:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


السبت، سبتمبر 13، 2025

البخل المعرفي


في علم النفس، يُعتبر العقل البشري بخيلا معرفيّا بسبب ميل البشر إلى التفكير وحلّ المشكلات بطرق أبسط وأقلّ جهدا. وكما يسعى البخيل إلى تجنّب إنفاق المال، فإن العقل البشري غالبا ما يميل إلى تجنّب الأمور الصعبة أو بذل جهد معرفي.
ومنذ بداية تطوّر الإنسان العاقل، دُرّبت أدمغتنا على سلوك طريق المقاومة الأقل لأنه كان ضروريّا للبقاء. وعندما عاش أسلافنا في البريّة، كان الحفاظ على الطاقة أمرا بالغ الأهمية. وكان عليهم الصيد والبحث عن الطعام ومواجهة المنافسين والهروب من الحيوانات المفترسة. وكانت خطوة خاطئة واحدة ربّما تؤدّي إلى الموت.
اليوم، أصبح العالم أكثر أمانا. لكن الدماغ البشري ما يزال عالقا في العصر الحجري ولم يتغيّر كثيرا منذ أيّام الصيد وجمع الثمار. ولهذا السبب، إن لم تقاوم، سيختار الدماغ أسهل الطرق لحلّ المشاكل.
البخيل المعرفي Cognitive miser مصطلح صاغته العالمتان سوزان فيسك وشيلي تيلر منذ سنوات، ويعني ميل الدماغ للبحث عن حلول للمشكلات تتطلّب أقلّ جهد ذهني. أي أن عقولنا كبشر بُرمجت على عدم التفكير والبحث دائما عن طرق مختصرة كما لو أن الدماغ لا يعرف سوى طريق واحد.
لذا يمكنك إلقاء اللوم على "التطوّر" إذا وجدت صعوبة في النهوض من الأريكة والذهاب إلى النادي الرياضي مثلا، أو إذا كنت تؤجّل تنفيذ مشاريع صعبة، أو إن وجدت نفسك تفعل أشياء مثل النوم لوقت متأخّر، أو تناول الوجبات السريعة، أو الاندفاع لشراء ما قد لا تحتاجه. المشكلة أن هذه الأمور السهلة تصعّب الحياة. في البداية تبدو جيّدة، لكنها مع مرور الوقت تسبّب الملل والإحباط والندم.
هل تميل الى قراءة مختصرات للروايات او الكتب الطويلة بدلا من الكتب والروايات الاصلية وتفضّل أن تقرأ في يوم واحد ما قد يستغرق أسابيع؟ إذن أنت شخص بخيل معرفيّا. والمفروض أننا نحتاج لأن نقرأ بتمعّن أكبر لنتمكّن من تكوين الروابط التي تشكّل أساس التفكير المنطقي وحلّ المشكلات. أما الطرق المختصرة أو القفز إلى النتيجة النهائية فإن من شأنه أن يحرم الأطفال والكبار من مهارات التفكير الاستنتاجي، أي تلك المهارات التي بدونها يصبح الانسان ساذجا ويصدّق بسهولة.
وإن كنت ممّن يكتفون برؤية الصور وتعتقد أنها تُغني عن آلاف الكلمات فأنت شخص بخيل معرفيّا. صحيح أن الصور وسيلة رائعة لإضافة سياق أو توضيح للكلمات، لكنها لا تكفي بديلا عن الكلمات.
وإن كنت تفضّل مشاهدة فيلم مأخوذ عن رواية على قراءة الرواية نفسها، فأنت بخيل معرفيّا. صحيح أن بعض الأفلام مبهرة بصريّا ومليئة بالإثارة ويمكن مشاهدتها في أقلّ من ساعتين، كما أن الفيلم يُعدّ أكثر جاذبيةً من الكتاب، لأنه يتطلّب جهدا ذهنيّا أقلّ بكثير من القراءة. غير أن قراءة الكتاب تتضمّن صياغة الكلمات والجمل وإنتاج تصوّراتك الداخلية الخاصّة، وهو ما لا توفّره مشاهدة فيلم.

❉ ❉ ❉


❉ ❉ ❉

وإن كان أطفالك يحبّون الأفلام، فيمكن استخدامها كحافز لتشجيعهم على القراءة، كأن تأخذ طفلك الى السينما في كلّ مرّة ينتهي فيها من قراءة كتاب. أطفال اليوم لا يعرفون سوى الإنترنت والهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي. وكآباء، علينا التأكّد من أن عاداتهم لا تتحوّل إلى سلوك ضارّ أو إدماني.
وبالنظر إلى هذا الكمّ الهائل من المعلومات التي تغمرنا بها الإنترنت، قد تجد أدمغتنا صعوبة في التركيز والانتقال من وظيفة إلى أخرى بكفاءة. هل انتهى زمن الحوار بين البشر؟ ربّما يكون هذا السؤال مبالغا فيه قليلا، لكن الفكرة ليست بعيدة عن الواقع. فبالنسبة للبعض، أصبح الهاتف الذكي بديلا عن المحادثة. ونحن اليوم لا نحتاج فقط الى التواصل الرقمي، بل نحتاج أيضا لمنصّة تواصل أفضل، أي الكلمة المنطوقة.
إن من الصعب استيعاب فكرة أن المحادثة فنّ في طريقه إلى الزوال، ولكن هل تعاني الكتابة من نفس التدهور؟ ينبغي أن تكون الكتابة "جملا مصاغة بعناية" لا مجرّد كلمات منطوقة مكتوبة. تخيّل ما قد يفكّر به سقراط أو شكسبير أو دوستويفسكي لو عاشوا بيننا اليوم.
من المؤسف أن نلاحظ اليوم أن بعض أساتذة الجامعات يميلون إلى خفض معايير كتابتهم كي يجاروا عامّة الناس. ومع كلّ تطور تكنولوجي، يبدو أننا نُضعف مهاراتنا "الأساسية" كالقواعد والإملاء والكلام.
لقد نشأ جيل Z "أي جيل الإنترنت والهواتف الذكيّة" ومع كلّ منهم جهاز محمول في يده. ونتيجةً لذلك، أصبح لديهم ميل وتوقّع بأن يكون كلّ شيء متاحا فورا. كما صار عالمهم يعتمد على التغريدات والمعلومات المختصرة، بدلاً من الجمل المصاغة بعناية والعروض المدروسة والمُحكمة.
إن من الضروري أن نعلّم أطفالنا مهارات الكتابة الرفيعة. فالمحادثة والكتابة فنّان منفصلان، وكلاهما أساسي بطريقته الفريدة. ويجب أن يظلا متفرّدين لأن كلا منهما يعزّز الإدراك بوسائل مختلفة، وإن كانت بنفس الأهمية.
إننا جميعا مذنبون بالبخل المعرفي بنسبة أو بأخرى. والقاسم المشترك بين معظمنا هو القدرة على التغيير. ولا يتطلّب الأمر أكثر من اتخاذ قرار واعٍ بتغذية عقولنا بأفضل طريقة ممكنة وبتجنّب الأمور التي تستنزفها. ولنتذكّر أن الدماغ مثل العضلة، كلّما عملنا عليه أكثر، ازداد قوّةً ومناعة.

Credits
researchgate.net
psychologytoday.com

الخميس، سبتمبر 11، 2025

خواطر في الأدب والفن


  • في إحدى المناطق الشاسعة من المحيط الهادئ، تقع جزيرة مرجانية صغيرة تُسمّى "ايفالوك". بعد الحرب العالمية الثانية، عرضت البحرية الأمريكية أحد أفلام هوليوود على شعب هذه الجزيرة لتسليتهم وتعزيز حسن النيّة معهم. كان الفيلم أكثر شيء عنيف ومروّع شاهده سكّان الجزيرة على الإطلاق. وقد أزعجهم العنف الذي رأوه على الشاشة لدرجة أن بعضهم مرضوا لعدّة أيّام.
    وفيما بعد، جاء أحد علماء الأنثروبولوجيا إلى الجزيرة لإجراء دراسة، وسأله السكّان المحليّون بشكل متكرّر: هل كان ذلك صحيحا؟ هل هناك بالفعل أناس في أمريكا قتلوا أشخاصا آخرين؟!
    يقول بعض العلماء اعتمادا على دراسات أُجريت على قبائل معزولة عن الحياة الحديثة وتتغذّى على النباتات والحيوانات البرّية أن الحرب ليست جزءا فطريّا من الطبيعة البشرية، بل هي سلوك تبنّاه البشر في مراحل متأخّرة من تطوّرهم.
    وافترضَ العلماء أنه منذ حوالي 12 ألف سنة، كان جميع البشر يعيشون في هذا النوع من المجتمعات الذي شكّل حوالي 90 بالمائة من مسارنا التطوّري. ومع انتقال الصيّادين وجامعي الثمار إلى الزراعة، أصبحت المجموعات أكثر إقليمية وصارت بُنيتها الاجتماعية أكثر تعقيدا. ومع استقرار البشر، أصبحت الحرب أكثر هيمنةً وحضورا.
    وذكرت الدراسة أنه إذا ما وُجد أن بعض مجتمعات ما قبل التاريخ عنيفة، فإن العنف في النهاية ثقافي وليس بيولوجيّا. كما دعت إلى وقف النظرة السلبية السائدة للحضارة الحديثة باعتبارها حضارة عنيفة، من خلال إثبات أن بعض مجتمعات ما قبل التاريخ كانت هي أيضا عنيفة بقدر ما ومنخرطة في حروب متكرّرة كانت بعضها مدمّرة للغاية.
    وهناك كتّاب عديدون تناولوا تحديدا استمرار ما أسموه "بالخرافات الخاطئة" التي يردّدها يعض علماء الأنثروبولوجيا وعلماء الاجتماع حول صلاح البشر البدائيين. فقد وقعت مذابح وعمليات قتل جماعي بين الإسكيمو و"هنود الغراب" وعدد لا يُحصى من الجماعات الأخرى قبل حوالي 13 ألف عام، أي قبل ايّ اتصال بالأوربيّين. كما تمّ القضاء على قبيلة "السكاكين الصفراء" في كندا بسبب المجازر التي ارتكبها هنود آخرون، واختفت تلك القبيلة نهائيا من التاريخ بعد ذلك بوقت قصير.
    وبالمقابل، أقام أحد علماء الاجتماع مع مجموعة قبلية في غينيا الجديدة. وفي هذه المجموعة، كان جميع الرجال يعيشون في منزل كبير، بينما كانت النساء والأطفال يعيشون في أكواخ فردية. ولم يجد الباحث أن الحرب كانت شائعة بينهم كما لم يشهد أي صراع مع الجماعات المنافسة. وقال إنه وجد أن بعض أكثر الشعوب "بدائيةً" على وجه الأرض كانت في الواقع مسالمة إلى حدّ كبير مقارنةً بالدول الحديثة المتقدّمة.
    وأضاف: كثيرا ما تُصوَّر الشعوب القبلية على أنها "متوحّشة وعنيفة". لكن الحرب لم تكن شائعة كثيرا قبل ظهور الزراعة، أي عندما كان معظم البشر، إن لم يكن كلّهم، يعيشون كباحثين عن الغذاء".
  • ❉ ❉ ❉

  • كان الرسّام الفرنسي هوبير روبير يحظى بدعم العديد من الرعاة والنقّاد والفنّانين على حدّ سواء في القرن الثامن عشر. كما حظي بإشادة واسعة في الفترة المسمّاة بالحقبة الجميلة. وقد تمتّع روبير بمديح بعض من أهمّ الشخصيات الأدبية الفرنسية، من الفيلسوف دينيس ديدرو الذي أطلق عليه لقب "روبير الأطلال"، إلى إدمون دي غونكور ومارسيل بروست بعد أكثر من قرن.
    وتمكّن الرسّام من تسلّق السلّم الاجتماعي في فرنسا بفضل مهارته الفطرية كفنّان، وأصبح نجما دائم الظهور في الصالونات والفعاليات الاجتماعية المختلفة. وكانت لوحاته علامة تجارية لما يقرب من 50 عاما. وقد عُرفت صوره باسم "كابريتشي"، وهو مصطلح يشير إلى التقاليد الزخرفية لتصوير الآثار المعمارية الخلابة التي تطوّرت في روما الباروكية وبلغت ذروتها بين الرسّامين الإيطاليين مع جيوفاني باولو بانيني، الذي شعر روبير تجاه أعماله بألفة عميقة.
    لكن القرن العشرين لم يكن كريما معه، فقد مرّ أكثر من 80 عاما منذ أن كان موضوعا لمعرض استعادي كبير. لكن معرضا اُقيم للوحاته مؤخّرا في اللوفر صحّح هذا الوضع وأعاد الى الرسّام بعض الاعتبار.
    في عام ١٧٥٤، وفي سنّ الحادية والعشرين فقط، دُعي روبير للانضمام إلى حاشية الكونت دي ستانفيل في روما، حيث استوعب أكبر قدر ممكن من المدينة الخالدة، وأتيحت له فرصة قبوله في الأكاديمية الفرنسية بروما، وهو تكريم لا يُمنح عادةً إلا للقليلين.
    وقد مكث في المدينة أحد عشر عاما أخرى، وخلال تلك العطلة الرومانية وُضعت أسس مسيرة روبرت الفنّية، وهي ركائز ستظهر وتعاود الظهور على الآثار المعمارية التي ملأَت رسوماته ولوحاته طوال حياته. وتشير صوره لفنّانين في بيئاتهم الرومانسية المتداعية إلى أن عالمي الخيال والواقع كانا على خطّ رفيع بالنسبة له. وقد أصبحت مناظره الخيالية عن الآثار الرومانية التي تُصوَّر في الهواء الطلق علامة مميّزة.
    بالنسبة لديدرو، يمكن ترجمة الآثار المرسومة إلى شعر. وقد سلّطت صور روبير الضوء على "الرعب الجميل" الذي اعتبره ديدرو بالغ الأهمية لقوّة هذه الأعمال.
    وعندما رأى الأخير لوحات روبير لأوّل مرّة في الصالون، كتب يقول: الأفكار التي توقظها الآثار في داخلي عظيمة. كلّ شيء يتلاشى، كلّ شيء يفنى، كلّ شيء يمر. وحده العالم يبقى، وحده الزمن يدوم".
    كان هوبير روبير غزير الإنتاج لدرجة أنه من السهل نسيان عدد أعماله. لكن يبقى شيء واحد مهم وواضح، وهو فهمه وتفسيره المذهل للفناء وهشاشة الحياة. وربّما يكون هذا الشعور بالموت والخوف من الضياع هو الذي غذّى حاجته للتواصل الاجتماعي المستمر.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • استلهم عشرون كاتبا بلجيكيا وهولنديا أفكارا وأشعارا من مجموعة الاعمال الفنّية التي يحتفظ بها متحف ماوريتسهاوس في لاهاي. وقد تأمّلوا بعض لوحات القرن السابع عشر من منظور التاريخ البديل ثم جسّدوها في نصوص قصيرة. إميلي بارييل وجدت في لوحة فيرمير "ديانا وحوريّاتها" موضوعا لخاطرة شعرية قالت فيها: ‬
    تريد ديانا أن تعرف لماذا تحوّلت إحدى حوريّاتها إلى شجرة، فيما أصبح الآن موقف سيّارات مهجور في مبنى مكاتب متهالك يعود تاريخه إلى ستّينيات القرن العشرين. في الماضي، تقف الإلهة ديانا في غابة. تنظر إلى تلك البطّة الغريبة هناك. يقف فيرمير حاملا لوحته تحت الأغصان القريبة ومردّدا لحنا. تقول ديانا: كيف يُعقل أن يصدر هذا الضجيج من فم صغير كهذا؟" تهزّ حورياتها رؤوسهن وهنّ يشحذن سهامهنّ للصيد. يمرّ أبوللو مرتديا ملابس رثّة، بدلة من ثلاث قطع.
    تلاحظ إحدى الحوريات أن أبوللو يضع إكليل غار على رأسه. تفتقد دافني بعض الأغصان. كلّ رسّام على مرّ التاريخ صوّرها هي وحورياتها بأجساد ملفوفة بالقماش. تحت الأغصان القريبة، يمزج فيرمير اللون الأخضر الحمضي ليلبّس مواضيعه فساتين. يهزّ أبوللو كتفيه. تستغرق الأصوات النسائية وقتا أطول للوصول إليه. يراقب فيرمير كلّ ما يحدث، ويصوّر أربع حوريات صامتات يحوّلن نظرهنّ عن ديانا، بينما حورياتها يهززن رؤوسهنّ ويسحبن أقواسهن.
  • ❉ ❉ ❉

  • اقتباسات...
    ○ الفقراء لا يدركون أن وظيفتهم في الحياة هي ممارسة الكرم. جان بول سارتر

    ○ كلّ ما يفعله الإنسان في الحياة، حتى الحب، يحدث في قطار سريع يتجه نحو الموت. "تدخين الأفيون" هو الخروج من القطار وهو لا يزال في طريقه، هو الانشغال بشيء آخر غير الحياة أو الموت. ج. كوكتو

    ○ لا أبحث عن البهجة ولا عن المرح. قلبي، بعد سنوات مرهقة من الحداد على الموتى، لم يعد يتقبّل المرح. ثم إن جدران قلعتي مهدَّمة والريح تهبّ باردةً عبر الأسوار والنوافذ المكسورة. أحبّ الظلال وأرغب في أن أكون لوحدي مع أفكاري. برام ستوكر

    ○ الترياق للغباء الجماعي ليس الذكاء فقط، بل الشجاعة في الاعتراف بأنك لا تعرف. سقراط كان أحد أوائل أبطال التفكير النقدي. قال مرّة: الحقيقة الوحيدة هي أن تعرف أنك لا تعرف شيئا". ولم يكن هذا انتقاصا من الذات، بل دعوة للبقاء فضوليّا ومتواضعا فكريّا ومستمرّا في السؤال، في مواجهة عالم غامض وواسع.
    الجميع يريدون التحدّث، ولكنْ قليلون يريدون الاستماع. المفارقة هي أن المفكّرين الحقيقيين غالبا ما يكونون هادئين، لأنهم يعلمون أن الحكمة لا تنمو من الضوضاء ولكن من الصمت، من التأمّل. وهذا هو السبب بالتحديد وراء تفكير المفكّرين النقديين. وهؤلاء غالبا ما يهمَّشون ويُتجاهلون في ثقافة تكافئ السرعة. التفكير البطيء فرَصُه ضئيلة، لكن لا ينبغي التخلّي عنه. مارشال ماكلوهان

    ○ الأمان في الغالب خرافة، لا وجود له في الطبيعة. وتجنُّبه ليس أكثر أمانا على المدى البعيد من التعرّض المباشر له. الحياة إما مغامرة جريئة، أو لا شيء. هيلين كيلر

  • Credits
    artic.edu
    mauritshuis.nl

    الثلاثاء، سبتمبر 09، 2025

    نصوص مترجمة


  • كان منشغلا بالفلسفة. وكان دائما يحمل ورقة مخطوطة في يده وسيغارة مشتعلة بين أصابعه. وعندما ينتهي من سيغارة، كان يشعل الأخرى لا شعوريا. ليس للتدخين، بل للتفكير. دخان متواصل. وفي مرحلة ما، أصبحت السيغارة إيقاع أفكاره وسُمّا ينهش رئتيه. كان سبب وفاته سرطان الرئة. لكن الجميع كان يعلم أنه مات من كثرة التفكير.
    هل ثمّة فلسفة هنا؟
    تزامُن التأمّل والتدمير "أو الطبيعة المزدوجة للوجود". الفلسفة هي عمل تعميق أفكار الإنسان، ولكنها بالنسبة لهذا الرجل كانت أيضا عملا من أعمال إنكار الذات. التبغ يشجّع على التأمّل، ولكنه أيضا يستحثّ الموت. حالة وجودية متناقضة حيث تتعايش "المعرفة والموت" و"الاستكشاف والنهاية".
    التفكير هو التفاني حتى الموت. "كلّ فكرة جعلتني أقرب إلى الموت". الفلسفة قد لا تكون هي الحرّية، بل الإدمان على "الأسئلة التي لا يمكن وقفها". السغائر عقد مع الموت. في كلّ مرّة أشعلَ فيها الرجل النار، كان يوقّع على موته. كان يعلم هذا، لكنه لم يُقلع، لأن السغائر بالنسبة له كانت "الميزان الذي يقيس به ثقل الحياة".
    الفلسفة ليست مطاردة الدخان بحثا عن إجابات، بل هي دفن الأسئلة في الدخان. د. ياماشيتا
  • ❉ ❉ ❉

  • كما يليق بملحمة حربية، تمتلئ الإلياذة بأمثلة عن الموت بطريقة وحشية. وبعض المجازر المروّعة تُرتكب تحديدا لإرهاب العدو. مثلا، قتلَ أغاممنون قائد القوات اليونانية هيبولوكوس التعيس وقطع ذراعيه ثم ركل جثّته ليقذفها بين حشد من المقاتلين الطرواديين "كجذع شجرة". وضربَ محارب يونانيّ آخر مقاتلا طرواديا في وجهه ثم قطع رأسه ورفعه في الهواء بطرف رمحه، ما تسبّب في إرهاب الطرواديين الآخرين.
    كان العالم القديم يعجّ بالعنف. ولا داعي لأن نقصُر الحديث على هوميروس. فمعظم الأساطير اليونانية تتسم بالعنف بشكل أو بآخر. كما كان الفنّ اليوناني نفسه عنيفا، وبدا كما لو أن بعض الرسّامين كانوا يستمتعون بتصوير الدم والقتل العنيف. ولا يزال العنف يهيمن على العالم الحديث. وهذه مشكلة لا يمكننا حلّها إلا عندما نعتبر حياة كلّ إنسان مهمّة ومتساوية، وكلّ خسارة تستحقّ البكاء. وقد يمرّ وقت طويل قبل أن نصل إلى تلك المرحلة المستنيرة. جوش برايرز
  • ❉ ❉ ❉

  • إيزابيل آيندي هي المؤلّفة الإسبانية الأكثر قراءةً في العالم. وهي تعرف كيف تروي قصّة مقنعة. روايتها "روحي إينيس" تستند إلى شخصية تاريخية. وقد بُنيت الرواية حول أكبر قدر ممكن من التاريخ المعروف المحيط بإينيس دي سواريز، إحدى أوائل النساء الإسبانيات اللاتي وصلن إلى العالم الجديد في أوائل القرن السادس عشر.
    يُروى الكتاب بضمير المتكلّم، بصوت إينيس كامرأة مسنّة تتذكّر حياتها وتحكي قصّتها لابنة زوجها قبل أشهر قليلة من وفاتها. ومثل إيزابيل آيندي نفسها، فإن إينيس ناجية شرسة وبارعة الحيلة.
    وتبدأ الرواية بحياة دي سواريز المبكّرة في إسبانيا، ثم كيف شقّت طريقها إلى العالم الجديد، البرّي وغير المتحضّر في معظمه، وهو أمر غير مألوف لامرأة في ذلك الوقت. في النهاية، أصبحت زوجة لأحد الغزاة الكبار، بيدرو دي فالديفيا، ورافقته في رحلته الاستكشافية من بيرو إلى المناطق البرّية في الجنوب، لاستكشاف ما يُعرف الآن بتشيلي وغزوها في النهاية.
    تقدّم الرواية قصصا آسرة عن عالم الاستعمار الإسباني المبكّر لبيرو، وتتضمّن ظهور بعض الغزاة الأوائل مثل بيزارو وألماغرو. كما نقف على التوتّر بين الإسبان والإنكا المهزومين بعد أقلّ من جيل من غزو بيزارو لإمبراطورية الإنكا.
    أبرز ما في الكتاب هو وصف إينيس للمصاعب والتحدّيات التي واجهتها هي والغزاة في الوصول إلى تشيلي ومحاولتهم ترسيخ موطئ قدم لهم في مواجهة مقاومة هنود المابوتشي الشرسين. وفي نهاية المطاف، وبعد الكثير من المشقّة والقتال، تمكّنوا من إقامة وجود هشّ أصبح فيما بعد مقعدا للحضارة الإسبانية، بعيدا عن مراكز قوّتهم الأخرى في العالم الجديد.
    يمكن أن تكون هذه الرواية شيّقة وممتعة لمن يهتمّون بالتحدّيات التي واجهها الأوروبيون في بدايات استيطانهم لأمريكا الجنوبية. وتصوير المؤلّفة للسكّان الأصليين وثقافتهم رائع. ويبدو أن آيندي بذلت جهدا كبيرا في البحث كي تحكي قصصهم بأقصى دقّة ممكنة. ج. شولتز
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • رسم الفنّان الفرنسي، الروسي الأصل، مارك شاغال لوحة "سقوط إيكيروس" عام ١٩٧٥، أي في أواخر حياته. وكان شاغال قد عانى من اضطرابات وصدمات نفسية، منها فراره من فرنسا التي احتلّها النازيّون إلى الولايات المتحدة عام ١٩٤١، والوفاة المبكّرة لزوجته الحبيبة بعد ذلك ببضع سنوات. في هذه اللوحة، يسقط شخص مجنّح من السماء على حشد من الناس في قرية.
    والمنظر هو تجسيد شاغال للأسطورة اليونانية عن إيكيروس الذي صنع له والده أجنحة من الريش والشمع ليتمكّن من الفرار من سجنه في جزيرة كريت. وقد حذّر الأب إيكيروس من الطيران قريبا من الشمس، ولكن ما أن ارتفع إلى السماء حتى غمره شعور بالقوّة والسرعة، فطار أعلى فأعلى الى أن ذاب جناحاه وهوى الى حتفه.
    من اللافت أن أحد أصول كلمة "خطر" يعود إلى الكلمة الإنغليزية الفرنسية daunger التي تعود إلى منتصف القرن الثالث عشر وتعني "الغرور". وكان هذا تذكيرا بأن الخطر والغرور غالبا ما يقترن كلّ منهما بالآخر. لذا كان إيمان إيكيروس بقدرته على التحليق بمفرده دون مراعاة للقيود والإمكانات سبيلا إلى هلاكه. اينوم اوغورو
  • ❉ ❉ ❉

  • "إنها تمطر"، قال الأب لاميرو. وتابع: قبل نصف قرن بالضبط، أتيتُ إلى اليابان في يوم كهذا. في الماضي، كان أباطرة هذا البلد رجالا ذوي مكانة عظيمة، لكن كلّ ذلك تغيّر عندما استولى العسكر على السلطة ونقلوا العاصمة إلى كاماكورا. وتُرك الإمبراطور الشابّ في كيوتو ليقايض توقيعه بالمخلّلات والأرز. كان ذلك في القرن الثالث عشر. ثم في عشرينات القرن العشرين، ذهبت إلى كاماكورا للدراسة في بعض المعابد البوذية".
    توقّف الأب لاميرو لبرهة، وبدا عليه التأمّل. ثم فرك ذراع كرسيّه المصنوع من شعر الخيل وتابع كلامه: بالنسبة لي كانت أفضل السنوات في اليابان هي عشرينات القرن الماضي. كنت شابّا، وعندما وصلت كان كلّ شيء هنا رائعا بالنسبة لي. كانت دراستي في كاماكورا، ولكنني كنت آتي إلى طوكيو في عطلات نهاية الأسبوع، إلى هذا المنزل بالذات، الذي كان مليئا بالقطط.
    كانت طوكيو آنذاك مبنية بالكامل من الخشب، وكلّ ليلة كانت هناك نار على مسافة قريبة سيرا على الأقدام. لا يوجد شيء أكثر تحفيزا من مشاهدة النار عندما تكون صغيرا. في ليالي الجمعة، كنّا نعقد اجتماعاتنا هنا، وإذا ذهبنا لرؤية النار، فإن مناقشاتنا كانت دائما أكثر حيوية. ومنذ الحرب، كنت نباتيّا صارما، باستثناء العسل والبيض. للأرز تأثير خاص على اليابانيين بعد ساعة أو ساعتين من تناوله، وهو بلا شك السبب الرئيسي وراء تفضيلهم للخارج. إدوارد ويتيمور
  • ❉ ❉ ❉

  • لدى الماوري قيم قبلية معيّنة، فما يفيد الجماعة يفيد الفرد، والعكس ليس بالضرورة صحيحا. وفي مجتمع الماوري المثالي، يسود تقاسم الموارد والالتزامات. وغالبا ما تكون التضحية مطلوبة. ويُقدَّر الوفاء تقديرا عاليا، ولا يُحتفى بروح المنافسة إلا في الرياضة، بينما يُحتقر الجشع والأنانية. والنتيجة مجتمع يُهتمّ فيه بالجماعة أكثر من الفرد. ومن نتائج ذلك أيضا أن الماوري، من وجهة نظر البيض، غالبا ما يبدون غير طموحين، بينما يبدو البيض، من وجهة نظر الماوري، قساة ومعزولين وباردِي القلوب. كريستينا تومسون
  • ❉ ❉ ❉

  • كان يا ما كان، كان هناك ولد، عاش في قرية لم تعد موجودة، في منزل لم يعد موجودا، على حافّة حقل لم يعد موجودا، حيث كان كلّ شيء ممكنا. يمكن للعصا أن تكون سيفا، ويمكن للحصاة أن تكون ماسة أو شجرة أو قلعة. كان يا ما كان، كان هناك ولد يعيش في منزل أمام الحقل، وفتاة لم تعد موجودة.
    ابتكرا ألف لعبة. كانت ملكة وهو ملك. في ضوء الخريف، كان شعرها يلمع كإكليل. كانا يجمعان العالم كلّه في حفنات صغيرة، وعندما تُظلم السماء، يفترقان وفي شعرهما أوراق. كان يا ما كان، كان هناك ولد أحبّ فتاة، وكان ضحكها سؤالا أراد أن يقضي حياته كلّها في الإجابة عنه. ن. كراوس

  • Credits
    isabelallende.com/en
    marcchagall.com/fr