:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الجمعة، مايو 10، 2024

خواطر في الأدب والفن


  • يروي الكاتب الكولومبي الكبير غارسيا ماركيز أنه عندما كان يعمل مراسلا صحفيا، سمع ذات مرّة عن قصّة بحّار مشهور غرقت سفينته ونجا هو، فذهب للقائه. ولم تكن المقابلة على هيئة سؤال وجواب. كان البحّار يسرد على ماركيز مغامراته وهو يكتبها.
    وعندما نُشر هذا التحقيق على مدى اسبوعين في الجريدة كان بتوقيع البحّار نفسه ولم يذيّله الكاتب باسمه. وبعد ٢٠ عاما، اُعيد نشر التحقيق واكتشف الناس أن ماركيز هو الذي كتبه. ولم يعرف محرّرو الجريدة أن التحقيق جيّد إلا بعد أن كتب ماركيز روايته "مائة عام من العزلة".
    العبرة من هذه القصّة هي أن الناس غالبا ما تستهويهم الأسماء واللافتات والشهرة. ومهما كانت براعتك ككاتب، فإن الناس عادة لن يعرفوا قدرك أو مكانتك أو موهبتك إلا بعد أن يصبح لك اسم وكُتُب وتصير مشهورا وتنال جوائز وأوسمة الخ.
  • كان بيكاسو يعيش في باريس عندما قرّر النازيون تحطيم الحفلة واحتلال العاصمة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية. وإذا كنت تعتقد انهم عاملوه معاملة الملوك فأنت مخطئ. لكنهم أيضا لم يتعرّضوا له أو يؤذوه بشيء.
    كان بيكاسو فنّانا "منحطّا" حسب تعريفهم وعضوا نشطا في الحزب الشيوعي الإسباني، وطوال الوقت كان الديكتاتور الاسباني فرانكو يلحّ على النازيين باعتقاله وترحيله حتى يتمكّن هو من إطلاق النار عليه بنفسه.
    ربّما لو كان شخصا آخر غير بيكاسو لأرسله النازيون إلى أقرب معسكر اعتقال. لكنهم لم يتخلّصوا منه بأيّ طريقة، بل سمحوا له بالاستمرار في عمله الى حدّ ما، ولكن على طريقة "نحن نراقبك يا صديق فانتبه".
    النازيّون لم يفهموا أجواء بيكاسو وفنّه. وقد وصفوا عمله بأنه "فنّ منحط" لأنهم كانوا يتمتعون بموهبة إغفال الأشياء المهمّة والمختلفة.
    بإمكانك تخيّل بيكاسو وهو يجلس في الاستوديو الخاص به في مونمارتر، محاطًا بلوحات يمكن بيع واحدة منها اليوم بأموال تفوق بكثير ما يمكن أن يجنيه انسان في أعوام طويلة. وهو يجلس هناك غير مكترث بشيء أبدا، بينما يخطو النازيّون جيئة وذهابا خارج محترفه.
    ويقال إنه عندما رأى ضابط ألماني لوحة بيكاسو المشهورة "غويرنيكا" التي تصوّر كوارث الحرب، سأل بيكاسو ما إذا كان هو الذي فعل ذلك "أي رسَم اللوحة". فأجاب بيكاسو بدهاء: لا، انت فعلت". وكان ردّا بليغا جدّا إن صحّت القصّة.
    باختصار، عومل بيكاسو من قبل النازيين كما يعامَل شخص غريب في حفل عائلي: تسامحوا معه وتجاهلوه في الغالب، لكنّهم لم يُسكتوه أبدا. واستمرّ بيكاسو في عمله وأثبث أن الفنّ الحقيقي لا يمكن سحقه أو مصادرته.


  • "ما تراه هو كلّ ما هنالك!"
    معنى هذه العبارة أن ما تنظر إليه في لحظة ما هو كلّ ما تراه، وليس هناك أشياء أخرى مخفيّة أو غير مرئية. لكن أذكى العلماء في العالم يقولون إن الأمر ليس كذلك في الواقع.
    تخيّل طيّارا يقود طائرة ليلاً في طقس سّيء. هو لا يستطيع إلقاء نظرة خاطفة على العالم خارج طائرته. وكلّ ما يملكه هو الأدوات الموجودة على لوحة القيادة الخاصّة بالطائرة، أي مؤشّرات السرعة وضغط الهواء وجميع أنواع المفاتيح التي تخبره عن عالم لا يستطيع رؤيته مباشرة.
    هذه المفاتيح موثوقة للغاية وتوفّر للطيّار ما يحتاجه للمناورة بأمان عبر بيئته. هل هي نفس البيئة؟ بالطبع لا. لمجرّد أن قائمة الطعام في مطعم يمكن أن تعطيك معلومات دقيقة عن الطعام، فهي ليست الطعام نفسه. القائمة ليست الوجبة. أو كما يقول رينيه ماغريت: هذا ليس غليونا بل صورته فحسب.
    ظاهريا، معظم الناس لا يمكنهم الخلط بين الاثنين. ومع ذلك هذا هو بالضبط ما يفعله البشر في كلّ وقت. ومن خلال النظر إلى عالمنا باعتباره ماديّا بشكل أساسي. كيف يتعامل الإنسان مع المادّة؟ اننا نفترض أنها حقيقة. لكن المادّة ليست سوى لوحة التحكّم لدينا، إنها الواجهة التي نستخدمها للتفاعل مع الواقع.
    وكلّ ما لدينا هو هذه "المؤشّرات او المفاتيح" التي نلمسها ونشمّها ونشعر بها. لذلك يخبرنا حدسنا أن هذه المؤشّرات هي كلّ ما هو موجود. وبهذا المعنى فإن طريقة تعامل الإنسان مع المادّة هي مثل الطيّارين الذين يطيرون بالآلات. بدون زجاج أمامي شفّاف، لا يمكننا أبدا رؤية الواقع الفعلي "في الخارج".
    كيف تمثّل الكائنات الحيّة بيئتها؟ اكتشف فريق من علماء الأعصاب أن الكائنات الحيّة لا بدّ أن تمثّل بيئتها بطريقة مشفّرة لكي تبقى على قيد الحياة. وكلّ الانواع، بما في ذلك الإنسان، لديها نظامها الخاصّ من الأقراص والمؤشّرات: الأشكال والألوان التي نراها، الأصوات التي نسمعها، والنكهات التي نتذوّقها. وما نراه هو "أفضل تخمين" تطوّري أنشأته بيولوجيّتنا. انه يرسم صورة جميلة، لكن الصورة ليست الحقيقة.
    هذا هو الاستنتاج المذهل الذي توصّل إليه فريق من جامعة كاليفورنيا. لقد أظهروا من خلال التحليل والتجريب أن حواسّنا مبنيّة تطوّريا لتكوين فكرة مفيدة، ولكنّها صورة غير حقيقية للواقع، بل واحدة تناسب بقاءنا.
    وكما يقول أحد العلماء: قد يبدو الأمر معقّدا للغاية، لكنه كلّه يتلخّص في السؤال الأهمّ على الإطلاق: ما هو الواقع؟ وإذا كان مختلفا تماما عن الألوان والأشكال والأصوات والأنسجة التي نسميها "المادّة"، فما هو إذن؟!

  • هذه حكاية قديمة جدّا عن رجل بخيل أخفى كيسا من العملات الذهبية تحت جذع شجرة في حديقته. وكان يذهب الى هناك كلّ أسبوع لينظر إلى الذهب لساعات ثم يغادر. وفي أحد الأيّام، وبطريقة ما، عرف لصّ بمكان الذهب فاستخرجه وسرقه. وعندما أتى البخيل بعد ذلك لينظر إلى كنزه، لم يجد سوى حفرة فارغة.
    فبدأ يصرخ ويلطم حزنا على ما حدث. وجاء إليه جيرانه مسرعين لاستطلاع الخبر. فلمّا علموا بالقصّة سأله أحدهم: هل استعملت شيئا من الذهب؟ فقال البخيل: لا. كنت فقط أنظر إليه كلّ أسبوع."
    فقال له الجار ساخرا: حسنا، مقابل النفع الذي قدّمه لك الذهب، من الأفضل أن تأتي الى هنا كلّ أسبوع كما كنت تفعل وتنظر إلى الحفرة وهذا يكفي."
    والعبرة من القصّة هي أن الثروة ليست مهمّة بحدّ ذاتها، إنما المهم أن نستفيد منها ونستمتع بها سواءً كنّا أغنياءَ أو فقراء.

  • Credits
    suite101.com
    pablopicasso.org