كان "رمبراندت فان رين" فنّانا شاملا لدرجة انه يصعب وضعه ضمن مدرسة أو اتّجاه فنّي معيّن. لكن الحركة التي تعكس موضوعاته وابتكاراته هي الباروك التي انتشرت في أماكن كثيرة من أوربّا طوال القرن السابع عشر. وقد تضاعفت سمعته باعتباره واحدا من أفضل رسّامي البورتريه في كلّ العصور.
وعلى ما يبدو، كان رمبراندت مؤمنا إيمانا قويّا بالعبارة التي تقول "إعرف نفسك". وربّما لهذا السبب، لا يوجد فنّان آخر يمكن أن ينافس هذا الفنّان العظيم في عدد اللوحات التي رسمها لشخصه والتي تربو على التسعين.
رمبراندت كان أمينا جدّا في تصويره لنفسه. ولم يكن دافعه لذلك شيئا من النرجسية أو الإعجاب بالذات. بل قد يكون اختار البورتريه لارتباطه بالرسم التاريخيّ الذي كان يوليه اهتماما خاصّا طيلة حياته.
كان رسم البورتريهات يحظى بشعبية كبيرة في السوق التجارية في عصره. وكانت البورتريهات التي يرسمها مطلوبة كثيرا في هولندا.
وأيّا ما كان الدافع وراء رسمها، فإن صور رمبراندت لنفسه كانت تمسك بأكثر من مجرّد السمات الجسدية الظاهرية التي كانت تتغيّر باستمرار مع انتقاله من مرحلة عمرية لأخرى. ويمكن القول أن تلك الصور هي عبارة عن سيرة ذاتية وروحية للرسّام. كما كانت أيضا بمثابة رحلة استكشاف داخلية، بالنظر إلى انه، وطول حياته، لم يبتعد عن بلدته الأمّ "ليدن" أكثر من بضعة أميال.
حياة رمبراندت يلفّها الغموض لأنه لم يترك وراءه أيّة سجلات مكتوبة عن نفسه، باستثناء شهادات الميلاد والتعميد والزواج والموت. كما لم يترك وراءه أيّة مفكّرة أو مدوّنة شخصية. هناك فقط سبع رسائل تركها بعد وفاته وهي مكتوبة بخطّ يده ولها علاقة بالمعاملات اليومية الروتينية.
ولكن عندما قام بجرد ممتلكاته قبيل وقت قصير من وفاته، أعلن رمبراندت نفسه معسرا. غير انه لم يترك سوى عدد قليل من الأدلّة حول شخصيّته. لكن على مستوى المهنة، خلّف هذا الفنّان الكبير وراءه تركة رائعة هي عبارة عن أكثر من 2300 لوحة، من بينها لوحتاه الرائعتان والمشهورتان درس في التشريح والحرس الليلي ، بالإضافة إلى بعض لوحاته عن نفسه وكذلك لوحته الأخرى أرسطو مع تمثال نصفيّ لهوميروس.
اللوحة الأخيرة، أي أرسطو مع تمثال لهوميروس، هي موضوع هذا المقال. وقد كلّف رمبراندت برسمها الدون انطونيو روفو، النبيل الصقلّي وجامع القطع الفنّية. ولم يكن لدى الدون أيّة ملاحظات أو تعليمات محدّدة للرسّام، باستثناء أن يرسم فيلسوفا.
أما اجتماع العقول الذي كشفت عنه اللوحة بعد ذلك فقد كان فكرة الرسّام نفسه. والمشهد هو عبارة عن مزيج من التاريخ والأسطورة، كما انه يتضمّن بصمات رمبراندت المألوفة: البساطة، الهدوء، الشخصيّة والتعاطف.
وفي حين أن شخصيّتين حاضرتان في اللوحة بشكل واضح، إلا أن الشخصية الثالثة، أي الإسكندر الأكبر، يظهر بشكل غير مباشر، وبالتحديد على القلادة المزخرفة التي يرتديها أرسطو.
الفيلسوف، أي أرسطو، يُصوَّر هنا كشخصية متميّزة. وهو يرتدي ملابس مزركشة وجميلة تذكّرنا بعصر النهضة. وهناك مرتبة اجتماعية معيّنة تظهر بعض علاماتها في أعمال رمبراندت الأخرى مثل بعض صوره الشخصية. وهذه العلامات حاضرة هنا أيضا في الملابس الأنيقة لأرسطو وفي يديه المزيّنتين بالخواتم.
ورغم أن أرسطو لم يكن رجلا عسكريّا، إلا أنه يبدو هنا بكامل زينته. كما يمكن رؤية سلسلة وميدالية ذهبية يُفترض أن يكون الأمير المحارب، أي الاسكندر، قد انعم عليه بهما.
أرسطو، الواثق من مكانته الخاصّة، يبدو مستغرقا في التفكير. وهو يضع يدا على التمثال، بينما يلقي نظرة متأمّلة على الشاعر المشهور من الأزمنة القديمة، أي هوميروس، وهو شخص كان محطّ إعجاب كبير من أرسطو وكان الكسندر أيضا يبجّله.
هذا اللقاء المتخيّل بين ثلاث شخصيّات من العصور القديمة يُعتبر نوعا من لقاء العباقرة. وهو لا يُظهِر فقط ابتكارية الفنّان وتألّق تقنيته، ولكن أيضا أفكاره حول هذا الموضوع وافتتانه بفكرته.
وعلى ما يبدو، كان رمبراندت مؤمنا إيمانا قويّا بالعبارة التي تقول "إعرف نفسك". وربّما لهذا السبب، لا يوجد فنّان آخر يمكن أن ينافس هذا الفنّان العظيم في عدد اللوحات التي رسمها لشخصه والتي تربو على التسعين.
رمبراندت كان أمينا جدّا في تصويره لنفسه. ولم يكن دافعه لذلك شيئا من النرجسية أو الإعجاب بالذات. بل قد يكون اختار البورتريه لارتباطه بالرسم التاريخيّ الذي كان يوليه اهتماما خاصّا طيلة حياته.
كان رسم البورتريهات يحظى بشعبية كبيرة في السوق التجارية في عصره. وكانت البورتريهات التي يرسمها مطلوبة كثيرا في هولندا.
وأيّا ما كان الدافع وراء رسمها، فإن صور رمبراندت لنفسه كانت تمسك بأكثر من مجرّد السمات الجسدية الظاهرية التي كانت تتغيّر باستمرار مع انتقاله من مرحلة عمرية لأخرى. ويمكن القول أن تلك الصور هي عبارة عن سيرة ذاتية وروحية للرسّام. كما كانت أيضا بمثابة رحلة استكشاف داخلية، بالنظر إلى انه، وطول حياته، لم يبتعد عن بلدته الأمّ "ليدن" أكثر من بضعة أميال.
حياة رمبراندت يلفّها الغموض لأنه لم يترك وراءه أيّة سجلات مكتوبة عن نفسه، باستثناء شهادات الميلاد والتعميد والزواج والموت. كما لم يترك وراءه أيّة مفكّرة أو مدوّنة شخصية. هناك فقط سبع رسائل تركها بعد وفاته وهي مكتوبة بخطّ يده ولها علاقة بالمعاملات اليومية الروتينية.
ولكن عندما قام بجرد ممتلكاته قبيل وقت قصير من وفاته، أعلن رمبراندت نفسه معسرا. غير انه لم يترك سوى عدد قليل من الأدلّة حول شخصيّته. لكن على مستوى المهنة، خلّف هذا الفنّان الكبير وراءه تركة رائعة هي عبارة عن أكثر من 2300 لوحة، من بينها لوحتاه الرائعتان والمشهورتان درس في التشريح والحرس الليلي ، بالإضافة إلى بعض لوحاته عن نفسه وكذلك لوحته الأخرى أرسطو مع تمثال نصفيّ لهوميروس.
اللوحة الأخيرة، أي أرسطو مع تمثال لهوميروس، هي موضوع هذا المقال. وقد كلّف رمبراندت برسمها الدون انطونيو روفو، النبيل الصقلّي وجامع القطع الفنّية. ولم يكن لدى الدون أيّة ملاحظات أو تعليمات محدّدة للرسّام، باستثناء أن يرسم فيلسوفا.
أما اجتماع العقول الذي كشفت عنه اللوحة بعد ذلك فقد كان فكرة الرسّام نفسه. والمشهد هو عبارة عن مزيج من التاريخ والأسطورة، كما انه يتضمّن بصمات رمبراندت المألوفة: البساطة، الهدوء، الشخصيّة والتعاطف.
وفي حين أن شخصيّتين حاضرتان في اللوحة بشكل واضح، إلا أن الشخصية الثالثة، أي الإسكندر الأكبر، يظهر بشكل غير مباشر، وبالتحديد على القلادة المزخرفة التي يرتديها أرسطو.
الفيلسوف، أي أرسطو، يُصوَّر هنا كشخصية متميّزة. وهو يرتدي ملابس مزركشة وجميلة تذكّرنا بعصر النهضة. وهناك مرتبة اجتماعية معيّنة تظهر بعض علاماتها في أعمال رمبراندت الأخرى مثل بعض صوره الشخصية. وهذه العلامات حاضرة هنا أيضا في الملابس الأنيقة لأرسطو وفي يديه المزيّنتين بالخواتم.
ورغم أن أرسطو لم يكن رجلا عسكريّا، إلا أنه يبدو هنا بكامل زينته. كما يمكن رؤية سلسلة وميدالية ذهبية يُفترض أن يكون الأمير المحارب، أي الاسكندر، قد انعم عليه بهما.
أرسطو، الواثق من مكانته الخاصّة، يبدو مستغرقا في التفكير. وهو يضع يدا على التمثال، بينما يلقي نظرة متأمّلة على الشاعر المشهور من الأزمنة القديمة، أي هوميروس، وهو شخص كان محطّ إعجاب كبير من أرسطو وكان الكسندر أيضا يبجّله.
هذا اللقاء المتخيّل بين ثلاث شخصيّات من العصور القديمة يُعتبر نوعا من لقاء العباقرة. وهو لا يُظهِر فقط ابتكارية الفنّان وتألّق تقنيته، ولكن أيضا أفكاره حول هذا الموضوع وافتتانه بفكرته.
هوميروس نفسه أسطورة. الفترة التي عاش فيها كانت وما تزال محلّ نقاش بين المؤرّخين، بل إن وجوده في حدّ ذاته ظلّ محلّ شكّ من قبل الكثيرين. وقد قيل من باب الدعابة أنه لم يكتب الملحمة، ولكن كتبها شخص آخر يحمل نفس الاسم!
لكن ما يزال الناس ينظرون لهوميروس على انه شاعر الإلياذة والأوديسّا. وهناك اعتقاد بأنه عاش قبل حوالي ثلاثة آلاف عام. وقد سبق زمنيّا ظهور البورتريه الواقعيّ. لكن صورته اختُرعت في وقت لاحق واستُنسخت بشكل متكرّر. وهو دائما ما يظهر على هيئة رجل أعمى وملتحٍ.
ومن المرجّح أن رمبراندت اعتمد في "نمذجته" لهوميروس على تماثيل نصفية كانت في مجموعته الخاصّة يعود تاريخها إلى العصر الهلنستي.
ظلمة وسكون الغرفة والوجود الخافت للكتب في خلفية اللوحة تُبرز الوجه المضاء والشخصيّة الوقورة للفيلسوف. كما أن تصويره كرجل من عصر النهضة، سواءً كان ذلك ترخيصا فنّيّا أو مفارقة تاريخيّة مقصودة، لا يمكن إلا أن يكون فكرة ملائمة كثيرا.
كان أرسطو يعرف ويفهم في كلّ العلوم التي كانت سائدة في عصره والتي أسهم فيها، هو نفسه، بجهد أساسيّ. وكان يؤمن بأنه ما من علم لا يمكن بلوغه وأن كلّ العلوم مثيرة للاهتمام. كما كان يشعر بارتياح للفنون ويحتفي بها قدر احتفائه بالعلوم. وقد توقّف هذا الرجل الاستثنائيّ بتواضع أمام الشاعر المبجّل الذي تطرّق إلى أسرار الطبيعة الإنسانية.
عالم هوميروس هو مكان للصراع والمحن والتحدّيات التي يُفترض بالبشر أن يُظهِروا أمامها القوّة والشجاعة والمثابرة. وكان عالمه أيضا مليئا بالدهشة والاكتشاف: نداءات غريبة، سفن محطّمة، كوارث طبيعية، آكلو لوتس وعمالقة وحوريّات بحر. كما تضمّنت ملحمتاه قصصا عن أشجع الرجال وأجمل النساء وأكثر الزوجات إخلاصا.
وفي زمن أرسطو، كان هوميروس يرمز لخلود الفنّ. ورغم أنه تغنّى بالصراعات الأهلية القديمة، إلا أن كلماته تسمو على الموت بجمالها. ويمكننا أن نتخيّل انه كان شخصا فقيرا جدّا. كان يتجوّل في أرجاء اليونان مع قيثارته التي يعزف عليها في حفلات المساء مقابل مبلغ زهيد من المال. وكان هوميروس وفيّا لعبقريته، فلم يحقّق مالا من فنّه، وربّما لم يكن مهتمّا بشيء من ذلك.
في صورة رمبراندت هذه، من الصعب سبر أغوار العينين المؤرّقتين اللتين تحاولان استكشاف مجمل المعرفة الإنسانية. لكن لأرسطو كتابا اسمه الأخلاق يتحدّث فيه عن التأمّل ويصفه بأنه أعلى أشكال السعادة والمتعة الأكثر ديمومة في الحياة.
وعلى مرّ آلاف السنين، منذ هوميروس وألكسندر وأرسطو، فُُسّر التأمّل بطرق عديدة كدليل إلى الحياة، وكتب بعض الكتّاب نسخا حديثة من الأوديسّا. وبعد فترة طويلة من رسم رمبراندت لوحته هذه عن أرسطو وهوميروس، كتب نيكوس كازانتزاكيس نسخته الخاصّة من الأوديسّا.
في ملحمة كازانتزاكيس، يدعو المؤلّف البشر المعاصرين للعمل معا ضدّ الشدائد وحتى ضدّ حتمية الموت. ثم لا يلبث أن يستغرق في لغة هوميروسية يقود من خلالها القارئ في تأمّل أرسطي. "لا أعرف ما إذا كنت سأرسو أخيرا. الآن أنجز عمل النهار. أجمع أدواتي: البصر والشمّ واللمس والذوق والسمع والعقل. ومع هبوط الليل، أعود مثل خُلد إلى بيتي الأرض، ليس لأني تعبت أو لا استطيع العمل، ولكن لأن الشمس شارفت على المغيب".
إحدى أفضل الطرق في التفكير في تطوّر الثقافة بشكل عام، وفي تاريخ الحضارة الغربية بشكل خاصّ، هي المحادثة بين الأحياء والأموات. ومن الصعب أن نتخيّل تجسيدا أكثر شهرة واختصارا لهذه الفكرة من لوحة رمبراندت هذه غير العاديّة والمثيرة للإعجاب.
و"أرسطو مع تمثال نصفيّ لهوميروس" هي واحدة من عدد قليل من الصور التي كُلف بها الرسّام من قبل زبون أجنبيّ. وقد أرسلت اللوحة من أمستردام إلى قصر روفو في ميسينا في صيف عام 1654. وكان السعر المتّفق عليه 500 غيلدر هولنديّ. وبعد مرور 300 عام، أي في عام 1961، ابتاع متحف المتروبوليتان للفنون في نيويورك اللوحة مقابل مليونين ونصف المليون دولار. ويقدّر خبراء السوق أن اللوحة، لو عُرضت للبيع اليوم، فستكسر حاجز الـ 100 مليون دولار بسهولة.
لكن ما يزال الناس ينظرون لهوميروس على انه شاعر الإلياذة والأوديسّا. وهناك اعتقاد بأنه عاش قبل حوالي ثلاثة آلاف عام. وقد سبق زمنيّا ظهور البورتريه الواقعيّ. لكن صورته اختُرعت في وقت لاحق واستُنسخت بشكل متكرّر. وهو دائما ما يظهر على هيئة رجل أعمى وملتحٍ.
ومن المرجّح أن رمبراندت اعتمد في "نمذجته" لهوميروس على تماثيل نصفية كانت في مجموعته الخاصّة يعود تاريخها إلى العصر الهلنستي.
ظلمة وسكون الغرفة والوجود الخافت للكتب في خلفية اللوحة تُبرز الوجه المضاء والشخصيّة الوقورة للفيلسوف. كما أن تصويره كرجل من عصر النهضة، سواءً كان ذلك ترخيصا فنّيّا أو مفارقة تاريخيّة مقصودة، لا يمكن إلا أن يكون فكرة ملائمة كثيرا.
كان أرسطو يعرف ويفهم في كلّ العلوم التي كانت سائدة في عصره والتي أسهم فيها، هو نفسه، بجهد أساسيّ. وكان يؤمن بأنه ما من علم لا يمكن بلوغه وأن كلّ العلوم مثيرة للاهتمام. كما كان يشعر بارتياح للفنون ويحتفي بها قدر احتفائه بالعلوم. وقد توقّف هذا الرجل الاستثنائيّ بتواضع أمام الشاعر المبجّل الذي تطرّق إلى أسرار الطبيعة الإنسانية.
عالم هوميروس هو مكان للصراع والمحن والتحدّيات التي يُفترض بالبشر أن يُظهِروا أمامها القوّة والشجاعة والمثابرة. وكان عالمه أيضا مليئا بالدهشة والاكتشاف: نداءات غريبة، سفن محطّمة، كوارث طبيعية، آكلو لوتس وعمالقة وحوريّات بحر. كما تضمّنت ملحمتاه قصصا عن أشجع الرجال وأجمل النساء وأكثر الزوجات إخلاصا.
وفي زمن أرسطو، كان هوميروس يرمز لخلود الفنّ. ورغم أنه تغنّى بالصراعات الأهلية القديمة، إلا أن كلماته تسمو على الموت بجمالها. ويمكننا أن نتخيّل انه كان شخصا فقيرا جدّا. كان يتجوّل في أرجاء اليونان مع قيثارته التي يعزف عليها في حفلات المساء مقابل مبلغ زهيد من المال. وكان هوميروس وفيّا لعبقريته، فلم يحقّق مالا من فنّه، وربّما لم يكن مهتمّا بشيء من ذلك.
في صورة رمبراندت هذه، من الصعب سبر أغوار العينين المؤرّقتين اللتين تحاولان استكشاف مجمل المعرفة الإنسانية. لكن لأرسطو كتابا اسمه الأخلاق يتحدّث فيه عن التأمّل ويصفه بأنه أعلى أشكال السعادة والمتعة الأكثر ديمومة في الحياة.
وعلى مرّ آلاف السنين، منذ هوميروس وألكسندر وأرسطو، فُُسّر التأمّل بطرق عديدة كدليل إلى الحياة، وكتب بعض الكتّاب نسخا حديثة من الأوديسّا. وبعد فترة طويلة من رسم رمبراندت لوحته هذه عن أرسطو وهوميروس، كتب نيكوس كازانتزاكيس نسخته الخاصّة من الأوديسّا.
في ملحمة كازانتزاكيس، يدعو المؤلّف البشر المعاصرين للعمل معا ضدّ الشدائد وحتى ضدّ حتمية الموت. ثم لا يلبث أن يستغرق في لغة هوميروسية يقود من خلالها القارئ في تأمّل أرسطي. "لا أعرف ما إذا كنت سأرسو أخيرا. الآن أنجز عمل النهار. أجمع أدواتي: البصر والشمّ واللمس والذوق والسمع والعقل. ومع هبوط الليل، أعود مثل خُلد إلى بيتي الأرض، ليس لأني تعبت أو لا استطيع العمل، ولكن لأن الشمس شارفت على المغيب".
إحدى أفضل الطرق في التفكير في تطوّر الثقافة بشكل عام، وفي تاريخ الحضارة الغربية بشكل خاصّ، هي المحادثة بين الأحياء والأموات. ومن الصعب أن نتخيّل تجسيدا أكثر شهرة واختصارا لهذه الفكرة من لوحة رمبراندت هذه غير العاديّة والمثيرة للإعجاب.
و"أرسطو مع تمثال نصفيّ لهوميروس" هي واحدة من عدد قليل من الصور التي كُلف بها الرسّام من قبل زبون أجنبيّ. وقد أرسلت اللوحة من أمستردام إلى قصر روفو في ميسينا في صيف عام 1654. وكان السعر المتّفق عليه 500 غيلدر هولنديّ. وبعد مرور 300 عام، أي في عام 1961، ابتاع متحف المتروبوليتان للفنون في نيويورك اللوحة مقابل مليونين ونصف المليون دولار. ويقدّر خبراء السوق أن اللوحة، لو عُرضت للبيع اليوم، فستكسر حاجز الـ 100 مليون دولار بسهولة.
Credits
rembrandt-paintings.com
popmatters.com
rembrandt-paintings.com
popmatters.com