وفيما بعد، جاء أحد علماء الأنثروبولوجيا إلى الجزيرة لإجراء دراسة، وسأله السكّان المحليّون بشكل متكرّر: هل كان ذلك صحيحا؟ هل هناك بالفعل أناس في أمريكا قتلوا أشخاصا آخرين؟!
يقول بعض العلماء اعتمادا على دراسات أُجريت على قبائل معزولة عن الحياة الحديثة وتتغذّى على النباتات والحيوانات البرّية أن الحرب ليست جزءا فطريّا من الطبيعة البشرية، بل هي سلوك تبنّاه البشر في مراحل متأخّرة من تطوّرهم.
وافترضَ العلماء أنه منذ حوالي 12 ألف سنة، كان جميع البشر يعيشون في هذا النوع من المجتمعات الذي شكّل حوالي 90 بالمائة من مسارنا التطوّري. ومع انتقال الصيّادين وجامعي الثمار إلى الزراعة، أصبحت المجموعات أكثر إقليمية وصارت بُنيتها الاجتماعية أكثر تعقيدا. ومع استقرار البشر، أصبحت الحرب أكثر هيمنةً وحضورا.
وذكرت الدراسة أنه إذا ما وُجد أن بعض مجتمعات ما قبل التاريخ عنيفة، فإن العنف في النهاية ثقافي وليس بيولوجيّا. كما دعت إلى وقف النظرة السلبية السائدة للحضارة الحديثة باعتبارها حضارة عنيفة، من خلال إثبات أن بعض مجتمعات ما قبل التاريخ كانت هي أيضا عنيفة بقدر ما ومنخرطة في حروب متكرّرة كانت بعضها مدمّرة للغاية.
وهناك كتّاب عديدون تناولوا تحديدا استمرار ما أسموه "بالخرافات الخاطئة" التي يردّدها يعض علماء الأنثروبولوجيا وعلماء الاجتماع حول صلاح البشر البدائيين. فقد وقعت مذابح وعمليات قتل جماعي بين الإسكيمو و"هنود الغراب" وعدد لا يُحصى من الجماعات الأخرى قبل حوالي 13 ألف عام، أي قبل ايّ اتصال بالأوربيّين. كما تمّ القضاء على قبيلة "السكاكين الصفراء" في كندا بسبب المجازر التي ارتكبها هنود آخرون، واختفت تلك القبيلة نهائيا من التاريخ بعد ذلك بوقت قصير.
وبالمقابل، أقام أحد علماء الاجتماع مع مجموعة قبلية في غينيا الجديدة. وفي هذه المجموعة، كان جميع الرجال يعيشون في منزل كبير، بينما كانت النساء والأطفال يعيشون في أكواخ فردية. ولم يجد الباحث أن الحرب كانت شائعة بينهم كما لم يشهد أي صراع مع الجماعات المنافسة. وقال إنه وجد أن بعض أكثر الشعوب "بدائيةً" على وجه الأرض كانت في الواقع مسالمة إلى حدّ كبير مقارنةً بالدول الحديثة المتقدّمة.
وأضاف: كثيرا ما تُصوَّر الشعوب القبلية على أنها "متوحّشة وعنيفة". لكن الحرب لم تكن شائعة كثيرا قبل ظهور الزراعة، أي عندما كان معظم البشر، إن لم يكن كلّهم، يعيشون كباحثين عن الغذاء".
❉ ❉ ❉
وتمكّن الرسّام من تسلّق السلّم الاجتماعي في فرنسا بفضل مهارته الفطرية كفنّان، وأصبح نجما دائم الظهور في الصالونات والفعاليات الاجتماعية المختلفة. وكانت لوحاته علامة تجارية لما يقرب من 50 عاما. وقد عُرفت صوره باسم "كابريتشي"، وهو مصطلح يشير إلى التقاليد الزخرفية لتصوير الآثار المعمارية الخلابة التي تطوّرت في روما الباروكية وبلغت ذروتها بين الرسّامين الإيطاليين مع جيوفاني باولو بانيني، الذي شعر روبير تجاه أعماله بألفة عميقة.
لكن القرن العشرين لم يكن كريما معه، فقد مرّ أكثر من 80 عاما منذ أن كان موضوعا لمعرض استعادي كبير. لكن معرضا اُقيم للوحاته مؤخّرا في اللوفر صحّح هذا الوضع وأعاد الى الرسّام بعض الاعتبار.
في عام ١٧٥٤، وفي سنّ الحادية والعشرين فقط، دُعي روبير للانضمام إلى حاشية الكونت دي ستانفيل في روما، حيث استوعب أكبر قدر ممكن من المدينة الخالدة، وأتيحت له فرصة قبوله في الأكاديمية الفرنسية بروما، وهو تكريم لا يُمنح عادةً إلا للقليلين.
وقد مكث في المدينة أحد عشر عاما أخرى، وخلال تلك العطلة الرومانية وُضعت أسس مسيرة روبرت الفنّية، وهي ركائز ستظهر وتعاود الظهور على الآثار المعمارية التي ملأَت رسوماته ولوحاته طوال حياته. وتشير صوره لفنّانين في بيئاتهم الرومانسية المتداعية إلى أن عالمي الخيال والواقع كانا على خطّ رفيع بالنسبة له. وقد أصبحت مناظره الخيالية عن الآثار الرومانية التي تُصوَّر في الهواء الطلق علامة مميّزة.
بالنسبة لديدرو، يمكن ترجمة الآثار المرسومة إلى شعر. وقد سلّطت صور روبير الضوء على "الرعب الجميل" الذي اعتبره ديدرو بالغ الأهمية لقوّة هذه الأعمال. ويكاد يكون من المستحيل تجاهل أوجه التشابه بين تصوير روبير الرائع للآثار والطبيعة على إبداعات الإنسان. ويُثبت الجمال الكئيب للوحاته أنه تجسيد مثاليّ لمشاعر ديدرو تجاه الآثار كما تجلّت من خلال قراءته الخاصّة.
وعندما رأى الأخير لوحات روبير لأوّل مرّة في الصالون، كتب يقول: الأفكار التي توقظها الآثار في داخلي عظيمة. كلّ شيء يتلاشى، كلّ شيء يفنى، كلّ شيء يمر. وحده العالم يبقى، وحده الزمن يدوم".
كان هوبير روبير غزير الإنتاج لدرجة أنه من السهل نسيان عدد أعماله. لكن يبقى شيء واحد مهم وواضح، وهو فهمه وتفسيره المذهل للفناء وهشاشة الحياة. وربّما يكون هذا الشعور بالموت والخوف من الضياع هو الذي غذّى حاجته للتواصل الاجتماعي المستمر.
❉ ❉ ❉
❉ ❉ ❉
تريد ديانا أن تعرف لماذا تحوّلت إحدى حوريّاتها إلى شجرة، فيما أصبح الآن موقف سيّارات مهجور في مبنى مكاتب متهالك يعود تاريخه إلى ستّينيات القرن العشرين. في الماضي، تقف الإلهة ديانا في غابة. تنظر إلى تلك البطّة الغريبة هناك. يقف فيرمير حاملا لوحته تحت الأغصان القريبة ومردّدا لحنا. تقول ديانا: كيف يُعقل أن يصدر هذا الضجيج من فم صغير كهذا؟" تهزّ حورياتها رؤوسهن وهنّ يشحذن سهامهنّ للصيد. يمرّ أبوللو مرتديا ملابس رثّة، بدلة من ثلاث قطع.
تلاحظ إحدى الحوريات أن أبوللو يضع إكليل غار على رأسه. تفتقد دافني بعض الأغصان. كلّ رسّام على مرّ التاريخ صوّرها هي وحورياتها بأجساد ملفوفة بالقماش. تحت الأغصان القريبة، يمزج فيرمير اللون الأخضر الحمضي ليلبّس مواضيعه فساتين. يهزّ أبوللو كتفيه. تستغرق الأصوات النسائية وقتا أطول للوصول إليه. يراقب فيرمير كلّ ما يحدث، ويصوّر أربع حوريات صامتات يحوّلن نظرهنّ عن ديانا، بينما حورياتها يهززن رؤوسهنّ ويسحبن أقواسهن.
❉ ❉ ❉
○ الفقراء لا يدركون أن وظيفتهم في الحياة هي ممارسة الكرم. جان بول سارتر
○ كلّ ما يفعله الإنسان في الحياة، حتى الحب، يحدث في قطار سريع يتجه نحو الموت. "تدخين الأفيون" هو الخروج من القطار وهو لا يزال في طريقه، هو الانشغال بشيء آخر غير الحياة أو الموت. ج. كوكتو
○ لا أبحث عن البهجة ولا عن المرح. قلبي، بعد سنوات مرهقة من الحداد على الموتى، لم يعد يتقبّل المرح. ثم إن جدران قلعتي مهدَّمة والريح تهبّ باردةً عبر الأسوار والنوافذ المكسورة. أحبّ الظلال وأرغب في أن أكون لوحدي مع أفكاري. برام ستوكر
○ الترياق للغباء الجماعي ليس الذكاء فقط، بل الشجاعة في الاعتراف بأنك لا تعرف. سقراط كان أحد أوائل أبطال التفكير النقدي. قال مرّة: الحقيقة الوحيدة هي أن تعرف أنك لا تعرف شيئا". ولم يكن هذا انتقاصا من الذات، بل دعوة للبقاء فضوليّا ومتواضعا فكريّا ومستمرّا في السؤال، في مواجهة عالم غامض وواسع.
الجميع يريدون التحدّث، ولكنْ قليلون يريدون الاستماع. المفارقة هي أن المفكّرين الحقيقيين غالبا ما يكونون هادئين، لأنهم يعلمون أن الحكمة لا تنمو من الضوضاء ولكن من الصمت، من التأمّل. وهذا هو السبب بالتحديد وراء تفكير المفكّرين النقديين. وهؤلاء غالبا ما يهمَّشون ويُتجاهلون في ثقافة تكافئ السرعة. التفكير البطيء فرَصُه ضئيلة، لكن لا ينبغي التخلّي عنه. مارشال ماكلوهان
○ الأمان في الغالب خرافة، لا وجود له في الطبيعة. وتجنُّبه ليس أكثر أمانا على المدى البعيد من التعرّض المباشر له. الحياة إما مغامرة جريئة، أو لا شيء. هيلين كيلر
Credits
artic.edu
mauritshuis.nl
artic.edu
mauritshuis.nl