيء في هذه الحياة له عناصر موسيقية وإيقاعية. كما أن الموسيقى تتخلّل جميع طقوس الإنسان من ميلاد وموت وزواج.. إلى آخره".
إن كلّ أشكال الموسيقى لها تأثير علينا. ولكن، وبطريقة ما وبشكل لا يمكن وصفه تقريبا، فإن لدى وولفغانغ اماديوس موزارت وسيلة بسيطة ورائعة للتحدّث إلينا. انه واضح، منظّم وفعّال. كما انه ليس عاطفيا أكثر ممّا ينبغي.
موسيقى موزارت تنفذ إلى أعماق أرواحنا بطرق خفيّة وقويّة. وحتى لو لم يكن موزارت موسيقيّك المفضّل من المنظور الجمالي، فإن موسيقاه توفّر بيئة إيجابية حيث يمكنك أن تتعلّم وأن تسترخي وأن تكتشف أفضل ما لديك. وهذا هو، ببساطة، ما يُسمّى "تأثير موزارت".
خلال القرنين الماضيين، تعلّمت أدمغتنا وأجسادنا طرقا أكثر صحّية للأكل وممارسة الرياضة والاستماع.
وقد وُجد أن الموسيقى العظيمة مهمّة لتغذية العقل والجسد والمشاعر.
ودون وجود مدرّس موسيقى متحمّس، قد تجد من الصعب أن تقترب من موزارت وموسيقاه. وربّما يساورك شكّ بأن بعض الناس مُنحوا جيناً خاصّا يسمح لهم بفهم موزارت. ولحسن الحظ، فإن هذا ليس حقيقيا.
فموسيقى موزارت سهلة الوصول والفهم. وأكثر من هذا، فهي واحدة من الكنوز العظيمة للتراث الفنّي العالمي.
كما أن هذه الموسيقى منحة يمكن لنا أن نتشاركها وأن نستمتع بها وأيضا، وكما هو الحال مع الأعمال الفنّية العظيمة، أن نتعلّم منها.
في اقلّ من ستّ وثلاثين سنة، كتب موزارت أكثر من ستمائة لحن للبيانو والكمان والاوركسترا والجوقة والفرق الصغيرة. كان غزير الإنتاج في جميع الأشكال الموسيقية السائدة في زمانه، من موسيقى الغرفة إلى السيمفونيات إلى الموسيقى الجنائزية وانتهاءً بالأوبرا.


لقد تطوّر موزارت من تلميذ إلى موسيقيّ عبقري على مدى سنوات قليلة جدّا. كانت لديه ميزة مثيرة للاهتمام. فقد تسنّى له سماع والديه وهما يعزفان على البيانو والكمان قبل أشهر من ولادته. لذا لم يكن مستغربا أن هذا الطفل العبقري بدأ وهو في سنّ الرابعة يؤلّف الموسيقى ويعزف لأصدقاء والده في البلاط الملكي في جميع أنحاء أوروبّا.
وقد أشيد بـ أماديوس الصغير على نطاق واسع كأعظم موسيقي على قيد الحياة في ذلك الوقت.
كانت أشكاله وأدواته تمثّل ذروة الجمال والرّقة وقتها. لذا استحقّ أن يُسمى في كثير من الأحيان بالطفل الخالد. وكان وعاءً للعبقرية والبساطة والفرح والحقيقة. كانت موسيقاه واضحة ومفعمة بالأمل والحساسية. وكانت هذه هي عبقريته الحقيقية. ولهذا السبب، لا يلزمك شيفرة لكسرها، وليس هناك ثمّة ميثاق سرّي ينبغي عليك أن تبرمه كي تفيد من موزارت.
يكفي فقط أن تأخذ معك في المنزل أو في السيّارة بعضا من موسيقاه وأن تسمعها لبضعة أيّام. وستكتشف سريعا انه يتحدّث إلى جسدك وعقلك وقلبك وأنه لا يطلب منك سوى أن تصغي إليه.
بعد مائتي عام من ولادة موزارت، درس طبيب فرنسي يُدعى الفريد توماتيس العلاقة بين طريقة تعلّم الأطفال وبيئتهم الصوتية.
واكتشف أن الطفل يسمع حتى قبل أن يولد "أي أن والد موزارت كان على علم بما كان يفعل". وقد أدرك هذا الطبيب أن هذه التجربة السمعية قبل الولادة هي أحد الجوانب الحاسمة في نموّ الطفولة المبكّرة.
كما أظهرت دراسته أن الأشخاص الذين يعانون من صعوبات في التعلّم واضطرابات في النموّ، يمكن أن يجدوا في موسيقى موزارت ما يعينهم على التغلّب على ظروف إعاقتهم.
لكن هذه ليست الشهادة الوحيدة على قوى موزارت النادرة.
ففي أوائل تسعينات القرن الماضي، وكجزء من دراسة بحثية أجراها كلّ من غوردون شو وفرانسيس راوشر من جامعة كاليفورنيا، تبيّن أن الاستماع إلى موزارت يمكن أن يعزّز الذكاء المكاني، وهو عنصر حاسم في عملية قياس مستوى الذكاء عند الإنسان.
السماع المركّز أو ما يطلق عليه الخبراء التتبّع السمعي يمكن أن يغيّر الطريقة التي ننظّم بها أساليب تفكيرنا. والأدوات الجديدة التي تسمح لنا بالنظر إلى داخل الدماغ تُظهر أن الاستماع إلى الموسيقى يؤثّر على إحساسنا بالزمان والمكان وعلى الإدراك العام إجمالا.
وموزارت يتحدّث إلى العقل والجسد بلغة خاصّة.
موسيقى موزارت لا تجعلك عبقريا على الفور أو راضيا عن هذا العالم أو شخصاً خلاقا. لكن موزارت يمكن أن يساعدك على أن تنقل عقلك ومشاعرك نحو آفاق جديدة. "مترجم".