بلوحة واحدة وصادمة تصوّر مومساً في حالة استرخاء، دشّن إدوار مانيه العالم العاري والجريء للفنّ الحديث.
لم تكن مثل أيّ سيّدة متخففة تمّ رسمها من قبل. لم تكون حوّاء في الجنّة أو فينوس على سرير من الأمواج. ولم تكن إلهة أو ملاكا أو امرأة تغتسل بخجل وتراها العين على حين غرّة.
كانت امرأة معاصرة، لا تبدو خجولة أو مغطّاة، كما أنها ليست رمزا أو استعارة لشيء. كان اسمها فيكتورين موران. لكن إدوار مانيه كان يسمّيها اوليمبيا. وقد غيّرت كلّ شيء.
للوهلة الأولى، قد يتساءل المرء عن سبب كلّ هذه الضجّة. مانيه كان يعتبر نفسه رسّام طبيعة صامتة. وربّما هذا هو السبب في أن أوليمبيا تبدو بمثل هذا الغموض الصامت. هي تتمدّد بهدوء، بدون ثياب وبشكل صارخ، لكنّها ترتدي زينة كلاسيكية. فهناك وشاح أسود حول رقبتها وفردة نعال واحدة في قدمها اليسرى. الفردة الأخرى انزلقت بلا مبالاة. في أذنها زهرة قرنفل. يدها مثبّتة فوق حضنها. الزوايا الخارجية لفمها مرفوعة قليلا وكأنها على وشك الابتسام أو السخرية. عيناها ناعستان. لكنّ وضعية جلوسها متنبّهة بما لا يدع مجالا للشكّ. قارن بينها وبين أي أيّ حورية ساخنة ومبتذلة من عصر الباروك او الروكوكو. وسيتبيّن لك أنها رزينة بشكل ايجابي.
لكنّ هناك شيئا مختلفا في هذه الأنثى. فمن ناحية، هي لا تفعل شيئا. كما أنها تتجاهل باقة الورد التي تقدّمها لها خادمتها السمراء . وقطّتها الصغيرة، خاصّة ذيلها الموحي، تبرز من سفح سريرها. إنها لا تستحمّ ولا تحلم ولا تخلع ملابسها. ونحن في صحبتها، ندرك أنها امرأة متجردة وفي السرير، لنفس السبب الذي تجلس فيه أيّ امرأة متجردة في السرير. وهي تحيّي الناظر بنظرة نصفها دعوة ونصفها جرأة. إنها عشيقة، أو على الأرجح بغيّ. لكنّها يقيناً ليست شبحا اسمه الربيع.
ربّما كان مانيه أوّل فنّان صدم العالم. ونفوذه يتعدّى السمعة السيّئة التي ألصقت به. فهو كان مهذّبا وأنيقا ونبيلا. وقد روّعه ردّ الفعل القويّ على "أوليمبيا" بنفس القدر الذي روّعت فيه اللوحة النقّاد. كان مانيه رسّاما تدرّب على التقاليد الأكاديمية الرصينة. ولكن اندفاعه جعله غير متقيّد بها. كان يستلهم الواقعية الجريئة لـ غوستاف كوربيه والظلمة الأخروية للرسّامين الإسبان الكبار أمثال فيلاسكيز وغويا. وحتما، انجذب الشابّ مانيه إلى المواضيع الأقلّ تقليدية.
صحيح أن أسلوبه لم يكن يرتاح لرسم الملاك السمين. لكن هذا لا يعني أن مانيه كان ينظر إلى نفسه على انه لا منتمٍ. فقد كان يؤكّد على انه يرسم ببساطة ما كان يراه. وكان يعرض أعماله على الناس لأنه كان يبحث عن القبول. وما حصل عليه كان المزيد من النقد اللاذع، والمزيد من الشهرة والقوّة الدائمة التي ما كان ليحلم بها أبدا.
عندما عُرضت "أوليمبيا" في صالون باريس عام 1865 أشعلت فضيحة في أوساط الفنّ والأدب لم يسبق لها مثيل. انتزع النقّاد اللوحة من مكانها. والجمهور فعل تقريبا نفس الشيء.
انطوان بروست أشار في وقت لاحق إلى أنه "إن لم تكن اللوحة قد دُمرّت، فإن سبب ذلك كان الاحتياطات التي اتخذتها إدارة المعرض".
الأفكار الفيكتورية لم تكن مقتصرة على البريطانيين فقط. ولم يجرؤ فنّان جادّ على أن يرسم امرأة بمثل تلك السمعة السيّئة دون أن يلفّها على الأقلّ بذلك الرداء الغريب الذي يُلفّ به الحريم عادة. ومع ذلك كان هناك من نظر إلى اوليمبيا على أنها محاكاة ساخرة للوحة تيشيان "فينوس أوربينو". لكنها لم تكن كذلك. فـ مانيه لم يعرض فقط مجرّد بغيّ على أعين العالم. بل كانت لديه الجرأة لعبادتها أيضا. وكان هذا نوعا من التجديف. لكن من سوء حظّ منتقدي مانيه أن الصورة كانت أيضا رائعة.
القصّة تبدأ مع المرأة نفسها، مع الوجه الفتّان لـ فيكتورين موران. كانت موران موديل مانيه المفضّلة منذ وقت طويل. وكانت ملهمته ورفيقته وموضوعا للعديد من لوحاته. ولأكثر من عشر سنوات ابتكرها مانيه مرارا وتكرارا، مرّة كمصارعة ثيران ذات وجه صبياني، ومرّة كموسيقية شوارع، وثالثة كسيّدة كريمة ترتدي جلبابا ورديا.
في العام 1863، وهو العام نفسه الذي تزوّج فيه زوجته سوزان، رسم مانيه لوحتين عاريتين لـ موران، أشهرهما غداء على العشب، التي عرضها في الصالون، لكنّها رُفضت. فمنظر موران العارية في رحلة نزهة اعتُبر منظرا غريبا وغير لائق.
لم تكن مثل أيّ سيّدة متخففة تمّ رسمها من قبل. لم تكون حوّاء في الجنّة أو فينوس على سرير من الأمواج. ولم تكن إلهة أو ملاكا أو امرأة تغتسل بخجل وتراها العين على حين غرّة.
كانت امرأة معاصرة، لا تبدو خجولة أو مغطّاة، كما أنها ليست رمزا أو استعارة لشيء. كان اسمها فيكتورين موران. لكن إدوار مانيه كان يسمّيها اوليمبيا. وقد غيّرت كلّ شيء.
للوهلة الأولى، قد يتساءل المرء عن سبب كلّ هذه الضجّة. مانيه كان يعتبر نفسه رسّام طبيعة صامتة. وربّما هذا هو السبب في أن أوليمبيا تبدو بمثل هذا الغموض الصامت. هي تتمدّد بهدوء، بدون ثياب وبشكل صارخ، لكنّها ترتدي زينة كلاسيكية. فهناك وشاح أسود حول رقبتها وفردة نعال واحدة في قدمها اليسرى. الفردة الأخرى انزلقت بلا مبالاة. في أذنها زهرة قرنفل. يدها مثبّتة فوق حضنها. الزوايا الخارجية لفمها مرفوعة قليلا وكأنها على وشك الابتسام أو السخرية. عيناها ناعستان. لكنّ وضعية جلوسها متنبّهة بما لا يدع مجالا للشكّ. قارن بينها وبين أي أيّ حورية ساخنة ومبتذلة من عصر الباروك او الروكوكو. وسيتبيّن لك أنها رزينة بشكل ايجابي.
لكنّ هناك شيئا مختلفا في هذه الأنثى. فمن ناحية، هي لا تفعل شيئا. كما أنها تتجاهل باقة الورد التي تقدّمها لها خادمتها السمراء . وقطّتها الصغيرة، خاصّة ذيلها الموحي، تبرز من سفح سريرها. إنها لا تستحمّ ولا تحلم ولا تخلع ملابسها. ونحن في صحبتها، ندرك أنها امرأة متجردة وفي السرير، لنفس السبب الذي تجلس فيه أيّ امرأة متجردة في السرير. وهي تحيّي الناظر بنظرة نصفها دعوة ونصفها جرأة. إنها عشيقة، أو على الأرجح بغيّ. لكنّها يقيناً ليست شبحا اسمه الربيع.
ربّما كان مانيه أوّل فنّان صدم العالم. ونفوذه يتعدّى السمعة السيّئة التي ألصقت به. فهو كان مهذّبا وأنيقا ونبيلا. وقد روّعه ردّ الفعل القويّ على "أوليمبيا" بنفس القدر الذي روّعت فيه اللوحة النقّاد. كان مانيه رسّاما تدرّب على التقاليد الأكاديمية الرصينة. ولكن اندفاعه جعله غير متقيّد بها. كان يستلهم الواقعية الجريئة لـ غوستاف كوربيه والظلمة الأخروية للرسّامين الإسبان الكبار أمثال فيلاسكيز وغويا. وحتما، انجذب الشابّ مانيه إلى المواضيع الأقلّ تقليدية.
صحيح أن أسلوبه لم يكن يرتاح لرسم الملاك السمين. لكن هذا لا يعني أن مانيه كان ينظر إلى نفسه على انه لا منتمٍ. فقد كان يؤكّد على انه يرسم ببساطة ما كان يراه. وكان يعرض أعماله على الناس لأنه كان يبحث عن القبول. وما حصل عليه كان المزيد من النقد اللاذع، والمزيد من الشهرة والقوّة الدائمة التي ما كان ليحلم بها أبدا.
عندما عُرضت "أوليمبيا" في صالون باريس عام 1865 أشعلت فضيحة في أوساط الفنّ والأدب لم يسبق لها مثيل. انتزع النقّاد اللوحة من مكانها. والجمهور فعل تقريبا نفس الشيء.
انطوان بروست أشار في وقت لاحق إلى أنه "إن لم تكن اللوحة قد دُمرّت، فإن سبب ذلك كان الاحتياطات التي اتخذتها إدارة المعرض".
الأفكار الفيكتورية لم تكن مقتصرة على البريطانيين فقط. ولم يجرؤ فنّان جادّ على أن يرسم امرأة بمثل تلك السمعة السيّئة دون أن يلفّها على الأقلّ بذلك الرداء الغريب الذي يُلفّ به الحريم عادة. ومع ذلك كان هناك من نظر إلى اوليمبيا على أنها محاكاة ساخرة للوحة تيشيان "فينوس أوربينو". لكنها لم تكن كذلك. فـ مانيه لم يعرض فقط مجرّد بغيّ على أعين العالم. بل كانت لديه الجرأة لعبادتها أيضا. وكان هذا نوعا من التجديف. لكن من سوء حظّ منتقدي مانيه أن الصورة كانت أيضا رائعة.
القصّة تبدأ مع المرأة نفسها، مع الوجه الفتّان لـ فيكتورين موران. كانت موران موديل مانيه المفضّلة منذ وقت طويل. وكانت ملهمته ورفيقته وموضوعا للعديد من لوحاته. ولأكثر من عشر سنوات ابتكرها مانيه مرارا وتكرارا، مرّة كمصارعة ثيران ذات وجه صبياني، ومرّة كموسيقية شوارع، وثالثة كسيّدة كريمة ترتدي جلبابا ورديا.
في العام 1863، وهو العام نفسه الذي تزوّج فيه زوجته سوزان، رسم مانيه لوحتين عاريتين لـ موران، أشهرهما غداء على العشب، التي عرضها في الصالون، لكنّها رُفضت. فمنظر موران العارية في رحلة نزهة اعتُبر منظرا غريبا وغير لائق.
وربّما بسبب غضبه من ردود الفعل على اللوحة، انتظر مانيه سنتين كي يعرض العارية الأخرى. غير أن اوليمبيا تسبّبت في إحداث ضجّة اكبر
.
ما الذي اغضب الناس في اللوحة؟ قد يكون السبب أنها بدت غير متأثّرة ولا مبالية. فهي تحدّق بهدوء في الناظر وتضعه في الدور غير السهل لزبون يقف على باب بغيّ مغرية.
مانيه كان يسكن عالما كان يفترض فيه العامّة أن وظيفة المرأة هي التغذية وإشاعة الراحة وأن تكون مصدر إلهام أو إثارة، أي كلّ ما يتعلّق بدورها ومكانتها في المجتمع والأسرة.
لكن أوليمبيا، لسهولة الوصول إليها، تبدو مكتفية ذاتيا بشكل صارخ. ولا يوجد فيها شيء متواضع. بالنسبة لهواة جمع الفنّ والنساء، الذين يعتبرون الصنفين ممتلكات لهم، فإن اوليمبيا جرّدتهم من أوهامهم. جسدها قد نضج وحان قطافه. لكنّ كلّ شيء آخر، بما في ذلك المعنى الكامن وراء تلك الابتسامة الغامضة، تحتفظ به لنفسها.
من بين الأعمال العظيمة في تاريخ الفنّ، لا يوجد سوى القليل من تلك اللوحات التي تظهر فيها امرأة وهي تصوّب نظراتها المتحدّية وغير المساوِمة بشكل مباشر. الموناليزا تنظر بخجل إلى يسارها. وكذلك فتاة فيرمير ذات العقد اللؤلؤي. وفينوس بوتيتشيللي تنظر بطريقة حالمة إلى منتصف المسافة بينما تغرق في أفكارها الخاصّة. في حين أن مدام إكس لـ سارجنت تشيح برأسها بعيدا تماما. وعشرات المادونات تنظرن إلى الملائكة فوقهن بطريقة مفعمة بالنشوة، أو إلى أطفالهن أسفل منهنّ بحنان.
عندما تكون المرأة في مواجهة الناظر مباشرة في لوحة، فيُحتمل أن تكون ملكة وليست محظيّة. أوليمبيا تواجهنا عيناً لِعَين. إنها طريقة مبتكرة ومربكة. وهي، إلى حدّ ما، انتقام من طرف الفنّان.
النقّاد الذين لم يعتادوا على قلب الطاولات في وجوههم سارعوا إلى الرفض. فقد كرهوا الموضوع، وكرهوا الأسلوب المسطّح والبدائي، وكرهوا كلّ شيء في اللوحة. كتب احدهم يقول: ما هذه الجارية ذات البطن الأصفر، هذه الموديل الخسيسة، من التقطها ومن تمثّل؟" وقال آخر: هذا ابتذال لا يُصدّق". وأعلن ثالث: الفنّ الوضيع لا يستحقّ حتى اللوم".
مانيه أحسّ بالدمار. اشتكى لصديقه الشاعر بودلير قائلا: الإهانات تنهال عليّ كالمطر". لكن بينما نظر الكثيرون إلى اوليمبيا كرمز للفساد والتفسّخ، رأى فيها آخرون رمزا للانتصار. اميل زولا اعتبرها تحفة مانيه والتعبير المتميّز عن موهبته القويّة".
وسأل مانيه نفسه: لماذا يتعيّن عليّ أن أكذب، لماذا لا أقول الحقيقة؟" لكن الحقيقة جاءت بكلفة عالية. ورغم أنه واصل الرسم وعرض لوحاته بقيّة حياته، إلا أنه ظلّ هدفا لهجوم وازدراء العامّة. لم يكن مانيه يسعى للإساءة. كان ببساطة يرسم بأفضل طريقة كان يعرفها. تقنياته المبتكرة واختياراته غير التقليدية لمواضيعه أنتجت في نهاية المطاف جيلا جديدا من الفنّانين.
وعلى الرغم من انه رفض أن يُصَوّر نفسه كمعلّم، إلا أن من أتوا بعده أشادوا به باعتباره الأب الروحي للانطباعية. وكان في طليعة الرسّامين الذين مجّدوا، ليس فقط الشخصيات الأسطورية، وإنما أيضا وهَج شاربي الابسنث والبغايا.
أثناء حياة الرسّام، لم تنل أوليمبيا أبدا الثناء الذي تستحقّه. لكنها ظلّت تكبر مع الأيّام. وبعد سنوات من وفاة مانيه، عرض كلود مونيه اللوحة على الحكومة الفرنسية، وأصبحت منذ ذلك الحين منظرا ثابتا في المتحف الباريسي. كان مانيه سيُسرّ لو علم بذلك. وكان يقول: الزمن نفسه يعمل على اللوحات بصورة تدريجية".
يحتاج المرء فقط لأن يتشمّس في الجمال المُسْكر لـ أوليمبيا، والظلال بين أصابعها، ومنحنيات بطنها، وتباينات الضوء والظلام، كي يفهم عمق موهبة مانيه. وعندما ننظر بشكل أعمق إلى تعقيدات وتناقضات وجمال ووحشية عمله، فإن عبقريته الحقيقية سرعان ما تظهر. لم يكن الفنّ بالنسبة لـ مانيه قصّة عن الآلهة أو القدّيسين أو الملوك. كان الفنّ عنده عن الحياة الحقيقية والعادية للناس.
لقد اظهر مانيه إلى الضوء العالم الخفيّ للحياة اليومية وجعله ملحوظا. وتعاطفه يبدو جليّا في كلّ ضربة فرشاة وفي كلّ خط في هذه اللوحة. اوليمبيا ربّما تحاول أن تحجب قلبها. لكننا، نحن الذين لا حيلة لنا، ما نزال واقعين تحت تأثير سحرها وغموضها. .
ما الذي اغضب الناس في اللوحة؟ قد يكون السبب أنها بدت غير متأثّرة ولا مبالية. فهي تحدّق بهدوء في الناظر وتضعه في الدور غير السهل لزبون يقف على باب بغيّ مغرية.
مانيه كان يسكن عالما كان يفترض فيه العامّة أن وظيفة المرأة هي التغذية وإشاعة الراحة وأن تكون مصدر إلهام أو إثارة، أي كلّ ما يتعلّق بدورها ومكانتها في المجتمع والأسرة.
لكن أوليمبيا، لسهولة الوصول إليها، تبدو مكتفية ذاتيا بشكل صارخ. ولا يوجد فيها شيء متواضع. بالنسبة لهواة جمع الفنّ والنساء، الذين يعتبرون الصنفين ممتلكات لهم، فإن اوليمبيا جرّدتهم من أوهامهم. جسدها قد نضج وحان قطافه. لكنّ كلّ شيء آخر، بما في ذلك المعنى الكامن وراء تلك الابتسامة الغامضة، تحتفظ به لنفسها.
من بين الأعمال العظيمة في تاريخ الفنّ، لا يوجد سوى القليل من تلك اللوحات التي تظهر فيها امرأة وهي تصوّب نظراتها المتحدّية وغير المساوِمة بشكل مباشر. الموناليزا تنظر بخجل إلى يسارها. وكذلك فتاة فيرمير ذات العقد اللؤلؤي. وفينوس بوتيتشيللي تنظر بطريقة حالمة إلى منتصف المسافة بينما تغرق في أفكارها الخاصّة. في حين أن مدام إكس لـ سارجنت تشيح برأسها بعيدا تماما. وعشرات المادونات تنظرن إلى الملائكة فوقهن بطريقة مفعمة بالنشوة، أو إلى أطفالهن أسفل منهنّ بحنان.
عندما تكون المرأة في مواجهة الناظر مباشرة في لوحة، فيُحتمل أن تكون ملكة وليست محظيّة. أوليمبيا تواجهنا عيناً لِعَين. إنها طريقة مبتكرة ومربكة. وهي، إلى حدّ ما، انتقام من طرف الفنّان.
النقّاد الذين لم يعتادوا على قلب الطاولات في وجوههم سارعوا إلى الرفض. فقد كرهوا الموضوع، وكرهوا الأسلوب المسطّح والبدائي، وكرهوا كلّ شيء في اللوحة. كتب احدهم يقول: ما هذه الجارية ذات البطن الأصفر، هذه الموديل الخسيسة، من التقطها ومن تمثّل؟" وقال آخر: هذا ابتذال لا يُصدّق". وأعلن ثالث: الفنّ الوضيع لا يستحقّ حتى اللوم".
مانيه أحسّ بالدمار. اشتكى لصديقه الشاعر بودلير قائلا: الإهانات تنهال عليّ كالمطر". لكن بينما نظر الكثيرون إلى اوليمبيا كرمز للفساد والتفسّخ، رأى فيها آخرون رمزا للانتصار. اميل زولا اعتبرها تحفة مانيه والتعبير المتميّز عن موهبته القويّة".
وسأل مانيه نفسه: لماذا يتعيّن عليّ أن أكذب، لماذا لا أقول الحقيقة؟" لكن الحقيقة جاءت بكلفة عالية. ورغم أنه واصل الرسم وعرض لوحاته بقيّة حياته، إلا أنه ظلّ هدفا لهجوم وازدراء العامّة. لم يكن مانيه يسعى للإساءة. كان ببساطة يرسم بأفضل طريقة كان يعرفها. تقنياته المبتكرة واختياراته غير التقليدية لمواضيعه أنتجت في نهاية المطاف جيلا جديدا من الفنّانين.
وعلى الرغم من انه رفض أن يُصَوّر نفسه كمعلّم، إلا أن من أتوا بعده أشادوا به باعتباره الأب الروحي للانطباعية. وكان في طليعة الرسّامين الذين مجّدوا، ليس فقط الشخصيات الأسطورية، وإنما أيضا وهَج شاربي الابسنث والبغايا.
أثناء حياة الرسّام، لم تنل أوليمبيا أبدا الثناء الذي تستحقّه. لكنها ظلّت تكبر مع الأيّام. وبعد سنوات من وفاة مانيه، عرض كلود مونيه اللوحة على الحكومة الفرنسية، وأصبحت منذ ذلك الحين منظرا ثابتا في المتحف الباريسي. كان مانيه سيُسرّ لو علم بذلك. وكان يقول: الزمن نفسه يعمل على اللوحات بصورة تدريجية".
يحتاج المرء فقط لأن يتشمّس في الجمال المُسْكر لـ أوليمبيا، والظلال بين أصابعها، ومنحنيات بطنها، وتباينات الضوء والظلام، كي يفهم عمق موهبة مانيه. وعندما ننظر بشكل أعمق إلى تعقيدات وتناقضات وجمال ووحشية عمله، فإن عبقريته الحقيقية سرعان ما تظهر. لم يكن الفنّ بالنسبة لـ مانيه قصّة عن الآلهة أو القدّيسين أو الملوك. كان الفنّ عنده عن الحياة الحقيقية والعادية للناس.
لقد اظهر مانيه إلى الضوء العالم الخفيّ للحياة اليومية وجعله ملحوظا. وتعاطفه يبدو جليّا في كلّ ضربة فرشاة وفي كلّ خط في هذه اللوحة. اوليمبيا ربّما تحاول أن تحجب قلبها. لكننا، نحن الذين لا حيلة لنا، ما نزال واقعين تحت تأثير سحرها وغموضها. .
Credits
musee-orsay.fr
thecrimson.com
musee-orsay.fr
thecrimson.com