في عام 1962 أي في ذروة زمن المجاعة الكبرى في الصين، ولد في إحدى المقاطعات الريفية طفل موهوب لوالدين معدمين.
كانت أسرة تشاو يونغ ، وهذا هو اسم الصبي، تجاهد في تلك الظروف الصعبة من اجل أن تجد ما يسد رمقها، خاصة وقد اصبح ولاؤها مثارا لشكوك الحكم الجديد لان أحد أجدادها القدامى كان ينتمي لفئة الإقطاعيين وملاك الأراضي.
وبعد أن جاءت الثورة الثقافية إلى الصين تعاملت الحكومة مع العائلة بقسوة فاصبح أفرادها منبوذين ومنع عنهم الطعام وسحبت منهم أوراقهم الشخصية.
في ذلك الوقت، كان الطفل تشاو قد بلغ الخامسة من عمره، لكنه في تلك السن الغضّة كان يعمل في حمل الطوب في سلال ثقيلة كي يعين والديه ويجلب لهما بعض المال.
ومن خلال الرسم كان تشاو يجد بعض العزاء والسلوى، وما أن بلغ الحادية عشرة حتى أصبحت موهبته الفنية تحظى بالاعتراف والتقدير.
بعد تخرجه من الثانوية محققا أعلى الدرجات في خمس محافظات، رفضت الجامعة قبوله استنادا إلى خلفية عائلته الإقطاعية.
لكن تشاو لم ييأس. فبعد سنة توسط له أحد الأساتذة ودافع عنه وضغط على الجامعة لتقبله. وجاء قبوله مشروطا بان يتم فصله إذا ما بدر منه أي تصرف ولو بسيط قد يدل على إساءة السلوك.
ورغم انه ظل منبوذا فقد سجل تفوقا في دراسته واستطاع أن ينال درجة جامعية في الفنون وبامتياز. وفي سن الحادية والعشرين عزم تشاو على أن يهرب من أجواء القمع والتمييز فتطوّع أن يذهب إلى التيبت ليعمل مدرسا للفنون بجامعتها.
خلال السنوات السبع التي قضاها تشاو في التيبت تشبعت نفسه بأجواء الطبيعة الجميلة التي تتمتع بها تلك الأرض المنعزلة وتشرّب بأجواء الثقافة التيبتية المتميزة.
كان تشاو يقطع مئات الأميال على سفوح جبال الهمالايا المحاذية للتيبت لكي يستمتع ببعض نسمات الحرية في نيبال المجاورة، قبل أن يعود إلى التيبت من جديد.
وفي تلك الأثناء عكف تشاو يونغ على دراسة رسومات الكهوف والمعابد التيبتية القديمة لمدة عام كامل بصحبة حصان وكلب وبندقية صيد.
وفي ربيع 1989 أقام تشاو يونغ أول معرض فني لرسوماته في بيكين. وكانت لوحاته الأربعون بما تضمنته من مشاهد انفعالية عميقة بمثابة الصدمة لدوائر بكين الثقافية التي استيقظت فجأة على موهبة الشاب الذي لم يكن يعرفه أحد.
وحظي ذلك المعرض بتغطية صحفية مكثفة في الصين واليابان وفرنسا وكندا وغيرها. وتلقى الفنان الشاب دعوات من سفراء فرنسا واسبانيا والمكسيك وبوليفيا في بيكين يدعونه فيها لزيارة بلدانهم وعرض أعماله فيها.
لكن نجاح تشاو أزعج السلطات الصينية فقام رجال الأمن بالقبض عليه واقفل معرضه وصودرت بعض لوحاته فيما احرق البعض الآخر.
غير ان تشاو تمكن من الفرار مع خطيبته اليابانية وبدأ الاثنان رحلة هروب كبير محفوفة بالمخاطر دامت ثمانية أشهر. لكن بمساعدة السفارة اليابانية تمكن الاثنان من السفر إلى اليابان.
في اليابان واجه تشاو تحديا جديدا، وهو العيش في بلد ذي اقتصاد حر ومفتوح. ولكي يستمر في الرسم اضطر هناك إلى العمل كحفار للقبور! لكن سرعان ما بدأت موهبته في الذيوع فجذبت أعماله انتباه الأوساط الفنية في طوكيو.
وفي عام 1994 هاجر تشاو يونغ إلى الولايات المتحدة مدفوعا بالبحث عن التحدي والنجاح.
هناك أدرك أن لغته الفنية التي برع فيها في الماضي لم يعد بمقدورها أن توصل إلى الناس خبراته وانفعالاته الجديدة.
ورغم أن مجموعته التيبتية حظيت باحترام واعجاب كبيرين وبيع بعضها بمبالغ كبيرة في مزاد كريستي وغيره فقد رفض تشاو الاعتماد على نجاحاته السابقة أو تكرارها.
كان ذلك يعني بالنسبة له البدء من الصفر. هنا اندمج تشاو يونغ في تفاصيل الحياة الأمريكية يستلهم منها مواضيع جديدة للوحاته. وكانت مشاهد الطبيعة والشوارع والمطاعم والمنتزهات والمدن الصغيرة مادة لأعماله الجديدة.
وبعد ثلاث سنوات اصبح تشاو يونغ مثار اهتمام نقاد الفن في الولايات المتحدة والعالم من خلال أسلوبه الفني المتفرد، واصبحت لوحاته تجذب انتباه جمهور الفن الواسع بمواضيعها الأربعة: فينيسيا، والساحل الذهبي، والحدائق الرومانسية، وهاواي.
نقاد الفن التشكيلي الذين بهرهم أسلوب تشاو يونغ المتفرد وألوانه المترفة أطلقوا عليه لقب سيّد الرومانسية، ربما بسبب عناصر الجمال والمتعة والعاطفة التي يحرص يونغ على تمثـّلها وتجسيدها في أعماله الفنية البديعة.
:تنويه
تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .