الرسّام الرومانسي الألماني كاسبار ديفيد فريدريش ولد عام 1774م، وكان احد كبار أنصار الطبيعة الرمزية في الرسم الأوربّي.
درس فريدريش في أكاديمية كوبنهاغن قبل أن يستقرّ في دريسدن. كما سافر كثيرا في أرجاء ألمانيا. ومناظره الطبيعية جميعها مستوحاة من طبيعة الشمال الألماني. وتتضمّن تصويرا جميلا للأشجار والتلال والموانئ والضباب الصباحي وغيرها من تأثيرات الضوء الذي يعتمد على الملاحظة اللصيقة للطبيعة.
وما يميّز أعمال فريدريش هو تحويله الطبيعة إلى معان رمزية، وغالبا دينية. ومناظره، التي تصوّر أودية ومساقط مياه غامضة وقمم جبال خطرة وبحاراً شاسعة من الثلج، تخلو غالبا من البشر. والطبيعة في هذه الصور ليست كريمة أو معطاءة، بل تبدو كما لو أنها تهديد مخيف ومستمرّ لاستقرار وطمأنينة الإنسان.
ومع ذلك، يُنظر إلى بعض لوحات فريدريش المشهورة كتعبير عن لحظات من التصوّف الديني. فقد رسم عددا كبيرا من الصور التي تهيمن فيها الصُلبان على الطبيعة. لكن التركيز الأساسي هو على الطبيعة ذاتها.
حتّى بعض لوحات فريدريش غير الرمزية بوضوح تحتوي على معان ورموز داخلية تدلّ عليها كتاباته لبعض أصدقائه. مثلا لوحته المسمّاة كنيسة في غابة السنديان تُظهِر منظرا طبيعيا تبدو فيه أطلال كنيسة مغمورة في الثلج. هذه اللوحة يمكن النظر إليها ظاهريا باعتبارها منظرا شتائياً كئيباً.
لكن اللوحة، من وجهة نظر الرسّام، تمثّل مؤسّسة الكنيسة التي تعصف بها حركة الإصلاح الديني. كما أنها تشير إلى تغيّر وتحوّل الأشياء على الأرض. وعلى مستوى آخر، كان الرومانسيون يجدون في هذه اللوحة استدعاءً أو تذكيرا بالأطلال والموت.
فريدريش كان يحبّ هذا النوع الخاصّ من الصور. وقد كرّر هذه الفكرة عديدا من المرّات في لوحاته.
لوحته الأخرى المسمّاة مقبرة دير في الثلج تُصوّر طللا ضخماً لدير قوطي في منتصف فصل الشتاء. الأشجار المحيطة بالدير عارية من أوراقها تماما، مثلما أن البناء نفسه يبدو بلا سقف وليس هناك مبان ملحقة به.
ومن الواضح أن الدير مهجور منذ زمن طويل. كما أنه تحوّل إلى مقبرة. ويمكن للمرء أن يرى علامات وشواهد القبور في مقدّمة اللوحة.
بالنسبة إلى كاسبار فريدريش، فإن هذا المنظر يمكن أن يرمز إلى عدّة أشياء دفعة واحدة. فهو يرمز إلى أفول الكنيسة القديمة التي كانت في ما مضى صرحا كبيرا للإيمان.
كما أنه يرمز للطبيعة التي تستعيد مكانها القديم. فأشجار السنديان تنمو الآن في نفس المكان الذي كان يقوم فيه الدير والحدائق المزروعة ذات زمن.
وعلى مستوى ثالث، يمكن اعتبار اللوحة رمزا للموت. فالأشجار تبدو بلا حياة، تماما كالدير.
كان فريدريش يميل إلى رسم مَشاهده في منتصف العام، عندما تتحوّل الظلال والضباب إلى أشياء ساكنة وغامضة.
وهو لم يكن يتوقّع من الجمهور أن يفهم ما كان يرمي إليه في لوحاته. ورغم انه كان شخصا محافظا جدّا وغير ميّال لانتقاد المجتمع أو الدين، إلا أن فهمه لأهداف الفنّ جعلته شخصا غريبا وغير منتمٍ. لذا أساء الناس فهمه معظم سنوات حياته.
والواقع أن فريدريش لم يكن يحظى في زمانه بتلك الشعبية الجماهيرية الكبيرة. ومع ذلك استمرّ يتبنّى النظرة التعبيرية في الفنّ وظلّ يرسم صورا جميلة بدا أحيانا أن مواضيعها شخصية وخاصّة.
لاحظ في الصورة التي فوق، مثلا، كيف انه بالرغم من قدراته غير العادية في تمثيل الأشجار إلا أنه لم يركّز على مظاهرها الجمالية فحسب.
ولسوء الحظ، فإن هذه اللوحة تعرّضت للتلف إثر غارة جويّة زمن الحرب العالمية الثانية. وكلّ ما تبقّى منها اليوم هو هذه الصورة الفوتوغرافية لها بالأسود والأبيض. لكن بسبب موضوعها، فإن غياب اللون ليس بالأمر المؤثّر كثيرا. وهي تسمح لنا برؤية كيف أن فريدريش أعاد معالجة لوحة غابة السنديان بحيث أعطاها معنى أكثر رمزية.
وما فعله الرسّام في اللوحة الثانية بحيث تبدو مختلفة عن النسخة المبكّرة هو انه أضفى على الأشجار فيها طابعاً من العظمة والفخامة. الأشجار هنا لا تبدو متطفّلة كما في اللوحة الأولى، بل تقف مثل أعمدة عملاقة تحرس المكان المقدّس وتوفّر له الحماية.
وحجارة المقبرة هي الأخرى تحوّلت إلى رهبان يمشون باتجاه الدير. طبعا الدير لم يعد هناك. والرهبان أيضا لم يعودوا موجودين، وإن كانت أشباحهم ما تزال تخيّم على المكان.
هذه اللوحة المعبّرة يمكن اعتبارها تأمّلا في تحوّل الأشياء على الأرض وسيرورتها وانتقالها من حال إلى حال.
درس فريدريش في أكاديمية كوبنهاغن قبل أن يستقرّ في دريسدن. كما سافر كثيرا في أرجاء ألمانيا. ومناظره الطبيعية جميعها مستوحاة من طبيعة الشمال الألماني. وتتضمّن تصويرا جميلا للأشجار والتلال والموانئ والضباب الصباحي وغيرها من تأثيرات الضوء الذي يعتمد على الملاحظة اللصيقة للطبيعة.
وما يميّز أعمال فريدريش هو تحويله الطبيعة إلى معان رمزية، وغالبا دينية. ومناظره، التي تصوّر أودية ومساقط مياه غامضة وقمم جبال خطرة وبحاراً شاسعة من الثلج، تخلو غالبا من البشر. والطبيعة في هذه الصور ليست كريمة أو معطاءة، بل تبدو كما لو أنها تهديد مخيف ومستمرّ لاستقرار وطمأنينة الإنسان.
ومع ذلك، يُنظر إلى بعض لوحات فريدريش المشهورة كتعبير عن لحظات من التصوّف الديني. فقد رسم عددا كبيرا من الصور التي تهيمن فيها الصُلبان على الطبيعة. لكن التركيز الأساسي هو على الطبيعة ذاتها.
حتّى بعض لوحات فريدريش غير الرمزية بوضوح تحتوي على معان ورموز داخلية تدلّ عليها كتاباته لبعض أصدقائه. مثلا لوحته المسمّاة كنيسة في غابة السنديان تُظهِر منظرا طبيعيا تبدو فيه أطلال كنيسة مغمورة في الثلج. هذه اللوحة يمكن النظر إليها ظاهريا باعتبارها منظرا شتائياً كئيباً.
لكن اللوحة، من وجهة نظر الرسّام، تمثّل مؤسّسة الكنيسة التي تعصف بها حركة الإصلاح الديني. كما أنها تشير إلى تغيّر وتحوّل الأشياء على الأرض. وعلى مستوى آخر، كان الرومانسيون يجدون في هذه اللوحة استدعاءً أو تذكيرا بالأطلال والموت.
فريدريش كان يحبّ هذا النوع الخاصّ من الصور. وقد كرّر هذه الفكرة عديدا من المرّات في لوحاته.
لوحته الأخرى المسمّاة مقبرة دير في الثلج تُصوّر طللا ضخماً لدير قوطي في منتصف فصل الشتاء. الأشجار المحيطة بالدير عارية من أوراقها تماما، مثلما أن البناء نفسه يبدو بلا سقف وليس هناك مبان ملحقة به.
ومن الواضح أن الدير مهجور منذ زمن طويل. كما أنه تحوّل إلى مقبرة. ويمكن للمرء أن يرى علامات وشواهد القبور في مقدّمة اللوحة.
بالنسبة إلى كاسبار فريدريش، فإن هذا المنظر يمكن أن يرمز إلى عدّة أشياء دفعة واحدة. فهو يرمز إلى أفول الكنيسة القديمة التي كانت في ما مضى صرحا كبيرا للإيمان.
كما أنه يرمز للطبيعة التي تستعيد مكانها القديم. فأشجار السنديان تنمو الآن في نفس المكان الذي كان يقوم فيه الدير والحدائق المزروعة ذات زمن.
وعلى مستوى ثالث، يمكن اعتبار اللوحة رمزا للموت. فالأشجار تبدو بلا حياة، تماما كالدير.
كان فريدريش يميل إلى رسم مَشاهده في منتصف العام، عندما تتحوّل الظلال والضباب إلى أشياء ساكنة وغامضة.
وهو لم يكن يتوقّع من الجمهور أن يفهم ما كان يرمي إليه في لوحاته. ورغم انه كان شخصا محافظا جدّا وغير ميّال لانتقاد المجتمع أو الدين، إلا أن فهمه لأهداف الفنّ جعلته شخصا غريبا وغير منتمٍ. لذا أساء الناس فهمه معظم سنوات حياته.
والواقع أن فريدريش لم يكن يحظى في زمانه بتلك الشعبية الجماهيرية الكبيرة. ومع ذلك استمرّ يتبنّى النظرة التعبيرية في الفنّ وظلّ يرسم صورا جميلة بدا أحيانا أن مواضيعها شخصية وخاصّة.
لاحظ في الصورة التي فوق، مثلا، كيف انه بالرغم من قدراته غير العادية في تمثيل الأشجار إلا أنه لم يركّز على مظاهرها الجمالية فحسب.
ولسوء الحظ، فإن هذه اللوحة تعرّضت للتلف إثر غارة جويّة زمن الحرب العالمية الثانية. وكلّ ما تبقّى منها اليوم هو هذه الصورة الفوتوغرافية لها بالأسود والأبيض. لكن بسبب موضوعها، فإن غياب اللون ليس بالأمر المؤثّر كثيرا. وهي تسمح لنا برؤية كيف أن فريدريش أعاد معالجة لوحة غابة السنديان بحيث أعطاها معنى أكثر رمزية.
وما فعله الرسّام في اللوحة الثانية بحيث تبدو مختلفة عن النسخة المبكّرة هو انه أضفى على الأشجار فيها طابعاً من العظمة والفخامة. الأشجار هنا لا تبدو متطفّلة كما في اللوحة الأولى، بل تقف مثل أعمدة عملاقة تحرس المكان المقدّس وتوفّر له الحماية.
وحجارة المقبرة هي الأخرى تحوّلت إلى رهبان يمشون باتجاه الدير. طبعا الدير لم يعد هناك. والرهبان أيضا لم يعودوا موجودين، وإن كانت أشباحهم ما تزال تخيّم على المكان.
هذه اللوحة المعبّرة يمكن اعتبارها تأمّلا في تحوّل الأشياء على الأرض وسيرورتها وانتقالها من حال إلى حال.