:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الخميس، أبريل 06، 2017

موسيقى ليليّة


من أشهر مؤلّفات موزارت "الموسيقى الليليّة رقم 13 للوتريات في مقام الجي الكبير"، والتي أكملها في فيينا عندما كان يكتب أوبرا دون جيوفاني.
وهذه الموسيقى تُعزف اليوم وتُسجّل على نطاق واسع ويُعجَب بها الناس بسبب نوعيّتها المرحة والمباشرة وأنغامها المألوفة والخفيفة.
وقد أصبحت مع مرور الأيّام مثالا رائعا على جاذبيّة وجمال وتنوّع الموسيقى الكلاسيكية. يكفي أن تستمع إلى نغماتها الأولى الخالدة لتعرفها وتألفها. ولن تستغرب إذا ما داومت على سماعها مرّة بعد أخرى دون أن ينالك إحساس بالملل.
ألّف موزارت هذه الموسيقى أساسا لفرقة الغرفة، وكان ذلك في العام 1787. كانت نيّته في البداية أن تُعزف بكمانين وفيولا وتشيللو، لكنها أصبحت في الغالب تُؤدّى بأوركسترا وترية.
والحقيقة انه لا يُعرف لماذا ألّف هذه القطعة أو ما هي مناسبتها. لكن المؤرّخ هيلدشايمر يذكر أن معظم مؤلّفات موزارت الليليّة كُتبت بناءً على تكليف من أشخاص، وهذه القطعة لم تكن استثناءً.
كما يذكر هيلدشايمر أنها أكثر أعمال موزارت شعبية، مشيرا إلى أنها أصبحت تُعزف في كلّ مكان بسبب نوعيّتها العالية وجوّها الذي يشيع المرح والسرور.
في البداية لم يعطِ موزارت القطعة عنوانا، لكنه كتب في مفكّرته انه ألّفها كـ "موسيقى ليليّة صغيرة". وهي لم تُنشر إلا في عام 1827، أي بعد زمن طويل من وفاته.
وقد باعتها أرملته كونستانزا إلى ناشر يُدعى يوهان اندريه عام 1799 كجزء من عدد أكبر من مؤلّفاته التي طُرحت في ذلك الوقت للبيع.
وتتألّف الموسيقى، المكتوبة بأسلوب السوناتا، من أربع حركات: الأولى الليغرو، والثانية رومانزا أو اندانتي، والثالثة مينيوتو أو الليغريتو، والحركة الرابعة والأخيرة روندو.
مصطلح الموسيقى الليليّة، أو السيرينيد كما تُسمّى عادة، ظهر لأوّل مرّة في نهاية القرن الثامن عشر واستُخدم لوصف عمل موسيقيّ تؤدّيه موسيقى الغرفة في مناسبة اجتماعية. وهذا النوع من الموسيقى كان يتمتّع بشعبية كبيرة في أوربّا، خاصّة في فيينا التي قضى فيها موزارت آخر عشر سنوات من حياته.
في ذلك الوقت، كان من المألوف أن تعزف الفرق الموسيقية الألحان الليليّة في متنزّهات وحدائق فيينا، وأصبح تأليف مثل ذلك النوع من الموسيقى مصدر ربح كبير للمؤلّفين الموسيقيين.
لكن الشعبية الكبيرة جدّا لموسيقى موزارت هذه لم تتحقّق إلا قبل نهاية القرن الماضي، وبالتحديد عندما ظهرت في فيلم "اماديوس" الذي تناول حياة وموسيقى موزارت.
في الفيلم تظهر لقطة للموسيقيّ الايطالي سالييري، الذي يُفترض انه المنافس الكاره لموزارت، وهو يتمتم بالألحان الأولى من هذه المقطوعة ، مبدياً أسفه وحزنه على انه لم يؤلّف مثل هذه الموسيقى الرائعة لأنها أصبحت أكثر شهرةً من جميع أعماله.
وطوال القرن العشرين، أصبحت المقطوعة أيقونة من ايقونات الموسيقى الكلاسيكية. وبسبب انتشارها الكبير والعناصر الموسيقية المتنوّعة التي تتضمّنها من أنغام ونسيج وهارموني، رأى بعض النقّاد أنها يمكن أن تكون بداية لاجتذاب الأجيال الجديدة إلى الموسيقى الكلاسيكية.
في العصر الكلاسيكيّ، كانت المينيويت بالذات، أو المينيويتو، احد أكثر أشكال الرقص شعبية، كان فيها نبل وجمال وسحر. وكانت تُؤدّى في القصور وأحيانا كانت تُؤلّف للسخرية من الفلاحين.
وأكثر مينيوهات هايدن، أستاذ موزارت، التي ألّفها لبلاط عائلة استراهازي كانت تتضمّن إيقاعات ريفية. موزارت نفسه كان يرى فيها بساطة وجمالا في الوقت نفسه.
السيرينيد أو المعزوفة الليليّة سُمّيت بهذا الاسم لأنها في الأساس خفيفة وناعمة ومسلّية. وكثيرا ما كانت تُعزف لتسلية النبلاء وضيوف القصر أثناء تناولهم الطعام.
موسيقى موزارت نفسها لا تبدو مكتملة من دون هذه المقطوعة. وما من شكّ في أن الحركة الأولى منها هي الأشهر. لكن عندما تألف سماع الرومانزا والمينيوتو والروندو فتستمتع بها كلّها، بقدر استمتاعك بالحركة الافتتاحية.

Credits
blog.mcdaniel.edu

الأحد، أبريل 02، 2017

آكلو اللوتس


يذكر هوميروس في الاوديسّا أن اوديسيوس ورجاله، بعد مغادرتهم أرض ايسماروس، فوجئوا بعواصف بحرية عاتية عطّلت رحلتهم لأيّام. ثم لاحت لهم من بعيد ارض جزيرة غريبة. وعندما وصلوا إلى شاطئ الجزيرة، أرسل اوديسيوس بعض رجاله ليستكشفوا ما بداخلها. ووجدوا هناك جنساً رقيقاً من البشر يُدعون "آكلي اللوتس"، يتغذّون على نوع من الفاكهة الزهرية.
وقد عرض سكّان الجزيرة على البحّارة أن يأكلوا شيئا من تلك الفاكهة. ولمّا تناولوها أصيبوا بالدوار ونسوا أن يعودوا إلى سفينتهم. وعندما تباطأ اوديسيوس عودتهم، ذهب ليبحث عنهم ووجدهم في حال من الخُدر والنسيان. ثم قام بسحبهم بالقوّة إلى السفينة.
ورغم أن الجزيرة ممتعة وسكّانها طيّبون ومضيافون، إلا أن اوديسيوس طلب من بحّارته الابتعاد عنها بسرعة خوفا من أن ينجذبوا إلى فاكهتها المُسكرة. ثم قام بتقييدهم في السفينة إلى أن زال عنهم تأثير اللوتس الذي أكلوه.
هوميروس يذكر أن كلّ شخص يتناول تلك الفاكهة التي لها طعم العسل سرعان ما يفقد رغبته في مغادرة الجزيرة أو العودة من حيث أتى. وكانت رغبة البحّارة هي أن يبقوا هناك مع سكّان الجزيرة يأكلون من فاكهتهم وينسون أمر العودة إلى وطنهم. يقول اوديسيوس واصفا تأثير اللوتس العجيب على رجاله: كانوا يبكون عندما كنت أدفعهم إلى السفينة دفعاً".
من السهل أن تبقى مع آكلي اللوتس وتعيش بينهم بسعادة وتصرف النظر عن مواصلة رحلة عودتك إلى الوطن ورؤية عائلتك، وهذا ما كان يتخوّف منه اوديسيوس المتطلّع إلى بلوغ وطنه في إيثيكا ورؤية زوجته وولده.
أرض آكلي اللوتس تبدو أشبه ما تكون بجنّة أسطورية. المشكلة أنك عندما تصل إليها فلن تستطيع مغادرتها أبدا. وبعد أن تتذوقّ اللوتس، لا يمكن أن تأكل أيّ شيء آخر. وهذه الأرض عقبة أخرى يتعيّن على بطل الاوديسّا أن يجتازها في طريق عودته إلى الوطن، تماما مثل جزيرة كاليبسو وفتنة السيرانات الجميلات.
عندما نتأمّل في تفاصيل هذه القصّة، يمكن لنا أن نفترض أن اللوتس هو نوع من المخدّر. والمخدّر من طبيعته انه يغيّم العقل ولا يصفّيه. وهذا يفسّر شعور آكلي اللوتس بالدوار. والمعنى هنا يكمن في أن على البطل، أي اوديسيوس، ألا يستسلم للمتع عديمة القيمة إذا ما أراد أن يستمرّ في نضاله الطويل من اجل تحقيق هدفه النهائيّ.
وأرض آكلي اللوتس كانت حيلة أخرى لإلهائه وصرف انتباهه عن غايته الأصلية، لكنه ينتصر على ذلك الإغراء بفضل إرادته وعزيمته القويّة. لكن عندما يكون الإنسان قد مرّ بمتاعب وتحديّات خطيرة، كتلك التي خَبِرها اوديسوس ورجاله، فما الذي يكن أن يطلبه غير النسيان؟!
إن الامتحان الحقيقيّ ليس في اللوتس بحدّ ذاته، وإنّما في إغراء التحرّر من المعاناة والحزن التي اُتيحت للبحّارة في الجزيرة. وأحد أهمّ دروس هذه الحكاية هو أن لا تستسلم أو تنخدع بظلال الجنّة عندما تعرف جيّدا أن الجنّة الحقيقية تقع، ليس في منتصف الطريق وإنّما في نهايته، مع كلّ ما يمكن أن يحمله ذلك من مخاطر وصعوبات.


أحيانا تكون الطريقة الوحيدة لكسب مسابقة ما هي ألا تنافس على الإطلاق، بل أن تحوّل وجهك بعيدا وتواصل حركتك للأمام. أيضا هناك في القصّة معنى مجازيّ روحيّ، وهو أن التخفّف من متاعب الحياة الأرضية يقتضي من الإنسان أحيانا أن ينتقل إلى مكان آخر. وقد وجد البحّارة ذلك المكان في الجزيرة التي شعروا فيها بالنسيان بعد أن تناولوا فاكهتها.
الحياة على سفينة اوديسيوس كانت عبارة عن بحث بلا نهاية وعذاب مستمرّ يوهن القوى ويدمّر الروح. لقد انتقل البحّارة من مكان لآخر وقاتلوا وأبحروا لأعوام طويلة عبر أراضي نصف العالم المعروف في ذلك الوقت. والآن، في أرض آكلي اللوتس، وجدوا طريقة أخرى مختلفة ومريحة للعيش. لكن اللوتس يحرِم آكليه من التفكير العقلانيّ. ولا يهمّ أن تُعطى الخيار لمغادرة الجزيرة من عدمه، فأنت لا تملك الخيار أصلا، وبمجرّد أن تأكله تكون قد اتّخذت قرارك بالبقاء فيها.
أسطورة أرض آكلي اللوتس تردّدت أصداؤها كثيرا في آداب العالم القديم. ويقال إن اللوتس يشبه التمر، أو أنه نوع من النبيذ، وفي رواية أخرى أنه سوسن الماء الأزرق الذي يُعرف اليوم بأن له خصائص منوّمة. لكن جاذبية القصّة ليست في هذه التفاصيل، بل في بُعدها الميثيّ وفي فكرتها المركزية، وهي مقاومة البطل لكافّة الإغراءات والمُلهيات والتركيز على غايته الأساسية.
ولا بدّ وأن هذه الأسطورة كانت في ذهن الشاعر الانغليزيّ ألفريد تينيسون عندما كتب قصيدة ملحمية إسمها "آكلو اللوتس"، استلهمها من زيارته إلى اسبانيا، حيث رأى هناك مزارع وقرى نائية لم تمسسها يد الحضارة بعد ولم يمتدّ لها عبث الإنسان.
لكن آكلي اللوتس في قصيدة تينيسون ليسوا "دايونيسيين" مخدّرين ومدفوعين بالجشع الذي يقودهم لاستهلاك المتع الحسّية. إنهم أشخاص حَزانى ويائسون، تماما مثل طاقم سفينة اوديسيوس، وقد جرّبوا الكثير من المعاناة والموت بحيث أصبحوا ينفرون من أيّة فرصة للسلام أو السعادة.
أسطورة أرض اللوتس وجدت لها صدى أيضا في القرن التاسع عشر، عندما وجد أرباب الصناعة أنفسهم، مثل اوديسيوس، في مواجهة مجتمعات الريف التي قاومت طويلا فكرة التخلّي عن حياة البساطة والطمأنينة واستبدالها بحياة العمل الشاقّ والمُجهِد.
وفي بعض الحالات، اُسقطِت الأسطورة على عادات بعض الشعوب المستعمَرة، كالصينيين وبعض شعوب الشرق الأوسط الذين كانوا يلجئون لتعاطي الأفيون أو الحشيش للتعبير عن رفضهم للحداثة. لكن كانت هناك حالات كان فيها المستعمِر هو من يلجأ لهذه الحيل لإلهاء الشعوب المستعمَرة ودفعها لنسيان مساوئ الاستعمار ومن ثمّ القبول به كواقع يصعب تغييره.
في ملحمة هوميروس، ليس هناك ما يوحي بأن اللوتس يسبّب الإدمان، فالذين يأكلونه لا يعانون من مرض نفسيّ ولا يحتاجون لعلاج. الإدمان عادةً يغلب الإرادة الحرّة، لكن آكلي اللوتس تناولوه بإرادتهم، وعندما انتزعه اوديسيوس منهم لم تحدث لهم أعراض انسحابية. كلّ ما شعروا به هو الحزن والأسف بعد أن أدركوا انه مكتوب عليهم أن يعيشوا حياتهم، وإلى ما لا نهاية، في عرض البحر، حيث الموت المحدق والأخطار التي لا تنتهي.
بعض الكتّاب القدامى استخدموا عبارة "آكلي اللوتس" مجازيّا، فالشخص الذي "يأكل اللوتس" هو أيّ شخص يميل إلى النسيان أو يتصرّف بلا وعي. وفي اللغة الحديثة فإن "آكل اللوتس" يُقصد به الشخص الذي يعيش حياة حالمة وسهلة دون أن يبالي بالعالم الخارجيّ المزدحم والصاخب من حوله.

Credits
sparknotes.com

الأربعاء، مارس 29، 2017

!اقتل البوذا


في الكثير من أرجاء العالم، ما تزال البوذيّة تتضمّن طقوسا ومعتقدات يُنظر إليها باستغراب، مثل التناسخ أو الإيمان بأن الإنسان بعد موته يظهر في شكل آخر؛ حيوان أو نبات الخ، مع الاحتفاظ بسماته الشخصية الأصلية.
أيضا ممّا يعاب على البوذية استغراقها الزائد عن الحدّ في الحديث عن فكرة الموت، لدرجة أنها خصّصت له كتابا اسمه كتاب الموتى.
ومن الاعتقادات الأخرى الغريبة في البوذية أنه كان هناك بوذا آخر يُدعى اميتابا، ولا احد يعرف إن كان قد عاش على الأرض أو أنه موجود في كون موازٍ، وانك إذا ردّدت اسمه دائما فإنك ستذهب إلى مكان يُدعى "الأرض الطاهرة" حيث يمكنك أن تتعلّم أشياء كثيرة من معلّمي البوذية الأقدمين.
وبوذا الحقيقي الذي يعرفه الناس يظهر في الكتب على هيئة غزال أو فيل أو قرد. والحكايات الفولكلورية التي تمتلئ بها بعض تلك الكتب عن حيوانات ومخلوقات أسطورية تفكّر وتتكلّم لا تخلو قراءتها من بعض المتعة، تماما مثل أن تقرأ كتاب كليلة ودمنة أو كتاب الحيوان للجاحظ.
وبعض الأفكار الأساسية التي تقول بها البوذية مثل التناسخ والارتباط والكارما كانت وما تزال محلّ انتقاد من الكثيرين. الدالاي لاما نفسه أبدى تشكّكه مرّة في فكرة التناسخ وتساءل عن جدواها. وهناك أيضا من عاب على البوذية أن أفكارها ذكورية وترى أن الرجال وحدهم هم من يبلغون أعلى مراتب الروحانية.
وحتى فكرة الاستنارة التي حقّقها بوذا بالانفصال والتخلّي عن زوجته وطفله كانت دائما موضع تساؤل وشكّ. وبنظر البعض أن الروحانية الحقيقية لا يجب أن تتنكّر لقيم العائلة ولا تفرّق بين الرجال والنساء.
لكن عندما ننحّي مثل هذه الأفكار الجدلية جانبا، فإن البوذية تقدّم طرق تفكير جديرة بالنظر، بحسب ما يقوله بعض الكتّاب والمفكّرين. ذات مرّة امتدح اينشتاين البوذية بكلام قد لا يخلو من مبالغة عندما قال إنها يمكن أن تصبح دين المستقبل، لأن ليس فيها لاهوت ولا أفكار قاطعة ولا إله. وبوذا نفسه أكّد على انه ليس إلها ولا يجب أن يعامَل كذلك.
وحتى فريدريك نيتشه الذي لم يكن على وفاق مع الأديان وصف البوذية ذات مرّة بأنها أفضل من المسيحية بكثير، على الرغم من أنها تظلّ بنظره "ديانة عدمية".
وهناك من يرى أن البوذية تغطّي الطبيعيّ والروحانيّ معا. كما أنها تحاول أن تفهم العالم من حولنا. والمعرفة فيها تُكتسب من خلال التجربة الشخصية، وليس بالاعتماد على نصوص مقدّسة وتعاليم معلّمين.
كما أنها ترفض المفاهيم والأفكار المطلقة ولا تطلب إيمانا أعمى. الإيمان فيها أمر ثانوي، والاهمّ منه هو المعرفة والتجربة.
أيضا الناس في البوذية لا يرجون خلاصا مثل ذلك الذي تعد به المسيحية أتباعها. وحتى بوذا نفسه لا يضمن شيئا من ذلك. هو فقط يساعدك على أن تجد طريقك الخاصّ إلى السعادة والحرّية.
ومن أفكار البوذية الشائعة والجديرة بالتأمّل التي وجدت طريقها إلى كتب تطوير الذات، وإن بصيغ وأشكال مختلفة، انه "لا يوجد طريق إلى السعادة، السعادة هي الطريق". وهو يشبه قولا قديما مفاده أن "الحياة هي الرحلة وليست الوجهة". وهذا صحيح إلى حدّ كبير. والمعنى هو انك لا يجب أن تعيش حياتك بانتظار نتائج نهائية، بل اكتشف أوقات الفرح والحزن على طول الطريق كي تكتشف ماذا تعني الحياة.
وهناك فكرة أخرى تقول "إن الصديق غير المخلص أو الشرّير يجب أن يُخشى أكثر من الحيوان المتوحّش. فالحيوان قد يجرح جسدك، لكن الصديق الشرّير قد يجرح روحك". والمعنى هو أننا يجب أن نحيط أنفسنا بأناس مخلصين يدعموننا ويقبلوننا كما نحن. لكن عندما نربط أنفسنا بأولئك الذين يتسبّبون لنا بالآم ومعاناة فإننا نجرّد أنفسنا من فرصة أن نكون سعداء.
وهناك قول آخر مفاده انه "في السماء لا يوجد شرق وغرب". والمعنى هو أن البشر هم من يخلقون الفروقات والتمايزات من عقولهم ثم يعتقدون أنها حقيقة. أيضا تعني الفكرة أن الناس جميعهم متساوون، أما التمايز فمن اختراع البشر. ومن منظور الكون، نحن جميعا متساوون ونستحقّ الحياة والسعادة.
ومن الأقوال الأخرى الشائعة في البوذية أن "الإنسان لا يعاقَب من اجل غضبه، وإنّما بسببه". والمعنى هو أن الحقد والغضب لا يضرّان الشخص التي تُوجّه إليه غضبك. هو فقط يستهلك عقلك ويسرق سعادتك. وأن كلّ المشاعر لها ما يبرّرها، لكن أفضل شيء نستطيع فعله هو أن نتحرّك إلى الأمام ونتخلّص من المشاعر السلبية.
والعديد من تعاليم بوذا تعتمد على مفهوم الارتباط، فـ "أنت تفقد فقط ما تتمسّك به". والمعنى هو أننا لا نعود بحاجة لأن نخشى افتقاد الأشياء إذا ما أزحنا ارتباطاتنا الشعورية بها. فالحبّ والفرح غير المشروط يأتي من القبول الكامل بالتجربة، حتى وإن كانت قصيرة. وحتى المتع المادّية يجب أن لا يربط الإنسان نفسه بها حتى لا يصبح عبدا لها فيحزن ويندم عندما يفتقدها. والإنسان لا يصبح حرّا إلا عندما يتحرّر من ارتباطه بالأشياء والمتع المؤقّتة والمشاعر الزائلة.
وهناك قول آخر مفاده أن "لا احد ينقذك غير نفسك، أنت من يجب أن يمشي الطريق". والمعنى هو أن حياتك هي ملكك لوحدك. ولا يمكن لأيّ احد أن يرى العالم من منظورك الخاصّ غيرك. وبدلا من الاعتماد على الآخرين كي يقودوك في حياتك، يجب أن تمشي طريقك بنفسك. إننا جميعا نملك إمكانية أن ننمو وأن نتطوّر. وعندما نكون واعين بأفكارنا وبمسار رحلتنا، فإننا نفتح الأبواب لتجارب أفضل. ويترتّب على ذلك ضرورة أن تصبح شفّافا مع نفسك وأن تستيقظ من سباتك، فتغادر الجماعة وتمشي على قدميك ولا تذهب للبحث عن شخص ناجح كي تكرّره.
وأخيرا، هناك في البوذية حكمة جميلة وشائعة وذات مغزى تقول: إذا قابلت البوذا على الطريق فاقتله. والبوذا هنا ليس بوذا الأصليّ أو القديم بل أيّ واعظ أو معلّم روحانيّ. والمقصود هنا طبعا ليس معنى القتل حرفيّا، بل أن لا تتّبع ما يقوله لك المعلّمون أو المرشدون، وبدلا من ذلك حاول أن تختار طريقك بنفسك.

Credits
psychologytoday.com