ترى ما الذي سيحدث لو اختفى البشر فجأة من الأرض؟ كيف سيعيد هذا الكوكب إصلاح سطحه؟ وكيف يمكن أن تتصرّف الطبيعة في غياب الضغط المستمرّ عليها من البشر؟ وما هي المخلوقات التي ستظهر من الظلام وتندفع بأعداد كبيرة إلى سطح الأرض؟ والى أيّ مدى يمكن لهياكلنا الثمينة، من أنفاق ومنازل وجسور وسدود وغيرها، أن تدوم في كوكب لم يعد يخضع لتدخّل البشر؟
هذه هي بعض الأسئلة التي يحاول العالم آلان فايتزمان الإجابة عنها في كتابه "العالم من دوننا". وفايتزمان يتخيّل بالتفصيل اضمحلال وتلاشي مظاهر الحضارة المادّية من الأرض التي اختفى منها البشر. وهو لا يقدّم تفسيرا لفرضية انقراضنا كبشر. ولكن الشعور بكارثة بيئية يخيّم بشدّة على الكتاب، وهي فرضية تأتي مباشرة من كتب الخيال العلمي.
فكرة تأليف الكتاب ولدت في ذهن الكاتب قبل سنوات عندما كتب مقالا يبدي فيه تعجّبه كيف أن الطبيعة في موقع تشيرنوبيل النووي تمكّنت من إصلاح نفسها بسرعة في أعقاب كارثة عام 1986 بعد أن اجلي عن المنطقة جميع قاطنيها من البشر.
وقد ذهب الكاتب إلى منطقة الحدود بين أوكرانيا وروسيا البيضاء ورأى هناك بقايا سليمة لحوالي خمسة آلاف فدّان من الغابات البدائية التي كانت تغطّي أوروبّا ذات زمن من سيبيريا إلى ايرلندا. وأمام منظر أشجار الزيزفون وغيرها من الأشجار التي تنمو هناك بكثافة، أحسّ فايتزمان انه في غابة تشبه غابات الحكايات الخرافية. "شعرت أن المكان مألوف وأنني في بيتي. وأدركت أن الناس يريدون حقّا أن يعود ذلك الزمن".
وقد فكّر الكاتب في محاولة استكشاف فكرة أخرى من خلال طرح هذا السؤال عن ما الذي سيحدث لو اختفى البشر فجأة من على وجه الأرض؟ هذا هو السؤال الذي يعيد فايتزمان النظر فيه بتعمّق أكبر في هذا الكتاب. وهو يفتتح الفصول الأولى من كتابه بتوضيح ما الذي سيحلّ بالأرض إذا ما غاب عنها البشر فيقول:
بعد يومين فقط، ومع عدم وجود فنّيي صيانة يعالجون المضخّات، سيغمر الفيضان جميع الأنفاق في مدن العالم الكبرى.
وفي غضون أسابيع من اختفاء البشر، ستنفذ إمدادات وقود الطوارئ الذي يغذّي المولّدات التي توصل مياه التبريد إلى قلب المفاعلات النووية. ومن ثمّ ستنصهر جميع المحطّات النووية التي يربو عددها على الأربعمائة وتتحوّل إلى نقاط مشعّة، بينما تتحوّل مصانع البتروكيماويات إلى سخّانات مشتعلة تقذف بالسموم واللهب لعقود قادمة.
وخلال 20 عاما، ستتآكل وتنثني أعمدة الصلب التي تدعم الشوارع في المدن الكبرى كنيويورك ولندن وغيرهما نتيجة غمرها بالماء.
وفي جميع أنحاء العالم، ستتحوّل الخضار والفاكهة التي اعتدنا تناولها إلى أنواع برّية أقلّ قابلية للأكل. وخلال الفترة نفسها، ستأتي النار والرياح على ناطحات السحاب وغيرها من المباني الشاهقة في العالم وستنهار في النهاية مثل جذوع الأشجار العملاقة والخاوية.
وفي حوالي مائة عام، سيتضاعف عدد الفيلة على الأرض عشرين مرّة بسبب انتهاء تجارة العاج. وسوف تجد الحيوانات المفترسة الصغيرة مثل الراكون والثعالب منافسين جددا لها في هيئة القطط المنزلية والكلاب التي ستصبح حيوانات متوحّشة وتنافسها على الغذاء.
وخلال ثلاثمائة عام، ستنهار الجسور والسدود بسبب امتلائها بالغرين وغمرها بالمياه.
وبعد خمسمائة عام، ستتحوّل ضواحي المدن بالكامل إلى غابات.
وفي خلال خمسة وثلاثين ألف عام، ستكون التربة قد تطهّرت تماما من الرصاص المترسّب فيها بفعل المداخن الإنتاجية.
وبعد مائة ألف عام، أو ربّما أكثر، ستعود نسب ثاني أكسيد الكربون إلى مستوياتها في فترة ما قبل وجود الإنسان.
وبعد عشرة ملايين عام، سيكون ما يزال ممكنا رؤية المنحوتات البرونزية التي شُيّدت على الأرض.
وخلال خمسة مليارات عام أو أكثر، سوف تحترق الأرض نفسها عندما تموت الشمس.
وبعد أكثر من خمسة مليارات عام، ستستمرّ موجات الراديو والتلفزيون الأرضية في السفر إلى أعماق الفضاء الخارجيّ ولأجل غير مسمى.
وخارج هذه المناطق الساخنة، يرسم فايتزمان صورة لعالم يتحوّل ببطء مرّة أخرى إلى البرّية. فبعد حوالي مائة ألف عام، ستعود الأنواع المدجّنة من الماشية إلى طبيعة وحياة أسلافها البرّية والمتوحّشة.
وفوق كلّ قارّة أصبحت غير مأهولة، ستحلّ الغابات والمراعي محلّ المزارع ومواقف السيارات والبيوت. وستبدأ الحيوانات في العودة البطيئة مرّة أخرى إلى "جنّة عدن".
ثمّ يبحث المؤلّف في طبيعة تأثيرنا كبشر على كوكب الأرض حتى الآن. ويتساءل: كيف يمكن أن نكتشف وجه العالم من دوننا من غير أن نتحقّق من مدى تأثير وجودنا عليه؟
هذه هي بعض الأسئلة التي يحاول العالم آلان فايتزمان الإجابة عنها في كتابه "العالم من دوننا". وفايتزمان يتخيّل بالتفصيل اضمحلال وتلاشي مظاهر الحضارة المادّية من الأرض التي اختفى منها البشر. وهو لا يقدّم تفسيرا لفرضية انقراضنا كبشر. ولكن الشعور بكارثة بيئية يخيّم بشدّة على الكتاب، وهي فرضية تأتي مباشرة من كتب الخيال العلمي.
فكرة تأليف الكتاب ولدت في ذهن الكاتب قبل سنوات عندما كتب مقالا يبدي فيه تعجّبه كيف أن الطبيعة في موقع تشيرنوبيل النووي تمكّنت من إصلاح نفسها بسرعة في أعقاب كارثة عام 1986 بعد أن اجلي عن المنطقة جميع قاطنيها من البشر.
وقد ذهب الكاتب إلى منطقة الحدود بين أوكرانيا وروسيا البيضاء ورأى هناك بقايا سليمة لحوالي خمسة آلاف فدّان من الغابات البدائية التي كانت تغطّي أوروبّا ذات زمن من سيبيريا إلى ايرلندا. وأمام منظر أشجار الزيزفون وغيرها من الأشجار التي تنمو هناك بكثافة، أحسّ فايتزمان انه في غابة تشبه غابات الحكايات الخرافية. "شعرت أن المكان مألوف وأنني في بيتي. وأدركت أن الناس يريدون حقّا أن يعود ذلك الزمن".
وقد فكّر الكاتب في محاولة استكشاف فكرة أخرى من خلال طرح هذا السؤال عن ما الذي سيحدث لو اختفى البشر فجأة من على وجه الأرض؟ هذا هو السؤال الذي يعيد فايتزمان النظر فيه بتعمّق أكبر في هذا الكتاب. وهو يفتتح الفصول الأولى من كتابه بتوضيح ما الذي سيحلّ بالأرض إذا ما غاب عنها البشر فيقول:
بعد يومين فقط، ومع عدم وجود فنّيي صيانة يعالجون المضخّات، سيغمر الفيضان جميع الأنفاق في مدن العالم الكبرى.
وفي غضون أسابيع من اختفاء البشر، ستنفذ إمدادات وقود الطوارئ الذي يغذّي المولّدات التي توصل مياه التبريد إلى قلب المفاعلات النووية. ومن ثمّ ستنصهر جميع المحطّات النووية التي يربو عددها على الأربعمائة وتتحوّل إلى نقاط مشعّة، بينما تتحوّل مصانع البتروكيماويات إلى سخّانات مشتعلة تقذف بالسموم واللهب لعقود قادمة.
وخلال 20 عاما، ستتآكل وتنثني أعمدة الصلب التي تدعم الشوارع في المدن الكبرى كنيويورك ولندن وغيرهما نتيجة غمرها بالماء.
وفي جميع أنحاء العالم، ستتحوّل الخضار والفاكهة التي اعتدنا تناولها إلى أنواع برّية أقلّ قابلية للأكل. وخلال الفترة نفسها، ستأتي النار والرياح على ناطحات السحاب وغيرها من المباني الشاهقة في العالم وستنهار في النهاية مثل جذوع الأشجار العملاقة والخاوية.
وفي حوالي مائة عام، سيتضاعف عدد الفيلة على الأرض عشرين مرّة بسبب انتهاء تجارة العاج. وسوف تجد الحيوانات المفترسة الصغيرة مثل الراكون والثعالب منافسين جددا لها في هيئة القطط المنزلية والكلاب التي ستصبح حيوانات متوحّشة وتنافسها على الغذاء.
وخلال ثلاثمائة عام، ستنهار الجسور والسدود بسبب امتلائها بالغرين وغمرها بالمياه.
وبعد خمسمائة عام، ستتحوّل ضواحي المدن بالكامل إلى غابات.
وفي خلال خمسة وثلاثين ألف عام، ستكون التربة قد تطهّرت تماما من الرصاص المترسّب فيها بفعل المداخن الإنتاجية.
وبعد مائة ألف عام، أو ربّما أكثر، ستعود نسب ثاني أكسيد الكربون إلى مستوياتها في فترة ما قبل وجود الإنسان.
وبعد عشرة ملايين عام، سيكون ما يزال ممكنا رؤية المنحوتات البرونزية التي شُيّدت على الأرض.
وخلال خمسة مليارات عام أو أكثر، سوف تحترق الأرض نفسها عندما تموت الشمس.
وبعد أكثر من خمسة مليارات عام، ستستمرّ موجات الراديو والتلفزيون الأرضية في السفر إلى أعماق الفضاء الخارجيّ ولأجل غير مسمى.
وخارج هذه المناطق الساخنة، يرسم فايتزمان صورة لعالم يتحوّل ببطء مرّة أخرى إلى البرّية. فبعد حوالي مائة ألف عام، ستعود الأنواع المدجّنة من الماشية إلى طبيعة وحياة أسلافها البرّية والمتوحّشة.
وفوق كلّ قارّة أصبحت غير مأهولة، ستحلّ الغابات والمراعي محلّ المزارع ومواقف السيارات والبيوت. وستبدأ الحيوانات في العودة البطيئة مرّة أخرى إلى "جنّة عدن".
ثمّ يبحث المؤلّف في طبيعة تأثيرنا كبشر على كوكب الأرض حتى الآن. ويتساءل: كيف يمكن أن نكتشف وجه العالم من دوننا من غير أن نتحقّق من مدى تأثير وجودنا عليه؟
ماذا لو اختفى الجنس البشري بأكمله من هذا الكوكب بسبب وباء أو كارثة طبيعية أو حرب نووية أو بفعل قوّة غيبية أو مجهولة؟ كيف ستبدو الأمور؟ هذا السؤال لا يمكن استبعاده. وبعضنا ربّما يفضّلون عدم التفكير في مثل هذا الاحتمال، في حين قد يجد آخرون أن الفكرة لا يمكن استبعادها.
غاية فايتزمان من وراء طرح هذه الفرضية، أي الفناء المحتمل للجنس البشري، هي إطلاق نداء بيئيّ للعمل سريعا من اجل إنقاذ الكوكب قبل فوات الأوان. وعلى عكس الكتب التي لا تعدّ ولا تحصى التي تورد سيناريوهات مبتذلة عن يوم القيامة، يصف الكاتب بأسلوب سردي مقنع ما أحدثه البشر من تدمير وإفساد للأرض خلال هذه الفترة القصيرة من وجودهم عليها.
رجال الصيانة يبدو أنهم أبطال هذا الكتاب بلا منافس. فبدون يقظتهم وجهدهم، فإن كلّ شيء ينهار. فهم الأساس الذي تقوم عليه الحضارة. وفي مدينة مثل نيويورك المبنيّة على أربعين نهرا، يجب أن يُضخّ مائة وثلاثون مليون غالون من المياه كلّ يوم. ولو توقّف الضخّ فإن الماء يفيض بسرعة ولن يمضي وقت طويل حتى تفقد المباني الطويلة أساساتها وتسقط.
وبينما تتآكل المباني بسبب المياه في أسفلها، ستكون أيضا عرضة لهجوم مماثل من السماء، عندما يأخذ المطر طريقه عبر تسريبات الأسقف ليتسبّب في صدأ المعادن ويلتهم كلّ شيء آخر في طريقه باستثناء الحجر. وعندما تستولي النباتات والحيوانات كالذئاب والدببة على المدينة، لن يعود موجودا هناك سوى تلك المباني المشيّدة من الرخام والذي يدوم إلى الأبد.
ويرى المؤلّف أن البلاستيك سوف يشكّل مشكلة بالنسبة للكوكب ولسكّانه لفترة طويلة بعد أن نكون نحن البشر قد ذهبنا. فعلى الرغم من أننا بدأنا إنتاج هذه المادّة قبل خمسين عاما فقط، إلا أن كلّ ذلك البلاستيك لا يزال موجودا في مكان ما من البيئة. وقد قام الإنسان بالفعل بإلقاء الكثير منه في المحيطات لدرجة أن بليون طن من البلاستيك عالق في دوّامات المحيطات، حيث تتحلّل كتل البلاستيك الضخمة ببطء إلى قطع اصغر تخنق الحياة البحرية وتزيد تلوّث محيطات وبحار العالم.
ويوسّع فايتزمان دراسته لتشمل التأثير التراكمي الهائل للإنسان على هذا الكوكب. ويستشير خبراء من جميع أنحاء العالم في كافة العلوم والتخصّصات، لافتا انتباهنا إلى طرق عديدة يمكن من خلالها إثبات دور البشر المدمّر في الإجهاز على الكثير من مظاهر الحياة النباتية والحيوانية على الأرض.
ويورد أمثلة على تأثير الصدمة الذي يتّسم به وجود الإنسان على الكائنات الأخرى، سواءً تلك التي ما تزال موجودة أو التي تسبّبنا بالفعل في دفعها للانقراض، فيقول إن حوالي سبعين مليون طائر تُقتل سنويا دهسا بالسيّارات. كما يتحدّث عن مائة مليون من اسماك القرش يجري انتزاع زعانفها الظهرية والصدرية سنويا لاستخدامها في تحضير الطبق الصينيّ المسمّى "حساء زعانف القرش"، قبل أن يُلقى بتلك الأسماك مرّة أخرى إلى قاع المحيط لتغرق هناك وتموت.
ترى ما الشيء المغري الذي يجده بعض الكتّاب، وحتى النقّاد والناس العاديّين، في فكرة الإبادة البشرية الكاملة؟ هل هو المزاج العدمي الذي يجعلهم مهجوسين بالسيناريو الذي يرسمه هذا الكتاب وعشرات كتب الخيال العلمي التي قد تكون في النهاية نتاجا لما وصفه الفيلسوف جون غراي بأنه "ثقافة مصابة بالذهول بسبب انكشاف هشاشتها"؟
إذا نحّينا جانبا سيناريوهات يوم القيامة، فإن الحقيقة هي أن لا شيء من المحتمل أن يتسبّب في إبادة البشر بشكل تام. حتى لو تخيّلنا انتشار فيروس بقوّة قتل تعادل تسعة وتسعين في المائة، فإنه سيترك أكثر من نصف مليون ناج ممّن لديهم مناعة طبيعية ويمكنهم من خلال التناسل إعادة ملء الأرض إلى المستويات الحالية في بضعة آلاف من السنين.
احد النقّاد يعلّق ساخرا على التكهّنات القائلة بانقراض البشر بحرب نووية أو بكارثة طبيعية بقوله: حتى لو انقرض معظم البشر من الأرض فإن الأمر لن يكون بذلك السوء الذي نتخيّله. فبعد الصدمة الأولى، ستنظر حولك لتكتشف أن العالم أصبح في الواقع أفضل. ستنتهي الصراعات على الموارد ولن تُهدر حياة البشر في الحروب بعد الآن. والبشر القليلون الذين ستُكتب لهم النجاة بعد الكارثة سيستمتعون ولا شك بهواء نقيّ وبمنظر غروب شمس هادئ وسيتمكّنون من إعادة الكوكب في أقرب وقت إلى ما يشبه الجنّة. الشيء الوحيد الذي يمكن أن نتنبّأ به هو أن الحياة سوف تستمرّ وأنها ستكون مثيرة للاهتمام".
ويقول ناقد آخر: من المطمئن أن يعرف البشر هذه المعلومة جيّدا، وهي أن الميكروبات لا تهتمّ كثيرا بما إذا كنّا، نحن البشر، هنا على هذه الأرض أم لا. لسنا شيئا مثيرا بالنسبة لها. الميكروبات كانت موجودة وما تزال، على الأرض منذ بلايين السنين. وفي نهاية المطاف، عندما تتمدّد الشمس، ستكون هذه الميكروبات هي كلّ ما يتبقّى لبلايين أخرى من السنين. هذه الحقيقة البسيطة والباردة من شأنها أن تضع الأمور في نصابها في ما يتعلّق بمكاننا وأهمّيتنا كبشر في هذا الكون.
مؤلّف هذا الكتاب، آلان فايتزمان، هو صحفي ومؤلّف لثلاثة كتب أخرى. وأثناء تحضيره لمادّة الكتاب، سافر إلى بقايا الغابات البدائية في أوربّا وإلى ابعد مناطق المحيط الهادئ، وأجرى العديد من المقابلات مع علماء البيولوجيا التطوّرية وعلماء الآثار وخبراء الفنّ في جهده ليرسم صورة لهذا الكوكب في مرحلة ما بعد الإنسان.
وليس من المستغرب أن يختتم فايتزمان كتابه بلفت انتباه القرّاء إلى أهمّية دور جماعات ومنظّمات حماية البيئة التي تحاول تنبيه البشر لمخاطر وجودهم الكارثيّ والأنانيّ على البيئة والكائنات الأخرى.
غاية فايتزمان من وراء طرح هذه الفرضية، أي الفناء المحتمل للجنس البشري، هي إطلاق نداء بيئيّ للعمل سريعا من اجل إنقاذ الكوكب قبل فوات الأوان. وعلى عكس الكتب التي لا تعدّ ولا تحصى التي تورد سيناريوهات مبتذلة عن يوم القيامة، يصف الكاتب بأسلوب سردي مقنع ما أحدثه البشر من تدمير وإفساد للأرض خلال هذه الفترة القصيرة من وجودهم عليها.
رجال الصيانة يبدو أنهم أبطال هذا الكتاب بلا منافس. فبدون يقظتهم وجهدهم، فإن كلّ شيء ينهار. فهم الأساس الذي تقوم عليه الحضارة. وفي مدينة مثل نيويورك المبنيّة على أربعين نهرا، يجب أن يُضخّ مائة وثلاثون مليون غالون من المياه كلّ يوم. ولو توقّف الضخّ فإن الماء يفيض بسرعة ولن يمضي وقت طويل حتى تفقد المباني الطويلة أساساتها وتسقط.
وبينما تتآكل المباني بسبب المياه في أسفلها، ستكون أيضا عرضة لهجوم مماثل من السماء، عندما يأخذ المطر طريقه عبر تسريبات الأسقف ليتسبّب في صدأ المعادن ويلتهم كلّ شيء آخر في طريقه باستثناء الحجر. وعندما تستولي النباتات والحيوانات كالذئاب والدببة على المدينة، لن يعود موجودا هناك سوى تلك المباني المشيّدة من الرخام والذي يدوم إلى الأبد.
ويرى المؤلّف أن البلاستيك سوف يشكّل مشكلة بالنسبة للكوكب ولسكّانه لفترة طويلة بعد أن نكون نحن البشر قد ذهبنا. فعلى الرغم من أننا بدأنا إنتاج هذه المادّة قبل خمسين عاما فقط، إلا أن كلّ ذلك البلاستيك لا يزال موجودا في مكان ما من البيئة. وقد قام الإنسان بالفعل بإلقاء الكثير منه في المحيطات لدرجة أن بليون طن من البلاستيك عالق في دوّامات المحيطات، حيث تتحلّل كتل البلاستيك الضخمة ببطء إلى قطع اصغر تخنق الحياة البحرية وتزيد تلوّث محيطات وبحار العالم.
ويوسّع فايتزمان دراسته لتشمل التأثير التراكمي الهائل للإنسان على هذا الكوكب. ويستشير خبراء من جميع أنحاء العالم في كافة العلوم والتخصّصات، لافتا انتباهنا إلى طرق عديدة يمكن من خلالها إثبات دور البشر المدمّر في الإجهاز على الكثير من مظاهر الحياة النباتية والحيوانية على الأرض.
ويورد أمثلة على تأثير الصدمة الذي يتّسم به وجود الإنسان على الكائنات الأخرى، سواءً تلك التي ما تزال موجودة أو التي تسبّبنا بالفعل في دفعها للانقراض، فيقول إن حوالي سبعين مليون طائر تُقتل سنويا دهسا بالسيّارات. كما يتحدّث عن مائة مليون من اسماك القرش يجري انتزاع زعانفها الظهرية والصدرية سنويا لاستخدامها في تحضير الطبق الصينيّ المسمّى "حساء زعانف القرش"، قبل أن يُلقى بتلك الأسماك مرّة أخرى إلى قاع المحيط لتغرق هناك وتموت.
ترى ما الشيء المغري الذي يجده بعض الكتّاب، وحتى النقّاد والناس العاديّين، في فكرة الإبادة البشرية الكاملة؟ هل هو المزاج العدمي الذي يجعلهم مهجوسين بالسيناريو الذي يرسمه هذا الكتاب وعشرات كتب الخيال العلمي التي قد تكون في النهاية نتاجا لما وصفه الفيلسوف جون غراي بأنه "ثقافة مصابة بالذهول بسبب انكشاف هشاشتها"؟
إذا نحّينا جانبا سيناريوهات يوم القيامة، فإن الحقيقة هي أن لا شيء من المحتمل أن يتسبّب في إبادة البشر بشكل تام. حتى لو تخيّلنا انتشار فيروس بقوّة قتل تعادل تسعة وتسعين في المائة، فإنه سيترك أكثر من نصف مليون ناج ممّن لديهم مناعة طبيعية ويمكنهم من خلال التناسل إعادة ملء الأرض إلى المستويات الحالية في بضعة آلاف من السنين.
احد النقّاد يعلّق ساخرا على التكهّنات القائلة بانقراض البشر بحرب نووية أو بكارثة طبيعية بقوله: حتى لو انقرض معظم البشر من الأرض فإن الأمر لن يكون بذلك السوء الذي نتخيّله. فبعد الصدمة الأولى، ستنظر حولك لتكتشف أن العالم أصبح في الواقع أفضل. ستنتهي الصراعات على الموارد ولن تُهدر حياة البشر في الحروب بعد الآن. والبشر القليلون الذين ستُكتب لهم النجاة بعد الكارثة سيستمتعون ولا شك بهواء نقيّ وبمنظر غروب شمس هادئ وسيتمكّنون من إعادة الكوكب في أقرب وقت إلى ما يشبه الجنّة. الشيء الوحيد الذي يمكن أن نتنبّأ به هو أن الحياة سوف تستمرّ وأنها ستكون مثيرة للاهتمام".
ويقول ناقد آخر: من المطمئن أن يعرف البشر هذه المعلومة جيّدا، وهي أن الميكروبات لا تهتمّ كثيرا بما إذا كنّا، نحن البشر، هنا على هذه الأرض أم لا. لسنا شيئا مثيرا بالنسبة لها. الميكروبات كانت موجودة وما تزال، على الأرض منذ بلايين السنين. وفي نهاية المطاف، عندما تتمدّد الشمس، ستكون هذه الميكروبات هي كلّ ما يتبقّى لبلايين أخرى من السنين. هذه الحقيقة البسيطة والباردة من شأنها أن تضع الأمور في نصابها في ما يتعلّق بمكاننا وأهمّيتنا كبشر في هذا الكون.
مؤلّف هذا الكتاب، آلان فايتزمان، هو صحفي ومؤلّف لثلاثة كتب أخرى. وأثناء تحضيره لمادّة الكتاب، سافر إلى بقايا الغابات البدائية في أوربّا وإلى ابعد مناطق المحيط الهادئ، وأجرى العديد من المقابلات مع علماء البيولوجيا التطوّرية وعلماء الآثار وخبراء الفنّ في جهده ليرسم صورة لهذا الكوكب في مرحلة ما بعد الإنسان.
وليس من المستغرب أن يختتم فايتزمان كتابه بلفت انتباه القرّاء إلى أهمّية دور جماعات ومنظّمات حماية البيئة التي تحاول تنبيه البشر لمخاطر وجودهم الكارثيّ والأنانيّ على البيئة والكائنات الأخرى.
Credits
en.wikipedia.org
en.wikipedia.org